تقارير وتحليلات
زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي فجّرت موجة غضب قبلية عارمة..
المصالح المتضاربة في حضرموت: السعودية بين مطرقة الأمن وسندان التطلعات المحلية
أظهرت الحركة الاحتجاجية المتصاعدة لقبائل حضرموت بشرق اليمن مدى استعصاء المحافظة على الترويض بهدف إقحامها في عملية التسوية السلمية للصراع اليمني الجاري البحث عن مدخل جدّي لها بدفع كبير من المملكة العربية السعودية شديدة الاهتمام بأوضاع المحافظة ذات القيمة الإستراتيجية العالية بالنسبة إليها.
وجاءت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الأخيرة إلى حضرموت بنتائج عكسية حيث فجّرت موجة غضب قبلية عارمة ومطالبات بسيطرة أبناء المحافظة على ثرواتها الطبيعية واستخدامها محليا، في ما كان الهدف من الزيارة هو محاولة ترطيب الأجواء وخفض التوترات وإقناع مختلف الفاعلين في حضرموت بالتجاوب مع السلطة الشرعية والعمل تحت رايتها جنبا إلى جنب التعبير عن حضور الحكومة المعترف بها دوليا على الأرض وتقديمها كفاعل حقيقي من خلال إطلاق وعود التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية للسكان.
وجاءت زيارة العليمي مباشرة إثر الإعلان عن اتفاق التهدئة الاقتصادية مع الحوثيين، وترافقت مع تسريبات بشأن قرب استئناف تصدير النفط من ميناء الضبة بالمحافظة ما جعل متابعين للشأن اليمني يصنّفونها ضمن جهود “تبشير” الشرعية اليمنية ومن ورائها المملكة العربية السعودية بدخول مرحلة جديدة من مراحل التهيئة لإطلاق مسار التسوية السياسية الشاملة للصراع في اليمن.
وتمثّل حضرموت باشتراكها في حدود طويلة مع السعودية وانفتاحها على البحر العربي ومن ثم المحيط الهندي موضع اهتمام استثنائي للمملكة التي لم تنقطع خلال السنوات الأخيرة عن البحث عن صيغة للحفاظ على حضرموت كمنقطة نفوذ لها في مرحلة ما بعد التسوية التي تعمل عليها الرياض بلا هوادة أملا في التخلّص من عبء الملف اليمني وما يتسبب به من توتّرات وعدم استقرار.
وتعوّل السعودية في ذلك على الشرعية اليمنية المدعومة بقوّة من قبلها، وقد أنشأت لمساعدتها على تثبيت سلطتها في وجه منافسيها في حضرموت وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي المتشبّث بجعل المحافظة جزءا لا يتجزّأ من خارطة دولة الجنوب المستقلة التي يعمل على إنشائها، جسمين أحدهما اجتماعي – سياسي متمثّل في مجلس حضرموت الوطني الذي يضم وجوها سياسية وقبلية من المحافظة، والثاني أمني ويتعلّق الأمر بقوات درع الوطن التي موّلتها المملكة وسلّحتها ووضعتها تحت القيادة المباشرة للعليمي.
احتجاجات قبائل حضرموت خلال زيارة رئيس مجلس القيادة أظهرت أن السيطرة على المحافظة عملية بالغة التعقيد
لكنّ كل ذلك الجهد لم يُلغ وجود قوى حضرمية مضادة وعصية عن الترويض استغلت زيارة العليمي لتثبت فاعليتها وقوة تأثيرها على المشهد المحلي في حضرموت. وبادرت قبائل حضرموت بإمهال الحكومة لتنفيذ مطالبها الخاصة “بشراكة حقيقية فاعلة” في إدارة الثروة النفطية والتصرف بعوائدها.
وأصدر الحلف الذي يجمع تلك القبائل بيانا دعا فيه المجلس الرئاسي لـ”الاعتراف بحق حضرموت وتفعيل الشراكة الحقيقية.. في التسوية الشاملة في البلاد”. وحمل التحرّك القبلي ضدّ الشرعية مفارقة تمثّلت في أنّ قبائل حضرموت كانت بحدّ ذاتها موضع رهان سعودي لحماية نفوذها في المحافظة جنبا إلى جنب الرهان على السلطة الشرعية.
وتساءلت جهات سياسية محلية إن كان تحرك القبائل ضد العليمي يؤشّر على بداية تمرّد قبلي حضرمي ضدّ النفوذ السعودي. وقال أحد المصادر إن احتجاجات القبائل تظهر في الأخير أن عملية السيطرة على حضرموت وترويضها عملية بالغة التعقيد. وعلّق الناشط السياسي عبدالقادر أبوالليم على الزيارة المضطربة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى حضرموت قائلا عبر منصة إكس إنّ العليمي أراد بالزيارة أن “يرسم لنفسه صورة المتفرد بالقرار وبأن حضرموت تحت طوعه”، لكن “انقلب السحر على الساحر”، وفق تعبيره.
وحذر بيان حلف قبائل حضرموت من الإقدام على أيّ تصرف بنفط المحافظة أو تصديره أو تسويقه “إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت وضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها، تنفيذا للقرارات المتخذة من مؤتمر حضرموت الجامع في يوليو الماضي”. ولوّحت القبائل بعدم الاكتفاء بالتحرّكات السلمية لفرض مطالبها على الحكومة مهدّدة باستخدام السلاح. ودعت شخصيات قيادية في الحلف مسلّحي القبائل في مناطق الإنتاج النفطي إلى رفع الجاهزية والاستعداد لتنفيذ خطوات تصعيدية أكبر.
ويشكو أبناء حضرموت من تدهور غير مسبوق في الخدمات العامة وخاصة الكهرباء والماء وارتفاع أسعار الوقود. وشهدت مدن المحافظة في الأشهر القليلة الماضية احتجاجات غاضبة وقطعا للطرق بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء خاصة في فصل الصيف. وتنتج حضرموت من حقل المسيلة الذي تديره شركة بترو مسيلة الحكومية نحو مئة ألف برميل يوميا مخصصة للتصدير إلى الخارج، وتشكل إجمالي إنتاج اليمن من النفط الخام في الوقت الراهن مع توقف عدد من القطاعات النفطية عن التصدير.
وعبّر المجلس الانتقالي الجنوبي من جهته عن دعمه لمطالبة سكان حضرموت بحقوقهم في ثروة محافظتهم وقالت هيئته الإدارية إثر اجتماع لها في عدن إنّها تدعم أي “تحرك يستهدف تمكين أبناء محافظة حضرموت من حقوقهم والاستفادة من عائدات تلك الثروات”، لكنّها رفضت في الوقت نفسه “أيّ اختزال لحضرموت في مكون أو طرف سياسي واحد ليحتكر تمثيلها”.
احتجاجات حضرموت تثير قلق السلطة الشرعية التي حذّرت من محاولة استغلال المطالب المشروعة لتعطيل مصالح الناس وتعكير الأمن والاستقرار
كما جدّدت الهيئة التذكير “بأولوية أن يعمل الجميع على إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي وصحراء حضرموت”. وتحيل المطالبة الأخيرة على الوجه الآخر من المشكلة التي تواجه المساعي السعودية في حضرموت والمتمثّلة في انقسام السيطرة على الأرض بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وتسيطر قوات الانتقالي الجنوبي على منطقة الساحل ومركزها مدينة المكلاّ في ما تسيطر قوات الشرعية على منطقة الوادي والصحراء ومركزها مدينة سيئون. لكن الانتقالي وأنصاره من مساندي مشروع دولة الجنوب المستقّلة يقولون إنّ القوات المنتشرة في الوادي والصحراء تابعة بالأساس لحزب الإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
ويُعتبر الحزب المذكور رغم عمله تحت مظلة السلطة الشرعية اليمنية أحد الأطراف المنافسة على النفوذ في حضرموت التي يعلم أن وقوعها تحت سيطرة المجلس الانتقالي سيعني نهاية مصالحه فيها. ولمنع ذلك روّجت قيادات في الحزب لفكرة إنشاء إقليم شرقي في اليمن يضم محافظات شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، في محاولة لانتزاع أهم رقعة أرضية يطمح الانتقالي لجعلها جزءا من الدولة المستقلة التي يعمل على استعادتها.
وأثارت احتجاجات حضرموت قلق السلطة الشرعية التي حذّرت على لسان رئيس مجلس القيادة محتجّي القبائل الحضرمية “من محاولة استغلال المطالب المشروعة لتعطيل مصالح الناس وتعكير الأمن والاستقرار". وقال العليمي في مقابلة تلفزيونية إنّ "حضرموت لم تعودنا على تعطيل مصالح أبنائها بل على العكس كانت دائما نموذجا للأمن والاستقرار بكل أطيافها ومكوناتها".
وأشار إلى أن زيارته الأخيرة إلى المحافظة كانت تهدف إلى الاطلاع على أحوال المواطنين ومتابعة مستوى تنفيذ المشاريع التي تم وضع حجر الأساس لها، ودعم جهود السلطة المحلية للوفاء بالتزاماتها.