الاقتصاد
الأزمة الروسية الأوكرانية..
خارطة طريق.. هل تنجح في مواجهة أزمة انقطاع الغاز الروسي؟
اتفق قادة الاتحاد الأوروبي ليل الخميس - الجمعة على "خارطة طريق" تهدف إلى وضع إجراءات في الأسابيع المقبلة لوقف ارتفاع أسعار الطاقة، وسط مخاوف من تداعيات قرار روسيا إيقاف إمدادات الغاز مع اقتراب فصل الشتاء.
وعلى الرغم من أن الكتلة الأوروبية أرادت إثر المفاوضات الشاقة أن تظهر بمظهر الجبهة الموحدة، إلا أن الكثير من النقاط لا يزال يتعين حسمها، وستكون المفاوضات في الأسابيع المقبلة صعبة.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين "لدينا الآن خارطة طريق جيدة جدا"، بينما تحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل عن "الاتفاق على حزمة من الإجراءات" التي يجب الآن "التعامل معها بدقة".
وكتب ميشيل على تويتر "الوحدة والتضامن يسودان. اتفاق على العمل على تدابير لاحتواء أسعار الطاقة للمنازل والشركات"، دون أن يخوض في المزيد من التفاصيل.
لكن المستشار الألماني أولاف شولتس أوضح أن وزراء الطاقة إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على نسخة نهائية، فستكون هناك حاجة إلى قمة جديدة لرؤساء الدول.
وبحسب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يمكن تنفيذ الآليات المتوخاة "في نهاية أكتوبر أو بداية نوفمبر". وقال إن القادة "أرسلوا إشارة واضحة جدا إلى الأسواق بشأن تصميمهم ووحدتهم".
وبحسب الخلاصات التي صدرت في نهاية الاجتماع، يطلب رؤساء الدول والحكومات من المفوضية أن تقدم لهم "على وجه السرعة قرارات ملموسة" بشأن مجموعة من الإجراءات لكبح أسعار الغاز المتقلبة.
واتفقت الدول السبع والعشرون على تعزيز المشتريات المشتركة للغاز على مستوى الاتحاد الأوروبي ودعت هذه الدول أيضا إلى "تسريع مفاوضاتها" مع الدول المنتجة "الموثوقة" مثل النرويج والولايات المتحدة، من أجل "الاستفادة من الثقل الاقتصادي" للاتحاد الأوروبي.
ويجتمع قادة الاتحاد الأوروبي الخميس والجمعة في بروكسل في محاولة لتجاوز انقساماتهم والتوصل إلى استجابة مشتركة للارتفاع الهائل في أسعار الطاقة، على خلفية توتر فرنسي - ألماني.
وتسببت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا في صدمة على صعيد أسعار النفط والغاز والكهرباء. لكن
أوروبا تتحرك ببطء منذ فبراير بسبب المصالح المتعارضة أحيانا للدول الأعضاء، إلا أن الوضع يتطلب تحركا سريعا.
وأكد رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو خلال الأسبوع الجاري أن هذه القمة هي "الأهم منذ فترة طويلة". وقال إنه إذا لم يؤد ذلك إلى "إشارة سياسية واضحة بأن لدينا الإرادة للتوقف عن تحمل أسعار الغاز المرتفعة"، فسيشكل هذا "فشلا لأوروبا".
وتخشى الآلاف من الشركات الأوروبية على بقائها بسبب المنافسة من جانب الولايات المتحدة وآسيا، حيث ظلت الأسعار أقل ارتفاعا. وفي ألمانيا وفرنسا ضمت تظاهرات الآلاف من الأشخاص احتجاجا على غلاء المعيشة وعقد لقاء بين ماكرون وشولتس بعيد ظهر الخميس لمحاولة تسوية خلافاتهما قبل بدء الاجتماع مباشرة.
وأكد ماكرون عند وصوله إلى بروكسل "أتمنى دائما الحفاظ على الوحدة الأوروبية وعلى الصداقة والتحالف بين ألمانيا وفرنسا أيضا"، مشددا على أن "لدينا الكثير من العمل أمامنا".
وأضاف أن "كلا منا يعمل على المستوى الوطني وأعتقد أنه من الأفضل دائما التشاور والتنسيق". وتابع الرئيس الفرنسي "لطالما اعتبرت أن واجبي هو أن أفعل كل شيء حتى نجد مسارات اتفاق بين ألمانيا وفرنسا، ما يجعل من الممكن بعد ذلك بناء اتفاقات أوروبية".
وتوقع دبلوماسيون عدة أن تكون المناقشات طويلة بين قادة الدول والحكومات وانتقدت وزيرة الانتقال البيئي في إسبانيا تيريسا ريبيرا صراحة عمل المفوضية الأوروبية، في مقابلة مع وكالة فرانس برس. وقالت إن "الاقتراحات لا تزال خجولة بعض الشيء، ولا نزال نفتقر إلى إجراءات ملموسة لغالبية المسائل".
وأضافت أن "جهدا فعليا بذل منذ سنة، لكن من المؤسف جدا أن نرى إلى أي درجة استجابت أوروبا للتحدي الذي نواجهه، بطيئة".
وخلال قمة براغ الأخيرة في أكتوبر، حمل قادة عدة على رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. واتهمها رئيس الحكومة البولندي ماتيوش كورافيتشي خصوصا بتمثيل المصالح الألمانية.
وقال الإيطالي ماريو دراغي، وفق تصريحات نقلت إلى وكالة فرانس برس، إن "سبعة أشهر من التأخر تسبب لنا ركودا".
لكن رئيسة المفوضية الأوروبية تواجه انقسامات بين الدول السبع والعشرين التي تعتمد مزيجا مختلفا من مصادر الطاقة. فبعضها يعتمد على النووي وأخرى على الغاز أو حتى الفحم لإنتاج الكهرباء.
وتنقسم هذه الدول أيضا حول مسألة تحديد سقف لسعر الغاز المستخدم لإنتاج الكهرباء. وتطبق آلية كهذه في إسبانيا والبرتغال حيث سمحت بتراجع الأسعار وتطالب دول عدة مثل فرنسا بتوسيع هذه الآلية "الأيبيرية" لتصبح على مستوى الاتحاد الأوروبي.
لكن ألمانيا تعارض ذلك، فضلا عن دول شمالية عدة، من بينها الدنمارك وهولندا المتحفظة على تدخل السلطات بالأسواق. وترى برلين أن تخفيض الأسعار اصطناعيا يضر بهدف الاقتصاد في استخدام الطاقة ويدفع إلى المزيد من الاستهلاك.
وقال شولتس الخميس إن وضع سقف لأسعار الغاز لا يمكن أن ينجح إلا من خلال تعاون وثيق مع شركاء من خارج الاتحاد الأوروبي مثل كوريا الجنوبية واليابان.
وأضاف في حديث أمام النواب قبل بدء قمة الاتحاد الأوروبي أن وضع سقف الأسعار "يحمل مخاطر بقيام المنتجين ببيع غازهم في مكان آخر، وسينتهي بنا الأمر نحن الأوروبيين مع كمية أقل من الغاز بدلا من المزيد منها".
وتطالب مسودة نتائج القمة المفوضية بإعداد اقتراح حول هذه الآلية.
وقالت فون دير لاين الأربعاء إن "النمط الأيبيري يستحق أن يُدرس. لا تزال بعض المسائل عالقة، لكني لا أريد إهمال أي احتمال".
وأكدت تيريسا ريبيرا "من المهم المضي قدما بسرعة أكبر على هذا الصعيد. ينبغي أن لا نطلب الشيء أربع مرات من المفوضية للحصول على اقتراح".
وفضلت فون دير لاين خلال الأسبوع الحالي اقتراحات أخرى، من بينها تنظيم شراء الغاز بشكل مشترك وقواعد جديدة، في محاولة لفرض تقاسم الغاز في أوروبا لمساعدة الدول التي تواجه صعوبات أو إصلاح مؤشر السوق الغازية (بورصة الغاز الأوروبية) التي تستخدم مرجعا في التعاملات.
وقال دبلوماسي أوروبي "ثمة تقدم، لكن من دون حصول اختراق كبير. الأولوليات مختلفة. ألمانيا تفضل أمن الإمدادات لأنها قادرة على تحمل أسعار مرتفعة، لكن الكثير من الدول لا يمكنها مواجهة الكلفة".
ويسعى قادة التكتل إلى تجاوز الانقسامات بشأن كيفية مواجهة أزمة الطاقة في أوروبا ووضع حد لخلافات استمرت أسابيع بشأن تحديد سقف لأسعار الغاز، وفشلت اجتماعات عدة عقدها وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي في كسر الجمود.
ووضع حد أقصى لأسعار الغاز هو واحد من بين مجموعة من المقترحات والمبادرات المقدمة من الدول الأوروبية للتعايش مع انخفاض إمدادات الغاز من روسيا، التي كانت توفر 40 بالمئة من احتياجات أوروبا، فضلا عن الارتفاع الهائل للأسعار، ورغم تراجع أسعار الغاز عن ذروتها للعام الجاري، فإنها لا تزال أعلى بأكثر من مئتين بالمئة مقارنة بما كانت عليه في بداية سبتمبر من العام الماضي.
وتحت ضغط من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تشعر بالقلق مع اقتراب الشتاء، أوضحت المفوضية الأوروبية، الثلاثاء، أنها ستقدم تفاصيل مقترحاتها الرامية للسيطرة على أسعار الطاقة من خلال التعامل مع عدم استقرار الأسعار في سوق الغاز:
• إصلاح مؤشر سوق الغاز "تي تي إف" الذي يعتبره المشغلون الأوروبيون معيارا مرجعيا للمعاملات، واستبداله في غضون 6 أشهر بمؤشر بديل يكون أكثر تمثيلا للإمدادات الحقيقية.
• حتى ذلك الحين، توصي بروكسل "بآلية مؤقتة" لتصحيح أسعار الغاز.
• تريد بروكسل إجبار الدول الأعضاء على الموافقة على إجراء عمليات شراء مشتركة من الغاز على مستوى الاتحاد الأوروبي للموسم المقبل لملء المخزونات، وذلك من أجل الحصول على أسعار أفضل من الموردين "الموثوق بهم"، مثل النرويج والولايات المتحدة، ومنع دول الكتلة من التنافس.
• اقتراح إطار تضامني معزز للبلدان المعرضة لخطر النقص في الإمدادات، وأدوات إضافية لخفض استهلاك الغاز، كما دعت ألمانيا وهولندا إلى "أهداف أكثر طموحا وإلزاما".
المحلل الاقتصادي، جورج آدموند، قال إن أزمة الطاقة ستتصدر مناقشات القادة الأوروبيين الذين يشعرون بالقلق مع اقتراب الشتاء وكذلك تصاعد الاحتجاجات في بلادهم جراء ارتفاع الأسعار.
وأضاف آدموند لموقع "سكاي نيوز": "سيقوم قادة الاتحاد الأوروبي بتقييم حالة أسعار الطاقة وأمن العرض، بما في ذلك إجراءات تحسين السوق والتقدم في خفض الطلب، كما أنهم سيبحثون أي إجراءات أخرى يتعين اتخاذها من أجل ضبط الأسعار".
وأكمل: "من غير المرجح أن ترضي حزمة الاتحاد الأوروبي جميع دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، حثت معظم دول الاتحاد الأوروبي المفوضية على اقتراح حد أقصى لسعر الغاز على وجه السرعة، لكنها اختلفت بشأن تصميمه، هناك دول من بينها ألمانيا وهولندا حذرت من أن وضع سقف لأسعار الغاز قد يأتي بنتائج عكسية إذا تركت دول الاتحاد الأوروبي تكافح لجذب الإمدادات من الأسواق العالمية خلال فصل الشتاء مع ندرة الوقود الروسي".
وأشار إلى أن هناك 3 ملفات أخرى على طاولة قادة الاتحاد الأوروبي هي التطورات المتعلقة بالعدوان الروسي على أوكرانيا، بما في ذلك تداعياتها في أوكرانيا وسبل دعم الاتحاد الأوروبي لكييف، ومناقشة استراتيجية التكتل تجاه الصين والاستعداد للقمة القادمة بين الاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا المقرر عقدها في ديسمبر المقبل.
ووفق آدموند سيناقش المشاركون مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ المقرر عقده في مصر (COP27) والتحضيرات للمؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ الذي سيعقد في مونتريال ديسمبر القادم.