تقارير وتحليلات

"رصد لأحداث سبتمبر 2024"..

تصاعد التوترات والتبادلات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله

زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله الذي قتلته إسرائيل في عملية قصف مكثفة على مركز قيادته في جنوب لبنان يوم الجمعة - أرشيف

بيروت

شهدت الحدود اللبنانية-الإسرائيلية خلال سبتمبر 2024، تصعيدًا خطيرًا بين حزب الله وإسرائيل. واندلعت التوترات بعد سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع حزب الله في جنوب لبنان ومناطق حساسة في بيروت. واستهدفت هذه الضربات مقر حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أسفر عن تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية للحزب وقتل وإصابة العديد.
وقد شكل استهداف اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هو ورفقة عدد كبير من قيادات الحزب، ضربة قاضية حيث أنه تم استكمال تحطيم سلسلة القيادة المركزية في الحزب ومحدثا حالة من الارباك والفراغ غير مسبوقة في تاريخ الحزب منذ تأسيسه، بهذا السرعة تم القضاء على رؤوس الحزب وبنيته القيادية وتلك استراتيجية جديدة انتهجتها إسرائيل هذه المرة بخلاف المعارك السابقة؛ مما يثير التساؤل حول مستقبل الحرب في جبهة لبنان، بل وفي المنطقة. كل هذه السيناريوهات سوف نناقشها في هذا التقرير؛ منطلقين من هذه التساؤلات هل الحرب مازالت في بدايتها أم أوشكت على الانتهاء؟ هل ستسعى إسرائيل استكمال بنك أهدافها الاستراتيجية التي رسمتها منذ زمن بتنفيذ عمليات برية في لبنان وضربات جوية في اليمن والعراق وسوريا، وصولا إلى هدفها الاعظم استهداف المشروع النووي الإيراني؟ 


التطورات الميدانية بين إسرائيل وحزب الله - سبتمبر 2024


في سبتمبر 2024م غيرت تل أبيب خطتها ورمت معادلة من نوع جديد وسعت الى نقل ثقل الحرب إلى الجبهة اللبنانية التي ظلت تستعد للحرب عليها منذ عام 2006، ووجهت ضربات نوعية للحزب بلغت أوجها بقصف مقر قيادة حزب الله أسفل الضاحية الجنوبية مستهدفة أمين عام حزب الله حسن نصر الله وعددا كبيرا من قادة وكوادر الحزب في هجوم يرجح أن ينقل الحرب لمربع آخر أشد ضراوة.
وهذه الخطة الاستراتيجية لم تكن وليدة اللحظة بل كانت من ضمن مخرجات مشروع نفذه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ((INSS، ونُشر غالبية محتوى المشروع في عام 2021 بعنوان "الحرب القادمة في الشمال: السيناريوهات والبدائل الاستراتيجية والتوصيات"، بينما لم تُنشر بعض مضامينه الأخرى لحساسيتها الأمنية مع تسليمها كملحق سري للجهات المعنية داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
لقد أُدرجت هذه الدراسة لبنان برفقة سوريا ضمن "الدائرة الأولى" الأكثر خطورة، بينما أُدرج العراق ضمن "الدائرة الثانية"، فيما أُدرجت إيران واليمن ضمن "الدائرة الثالثة". وظل الكابوس الذي يخشى منه الخبراء العسكريون الإسرائيليون هو حدوث حرب متزامنة متعددة الجبهات في الدوائر الثلاثة بالتزامن مع اشتعال غزة والضفة الغربية، ضمن ما أطلقوا عليه "حلقة النار" الإيرانية.
تلك الخطة نرى مجريات تنفيذها في شهر سبتمبر 2024م والذي تمد التمهيد لها بعدد من العمليات العسكرية سواء اكانت برية أم جوية وهي كالاتي: 
- الغارات الجوية:
شنت إسرائيل عدة غارات جوية على مواقع حزب الله في جنوب لبنان ومناطق في ضاحية بيروت الجنوبية. استهدفت الغارات مقار القيادة والبنى التحتية العسكرية للحزب.
- إطلاق الصواريخ:
رد حزب الله بإطلاق صواريخ على شمال إسرائيل، مما تسبب في إصابات وخسائر مادية. تم تفعيل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية في مواجهة هذه الهجمات.
- التوتر على الحدود:
القوات الإسرائيلية كثفت وجودها على الحدود اللبنانية وسط تكهنات بعملية برية محتملة، ما زاد من مخاوف توسيع الصراع.


- التسلسل الزمني للاغتيالات في لبنان - سبتمبر 2024


وفي سبيل تنفيذ تلك الاستراتيجية سعت إسرائيل في منتصف سبتمبر/أيلول 2024، على تفكيك سلسلة القيادة العسكرية العليا لحزب الله بعمليات اغتيال مكثفة طالت إبراهيم عقيل قائد عمليات الحزب رفقة قادة قوة الرضوان، ثم إبراهيم قبيسي ومحمد سرور قائدي القوة الجوية والقوة الصاروخية بالحزب، وذلك بعد سابقة استهداف فؤاد شكر القائد العسكري للحزب.
كما استهدف شبكة الاتصالات ونحو 4 آلاف من كوادر الحزب في تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي، واستهدف مخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ في سلسلة غارات واسعة، وصولا إلى تدمير مقر قيادة حزب الله المركزي أسفل الضاحية الجنوبية مستهدفا حسن نصر الله أمين عام حزب الله وبقية الهيكل القيادي للحزب.

 

جدول رقم(1): يوضح سلسلة الاغتيالات خلال شهر سبتمبر 2024

م  تاريخ  الأهداف المرصودة  
1. 11 سبتمبر: 2024تم اغتيال فؤاد شكر، القيادي البارز في حزب الله، في هجوم استهدف سيارته في الضاحية الجنوبية لبيروت.
217 و18 سبتمبر 2024،شهد لبنان سلسلة من التفجيرات المنسقة التي استهدفت أجهزة الاتصال مثل أجهزة البيجر والواتش، مما أسفر عن مقتل 42 شخصًا وإصابة حوالي 3500 آخرين.
320 سبتمبر: 2024

غرة جوية إسرائيلية على مبنى يضم قيادات من حزب الله. أسفرت عن مقتل إبراهيم عقيل، قائد عمليات الحزب، بالإضافة إلى العديد من القيادات الأخرى. تم الإبلاغ عن مقتل ما لا يقل عن 45 شخصًا، من بينهم نساء وأطفال، في هذا الهجوم، مما أثار ردود فعل واسعة من الحكومة اللبنانية وحزب الله.

422 سبتمبر:2024

في غارة جوية استهدفت علي كراكي، قائد الجبهة الجنوبية لحزب الله، مما أدى إلى إصابته لكن دون قتله.

524سبتمبر:2024

قتل في غارة جوية إسرائيلية إبراهيم القبيسي قائد وحدة الصواريخ والمدفعية في حزب الله.

626 سبتمبر:2024

قتل في غارة جوية إسرائيلية محمد حسين سرور  قائد وحدة الطائرات المسيرة في حزب الله.

727 سبتمبر:2024

قتل في غارة جوية إسرائيلية كل من حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، وكركي قائد الجبهة الجنوبية لحزب الله، ونيلفوروشان قائد قوة القدس في لبنان.

 

مما سبق تبين أن هذه الاغتيالات تأتي في إطار الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله، حيث تعتبر هذه الأحداث جزءًا من استراتيجية إسرائيل للحد من قدرة حزب الله على تنفيذ عمليات ضدها، في حين تتعرض المنطقة لضغوط أمنية متزايدة واحتقان داخلي.

وهذا ما أكدته دراسة مطولة نشرها في عام 2022 بعنوان "مواجهة الاستراتيجية الإقليمية لإيران: نهج طويل الأجل وشامل"، ودعا فيها لمقاربة تؤدي لانكفاء إيران نحو الداخل، وذلك عبر استهداف قادة وكوادر الحرس الثوري داخل إيران وخارجها، وتدمير مصانع الأسلحة الإيرانية، وتشكيل محور أميركي إسرائيلي عربي يستهدف تقويض النفوذ الإيراني بالمنطقة.

الوضع الإنساني:

أدت هذه الاشتباكات إلى تفاقم الوضع الإنساني في لبنان. آلاف المدنيين نزحوا من المناطق الحدودية ومن ضاحية بيروت الجنوبية. كما سجلت تقارير محلية تزايد الضغط على المستشفيات نتيجة إصابات المدنيين، وأعلنت الحكومة اللبنانية حالة الطوارئ.

ردود الفعل الدولية على التصعيد بين إسرائيل وحزب الله - سبتمبر 2024:

شهدت الأحداث إدانات دولية واسعة. الأمم المتحدة دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار بين الطرفين، بينما حاولت عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، الضغط على الطرفين لتجنب تصعيد أكبر. إلا أن احتمالية اجتياح بري إسرائيلي للبنان ظل موضوع قلق دولي وسط تحذيرات متكررة من عواقب كارثية لهذا السيناريو.

الأمم المتحدة:

دعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري للأعمال العدائية بين الطرفين، محذرة من التداعيات الإنسانية الكبيرة على المدنيين في لبنان، وطالبت جميع الأطراف بالتهدئة والعودة إلى المفاوضات.

الولايات المتحدة:

عبرت الولايات المتحدة عن دعمها لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، بينما طالبت بتجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب إقليمية أكبر. كما قامت بتقييم وضع قواتها في المنطقة في ظل التوترات المتصاعدة.

الاتحاد الأوروبي:

دعا الاتحاد الأوروبي إلى ضبط النفس من الطرفين وأكد أهمية إيجاد حل سياسي للصراع، مشيرًا إلى ضرورة حماية المدنيين وضمان عدم تفاقم الوضع الإنساني في لبنان.

فرنسا:

لعبت فرنسا دورًا في الوساطة، معربة عن قلقها من تدهور الأوضاع على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وسعت لتخفيف التوتر عبر الدبلوماسية، نظرًا لعلاقاتها التاريخية مع لبنان.

إيران:

أعلنت إيران دعمها لحزب الله، مؤكدة أن الهجمات الإسرائيلية تمثل تهديدًا على سيادة لبنان، ودعت المجتمع الدولي إلى إدانة الغارات الإسرائيلية.

ردود الفعل الدولية تتفاوت بين دعم لإسرائيل، دعوات للتهدئة، ومخاوف من تصاعد الصراع إلى حرب شاملة في المنطقة.

التوقعات المستقبلية للصراع بين إسرائيل وحزب الله:

في ظل التصعيد الأخير بين إسرائيل وحزب الله خلال سبتمبر 2024، تبقى التوقعات للمستقبل مليئة بالتوتر والاحتمالات الخطيرة. هناك عدة عوامل تلعب دورًا رئيسيًا في رسم مسار الأحداث المقبلة:

احتمالية التصعيد العسكري:

في ضربة إسرائيلية ضخمة استهدفت قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، قُتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الشخصية التي غيّرت لعقود المشهد السياسي في لبنان والمنطقة بأسرها. عملية الاغتيال لم توقف عمليات القصف في لبنان ولا إطلاق الصواريخ اتجاه الشمال الإسرائيلي من لبنان. لكن السؤال الذي بات يفرض نفسه الآن: "ماذا بعد؟"

يعد مقتل نصر الله حدثا مفصليا يثير تساؤلات جديّة حول مستقبل حزب الله، ويترك فراغا كبيرا في لبنان والمنطقة، فضلا عن تساؤلات متعلقة باستمرارية مشروعه في "مواجهة إسرائيل"، فكل الأنظار تتجه نحو كيفية تعامل الحزب مع هذا التحول التاريخي.

 

يُصنَّف حزب الله، الذي يحظى بدعم وتمويل من إيران، "منظمة إرهابية" في دول غربية عدة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكذلك بعض الدول العربية. بينما تعتبر الحكومة اللبنانية حزب الله "مجموعة مقاومة شرعية" ضد إسرائيل ولها كتلة برلمانية في مجلس النواب اللبناني.

 

على الرغم من عدم وقوع اجتياح بري إسرائيلي حتى الآن، فإن هذه الفرضية لا تزال واردة، خصوصًا إذا استمرت التهديدات المتبادلة وعمليات حزب الله العسكرية. قد ترى المنطقة مواجهات عسكرية أكبر إذا تصاعدت الهجمات الصاروخية أو العمليات البرية.

التدخل الدولي:

الضغط الدولي وخاصة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة قد يلعب دورًا في تهدئة التصعيد. إلا أن القدرة على تحقيق هدنة أو وقف لإطلاق النار يعتمد على مدى استعداد الطرفين للتفاوض والتنازل.

الأثر الداخلي في لبنان:

لبنان، الذي يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية حادة، قد يواجه انهيارًا أكبر في البنية التحتية والخدمات العامة إذا استمرت الحرب. ومع استمرار النزوح الداخلي في المناطق الحدودية والضاحية الجنوبية لبيروت، فإن الوضع الإنساني مرشح للتفاقم.

مستقبل حزب الله:

حزب الله قد يعيد تقييم استراتيجيته العسكرية والسياسية في لبنان، خاصة إذا تعرض لخسائر كبيرة. بالمقابل، إذا تمكن من صد الهجمات الإسرائيلية، فقد يعزز من موقفه كقوة سياسية وعسكرية رئيسية في لبنان.

تأثير الصراع على الأمن الإقليمي:

تصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله قد يمتد ليشمل دولًا إقليمية أخرى أو يتسبب في عدم استقرار أوسع في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا والأردن. كما أن التوترات المتزايدة قد تؤدي إلى تدخلات إقليمية أو دولية واسعة النطاق.

بشكل عام، يبقى الوضع مفتوحًا على جميع الاحتمالات، مع وجود مخاطر حقيقية من توسع الصراع ليشمل مناطق أكبر أو يؤدي إلى تدهور الوضع الإنساني والأمني في لبنان والمنطقة.


 

الصومال: موقع استراتيجي وثروات طبيعية في قلب الصراعات الدولية


مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة: منصة لتجديد الفكر العربي واستعادة المركزية الفكرية


معركة في الدوري الإنجليزي: غوارديولا أمام اختبار البقاء وتوتنهام لرد الاعتبار


دراسة أمريكية تسلط الضوء على العلاقة بين الأمراض النسائية والموت المبكر