تقارير وتحليلات

"قراءة" في إدارة أبوظبي للأزمات العربية..

نهج الإمارات في إدارة الأزمات العربية: نموذج ناجح للتدخل الإيجابي

الرئيس الجنوبي السابق سالم ربيع علي خلال استقباله الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الإمارات العربية المؤسس - أرشيف

أبوظبي

مقدمة: يشهد العالم العربي منذ عقود طويلة العديد من الأزمات والصراعات التي ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة العربية، وقد لعبت الدبلوماسية الإماراتية دورًا هامًا في التعامل مع هذه الأزمات، وساهمت في التوصل إلى حلول سلمية لبعضها، بينما لا تزال أزمات أخرى تراوح مكانها.

تمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بأهمية خاصة في الدراسات العربية المعاصرة؛ لكونها تمثل حلقة مهمة في السياسة العربية والدولية؛ لمّا تمتلكه من تطورات سياسية وأمنية واقتصادية في المنطقة، وتعدّ من الدول الواعدة في مجال التطور الشامل، فلدولة الإمارات العربية المتحدة مواقف دبلوماسية مشرفة في إدارة الأزمات والصراعات التي نشأة بين بعض الدول العربية.

 لقد ارتسمت تلك المواقف الثابتة والمبادئ الراسخة في الذاكرة السياسية والدبلوماسية؛ لتعبر عن إصالة هذه الشعب العربي الأصيل وقيادته الحكيمة التي تبذل قصار جهدها في حل المشاكل العربية السياسية والعسكرية والاقتصادية والتنموية في مختلف المراحل. فما من بلد عربي برز فيه نزاع أو صراع أو أزمة ما إلا وقيادة شعب الأمارات العربية المتحدة حاضرة وبقوة.

لقد استحق الشيخ زايد رحمه الله لقب "حكيم العرب"، ويبدو أن رجاحة الرأي قد رافقته منذ البداية، وانتجت المواقف الحافلة بالجهد والنشاط، ومما نسعى إليه في هذه القراءة هو الكشف عن الدور الريادي في المجال الدبلوماسي المشرف لدولة الأمارات العربية المتحدة في إدارة الأزمات العربية.

 

 

المطلب الأول: مقدمة عن الدبلوماسية الإماراتية:

  • مبادئها:

تلعب الإمارات العربية المتحدة دورًا هامًا وفعالًا في إدارة الأزمات العربية من خلال دبلوماسيتها النشطة وسياساتها الخارجية الراسخة لعبت الدبلوماسية الإماراتية دورًا هامًا وفعالًا في إدارة الأزمات العربية، وذلك من خلال التزامها بمبادئ الحوار والوساطة، وتقديمها للمساعدات الإنسانية والإغاثية، وتعزيزها للتعاون العربي، واتباعها لنهج استباقي ووقائي. وقد ساهمت هذه الجهود الإماراتية في تخفيف حدة العديد من الأزمات العربية، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وتتمثل بعض أهم ملامح هذا الدور فيما يلي:

1- التمسك بمبادئ الحوار والوساطة:

تؤمن الإمارات العربية المتحدة إيمانًا راسخًا بأهمية الحوار والوساطة كأدوات رئيسية لحل النزاعات ومنع تفاقم الأزمات. وقد برز هذا الدور جليًا في العديد من المبادرات التي قامت بها الإمارات منذ تأسيسها حتى اللحظة.

2- تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية:

تُعدّ الإمارات العربية المتحدة من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والإغاثية في العالم . وقد برز هذا الدور جليًا في مواجهة العديد من الأزمات العربية، مثل:

  • الأزمة السورية: قدمت الإمارات العربية المتحدة مساعدات إنسانية وإغاثية ضخمة للاجئين السوريين في الداخل والخارج.
  • الأزمة اليمنية: قدمت الإمارات العربية المتحدة مساعدات إنسانية وإغاثية كبيرة للشعب اليمني، وشملت هذه المساعدات المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية.
  • الأزمة في العراق: قدمت الإمارات العربية المتحدة مساعدات إنسانية وإغاثية للشعب العراقي، وشملت هذه المساعدات المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية.

3-  تعزيز التعاون العربي:

تسعى الإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز التعاون العربي في مختلف المجالات، بما في ذلك مجال إدارة الأزمات. وقد برز هذا السعي من خلال:

  • دعم جامعة الدول العربية: تُعدّ الإمارات العربية المتحدة من الداعمين الرئيسيين لجامعة الدول العربية، وتساهم بنشاط في مختلف مبادراتها وبرامجها.
  • المشاركة في القمم العربية: تشارك الإمارات العربية المتحدة بنشاط في مختلف القمم العربية، وتساهم في بلورة الحلول العربية للأزمات التي تواجهها المنطقة.
  • دعم مبادرات التكامل العربي: تدعم الإمارات العربية المتحدة مبادرات التكامل العربي، مثل السوق العربية المشتركة والاتحاد العربي.

4- . نهج استباقي ووقائي:

لا تكتفي الإمارات العربية المتحدة بإدارة الأزمات بعد وقوعها، بل تتبع أيضًا نهجًا استباقيًا ووقائيًا من خلال:

  • دعم جهود بناء السلام: تدعم الإمارات العربية المتحدة جهود بناء السلام في المنطقة العربية، وتساهم في برامج تعزيز الحوار والتسامح.
  • دعم جهود منع النزاعات: تدعم الإمارات العربية المتحدة جهود منع النزاعات في المنطقة العربية، وتساهم في برامج تعزيز الأمن والاستقرار.
  • دعم جهود التنمية المستدامة: تُدرك الإمارات العربية المتحدة أن التنمية المستدامة هي أحد أهم عوامل منع الأزمات، ولذلك فهي تدعم برامج التنمية في مختلف الدول العربية.
  • أدواتها:
    • المساعدات الإنسانية: تُقدم الإمارات العربية المتحدة مساعدات إنسانية سخية للشعوب العربية المتضررة من الصراعات، دون تمييز.
    • المبادرات الدبلوماسية: تُطلق الإمارات العربية المتحدة مبادرات دبلوماسية لتهدئة التوترات وحلّ النزاعات العربية.
    • الدعم المالي: تُقدم الإمارات العربية المتحدة دعمًا ماليًا لمشاريع التنمية في الدول العربية، بهدف تعزيز الاستقرار والسلام.
    • التعاون الدولي: تُتعاون الإمارات العربية المتحدة مع المنظمات الدولية والإقليمية لحلّ النزاعات العربية.

أهم المؤسسات الدبلوماسية لدولة الامارات:

تُنفذ دولة الإمارات العربية المتحدة سياستها الخارجية من خلال شبكة واسعة من المؤسسات الدبلوماسية، وتشمل هذه المؤسسات:

  • وزارة الخارجية والتعاون الدولي: هي الجهة الحكومية المسؤولة عن إدارة العلاقات الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
  • سفارات دولة الإمارات العربية المتحدة: تُمثل دولة الإمارات العربية المتحدة في الخارج من خلال شبكة واسعة من السفارات في جميع أنحاء العالم.
  • البعثات الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة: تُمثل دولة الإمارات العربية المتحدة في المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
  • تُشارك دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط في مختلف المنظمات الدولية، وتسعى إلى لعب دور فاعل في معالجة القضايا الدولية، وتشمل هذه المنظمات:

-       الأمم المتحدة: تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة عضوًا فاعلًا في الأمم المتحدة، وتساهم في مختلف أنشطتها وبرامجها.

-       جامعة الدول العربية: تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة عضوًا مؤسسًا في جامعة الدول العربية، وتلعب دورًا هامًا في تعزيز العمل العربي المشترك.

-       مجلس التعاون الخليجي: تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة عضوًا مؤسسًا في مجلس التعاون الخليجي، وتعمل على تعزيز الترابط والتعاون بين دول المجلس.

أبرز الإنجازات الدبلوماسية:

حققت دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من الإنجازات الدبلوماسية المهمة، وتشمل هذه الإنجازات:

  • انتخاب دولة الإمارات العربية المتحدة عضوًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2021-2022.
  • ترأس دولة الإمارات العربية المتحدة لمجموعة العشرين في عام 2022.
  • فوز دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة مؤتمر COP28 للتغير المناخي في عام 2023.
  • المطلب الثاني: أمثلة على دور الدبلوماسية الإماراتية في إدارة الصراعات العربية:

1-دور الإمارات في إدارة الأزمات داخل دول الخليج العربي

تلعب الإمارات العربية المتحدة دورًا هامًا في إدارة الأزمات داخل دول الخليج العربي، وذلك انطلاقًا من إيمانها الراسخ بأهمية الأمن والاستقرار في المنطقة، وسعيها الدائم لتعزيز التعاون والتضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي.

وتتجلى مساهمات الإمارات في هذا المجال من خلال الاتي:

-       تأسيس أول دولة فيدرالية في شبه الجزيرة العربية

يعد الشيخ زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان (6 مايو 1918 - 2 نوفمبر 2004) أوّل رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد كان له دور كبير في توحيد الدولة مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وتحقق لهم ذلك في 2 ديسمبر 1971 وأسس أول فدرالية عربية حديثة، مبنية على العدالة والمساواة والتنمية واستطاع في عهده خلق ولاء للكيان الاتحادي عوضاً عن الولاء للقبيلة أو الإمارة وترسيخ مفهوم الحقوق والواجبات لدى المواطن.

إن زايد بن سلطان آل نهيان في عام 1953م، بدأ رحلته حول العالم يعزز فيها من خبرته السياسية، ويطلع من خلالها على تجارب أخرى للحكم والعيش الكريم، فزار بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة وسويسرا ولبنان والعراق ومصر وسوريا والهند وباكستان وفرنسا وجنوب اليمن، وقد زادته هذه التجربة اقتناعًا بمدى الحاجة لتطوير الحياة في الأمارات، والنهوض بها بأسرع وقت ممكن؛ للحاق بركب تلك الدول.

وفي مايو 1962 وأمام الضغوط الهائلة التي تلقاها الشيخ شخبوط، قرر السماح للشيخ زايد في مساعدته على إدارة شؤون أبو ظبي، لذا سعى الشيخ زايد على مدى أربع سنوات في الفترة من 1962 إلى 1966م؛ لتحسين الأوضاع في الإمارة من ناحية والمضي قدماً بكل العزم والتصميم في تنفيذ برنامجه التنموي من ناحية أخرى. تولى الشيخ زايد مقاليد الحكم في إمارة أبو ظبي في 6 أغسطس 1966م، بإجماع وموافقة كل العائلة الحاكمة خلفا لشقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان. وتمكّن الشيخ زايد من تحقيق إصلاحات واسعة، منها تطوير قطاعات التعليم والرعاية الصحية والإسكان الشعبي وتحديثها، وتطوير المدن بوجه عام.

سعى الشيخ زايد جاهدا بإنهاء حقبة طويلة من العداء المستحكم بين أبو ظبي وقطر. وكان من أول القرارات التي اتخذها أنه أصدر مرسوماً يقضي بإصدار طوابع بريدية. وتولى الشيخ زايد أيضاً بناء مؤسسات الدولة من نظام إداري ودوائر حكومية والتي اعتمد فيها على عناصر من الأسرة الحاكمة ومن خارج الأسرة. كما أتاح فرص التعليم لآلاف الطلبة مكنتهم من الالتحاق بأفضل الجامعات في الخارج.

في عام 1965 م أسس مكتب للتطوير في دبي وأسهمت بريطانيا فيه بمبلغ نصف مليون جنيه إسترليني. ويتبع مكتب التطوير دوائر أصبحت فيما بعد نواة الحكومة الاتحادية ووزارتها في المستقبل. وهذه الدوائر هي: دائرة الزراعة والثروة الحيوانية، دائرة التعليم الفني، دائرة البعثات، دائرة الصحة، دائرة الأشغال العامة، دائرة الثروة السمكية. وعندما تولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حكم إمارة أبو ظبي، قدم مليوني جنيه إسترليني. وكان هذا المبلغ الذي قدمته أبو ظبي هو نصف ميزانية المكتب في هذا العام.

وفي عام 1968م، ساهمت أبو ظبي بنسبة 90 % من هذه الميزانية. أما في العام التالي (1969 م)، فقد تحملت أبو ظبي 95 % من ميزانية المكتب.

كان الشيخ زايد أول من نادى بالاتحاد بعد الإعلان البريطاني عن نية الجلاء عن الإمارات في يناير 1968 وذلك بحلول عام 1971، فرأى الحاجة إلى إقامة كيان سياسي موحد له كلمة قوية ومسموعة في المحافل الدولية، وقادر على تقديم الحياة الأفضل لمواطنيه. فبدأت الحركة المكوكية للشيخ زايد وكان اجتماع (السمحة) البذرة الأولى لبناء الاتحاد، حيث تم الاتفاق على تنسيق الأمن والدفاع والخارجية والخدمات الصحية والتعليمية وتوحيد الجوازات بين الشقيقتين دبي وأبو ظبي.

وفي عام 1969 انتخب رئيسًا للاتحاد الذي ضم الإمارات السبع وقطر والبحرين، وبانسحاب الأخيرتين تم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971 بست إمارات انضمت لها رأس الخيمة في 10 فبراير 1972م؛ ليكتمل النصاب وتعم الفرحة أرجاء البلاد، وانتخب رئيسًا للاتحاد وقائدًا أعلى للقوات المسلحة. وعمل زايد على بناء المؤسسات الاتحادية وبناء القوات المسلحة.

ويقول كلود موريس في كتابه (صقر الصحراء) على لسان العقيد هيوبوستيد الممثل السياسي البريطاني الذي عاش فترة طويلة بالمنطقة قوله عن زايد بن سلطان آل نهيان "لقد دهشت دائمًا من الجموع التي تحتشد دوما حول الشيخ زايد وتحيطه باحترام واهتمام وقد شقَّ الينابيع لزيادة المياه لري البساتين، وكان الشيخ زايد يجسد القوة مع مواطنيه من عرب البادية الذين فكان يشاركهم حفر الآبار وإنشاء المباني وتحسين مياه الأفلاج والجلوس معهم ومشاركتهم الكاملة في معيشتهم وفي بساطتهم كرجل ديمقراطي لا يعرف الغطرسة أو التكبر، وصنع خلال سنوات حكمه في العين شخصية القائد الوطني بالإضافة إلى شخصية شيخ القبيلة المؤهل فعلا لتحمل مسؤوليات القيادة الضرورية"([1])

-       الدور الريادي لإنشاء مجلس التعاون الخليجي

لقد عمل الشيخ زايد مع الشيخ جابر الأحمد الصباح على إنشاء مجلس التعاون الخليجي فاستضافت أبو ظبي في 25 مايو عام 1981م، أول اجتماع قمة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي. تولى حكم إمارة أبو ظبي خلفاً لأخيه شخبوط في عام 1966، خلفه في حكم إمارة أبو ظبي ابنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وانتخبه المجلس الأعلى للاتحاد رئيسا للدولة.

كان لدى الشيخ زايد والشيخ جابر الأحمد الصباح - رحمهما الله - توجه وحدوي بدأ بفكرة إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتحقق ذلك في 25 مايو 1981م في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة. تم اختيار زايد بالإجماع أول رئيس للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأول رئيس دولة يوقع على ميثاق المجلس.       

أسس الشيخ زائد رحمه الله سياسة خارجية متميزة تتسم بالحكمة والاعتدال، والتوازن، ومناصرة الحق والعدالة، وتغليب لغة الحوار والتفاهم في معالجة كافة القضايا كما قامت على السلام، منطلقاً من إيمانه بأن السلام حاجة ملحة للبشرية جمعاء.

الشيخ زايد مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود 1974م كانت هناك بعض الخلافات الحدودية مع المملكة العربية السعودية ولم تحل إلا باتصالات مباشرة بين الشيخ زايد والملك فيصل بن عبد العزيز حيث توصل الجانبان إلى توقيع معاهدة سنة 1974م، والتي رسمت الحدود بين البلدين.

كما كان له دور كبير في حل المشاكل العربية، ساعد أيضاً كوسيط سلام بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أثناء النزاعات الحدودية في عام 1980 وأيضاً نجحت وساطته في التوصل إلى حل لخلاف بين مصر وليبيا.

2- دور الدبلوماسية الإماراتية في القضية العربية الفلسطينية

لقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في السابع عشر من ديسمبر عام 1991 إحدى الدول التي صوتت ضد إلغاء قرار الأمم المتحدة رقم 2279 والقاضي بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، كما رفضت الإمارات المشاركة في المؤتمر الاقتصادي لتنمية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي عقد في الدوحة عام، 1997 بالرغم من الضغوط الأميركية التي كانت تدفع نحو المشاركة في هذا المؤتمر.

كان لدولة الامارات العربية المتحدة موقف واضح وصريح تجاه الحقوق الفلسطينية وحق الدفاع عن النفس، ودعوتها المستمرة للولايات المتحدة إلى القيام بدور الوسيط النزيه في مفاوضات السلام، وعدم الكيل بمكيالين في محاربة الإرهاب الدولي فيما يخص الممارسة الصهيونية ضد الفلسطينيين، وهي المواقف التي توافقت تماما مع توجهاته في السياسة الخارجية·

الإمارات كانت وما تزال رائدة للخير والصلاح بقيادة المؤسس حكيم العرب الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي امتطى صهوة المجد، وخلفه القائد الفذ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي رفع إكليلا من الخلود والمجد يتوج به بلده في كنف التضامن والتعاون، الإيمان بالإنسان، الشعوب، الأوطان وعزتها وكرامتها. ولطالما كرست دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة جهودها وإمكانياتها للنهوض بالواقع الفلسطيني الأخوي الذي يندرج ضمن نهجها الصائب وهذه ثوابتها الإستراتيجية والتي بها ولأجلها ارتقت وعلت. بدليل أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت من أوائل الدول العربية السابقة إلى نصرة القضية الفلسطينية، في مبادرة منها بالاعتراف بدولة فلسطين فور إعلانها في 15 نوفمبر 1988.

اليوم أصبحت الإمارات تلعب دوراً فاعلاً في المنطقة والعالم وتساهم بآرائها ومقترحاتها البناءة ومواقفها الداعمة للقضايا العادلة وبتعزيز مبدأ التضامن بين الشعوب، كل ذلك إن دلّ على شيء فإنّما يدّل على ما تميزت به من حبّ للخير والتسامح والانفتاح في كنف الاحترام والمحبة.

ومن هذه المواقف المهمة والتاريخية للإمارات، أنها دومًا كانت إلى جانب القيادة الفلسطينية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وهي حريصة على عمق العلاقة الفلسطينية الإماراتية بالمساندة والمساعدة، فدائما الإمارات حكومة وشعبا ما طالبت العالم بموقف جاد اتجاه القضية الفلسطينية، وذلك بتحرير الشعب والأرض وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مؤكدة تأييدها المتواصل عبر مواقفها المعلنة دوليا لمسيرة الكفاح العادلة من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ونيل الشعب لحريته واستقلاله([2]).

-       الدبلوماسية الإماراتية واستخدام سلاح البترول في مواجهة تدفق السلاح على الجسر الجوي الأمريكي إلى «إسرائيل»

وكان الملك فيصل بن عبد العزيز والشيخ زايد أول من استخدم سلاح النفط كسلاح في مواجهة تدفق السلاح على الجسر الجوي الأمريكي إلى «إسرائيل»، وفي محاولة من جانبه لتغيير سير المعركة، ما أثر في الموقف الدولي لمصلحة العرب، حيث أوفد الشيخ زايد وزير البترول في الإمارات إلى مؤتمر وزراء البترول العرب، لبحث استخدام البترول في المعركة. وبينما كان الوزراء العرب أصدروا قرارهم بخفض الإنتاج بنسبة 5% كل شهر، فقال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"إن البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي زايد بن سلطان آل نهيان فأصدر أوامره لوزير البترول بأن يعلن في الاجتماع الوزاري باسمه فورًا قطع البترول نهائيًا عن الدول التي تساند إسرائيل، ما شكل ضغطًا كاملًا على القرار الدولي بالنسبة للمعركة، التي اعتبرها حرب التحرير، فيما وصلت رؤية الشيخ زايد إلى العالم العربي التي كانت تتطلع إلى النصر وتحرير الأراضي العربية، ليؤكد للعرب أن من بين الحكام العرب هناك من خرج ليضحي في سبيل حسم المعركة لمصلحة نصرة الأمة العربية.

وقد سُئل الشيخ زايد في هذا الوقت من أحد الصحافيين الأجانب «ألا تخاف على عرشك من الدول الكبرى؟»، فقال: زايد بن سلطان آل نهيان "إن أكثر شيء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتي، وسأضحي بكل شيء في سبيل القضية العربية، واستطرد "أنني رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله" زايد بن سلطان آل نهيان كما كان الشيخ زايد من أول زعماء العرب الذين وجهوا بضرورة الوقوف إلى جانب مصر في معركتها المصيرية ضد إسرائيل، مؤكداً أن «المعركة هي معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة».

الدبلوماسية الإماراتية من العدوان على مصر وسوريا والأردن

قدّم الشيح زايد الدعم لمصر في حرب أكتوبر، وبحسب ما أكده الرئيس السابق لهيئة عمليات القوات المسلحة المصرية اللواء عبد المنعم سعيد، فإن الشيخ زايد قدم الدعم الاقتصادي لمصر عقب نكسة يونيو 1967 التي سُميت حرب الأيام الستة، والتي شنت خلالها إسرائيل هجمات على عدد من الدول العربية (مصر وسوريا والأردن) واحتلت كل سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، حتى تم استئناف الجهود المصرية في إعادة بناء الجيش وترتيب أوراقها من جديد.

ساند الشيخ زايد كلاً من مصر وسوريا في حرب 1973 في حفظ السلام والعمل الخيري من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة في فلسطين، وقام بقطع إمدادات النفط بصفته سلاحاً فعالاً، كما ألقى ببيانه الشهير الذي قال فيه: «إن النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».

ويذكر أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة د. محمد حسين، أنه بجانب وضع الإمارات لإمكانيتها المادية في خدمة جبهات الصراع العربي الإسرائيلي، فإن زايد أمدّ مصر بعدد كبير من غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة، التي أمر بشراء كل المعروض منها في جميع أنحاء أوروبا وإرسالها مع مواد طبية وعدد من عربات الإسعاف وتموينية بصورة عاجلة مع بدء الحرب، كل ذلك دون أي مقابل.

واستعرض رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية اللواء علاء بازيد، ذلك الدور الذي لعبته دولة الإمارات في دعم حرب 1973 دولياً وحشد التأييد لها من خلال المؤتمر الذي عقده الشيخ زايد في لندن وكان له صداه الدولي على شعوب العالم الرافضة للاحتلال، مشيراً إلى أن دولة الإمارات في ذلك الوقت فرضت على موظفيها التبرع بمرتب شهر كامل لصالح دعم مصر.

رفض توظيف قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة ذريعة للعراق

رفض الشيخ زايد اعتبار قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران ذريعة للعراق في استمرار الحرب مع إيران. ولقد كان لدولة الإمارات العربية المتحدة موقف عبرت عنه من خلال مشروع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الهادف إلى وقف الحرب العراقية الإيرانية والذي يتلخص في أن يفوض القادة العرب في مؤتمر القمة القادم في عمان ثلاثة رؤساء من الذين يتصفون بموقف محايد للسعي بين إيران والعراق، وأكدوا لإيران أن هذا الوفد يضمن حقوق الطرفين وأنهم لا يمثلون أنفسهم بل القادة العرب كلهم، فإذا قبلت الوساطة تنسحب القوات ويتم وقف إطلاق النار، عندئذ يجري التحكيم من محكمين مقبولين ومن يثبت عليه الحق لجاره يكون القادة العرب كفلائه وضامنيه. وجاءت موافقة إيران مشروطة بأن تنهي دول مجلس التعاون ما أسمته بتأييدها للعراق.

الدبلوماسية الإماراتية من الغزو العراقي للكويت

وأثناء الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1991، كان الشيخ زايد من أوائل القادة العرب الذين نادوا بالمصالحة، كما رحّب أيضا بلجوء العائلات الكويتية إلى دولته، وخرج العديد من الكويتيين من بلادهم في أعقاب الغزو العراقي لها واستقبلهم الشعب الإماراتي وأمر الشيخ زايد بتوفير السكن لهم ومنحهم مساعدات مالية بالإضافة إلى إعفائهم من دفع أي رسوم للعلاج الطبي. وخلال الحرب لجأ 66 ألف كويتي إلى الإمارات.

ومن هنا تجلى موقف الامارات العربية المتحدة من هذه الحرب , فلقد كان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من أوائل الرؤساء الذين نددوا بالعدوان، واستغرب الشيخ زايد من إقدام العراق على هذه الخطوة خاصة وأن الكويت وقفت إلى جانب العراق وقدمت له كل الدعم والمساندة في حربه مع إيران، فكان جزاؤها العدوان على أراضيها وسيادتها، وأعرب عن ثقته في أن الكويت ستعود كما كانت شعباً وحكومة وبقيادة صاحب السمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح، وشدد على القول: “نحن من الكويت والكويت منا”، وكان الشيخ زايد قد بدأ نشاطه الواسع من أجل انسحاب القوات العراقية من الكويت وعودة الشرعية على جميع المستويات.

 

الدبلوماسية الإماراتية من الحرب اللبنانية

في أكتوبر 1980 نادى الشيخ زايد بعقد قمة عربية لإنقاذ لبنان من الحرب الأهلية، التي كانت دائرة بين طوائفها المختلفة.

 

الدبلوماسية الإماراتية من الحرب في الصومال

وتجلّى أيضا اهتمامه بحفظ السلام في مشاركة دولة الإمارات في عملية «استعادة الأمل» في الصومال، التي قادتها الأمم المتحدة في عام 1992. ويقول الكاتب والباحث الإماراتي، أحمد إبراهيم، " إن الإمارات على مدى التاريخ كان لها وقفات مع الصومال أثناء الأزمات وأثناء الانتعاشات، وأن الاتفاق العسكري والأمني الموقع بين الطرفين ما هو إلا نوع من استمرارية التعاون بين الجانبين لتلافي الأخطار التي تهدد الصومال حديثا مثل الحركات الإرهابية الداخلية وأيضا عدم استقرار الوضع الأمني في الصومال يهدد الملاحة البحرية في القرن الأفريقي(."([3]

الدبلوماسية الإماراتية من الحرب بين الجنوب واليمن في عام 1973

العلاقة بين الجنوب والإمارات العربية المتحدة، ليست وليدة اللحظة، فهي علاقة مصير مشترك وتقارب ثقافي واحد، تعزز المواقف الإماراتية إلى جانب الجنوب والعكس صحيح. بل ترتبط علاقة الجنوب بالإمارات بتاريخ شعبين تداخلا مع بعضهما، إلى حد أن جنوبيين في الإمارات صارا ينتميان للوطن الإماراتي، ويتقلدوا مناصب هامة في القوات المسلحة الإماراتية أو الشركات والمؤسسات والمرافق الحكومية.

وقد اختار الشيخ زايد بن سلطان عدن محطة لإحدى أهم زياراته خارج الإمارات، لمّا لعدن من مكانة في قلب شيخ العرب، والذي رفض بعد ذلك موافقته على قرار الحرب التي شنتها اليمن على دولة الجنوب من أجل احتلاله.

لقد نظر الشيخ زايد بن سلطان مدينة عدن باهتمام بالغ، وكانت زيارته لعدن بغرض كسر الحصار الذي فُرض على الجنوب جراء احداث الحرب بين اليمن والجنوب وقرار الجامعة العربية بوقف التعامل الاقتصادي مع الجنوب.

حط الشيخ المؤسس لدولة الإمارات زايد بن سلطان آل نهيان رحاله في عدن عاصمة اليمن الجنوبي، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبالتحديد في العام 1975م. والتقى بالزعيم الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين) في لقاءا تاريخيا أخويًا.

وشكلت هذه الزيارة نقلة نوعية وحجر الزاوية الراسخ في استمرار وتطور العلاقات بين الشعبين والبلدين، كما لعب الدبلوماسي الجنوبي المخضرم محمد صالح مطيع دورا هاما في انفتاح الجنوب علی الخليج وخاصة السعودية والإمارات والكويت.

خلال زيارته برز الشيخ زايد بن سلطان في صور فوتوغرافية شهيرة، لم تنمحِ من ذاكرة الجنوبيين وينظرون لها باعتزاز كبير، ويظهر فيها الشيخ زايد برفقة الرئيس سالمين.

تجوّل الشيخ زايد برفقة الرئيس سالمين، في شوارع عدن وأزقتها، والتقى بالمواطنين دون أيّ حواجز أو سياجات أمنية، وهو ما يدّل على بساطة الشيخ زايد والزعيم سالمين، وشغفهما للاستماع للناس وتبادل الأحاديث معهم.

وكان الشيخ زايد بن سلطان ثاني زعيم عربي يزور عدن بعد الرئيس الصومالي محمد سياد بري، حيث طلب من الرئيس (سالمين) أن يصلي الجمعة مع الناس واختار له الرئيس سالمين مسجد النور بالشيخ عثمان، وقد انبهر رحمة الله عليه من ذلك الحب العفوي بين المواطنين ورئيسهم وله كضيف كبير وأخ عزيز، وقبل مغادرته عدن اعتمد بناء مدينة سكنية حديثة في الشيخ عثمان. كما زار الشيخ زايد قبر الحبيب ابو بكر العيدروس.

الدبلوماسية الإماراتية من حرب صيف 1994م ضد الجنوب

لحكيم العرب وقائد دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زائد بن سلطان بن نهيان رحمة الله تغشاه، مواقف مشرفة في حرب صيف 94م التي شنتها القوى اليمنية في صنعاء ضد الجنوب وكان موقف الإمارات قيادة وشعبا ضد الحرب والعدوان على شعب الجنوب وتلك النظرة الثاقبة لحكيم العرب تجلت حقيقتها فيما نتج عنها من عدوان وقتل وتدمير لشعب بأكمله ومازال نتائجها الكارثية إلى هذه اللحظة.

لقد رأى الشيخ زائد رحمة الله تغشاه أن هذه الحرب سيكون لها تأثيرها المستقبلي على الوضع العربي بشكل عام وأن المنطقة كلها سوف تتأثر من تلك الحرب ونتائجها المستقبلية؛ لذلك فقد صنع رأيا خليجيا في سبيل إيقاف عبث هذه الحرب وكان موقفه واضحا في قرارات اجتماع مدينة أبها وأن ذلك الموقف للشيخ زايد من الحرب الشمالية اليمنية على الجنوب، كانت موقفاً ذا نظرة ثاقبة، إذ رأى ان حرب 94 هي حرب الدمار ولها تأثيراتها على اليمن عامة جنوبا وشمالا، بل وتأثيرات خطيرة على المنطقة العربية بأكملها.

ومن هنا كان موقف الإمارات العربية المتحدة بارزاً في رفض الحرب على الجنوب، في اجتماع مدينة ابها الموافق ( 4 – 5 يونيو 1994م)، وهو الموقف الذي كان أشد وضوحاً من احداث الحرب عام 1994، حيث أعلن في الدورة الحادية والخمسين للمجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي بأن  الوحدة اليمنية 90، لا يمكن أن يستمر إلا بتراضي الطرفين، ولا يمكن للطرفين التعامل في هذا الاطار، إلا بالطرق والوسائل السلمية. وتقديرا من المجلس لدوافع المخلصين من أبناء اليمن والجنوب في مشروع الوحدة فأنه يؤكد إنه لا يمكن اطلاقا فرض هذه الوحدة بالوسائل العسكرية.

وتطابق موقف دول الخليج مع موقف الشيخ زايد حول الحرب ضد الجنوب، حيث كان مجلس التعاون الخليجي قد استشعر خطر الأحداث، وأكدّ في قراره ذات الصلة بقوله: كما يبين المجلس أن استمرار القتال لا بد وأن يكون له مضاعفات ليس على طرفي النزاع وحده وأنما على دول المجلس مما سيؤدي بها إلى اتخاذ المواقف المناسبة تجاه الطرف الذي لا يلتزم بوقف إطلاق النار.

وأثناء حرب 1994م وقف الشيخ زايد بن سلطان ومعه كل الأمارات، موقفا علنيا واضحا وقويا إلى جانب الجنوب وبكل الوسائل المتاحة حينذاك، بل فعلت ذلك كل دول الخليج، غير أن الأمارات كان لها موقفا قوياً ورافضا للغزو والاحتلال اليمني للجنوب.

إذ اعترفت دولة الإمارات العربية المتحدة، بصورة ضمنية، بالجنوب دولة مستقلة، إلاّ أن هذا الاعتراف الضمني، لم يتم عبر القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها، بل ركزت دولة الإمارات اهتمامها على حقيقة، أن علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، لاعبان رئيسيان في اللعبة اليمنية، ويجب، معاملتهما بالتساوي.

ولمّا كانت دولة الإمارات، إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، الذي بين دوله اتفاقات رسمية، بشأن تنسيق سياساتها العربية والخارجية، فإن موقفها ربما يعكس أيضاً، مشاعر بقية دول المجلس تجاه القضية.

وجاء اعتراف دولة الإمارات، في سياق مكالمة هاتفية بين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والسيد علي سالم البيض، الذي وصفته "وكالة أنباء الإمارات" الرسمية بـ "فخامة الرئيس"، في إشارة واضحة إلى أنه رئيس جمهورية اليمن الديموقراطية الجديدة. "تكررت ثلاث مرات في البيان"، الذي بثته الوكالة الرسمية، عن الاتصال الذي جرى بين الشيخ زايد والبيض.

وكان الرئيس علي سالم البيض، الذي أعلن قيام جمهورية اليمن الديموقراطية، قد أطلع الشيخ زايد على هذه الخطوة، قبل إعلانها في 21 (أيار) مايو 1994، إلا إنها لم تصدر بياناً رسمياً، تعترف فيه بجمهورية اليمن الديموقراطية، وعاصمتها عدن.

ذلك الموقف للشيخ زايد، طبع في قلوب كل الجنوبيين، ورفع لديهم حجم ومكانة الشيخ زايد بن سلطان وكل الامارات. صالح في اتصال هاتفي أنه يتأسف لعدم استجابته للنداءات المتكررة بوقف القتال ضد الجنوب.

وقد لاحظ المراقبون حينها مواقف الشيخ زايد والامارات نحو الجنوب، من خلال الاهتمام الملحوظ بزيارة صالح بن حسينون مندوب الرئيس البيض مقارنة بفتور استقبال الامارات لوزير خارجية الشمال ومبعوث صالح ” محمد سالم باسندوة.

وقد أرسل الرئيس علي عبدالله صالح، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب اليمني، ورئيس التجمع اليمني للإصلاح، وشيخ قبائل حاشد، إلى أبو ظبي، في محاولة لاحتواء توجه دولة الإمارات العربية المتحدة، للاعتراف الرسمي بجمهورية اليمن الديموقراطية، لكنه فشل لقاء الشيخ عبدالله الأحمر مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقد عكست تصريحات الأحمر ـ عقب اللقاء ـ ضيقه الشديد من إطلاق صفة "الرئيس"، على علي سالم البيض، فقال "هذه كلمة كبيرة جداً في حق اليمن". وعلى الرغم من انتقاده الضمني للإمارات، قال الشيخ عبدالله في مؤتمره الصحافي، "لا أعتقد أن أي دولة عربية أو صديقة، ستقدم على الاعتراف بقرار الانفصال".

وأكد الشيخ الأحمر، أن الحسم العسكري "هو الخيار الأخير للمحافظة على وحدة اليمن". وقال إن "اليمن لا يرفض الوساطة من أجل وقف الحرب، شريطة أن تتم في إطار الشرعية". ورفض الأحمر تدخل مجلس الأمن في الصراع اليمني، وقال "ما دخل مجلس الأمن في قضية داخلية". وكانت مصادر صنعاء، تعلق أمالاً كبيرة على زيارة الأحمر لأبو ظبي، في تحييد دور الإمارات، إذا لم يتسن كسب موقفها إلى جانب صنعاء، لعرقلة الاعتراف الدولي باليمن الديموقراطية.

وفي مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر، احد قيادات الحرب على الجنوب، تحدث الاحمر بحقيقة ما جرى عندما ذهب الى الامارات لغرض طلب الموافقة على غزو الجنوب من قبل اليمن .يقول الاحمر في مذكراته: "زيارتي للإمارات كانت في الأيام الأخيرة للحرب بعد ما بدأت وسائل الإعلام في الإمارات تسمي البيض فخامة الرئيس دون اعتراف رسمي، وكان ذلك من الأشياء التي احتججنا عليها وطرحناها لهم في الزيارة التي قابلنا فيها الشيخ زايد

أولاً: أن هؤلاء – يقد الجنوبيين –  تمردوا واختلقوا أزمة سببت وألحقت بالشعب أضراراً ومتاعب كبيرة، وتعطل كل شيء وقدمنا لهم تنازلات كثيرة واستجبنا لمطالبهم، وأخيراً أملوا علينا وثيقة فيها كل ما يريدون وقبلناها واشترطوا ألا توقع إلا في عمّان، وذهبنا إلى عمّان، ومن عمّان يذهبون إلي الرياض وسلطنة عمان والإمارات والكويت وانتم تستقبلونهم كأنهم دولة وهم متمردون؟

ثانياً: أن موقفكم – أي الاماراتيين –  هذا الذي أصبح واضحاً ما كنا ننتظره أو نتوقعه منكم فهم أعداؤكم قبل أن يكونوا أعداءنا، وهم حزب شيوعي، ثم إن الوحدة قد تمت واعترفتم بها وباركتموها فتمردوا على الشرعية وأعلنوا الانفصال وأنتم مؤيدون لهم.

يضيف عبدالله الاحمر في مذكراته بالقول: “كان موقف الشيخ زايد واضحاً في دعم الاشتراكي فكان طرحنا له صريحاً وواضحاً وقوياً، وإجابته لنا كانت أكثر وضوحاً وصراحة وتعصباً بشكل فظيع ما كنا نتصوره قال:

أولاً: حكاية شيوعية ما عادوا شيوعيين.

وثانياً: الوحدة لا تفرض بالقوة والحرب.

وثالثاً: لجوؤهم إلينا وانفتاحنا عليهم لأنهم أضعف منكم وأنتم تجبرتم واعتديتم عليهم.

ويقول الاحمر: " فاشتد بنا النقاش إلى أن بلغ حد ارتفاع الأصوات وكان معي الأستاذ عبد الوهاب الآنسي نائب رئيس الوزراء في حينه وبعض المشايخ من الإمارات أسكتونا وانتقلوا إلى مكان آخر، وبقيت أنا والشيخ زايد كل واحد متسمر في كرسيه لا يكلم الآخر ولا ينظر إليه.

وواصل حديثه في مذكراته بالقول:" عادوا إلينا برأي أن تنفض الجلسة ويجتمع نائب رئيس الوزراء عبد الوهاب الآنسي مع الشيخ فلان والشيخ فلان، وخرجنا دون الوصول إلى شيء، والشيخ زايد مصمم علي أنه لا بد أن نوقف الحرب.

قلت: الحرب مقدسة بالنسبة للوحدة، والوحدة تستأهل الدماء.

قال: تريدون سفك الدماء والوحدة ليست بالقوة.

قلت: نعم الوحدة تستحق التضحية ونحن مستعدون لبذل المزيد من التضحيات من أجلها، والوحدة ليست بالقوة فهي وحدة شعب واحد إنما الانفصال هو الذي يريد أن يفرض بالقوة وانتهت الزيارة بهذا الشكل دون الوصول إلي أي نتيجة

  الدبلوماسية الإماراتية من حرب 2015م في اليمن 

أثناء إعلان مليشيات الحوثيين والمخلوع صالح، الحرب على الجنوب عام 2015، وهي الحرب اليمنية الثانية ضد الجنوب، كان موقف الامارات حاسماً الى جانب المملكة العربية السعودية، حيث قادت الدولتين (التحالف العربي) لمنع الحوثيين وصالح من السيطرة على الجنوب، حماية للجنوب وما يرتبط بجغرافيته من مخاطر جما تشكل تهديدات لدول الخليج، وكذا رفضا من الامارات والسعودية للحرب ضد الجنوب، وان كان الامر اخذ صورة اعلامية حول (الدفاع عن الشرعية).

كان الجنوبيين قد استبشروا خيراً بدخول الامارات على الخط مباشرة، ونزول قواتها على الارض، بعد شهرين من الحرب والاجتياح الذي حققته مليشيات الحوثيين وصالح في الجنوب.

استقبل الجنوبيون قوات الامارات القادمة عبر البحر، بكل ترحاب، وشعروا انهم يستقبلون اخواناً لهم ويرتبطون بأرض واحدة وهوية ومصير، ولهذا كان الانسجام والتوافق بين الضباط الاماراتيين وقيادات المقاومة كبيراً جداً، مما عجل بالانتصارات على الارض.

والامر الذي كان في غاية الاهمية، وجسد واقعا على الارض، هو قتال الاماراتيين على الارض جنباً الى جنب مع الجنوبيين، من عدن وحتى العند. وكانت الامارات قد انتقلت من المشاركة ضمن قوات التحالف العربي الى مرحلة العمل والتضحيات على الأرض.

وساهم الجيش الإماراتي في تحرير محافظات الجنوب بدءاً من عدن، وصولا الى لحج وكرش، وحتى حضرموت، بل وتم حماية محافظات الجنوب من الارهاب. وكان للجيش الإماراتي دور مهم في معارك تحرير عدن، حيث شاركت وحدات خاصة منذُ بداية احتلال مليشيات الحوثي لعدن، وكانت أول مشاركة لهم في منتصف شهر مايو 2015 عندما وصلت وحده متخصصة الى سور مطار عدن للمشاركة مع المقاومة الجنوبية في استهداف عناصر مليشيات الحوثي وصالح.

وساهمت هذه القوة في رصد احداثيات مواقع المليشيات وارسالها الى غرفة العمليات بهدف قصفها من قبل طائرات التحالف، وكذلك في استخدام اسلحة نوعية ومتطورة ساهمت في استهداف عناصر مليشيات الحوثي وصالح واستنزافهم في عدن طوال اكثر من شهرين، كما لعبت القوات الإماراتية دوراً مهما وبارزاً في تدريب المقاومة الجنوبية في مدينة البريقة، وامدتها بالسلاح الخفيف والمتوسط والثقيل، حتى حان وقت تحرير عدن لتشارك في التحرير قوات اماراتية بكامل سلاحها وعتادها وتصنع نصر جديد لعدن وتساهم في إعادة الحياة لمحافظة عدن والمناطق المجاورة لعدن.

وساهمت القوات الاماراتية الى جانب القوات الجنوبية في حماية الشخصيات المهمة مثل الرئيس هادي ونائبه واعضاء الحكومة اليمنية عند عودتهم الى عدن حيث وفرت لهم الحماية اثناء تنقلهم في مناطق عدن.

 الدبلوماسية الإماراتية في مكافحة التنظيمات الإرهابية

لم تدخر الامارات جهداً في مساندة القوات الجنوبية المتشكلة حديثاً من أجل مكافحة الارهاب وانقاذ عدن من الارهاب الذي صار يتحرك بحرية بعد التحرير. وبالمساندة الاماراتية سواء بالدعم بالعتاد او التدريب او الدعم اللوجستي، تمكنت القوات الجنوبية والاجهزة الامنية المختلفة وخلال فترة زمنية قياسية، من تحقيق نجاحات أمنية ضد الارهاب أبهرت العالم، وشهدت لها مراكز القرار العالمي أبرزها مجلس الأمن الدولي. كان دور الامارات كبيرا ولا يستطيع أحد انكاره، وهو دوراً يؤكد أن عدن والجنوب شريكا للتحالف العربي وخاصة الامارات التي بات ارتباطها بالجنوب وشعبه متيناً.

التحديات:

تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة بعض التحديات في مجال الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، وتشمل هذه التحديات:

  • التوترات في المنطقة: تقع دولة الإمارات العربية المتحدة في منطقة مضطربة، مما يُشكل تحديًا كبيرًا لسياستها الخارجية.
  • التغيرات الجيو-سياسية: تُواجه دولة الإمارات العربية المتحدة تحديات ناتجة عن التغيرات الجيو-سياسية في العالم، مثل صعود قوى جديدة وتغير موازين القوى.
  • التهديدات الإقليمية: تُواجه دولة الإمارات العربية المتحدة تهديدات إقليمية، مثل التطرف والإرهاب.

الخاتمة

مما سبق تبين أن لدولة الامارات العربية المتحدة تاريخ مشرق وحاضر أكثر اشراقا في رسم ملامح الدبلوماسية والسياسة العربية يتمثل في الاتي: 

1- تتسم الدبلوماسية والعلاقات الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة بِمجموعة من المبادئ الثابتة، التي وضعها مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، وتشمل هذه المبادئ:

2-تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى بناء علاقات ثنائية قوية مع جميع دول العالم، وتقوم بذلك من خلال تبادل الزيارات الرسمية، وإقامة الاتفاقيات المشتركة، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات. وتتمتع الإمارات بعلاقات استراتيجية قوية مع الدول العربية الشقيقة، وكذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.

3-تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة لاعبًا هامًا على الساحة الدولية، وتلعب دورًا فاعلًا في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في الوطن العربي والعالم وتسعى الدولة من خلال دبلوماسيتها النشطة إلى بناء علاقات قوية مع الجميع، والمساهمة في حلّ التحديات الداخلية المحلية والعربية.

المصادر والمراجع:

1-   موقف الإمارات العربية من أزمة وحرب الخليج الثانية   https://www.joss-iq.org/2021/06/01/                                                 

2-  تعرف على سيرة ومواقف الشيخ خليفة بن زايد رئيس الإمارات العربية الذي توفي اليوم؟    https://alkhamisa.com/%D9%85%D8    

3-     لماذا وقعت الإمارات والصومال اتفاق عسكري وأمني في هذا التوقيت؟  https://sputnikarabic.ae/20230105    

[1] موقف الامارات العربية من أزمة وحرب الخليج الثانية https://www.joss-iq.org/2021/06/01/                                                  

[2]    تعرف على سيرة ومواقف الشيخ خليفة بن زايد رئيس الإمارات العربية الذي توفي اليوم؟    https://alkhamisa.com/%D9%85%D8 

[3] لماذا وقعت الإمارات والصومال اتفاق عسكري وأمني في هذا التوقيت؟ https://sputnikarabic.ae/20230105      

إعادة إحياء السينما اللبنانية: "تيرو للفنون" في القائمة المختصرة لجائزة التراث الثقافي


ترامب يخطط لإحداث تغييرات جذرية: استراتيجيات جديدة مع تأثيرات قانونية واجتماعية


المحكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت: تداعيات خطيرة على إسرائيل


اليوم العالمي لحقوق الطفل: كيف تحفز القصص الإبداع والقيم النبيلة؟