تحليلات
الاحتجاجات الإيرانية..
الرئيس الإيراني یتعهد «عدم الرحمة» وطهران تبحث عن «تنازلات سيادية» في سوريا
الرئيس الإيراني يلقي خطابا خلال مناسبة حكومية في طهران
تضغط طهران على دمشق للحصول على «تنازلات سيادية» واتفاقات تتضمَّن امتيازات للإيرانيين وشروطاً قاسية، مقابل المساهمة في حل الأزمة الاقتصادية الخانقة في سوريا.
وقال دبلوماسيون غربيون إنَّ طهران فاجأت دمشق خلال الإعداد لزيارة الرئيس إبراهيم رئيسي التي كان موعدها الأولي أمس (الثلاثاء)، بتقديم مسودات اتفاقات، بينها واحدة تتضمن أن يعامل الإيرانيون في المستشفيات، والمؤسسات العلمية، وحقوق الملكية وغير ذلك، كما يعامل السوريون؛ وأنَّه في حال ارتكبوا جريمة فإنَّهم يحاكمون أمام القضاء الإيراني وليس القضاء السوري.
وهذه المسودة مشابهة للاتفاقية التي وقعت بين دمشق وموسكو نهاية 2015 إزاء تأسيس قواعد عسكرية في حميميم وطرطوس، التي أعطيت امتيازات عسكرية وملكية ودبلوماسية واسعة للروس وعدم محاكمتهم أمام القضاء السوري.
وكانت طهران وعدت الرئيس السوري بشار الأسد لدى زيارته طهران في مايو (أيار) الماضي، بإرسال ثلاث سفن تتضمن نفطاً خاماً ومشتقات نفطية إلى سوريا. كما أنَّها كرَّرت وعودها خلال زيارة وزير الخارجية فيصل المقداد في يوليو (تموز) الماضي، لكن لم تنفذ هذه الوعود بعد في إطار الضغوط على دمشق.
وقال مصدر دبلوماسي: «الأزمة الاقتصادية السورية هي الأسوأ على الإطلاق منذ عقد، وإيران تريد الإفادة من ذلك بالحصول على تنازلات سيادية كبيرة في أوج حاجة دمشق لها حالياً، وانشغال روسيا بحرب أوكرانيا، وتثبيت نفوذها لأمد طويل أمام تصاعد الضغط العسكري الإسرائيلي في سوريا».
وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الثلاثاء، إن بلاده لن ترحم «المعادين» للنظام. في إشارة إلى الحراك الاحتجاجي الذي عصف بإيران على مدى 100 يوم منذ وفاة الشابة مهسا أميني في ظروف غامضة أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق بدعوى «سوء الحجاب»، في وقت حذرت منظمة حقوقية بارزة من أن 100 شخص على الأقل يواجهون حكم الإعدام بسبب الأحداث التي هزت البلاد من نزول الإيرانيين في المسيرات المناهضة للنظام.
وقال رئيسي، في خطاب أمام حشد من أنصار النظام، إن «الأحداث الأخيرة كانت حرب الأحزاب، كل التيارات الاستكبارية أتت إلى الميدان بكل قوتها... المنافقون، المؤيدون للملكية، وكل التيارات المعادية للثورة، وكل الذين تضرروا من هذه الثورة، كانوا ضالعين» في الأحداث.
وأتت تصريحاته، خلال مراسم تشييع، قالت السلطات إنها لرفات 200 جندي قضوا خلال الحرب الإيرانية - العراقية في ثمانينات القرن الماضي.
ومن مكبرات الصوت، ردد أحد المنظمين شعار «الموت لأعداء ولاية الفقيه والموت للمنافق»، في إشارة مباشرة إلى المشاركين في الاحتجاجات.
وذكرت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا) أن 507 محتجين قُتلوا في الاضطرابات، بينهم 69 قاصراً. وأضافت أن 66 فرداً من قوات الأمن قُتلوا أيضاً.
وقالت منظمة حقوق الإنسان في إيران، ومقرها أوسلو، في أحدث إحصائية، الثلاثاء، إن 476 شخصاً على الأقل قتلوا في الاحتجاجات، من بينهم 64 قاصراً و34 امرأة.
وقبل أسابيع، قال قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس الثوري» أمير علي حاجي زاده إن ما يصل إلى 300 شخص قُتلوا، من بينهم أفراد من قوات الأمن.
على هامش الاحتجاجات، التي تخللها رفع شعارات مناهضة للسلطات، تم توقيف الآلاف وإحالة قسم منهم إلى المحاكمة. وقالت وكالة «هرانا» إن التقديرات تشير إلى 18516 معتقلاً في 161 مدينة و144 وصلها المد الاحتجاجي، حتى مساء الاثنين.
وعدّ مسؤولون جزءاً كبيراً من الاحتجاجات، التي شكّل الشباب والنساء جزءاً كبيراً من المشاركين فيها، بمثابة «أعمال شغب». واتهم زعماء إيرانيون القوى الغربية بإثارة الاحتجاجات التي واجهتها قوات الأمن بحملة قمع دموية.
وطالب مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأسبوع الماضي، إيران بوقف قمع المتظاهرين. وفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات جديدة هذا الشهر على مسؤولين إيرانيين بسبب قمع طهران للاحتجاجات. وتمثل الاحتجاجات أحد أصعب التحديات التي تواجه المؤسسة الحاكمة في إيران منذ ثورة 1979.
واعتبر رئيسي، الثلاثاء، أن الدول التي ساندت المتظاهرين أخطأت في الحساب. ورأى أن الداعمين للاحتجاجات أرادوا «تحرف المجتمع (...)» عن أهدافه، متوجهاً إليهم بالقول، من دون أن يسمّيهم: «لماذا أخطأتم في الحسابات مجدداً؟ لماذا تبعثون إلينا برسائل عبر قنوات مختلفة، (وتعتقدون أننا) نريد التحدث إليكم بعدما تم القضاء على انعدام الأمن، بفضل جهود الشعب وقوات الأمن التي تبذل التضحيات؟». وشدد على أن إيران «لن تنخدع» بذلك. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، هدّد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، تلك الدول بأنها «سترى الأضرار».
ويتهم ناشطون السلطات بالإسراع في تنفيذ أحكام الإعدام وإصدارها بحق المحتجين بهدف ترهيب المشاركين في الاحتجاجات.
وقالت منظمة العفو الدولية إن السلطات الإيرانية تسعى إلى تطبيق عقوبة الإعدام على 26 شخصاً على الأقل، فيما وصفتها بأنها «محاكمات صورية، تهدف إلى ترهيب المشاركين في الانتفاضة الشعبية التي تهز إيران».
لكن منظمة حقوق الإنسان في إيران، ومقرها أوسلو، حذرت في تقريرها الثلاثاء من أن 100 شخص على الأقل يواجهون خطر إصدار أو تنفيذ حكم الإعدام.
ونشرت المنظمة، التي تعرف بتركيزها على قضية الإعدام في إيران، قائمة بأسماء أبرز من يواجهون خطر الإعدام، وفي مقدمتهم محمد قبادلو، الذي صادقت محكمة استئناف على حكم الإعدام ضده، بتهمة دهس عناصر من قوات الأمن، قتل أحدهم. وتقول أسرته إنه يعاني من مرض الازدواجية.
وكانت وكالة «هرانا» قد نشرت الأسبوع الماضي قائمة تضم 58 شخصاً يواجهون تهماً، تصل عقوبتها للإعدام. وبدورها، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن القضاء الإيراني أصدر أحكاماً بالإعدام بحق 11 متهماً، تم تنفيذ اثنين منها.وقالت «هرانا» في تقرير سنوي نشر أمس إن حالات الإعدام قفز بنسبة 88 في المائة خلال العام الحالي.
ولا تلوح نهاية للاحتجاجات، التي تتواصل بأساليب مختلفة بعد 100 يوم على اندلاعها. في هذا الصدد، قال مدير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية محمود أميري مقدم: «رغم مرور أكثر من 100 يوم على بدء الاحتجاجات على مستوى البلاد، ومقتل مئات الأشخاص، واعتقال آلاف الأشخاص، وإصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق المتظاهرين من قبل الحكومة، تستمر انتفاضة الشعب من أجل التغيير في النمو وتصل إلى حقوقها الإنسانية الأساسية».
وأضاف: «الشعب الإيراني سيصل إلى هدفه بلا شك. ولكن من أجل خفض تكلفة تحقيق هذا الهدف، من الضروري مشاركة أوسع للناس داخل وخارج البلاد ودعم المجتمع الدولي لهذه الانتفاضة».
ومن جانب آخر أقدم إيراني على الانتحار، ملقياً بنفسه في نهر الرون بمدينة ليون (جنوب شرقي فرنسا)، بغية لفت الانتباه إلى الوضع في بلده الذي يشهد حركة احتجاجية واسعة، وفق ما قال في فيديو بثه قبيل وفاته.
وعُثر على جثته في النهر؛ وفق ما أفادت به الشرطة، مؤكدة معلومات أوردتها صحيفة «لو بروغريه» المحلية، على ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقد تعذّر إنعاش الرجل البالغ 38 عاماً، رغم مساعي عناصر الإسعاف الذين نقلوه إلى الضفة؛ وفق ما أفاد به المصدر عينه.
وقال الرجل بصوت هادئ في مقطع فيديو بثه على مواقع عدة للتواصل الاجتماعي قبل الإقدام على فعلته: «تهاجم الشرطة الناس، وقد خسرنا كثيراً من الفتيان والفتيات، ولا بدّ من فعل شيء». وأردف: «قرّرتُ الانتحار بنهر الرون، في تحدٍ يظهر أننا نحن، الشعب الإيراني، تعبنا جداً من هذا الوضع».
وتابع: «حين تشاهدون هذا الشريط؛ فسأكون ميْتاً»، قبل أن يدعو إلى دعم الشعب الإيراني في نضاله ضدّ «شرطة وحكومة شديدتي العنف».
وأطلقت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم تجمّع في وسط مدينة ليون مساء الثلاثاء إحياءً لذكراه.
تشهد إيران موجة احتجاجات غير مسبوقة منذ الثورة في عام 1979. وبدأت الاحتجاجات؛ إثر وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاماً) في سبتمبر (أيلول) الماضي، بالمطالبة بحقوق النساء، قبل أن تتحوّل إلى احتجاجات ضدّ النظام.