تقارير وتحليلات
"الجزائر تدق ناقوس الخطر"..
النفوذ الروسي يدفع حفتر نحو مزيد من التصعيد: تداعيات خطيرة على الجزائر
تتجاوز تداعيات التحركات العسكرية لحفتر في الجنوب الليبي حدود ليبيا لتصل إلى عمق المنطقة، حيث تثير مخاوف جدية بشأن استقرار دول الجوار. فبات واضحًا أن هذا الصراع لا يقتصر على صراع داخلي ليبي، بل تحول إلى بؤرة توتر إقليمية تهدد بتعقيد المشهد الأمني في شمال إفريقيا، وخاصة في ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في المنطقة.
وتداولت تسجيلات وصور بثتها وسائل إعلام مختلفة وشبكات التواصل الاجتماعي، توجه وحدات عسكرية تابعة لحفتر، إلى مناطق الجنوب الغربي، بدعوى حماية الحدود بفعل التطورات التي تعيشها المنطقة، لكن تركيزه على مدينة ومطار غدامس المتاخم للحدود الجزائرية، يعطي للعملية بعدا آخر.
وتحدث مختصون عن شروع حفتر في تنفيذ خطة تديرها روسيا تريد من خلالها بسط المزيد من النفوذ في ليبيا، واستعمال ترابها كقاعدة خلفية للتغلغل في منطقة الساحل، وأن غلق الأراضي الجزائرية في وجه القوات الروسية، دفع موسكو لفتح رواق إستراتيجي ينطلق من ليبيا إلى غاية خليج غينيا، مرورا بحلفائها الجدد في الساحل كالنيجر ومالي وبوركينا فاسو.
ومن شأن هذا التطور أن يزيد من إرباك الجزائر في ظل برود علاقتها مع مالي والنيجر وروسيا وعجزها عن التدخل بشكل يمنع تصعيدا قد يمس أمنها القومي.
تحالف حفتر مع قوى مناوئة للجزائر دفعها للانحياز لصالح الدبيبة، ما ضيع عليها فرصة أداء دور أكثر فاعلية في الأزمة الليبية
ورغم تأكيد رئاسة أركان الجيش الليبي على أن العملية الموجهة لاستعادة الجنوب الغربي للبلاد والتحكم في الحدود، لا تستهدف أيا من دول الجوار، كالجزائر وتونس، المتاخمتين للمدينة التي يستهدفها، لكن تحذيرات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تتأخر في التعبير عن الانزعاج من خطوة حفتر.
وكانت رئاسة أركان القوات البرية التابعة للقيادة العامة، التي يرأسها صدام حفتر، ابن المشير حفتر، قد أكدت على أن “تحرك وحداتها نحو الجنوب الغربي، يأتي ضمن خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية وتعزيز الأمن القومي في هذه المنطقة الإستراتيجية، من خلال تكثيف الدوريات الصحراوية والرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة، وأن هذا التحرك لا يستهدف أحدا”.
وذكرت في بيان لها نشرته في صفحتها الرسمية على فيسبوك بأن “التحرك يأتي تنفيذا لتعليمات المشير خلفية حفتر في إطار تعزيز الأمن على الحدود، والتصدي لأيّ تهديدات قد تستهدف سلامة الوطن واستقراره، وأن الوحدات العسكرية انتقلت إلى المناطق المكلفة بتأمينها وهي مدن: سبها وغات وأباري ومرزق والقطرون وبراك الشاطئ وأدري”.
وشدد على أن “هذه التحركات هدفها تعزيز تأمين المناطق الحدودية والجنوب، خاصة في ظل التوتر في دول الجوار، وإمكانية نشاط العصابات والجماعات المتطرفة”.
ويلمح البيان إلى التوتر المسجل في شمال مالي، خاصة مع المعركة المسلحة التي تكبد فيها الجيش المالي وقوات فاغنر هزيمة غير مسبوقة، خاصة وأن قومية الأزواد التي تناهض نظام باماكو، تمتد عبر الحدود الرابطة بين مالي والنيجر والجزائر وحتى ليبيا، الأمر الذي يشي بتدخل قوات حفتر في محاولة للتضييق ومحاصرة الفصائل الأزوادية المسلحة داخل حدودها.
لكن تحالف حفتر مع روسيا ودول إقليمية أخرى، يضع تحركه العسكري في إطار لا يشمل الوضع الليبي الداخلي فقط، بل يمتد إلى أجندة إقليمية تستهدف تعزيز تحالف دول الساحل مع روسيا، والقضاء على التنظيمات الانفصالية المسلحة، ولا يستبعد أن يكون رقما فاعلا في الرواق الإستراتيجي الذي تريد روسيا تنفيذه في منطقة الساحل.
وأعرب المجلس الأعلى للدولة عن قلقه البالغ ورفضه لتلك التحركات العسكرية في منطقة الجنوب الغربي، ووصفها بـ”المشبوهة” و”غير الشرعية”، وأنها “مسعى فاضح وواضح من قبل قوات حفتر لزيادة النفوذ والسيطرة على مناطق إستراتيجية مهمة مع دول الجوار، في إشارة إلى ما تردد بشأن عزم تلك القوات السيطرة على منفذ غدامس الحدودي مع الجزائر.
ولا زال المعبر الحدودي “غدامس” الرابط بين الجزائر وليبيا مغلقا في وجه الحركة، رغم اتفاق الحكومتين على فتحه في السنوات الأخيرة، وبسبب التحذيرات التي وجهها حفتر، والمخاوف من تسبب الخطوة في مواجهات مسلحة، تم تأجيل العملية إلى غاية الآن، ولا أفق لها في ظل التهديدات التي يحملها التحرك العسكري المذكور إلى المنطقة.
ومنذ دخول الجزائر في محاولات لحل الأزمة الليبية منذ العام 2020، تخيم قطيعة بينها وبين حفتر الذي هدد في وقت سابق بـ”الزحف العسكري على الجزائر”. وتبرر الجزائر تجاهلها للرجل باحترام ودعم الشرعية الدولية والأممية التي تقف إلى جانب حكومة طرابلس بقيادة عبدالحميد الدبيبة، لكنها تلح على ضرورة توفير المناخ الملائم لإجراء انتخابات تفرز مؤسسات دستورية شرعية في ليبيا.
ويرى مراقبون أن تحالف حفتر مع قوى مناوئة للطرح الجزائري، دفعها للانحياز لصالح حكومة الدبيبة، الأمر الذي أفقدها صفة الحياد وضيّع عليها فرصة أداء دور أكثر فاعلية ونجاعة في الأزمة الليبية.
وفيما لم يصدر عنها أي موقف إلى حد الآن، بشأن تحرك قوات حفتر على الحدود المشتركة المقدرة بنحو ألف كلم واستهدافه لمنطقة غدامس، شدد وزير الخارجية أحمد عطاف، في آخر تصريح له، بمناسبة استقباله لرئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالنيابة ستيفاني خوري، على رفض بلاده للوجود الأجنبي في ليبيا، وفي ما لم يشر إلى هوية الأطراف المعنية، إلى أن الرسالة شملت “الجميع” خاصة الروس والأتراك الذين يؤدون أدوارا معادية لمصالح الجزائر في منطقة الساحل.