تقارير وتحليلات

سياسات طائفية..

تقرير: كيف غير الإنقلابيون ثوبهم الطائفي في سبيل السلطة باليمن؟

الحوثيون في اليمن "أرشيفية"

طوال قرون سابقة تعايش الزيدية والشافعية، المذهبان الرئيسيان في اليمن، بسلام، إلا أنّ تحوُّل بدر الدين الحوثي من الفكر الزيديّ المعتدل إلى الجارودية أخلّ بهذه المعادلة، وأدى إلى تصاعد الفتنة الطائفية وظهور جماعة الحوثي، التي أوصلت البلاد إلى وضع غير مسبوق في تاريخها.


لقد فرّ الحوثيون من الطائفة الزيدية إلى الجارودية ومنها إلى الاثني عشرية، والبداية حين أقام علماء الزيدية نقاشات واسعة، وعلى رأسهم المرجع مجد الدين المؤيدي، حول شرط النسب الهاشميّ للإمامة وأنّه صار غير مقبول اليوم، وأنّ هذا كان لظروف تاريخية، والشعب يمكن له أن يختار مَن هو جديرٌ لحكمه دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين، إلا أنّ بدر الدين الحوثي اعترض بشدَّة؛ بل إنّه أصدر كتاباً بعنوان "الزيدية في اليمن"، شرح فيه أفكار الجارودية، وأوجه التقارب بينها وبين الاثني عشرية؛ ثم اضطر إلى الهجرة إلى طهران، واصطحب معه ابنه حسين، الذي سيؤسس جماعة الحوثي فيما بعد في منطقة صعدة والمناطق المحيطة العام 1997، بعد أن انشق عن حزب الحق، وكوَّن جماعة خاصة به، وكانت في البداية جماعة ثقافية دينية فكرية.

تحوُّل بدر الدين الحوثي من الفكر الزيدي المعتدل إلى الجارودية أدى إلى تصاعد الفتنة الطائفية باليمن

ووفق ما كتبه، الأمين العام السابق لمنتدى الشباب المؤمن، محمد يحيى سالم عزان، في كتابه "الخلافات الجلية للحوثي مع مذهب الزيدية"، فإنّ هذه الفرقة تُنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني الأعمى الكوفي (المتوفى العام 150هـ)، الذي كان يرى أنّ الصحابة، رضي الله عنهم، أخطأوا بتركهم بيعة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، لمخالفتهم النص الوارد عليه، كما يرى أنّ تعيين الإمام لا يكون إلا من الله تعالى، ليس بالتسمية ولكن بأوصاف لا تتوفر إلا فيه، وعلى الأمة أن تبحث عمن تتوافر فيه تلك الأوصاف وتتخذه ولي أمر مطاعاً في شؤون الدين والدنيا.

المذهب الزيدي الذي يُطلَق عليه "شيعة السنّة وسنّة الشيعة"، الإمامة لديهم ليست بالنص، وهي ليست وراثية بل تقوم على البيعة؛ بل ويجيز وجود أكثر من إمام في وقت واحد في قطرين مختلفين، ويقر خلافة أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، إلا أنّ الجارودية مختلفة نوعاً ما، وتتشابه مع الاثني عشرية في زكاة الخمس، وجواز التقية، وتفضيل الأحاديث الواردة عن آل البيت على غيرها، لذا فقد ناصرت إيران الحوثيين عقدياً، وكان لا يمكن استيعاب أنّ جماعة قليلة في إحدى المحافظات اليمنية الصغيرة يمكن أن تصمد هذه الفترة الطويلة دون مساعدة خارجية مستمرة، وعند تحليل الوضع كانت طهران هي التي تستفيد من ازدياد قوة التمرد الحوثي، فهي دولة اثنا عشرية تجتهد بكل وسيلة لنشر مذهبها.

التحول إلى إيران
لقد وجد حسين الحوثي فكرة "ولاية الفقيه"، التي أتى بها الخميني حلّاً مناسباً للصعود إلى الحكم حتى لو لم يكن من نسل السيدة فاطمة، رضي الله عنها، وهو ما ليس موجوداً في الفكر الزيدي، كما أنّ حياته في طهران مكّنته من طلب العون السياسي والاقتصادي والعسكري، وهذا ما يحصل منذ العام 2004 وحتى الآن، حين تحول تنظيم الشباب المؤمن، الذي أسسه الحوثي، إلى مرحلة التنظيم المسلح العلني، ومنذ شهر حزيران (يونيو) من العام 2004، تحوّل التنظيم، إلى ميليشيات عسكرية ذات بعد أيديولوجي.

ومنذ تصاعد نفوذ جماعة الحوثيين في اليمن العام 2011، بدأت تنتشر على نحو محدود داخل قاعات مغلقة مظاهر الندب واللطم وطقوس وعادات شيعية كتلك التي يمارسها أتباع المذهب الاثني عشري (الجعفري) في إيران والعراق.

وجد حسين الحوثي في فكرة "ولاية الفقيه" التي أتى بها الخميني حلّاً مناسباً للصعود إلى الحكم

وكثيراً ما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تسجيلية مصورة لشباب وأطفال يمارسون تلك الطقوس المذهبية غير المألوفة في اليمن.
وعلى مدى السنوات السابقة تصاعدت مظاهر احتفاء جماعة الحوثيين على نحو لافت بالمناسبات الدينية التي تحتفل بها الطائفة الشيعية الاثني عشرية، مثل؛ عيد الغدير الذي تسميه الجماعة يوم (الولاية) (18 ذي الحجة)، ويوم عاشوراء (10 محرم)، الذي يصادف يوم مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، في كربلاء، ومناسبة مولد النبي عليه السلام (12 ربيع الأول)، والذي أعلنته الجماعة يوم إجازة رسمية.

يقول أحمد محمد الدَّغشي، مؤلف كتاب "الحوثيون الظاهرة والتكوين"، إنّ الحوثيين طلبوا قبل ذلك وساطة المرجع الشيعي العراقي آية الله السيستاني، لتأكيد مذهبيَّة التمرد، هذا إضافة إلى أنّ الحكومة اليمنية آنذاك أعلنت عن مصادرتها لأسلحة كثيرة خاصة بالحوثيين، وهي إيرانية الصنع.
وقد دأبت الحكومة اليمنية على الحديث عن مساعدة إيران للحوثيين، وأنكرت الثانية المساعدة، وهي لعبة سياسية مفهومة، خاصة في ضوء عقيدة "التقية" الاثني عشرية.

سياسات طائفية
يقول الصحافي المختص بالشؤون الإيرانية علي رجب، في حديثه لـ"حفريات": "إنّ الحركة الحوثية الجارودية أصبحت قريبة جداً من الطائفة الاثني عشرية، ودأبت على نشر الفكر الإمامي بين أتباعها من جهة، وبين أوساط أهل السنّة من جهة أخرى، عبر عدة وسائل، منها: توزيع كتابات حسين الحوثي وغيره، التي تزخر بالتشيع وتمجيد الخميني على الطلاب والشباب، وإقامة ما يسمى بالشعائر الحسينية وطقوس عاشوراء واحتفالات يوم الغدير وغيرها، وبث اللطميات الشيعية، التي تعتبر غريبة عن الوسط اليمني الزيدي والسني، وإقامة دورات تعريفية ودعوية بالتشيع للشباب والشابات، ورفع وتعليق صور الخميني وخامنئي وحسن نصر الله وبشار الأسد، وشعارات التبجيل والتعظيم للتشيع في شوارع صنعاء وغيرها".

منذ تصاعد نفوذ الحوثيين بدأت تنتشر داخل قاعات مغلقة مظاهر الندب واللطم وطقوس وعادات شيعية

كما يؤكد الكاتب أسامة شحادة، في مقال صحافي، أنّ الحوثيين استعملوا المال في تشييع البعض، خاصة مع تفشي حالة الفقر والبطالة، واشتروا ولاء الوجهاء وشيوخ القبائل والأكاديميين من المنتفعين والمرتزقة، ليكونوا جسراً لنشر التشيع في المناطق السنّية.
ولم يكتفِ الحوثيون بذلك، وفق شحادة، بل استهدفوا المساجد ودور القرآن الكريم، وكان تدميرها سياسة وإستراتيجية ثابتة، ومن أوائل المساجد والمراكز التي دُمرت، مسجد ومركز دمّاج العام 2014، الذي أسسه الشيخ السلفي مقبل الوادعي.
وبحسب إحصائيات رابطة علماء اليمن قام الحوثيون بتفجير 29 مسجداً، دُمّرت بالكامل، فيما تعرض 24 مسجداً لأضرار بليغة جداً، وتهدمت أجزاء كبيرة من مبانيها، نتيجة استهدافها بالتفجير أو القصف بالدبابات والصواريخ، وبذات الأسلوب فجر الحوثيون 16 داراً للقرآن الكريم ومركزاً دينياً لعلوم الحديث، وذلك في العام 2017 وحده، وقاموا بتحويل أكثر من 300 مسجد في اليمن إلى ثكنات عسكرية ومستودعات للأسلحة، كما صرح بذلك وزير الأوقاف اليمني أحمد عطية.


ووفق شبكة "الراصد" المختصة في شؤون التشيع، فإنّ الانقلاب الحوثي لم يتوانَ عن إغلاق جميع مكاتب الصحف الحزبية والأهلية والمستقلة المخالِفة له في الرأي، بل أقدمت المليشيات التابعة له على نهب مكاتبها واعتقال محرريها والعاملين فيها، ومن هذه الصحف: الأهالي، أخبار اليوم، صحيفة المصدر، الصحوة، مأرب برس، الميثاق، كما هاجموا مقرات القنوات الفضائية التي لا تتماشى معهم مثل قنوات؛ سهيل ويمن شباب والرشد واليسر وآزال.

ونقل "الراصد" عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني تبديل الحوثيين المناهج لتتوافق مع أيديولوجيتهم الطائفية، ومن أمثلة ذلك إبدال اسم عمر باسم محمود حتى لو كان في دروس اللغة العربية، كما تم حذف اسم صلاح الدين الأيوبي، وتم إضافة صورة لزعيم الحوثيين حسين الحوثي في كتب مدرسية، كما شكّلوا لجاناً لتفتيش مكتبات المدارس ومصادرة كتب العقيدة الإسلامية التي تتعارض مع عقيدتهم الجارودية، وإجبار الطلاب في المدارس على ترديد الصرخة الحوثية، كما حدث في مدرسة النصر في بني أسعد التابعة لمدينة المحويت.
وفي تقرير نقلته صحيفة "الوطن" المصرية، فإنّ الحوثيين قدموا منحاً دراسية للطلاب في إيران والعراق من أجل تشييعهم، وعودتهم بعقيدة طائفة الاثني عشرية.

في هذا السياق، يقول الكاتب المختص في الشأن الإيراني، محمد شعت، في حديثه لـ"حفريات": "إنّ إيران تحتل اليمن، عن طريق نشر عقيدة "الاثني عشرية"، وهي تستغل الشعارات الدينية والسياسية في حشد الجماهير، وذلك عقب صلوات الجمعة، تحت شعار "آل البيت" ونصرتهم".
إنّ التدخل الخارجي الإيراني على نحو غير مسبوق باليمن، أصبح مظلة لبعض المتحوّلين إلى طهران، وأدى إلى أنّ الحركة التي أسسها حسين الحوثي، أو من هو على خطّه الفكري بعد رحيله، فرّت الآن من الزيدية، وتسير باليمن على نحو مسبوق إلى الاثني عشرية، مما ينبئ بعواقب أكثر سوداوية على مستقبل بلد لطالما تعايش أهله بعيداً عن التجاذبات الطائفية الوافدة على ثقافته المجتمعية.

التحالف الحوثي-الروسي: تجنيد مقاتلين يمنيين للقتال في جبهات أوكرانيا


تسييس الاستخبارات الأميركية: تهديد جديد للأمن القومي في عهد ترامب


حزب الله والحوثيون في صدارة المشهد: تداعيات الهجمات الإسرائيلية على المنطقة


18 مشروعًا عربيًا يتنافس على جائزة إيكروم-الشارقة... ولبنان في الصدارة