تقارير وتحليلات
"تفاصيل عن أساليب التعذيب الأمريكي في العراق"..
تقرير: ألفريدا شور.. كيف أصبح التعذيب جزءا من الحياة الأمريكية؟
في فيلم هوليوود الشهير (زيرو دارك ثيرتي) “بعد حلول الظلام” عام 2012، تسافر محللة ذات شعر أحمر في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جسّدت دورها الممثلة جيسيكا تشاستين إلى سجن سري تابع للمخابرات الأمريكية لتشاهد زميلا لها يعذب مشتبها به من تنظيم القاعدة بإيهامه بالغرق، ثم يحبسه في صندوق أكبر قليلا من براد صغير (ثلاجة) لجعله يتحدث.
وفي عام 2002، سافرت محللة المخابرات الأمريكية ذات الشعر الأحمر ألفريدا شور، التي كانت تُعرف حينها باسمها قبل الزواج بيكوسكي، إلى سجن سري تابع للمخابرات الأمريكية لمشاهدة تعذيب أبو زبيدة المشتبه في انتمائه لتنظيم القاعدة، والذي يتم إيهامه بالغرق وحبسه في “صندوق كلاب“، وفقا لما ذكره محققون تابعون لمجلس الشيوخ.
ومنحت المخابرات الأمريكية صانعي الفيلم تصريحا غير مسبوق بالتواصل مع مسؤولي الوكالة، وأفادت وسائل الإعلام من إن.بي.سي نيوز إلى صحيفة نيويوركر أن شخصية تشاستين كانت تحاكي جزئيا شور، حيث استشهدت بمنصبها لكن حذفت اسمها لأن الوكالة قالت إن عملها سري.
وعلى مدى عقدين من الزمن، كانت شور شخصية محورية في بعض المسائل المثيرة للجدل في حرب أمريكا على الجماعات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك مراكز الاعتقال السرية وأساليب الاستجواب الوحشية. وعادة ما يعمل عملاء المخابرات الأمريكية في عالم مظلم، لكن تجارب شور تسلطت عليها الأضواء.
وتركت شور منصبها الأخير كنائبة لرئيس إدارة تهديدات الأمن الوطني والتهديدات الاستراتيجية في أواخر عام 2021 ووافقت على التحدث إلى رويترز هذا العام.
وقالت إنها أول مقابلة تجريها على الإطلاق، وقررت التحدث لتوضح أنها لم تُجبر على ترك الوكالة ولكنها غادرت بشروطها الخاصة. وطبقا لسياستها، لا تناقش المخابرات الأمريكية الأمور الخاصة بموظفيها أو تؤكد ما إذا كانوا يعملون لديها.
وخلال عدة اتصالات هاتفية استمرت ساعتين ونصف الساعة، قالت شور إنها لا تستطيع مناقشة حالات فردية لأنها سرية. لكن بشكل عام، قالت إن الإيهام بالغرق الذي ورد ذكره في تقارير حكومية ليس تعذيبا، وأصرت على أن مثل هذه الأساليب يمكن أن تنجح وقالت إن أي انتقاد لها كان إلى حد كبير نتيجة المخاطرات التي قامت بها من أجل مكافحة الإرهاب
وقالت في إشارة إلى انتقاد وكالتها في التقارير الحكومية والإعلامية “لقد أصبحت ملطخة بالدماء. أنا فخورة بأنني لم أكن على الهامش. لم أدفن رأسي في الرمال”.
وأطلقت صحيفة نيويوركر ذات مرة على شور، مستشهدة مرة أخرى بمنصبها مع حذف اسمها، لقب “ملكة التعذيب“، وقالت إنها “شاركت بسعادة في جلسات التعذيب”.
ووصفت شور هذا اللقب، الذي وجد طريقه إلى العديد من التقارير الإعلامية، بأنه كاذب وهزلي. وتعتقد أن أي عميل ذكر لم يكن ليُوصف بالطريقة نفسها.
وقالت “لقد حصلت على هذا اللقب لأنني كنت في الحلبة. في الواقع، لقد رفعت يدي بصوت عال وبفخر، ولست نادمة على ذلك مطلقا”.
ولا يزعم تحقيق مجلس الشيوخ أن شور عذبت بصورة شخصية أي مشتبه بهم. وقالت إن دورها كان “خبيرة في الموضوع” وليس محققة.
وقالت “هناك خط واضح للغاية بين محقق ومستخلص المعلومات. مستخلص المعلومات هو خبير في الموضوع يطرح أسئلة”.
ورفضت سوزان ميلر المتحدثة باسم المخابرات الأمريكية التعليق على تصريحات شور، لكنها قالت ببساطة “انتهى استخدام وكالة المخابرات المركزية لتقنيات الاستجواب المعزز في عام 2007″.
والآن، بعد خروجها من المخابرات الأمريكية، اتخذت مسيرة شور المهنية مسارا آخر، فقد أصبحت “مدربة حياة” وتدير عملا تجاريا يركز على مساعدة النساء “على الظهور بمظهر جميل والشعور بالرضا والقيام بعمل جيد”.
وتخلصت شور في هذا العالم من حياتها السابقة، ويعرض موقع عملها التجاري على الإنترنت صورا لها وهي يبدو عليها الثقة والتأمل.
وكتبت على الموقع “أعرف شعور مغادرة منطقة الراحة الخاصة بك لتجربة شيء جديد. لقد أنهيت أكثر من ثلاثة عقود من العمل الوظيفي كمسؤولة حكومية كبيرة تقود فرقا، معظمها من الإناث، مكلفة بمهام لا يمكن أن تفشل، مع تحمل مخاطر وحتى اتخاذ قرارات مصيرية. لقد أحببت كل دقيقة في ذلك”.
* “أشباح الليل”
تقول شور إنها حصلت على وظيفتها في المخابرات الأمريكية عندما كانت طالبة دراسات عليا في كلية فليتشر بجامعة تافت في عام 1988 من قبل ضابط المخابرات المتوفى الآن دوان “ديوي” كلاريدج، الذي أسس مركز مكافحة الإرهاب التابع للوكالة. واتُهم كلاريدج بالحنث باليمين بشأن شهادته حول قضية إيران-كونترا. وتم العفو عنه من قبل الرئيس جورج دبليو بوش قبل المحاكمة.
وفي مقابلة عمل أجرتها عبر الهاتف، قالت شور “سألني ما الذي كنت أفكر فيه ولماذا أريد أن أعمل في المركز“، وهو الاسم المستعار الذي يستخدم داخليا لوكالة المخابرات الأمريكية.
وردت شور قائلة “كنت أؤمن بوجود أشباح الليل وأردت أن أفعل شيئا حيال ذلك. لقد ضحك نوعا ما وبدا راضيا عن ذلك”.
وأضافت أنها كانت تقصد الشر بقولها “أشباح الليل” وأنه “يمكن أن يسود إذا لم يفعل الطيبون شيئا حيال ذلك”.
وقالت إنها بدأت كمتدربة في الصيف في المخابرات الأمريكية، ثم في عام 1990 أصبحت موظفة. وقالت شور إن في بداية عملها كان تركيزها منصبا على الجماعات التي ترعاها الدولة مثل حزب الله.
لكن تركيزها تحول نحو أشياء أخرى. ففي عام 1996، أنشأت المخابرات الأمريكية وحدة لاستهداف أسامة بن لادن على وجه التحديد، الذي كان يبرز كظاهرة جديدة في التطرف. ويُعتقد أن الشخصية الرئيسية في فيلم (زيرو دارك ثيرتي) تستند إلى مزيج من عملاء المخابرات الأمريكية، ومن بينهم شور، على الرغم من أنها لم تلعب دورا محوريا في تعقب بن لادن.
وأطلق على الوحدة الجديدة اسم “محطة أليك“، برئاسة محلل في المخابرات الأمريكية يدعى مايكل شور. وأبلغت رويترز بأنها انضمت إلى محطة أليك في عام 1999 بعد أن ترك مايكل شور رئاستها. وتزوجا عام 2014 وحصلت على اسمه.
وتبنى مايكل شور في السنوات الأخيرة نظريات المؤامرة، ودعا الرئيس آنذاك دونالد ترامب إلى فرض الأحكام العرفية بعد أن خسر الانتخابات. وقال إن نظرية المؤامرة التي تقول إن ترامب كان يحارب مغتصبي الأطفال بين الديمقراطيين وهوليوود و“الدولة العميقة” كانت في كثير من الأحيان صحيحة. ورفض مايكل شور طلبا لإجراء مقابلة معه وقال لرويترز “هذا العرض خاص بها. لن أشارك”.
ولم تكشف شور ما إذا كانت تتفق مع أفكار زوجها لكنها قالت إنها تناقشه في بعض القضايا.
ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، كانت شور في خضم معركة الاستخبارات مع تنامي تهديد تنظيم القاعدة وتخطيط أعضائه لاختطاف طائرات ركاب أمريكية وضرب مركز التجارة العالمي.
وكان من المفترض أن تعمل المخابرات الأمريكية ومكتب التحقيقات الاتحادي معا لمحاربة القاعدة، لكن التعاون كان مليئا بسوء التواصل والأخطاء، حسبما أفادت تقارير حكومية. وخلصت تحقيقات اتحادية إلى أن التنسيق بطريقة أفضل كان يمكن أن يساعد الولايات المتحدة في تحديد أو استجواب الإرهابيين المحتملين قبل 11 سبتمبر أيلول.
وبعد انضمامها إلى محطة أليك، ترقت شور إلى منصب نائب الرئيس ثم إلى منصب رئيسة الوحدة.
وقال تقرير المفتش العام للمخابرات الأمريكية في عام 2005 إن الوكالة “فشلت في تمرير معلومات السفر” حول مهاجمي القاعدة إلى مكتب التحقيقات الاتحادي قبل 11 سبتمبر أيلول. وقال روبرت مولر مدير مكتب التحقيقات الاتحادي في ذلك الوقت إن “الجدران الثقافية، الحقيقية والمتصورة، استمرت في إعاقة التنسيق” بين مكتب التحقيقات الاتحادي ووكالة المخابرات الأمريكية.
وتقول شور إن المخابرات الأمريكية كانت على خطأ لكنها شككت بدلا من ذلك في أولويات مكتب التحقيقات الاتحادي. وقالت “كان مكتب التحقيقات الاتحادي يركز بشدة على بناء قضية قانونية وليس محاولة منع هجوم”.
وانتقد مارك روسيني، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الاتحادي وعمل مع المخابرات الأمريكية في ذلك الوقت، هذا الافتراض. وقال “إنها مخطئة تماما. يا لها من من أكاذيب مهينة”.
* “واجب مقدس”
في 11 سبتمبر أيلول 2001، قاد خاطفون من تنظيم القاعدة أربع طائرات للاصطدام بمركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) وحقل في ولاية بنسلفانيا. وبعد فترة وجيزة، ضغطت المخابرات الأمريكية من أجل إنشاء برنامج “استجواب معزز” أبدل بسرعة الطريقة التي جمعت بها الولايات المتحدة المعلومات الاستخباراتية وسمح بالتعذيب وبناء شبكة من السجون السرية في تايلاند وبولندا وليتوانيا.
وتم الكشف عن بعض تفاصيل تصرفات المخابرات الأمريكية في تحقيق لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ عام 2014 وفي قضايا بالمحاكم. ويستشهد تقرير مجلس الشيوخ بشور أكثر من 20 مرة فيما يتعلق بفعالية تقنيات “الاستجواب المعزز“، على الرغم من حذف اسمها والإشارة إليها باسم “نائب رئيس محطة أليك”.
وكان أبو زبيدة أول من يُسمح بتعذيبه رسميا، بعدما أُلقي القبض عليه في أفغانستان عام 2002 وكان يشتبه بالخطأ في ذلك الوقت في أنه شخصية رئيسية في القاعدة. وسافرت شور إلى الموقع السري التابع للمخابرات الأمريكية في تايلاند، والمشار إليه في تقرير مجلس الشيوخ باسم “موقع الاحتجاز الأخضر“، لمشاهدة أبو زبيدة.
وقال المحققون في الموقع إنهم اعتقدوا أن أبو زبيدة لم يعد لديه معلومات استخباراتية أخرى ليشاركها. ولكن بما أن المقر الرئيسي أراد مواصلة الاستجواب، وصلت شور ومسؤول قانوني “لمراقبة استخدام تقنيات الاستجواب المعززة للمخابرات الأمريكية”.
وقالت شور “لن أخوض في تفاصيل ما رأيته“، لكنها أضافت “لقد اعتبرنا أن الوصول إلى الحقيقة واجب مقدس لإنقاذ أرواح أخرى. كل من رأيته تصرف بمنتهى الاحترافية. هذا لا يعني أنني استمتعت بأي شيء”.
وخلص تقرير مجلس الشيوخ إلى أن أبو زبيدة تعرض لمدة 20 يوما “لأساليب استجواب معززة على مدار 24 ساعة تقريبا في اليوم”.
وكان يتعرض للإيهام بالغرق من مرتين إلى أربع مرات يوميا، ويظل عاريا تقريبا ويوضع في صندوق أكبر يشبه التابوت أو في “صندوق كلاب” أصغر.
وبعد 20 عاما ما زال أبو زبيدة، الذي لم توجه إليه مطلقا أي اتهامات، محتجزا في معتقل خليج جوانتانامو. وقال جوزيف مارجوليس، أحد محامي أبو زبيدة، إن قواعد السرية تمنعه من مناقشة ما إذا كان موكله يتذكر شور. وأبلغ رويترز “هكذا أصبح التعذيب راسخا. هكذا أصبح التعذيب جزءا من الحياة الأمريكية”.
وقال محققو مجلس الشيوخ أيضا إن شور سافرت إلى موقع سري آخر في بولندا لاستجواب خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر أيلول، في أثناء تعرضه للتعذيب. وتعرض للإيهام بالغرق 183 مرة.
ويقول محققو مجلس الشيوخ إن شور استجوبت محمد خلال جلسة تعذيب مكثفة، بعد أن أرسلت رسالة بالبريد الإلكتروني لتقول “سيكره الحياة بسبب ذلك”.
ولم تتمكن رويترز من تحديد هوية من راسلته شور عبر البريد الإلكتروني. وقال محققون إنها أخطأت في قراءة معلومات استخباراتية من محتجز آخر عن المسلمين الأمريكيين السود في أفغانستان وسألت محمد عن ادعاء لم يصرح به أحد، وهو أنه يخطط لتجنيد أمريكيين سود في الولايات المتحدة لشن هجوم. وقال التقرير إن محمد بدا أنه اختلق مثل هذه المؤامرة وهو تحت التعذيب.
وقالت شور إنها لم تقدم ادعاءات غير دقيقة. وأضافت “كانت المعلومات الاستخباراتية التي حصلنا عليها جيدة بشكل استثنائي”.
وتابعت “كل شيء تم بهدف واضح للحصول على المعلومات الاستخباراتية التي نحتاجها لإحباط الهجوم التالي والعثور على بقية الشبكة، قولا واحدا”.
وبرز اسم شور للجمهور عام 2005 بعد “التسليم الاستثنائي” لخالد المصري، وهو رجل بريء. والتسليم الاستثنائي هو المصطلح المستخدم لوصف القبض على المشتبه بهم وسجنهم ونقلهم إلى دول أخرى بدون أوامر ضبط أو تسليم أو محاكم.
وكان المصري مواطنا ألمانيا يشبه اسمه الاسم الحركي لأحد المشتبه في ضلوعهم في أحداث 11 سبتمبر أيلول. ونقلته المخابرات الأمريكية بالطائرة من البلقان إلى كابول وعزلته عن العالم الخارجي في زنزانة صغيرة بها دلو لقضاء حاجته لأربعة أشهر، في سجن يسمى “حفرة الملح”. وخلص محققون حكوميون إلى أنه كان من الواضح طيلة الوقت أنه الرجل الخطأ
وقال مسؤولون وتقارير للمخابرات الأمريكية إن شور ضغطت من أجل سجن المصري. وذكر تقرير لمجلس الشيوخ أنها لم تخضع لأي إجراءات تأديبية رغم أنها دافعت بشدة عن اعتقاله. وخلص تقرير لمحققي المخابرات الأمريكية إلى أن محطة أليك “بالغت في طبيعة البيانات” التي تربطه بالإرهاب.
وقالت شور إنها لا تريد إنكار الواقعة، لكنها أضافت “أريد فقط أن أقول إنني لست نادمة على ذلك”.
وبعد هذه القضية، بدأت الصحافة في الكتابة عنها، بما في ذلك قصة في صحيفة واشنطن بوست عام 2005 وصفتها بأنها “صاحبة شعر له نهايات مدببة يتناسب مع شخصيتها الاستفزازية”.
وقالت شور “كانت هناك بالتأكيد مجموعة من المتمسكين بالتقاليد القديمة… الذين استاءوا مني”.
--------------------------------------
المصدر| وكالة رويترز للانباء