تقارير وتحليلات
مبادرات دون تفكير..
مهمة ولد الشيخ في اليمن تدخل مسار الروتين الإداري
قالت مصادر يمنية مطلعة لـ”العرب” إن جهود المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد باتت تنحصر في قضية التوصل إلى اتفاق بخصوص مصير ميناء الحديدة والتوافق على إدارة محايدة لتشغيله.
وأكّدت ذات المصادر وجود انتقادات حادّة داخل معسكر الشرعية لولد الشيخ، ومن ورائه الأمم المتّحدة، من زاوية أن طرحه للمبادرات دخل في سياق “الروتين الاداري” وبات الهدف منه مجرّد “رفع العتب” بما أنّ المنظّمة تلقي بمبادراتها دون تفكير في إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، ودون أدنى رغبة في اتباع الطرق القانونية لفرضها على الطرف الرافض لكلّ المبادرات والمعرقل لمسار السلام، وهو هنا الحوثيون وحيلفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وربطت المصادر بين توقيت تحركات المبعوث الأممي والمستجدّات في جبهات الحرب بالساحل الغربي والتي شهدت في الأيام الماضية تقدما لقوات الجيش اليمني المدعوم من التحالف العربي.
وبدا من خلال ذلك وكأنّ دور الأمم المتحدة انزاح نحو منع عملية عسكرية كبرى لاستعادة مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي من أيدي المتمرّدين، خوفا من النتائج المباشرة لتلك العملية، وفي المقابل دون تفكير في أن عدم الحسم يطيل أمد الحرب في اليمن ويضاعف من خسائرها.
وتمحورت إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن التي قدمها الأربعاء الماضي لمجلس الأمن الدولي حول ميناء الحديدة الذي قال إنّ القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليا تحاول التقدم باتجاهه عبر مديريتي ذوباب والمخا.
وكشف ولد الشيخ في إحاطته عن تمكنه من منع عملية عسكرية على الحديدة، معتبرا “أن امتداد القتال إلى المدينة، لو حصل، لأدى إلى خسائر لا تحصى في الأرواح والبنى التحتية وإلى منع دخول الأدوية والمواد الأساسية عبر ميناء المدينة”. كما حمّل ولد الشيخ الحوثيين مسؤولية توقف المفاوضات التي كانت جارية حول التوصل إلى تسوية للوضع في الحديدة.
وعن تفاصيل هذا الاتفاق قال ولد الشيخ إن “الحل المقترح يشتمل على ركائز أمنية واقتصادية وإنسانية تسمح باستغلال المرفأ لإدخال المواد الإنسانية والمنتجات التجارية على أن تستعمل الإيرادات الجمركية والضريبية لتمويل الرواتب والخدمات الأساسية بدل استغلالها للحرب أو للمنافع الشخصية” على أمل أن يشكّل اتفاق بهذا الاتجاه “الخطوة الأولى نحو وقف شامل للأعمال القتالية ومباشرة محادثات السلام”.
ويرى مراقبون أن تحركات ولد الشيخ تكشف إلى حد كبير عن تراجع سقف طموحاته في ما يتعلق بالتوصل إلى تسوية سياسية في اليمن، وهو ما يترافق مع رغبته في تحقيق أي إنجاز على صعيد التسوية حتى وإن كانت جزئية قبيل مغادرته المنصب. ويؤكد المحلل السياسي اليمني ياسر اليافعي في تصريح لـ”العرب” على أن ولد الشيخ يسعى لتحقيق إنجاز ما في الملف اليمني يحسب له، بعد تعثر كل الجهود السابقة، وهذه المرة عن طريق ملف الحديدة.
وعن فرص التقدم في مسودة الاتفاق حول الميناء التي يطرحها المبعوث الأممي، يلفت اليافعي إلى أن تفاصيل المبادرة لا يمكن أن تحقق نجاحا لأسباب كثيرة أهمها الجانب العسكري، إذ من غير المنطقي أن تستقر الحديدة في ظل تواجد أطراف الصراع بداخلها جنبا إلى جنب.
ويتوقع اليافعي أن تطبيق المبادرة على أرض الواقع سيكون صعبا للغاية في ظل اشتعال جبهات الساحل الغربي وتحقيق القوات المدعومة من التحالف العربي انتصارات مهمة.
وأبدت الحكومة اليمنية في وقت سابق موافقتها على مبادرة ولد الشيخ الخاصة بميناء الحديدة، غير أن نقطة الخلاف الأبرز والتي لم يكشف عنها المبعوث الدولي حتى اليوم تتمثل في الجهة التي ستؤول إليها مهمة الإشراف على الميناء.
وفي مايو الماضي كشف وزير الخارجية في الحكومة اليمنية عبدالملك المخلافي عن سعي الأمم المتحدة لكسر الجمود في المفاوضات اليمنية من خلال حل تدريجي يبدأ بتسليم الحوثيين الحديدة وميناءها للحكومة الشرعية وتجنيب المدينة أي آثار مترتبة على تحريرها بالقوة، فيما كشفت مصادر دبلوماسية عن اقتراح المبعوث الأممي تسليم الميناء للأمم المتحدة كحل وسط يمكن أن يحظى بموافقة الانقلابيين.
وفي المقابل عبر الحوثيون والرئيس السابق علي عبدالله صالح عن رفضهم لأي حوار يدور حول تسليم الحديدة لأي جهة معتبرين أن هذا الأمر لا يمكن القبول به، بينما يرى العديد من المراقبين أن الميناء هو الرئة الأخيرة التي يتنفس منها الانقلابيون عقب سيطرة التحالف العربي على معظم موانئ الساحل الغربي.
ومن جهته يصف الكاتب والسياسي اليمني علي البخيتي مقترحات ولد الشيخ بخصوص ميناء الحديدة بالبناءة وقد تشكل أرضية لتسوية شاملة، إذا ما نجح الأمر في الحديدة. لأن تلك المقترحات ستشكل اختبارا لنوايا مختلف الأطراف.
ويلفت البخيتي إلى أن تلك المقترحات قد تفضي إلى آلية لإيجاد مصادر تمويل لصرف مرتبات الموظفين في عموم المحافظات اليمنية، وقد تفتح المجال مجددا أمام تدفق المساعدات الدولية.