تحليلات

"دور إقليمي يعمق الأزمة ويزيد شهية الأذرع الإيرانية"..

قيفة اليمنية.. مسرح مفتوح لإرهاب الحوثيين واستهداف المدنيين

قبائل رداع والبيضاء تمثل عقبة كبيرة أمام المشروع الحوثي - أرشيف

تتصاعد الأحداث الدامية في قرية "حنكة آل مسعود" بمديرية القريشية، محافظة البيضاء، وسط اليمن، حيث فرضت جماعة الحوثي الموالية لإيران، حصارًا خانقًا على المنطقة تخلله قصف مكثف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة. 

وأسفر هذا التصعيد عن مآسٍ إنسانية كبيرة، شملت تدمير المنازل وتشريد السكان واعتقال المئات من المدنيين، بينهم أطفال وشيوخ، وسط أوضاع إنسانية متردية وانقطاع كامل لخدمات الاتصالات. 

في المقابل، تبرر جماعة الحوثي حملتها بأنها تهدف إلى "تطهير المنطقة" من عناصر مسلحة تدّعي انتماءها لتنظيمات، بينما تتهمها الحكومة اليمنية بارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الأهالي، تقول حكومة عدن إن التنظيمات الإرهابية تتحالف مع الأذرع الإيرانية، في إشارة الى حصول تنظيم القاعدة في أبين على أسلحة ومتفجرات إيرانية الصنع.

لكن النزاع في قيفة اضاف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد اليمني، مع دعوات محلية ودولية للتدخل الفوري لوقف الانتهاكات وحماية المدنيين. 

في هذا التقرير، تسلط "مؤسسة اليوم الثامن للإعلام"، الضوء على أبعاد هذه الانتهاكات التي، مستعرضين شهادات السكان المحليين وتحليلًا لتداعيات الأحداث على المنطقة.

 

هجوم واسع على قرية حنكة آل مسعود وانتهاكات جسيمة

 

 في الأيام الأولى من شهر يناير، شنت جماعة الحوثيين الموالية لإيران هجوماً واسعاً على قرية حنكة آل مسعود، الواقعة في مديرية القريشية التي تتبع قبائل قيفة رداع بمحافظة البيضاء، وسط اليمن. واستمر الهجوم لعدة أيام، انتهى بسيطرة الجماعة على القرية بعد معارك عنيفة غير متكافئة مع القبائل، وهي ضمن حروب عدة تشنها الجماعة المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، بغية القضاء على أخر مقاومة لمشروع الإيراني في شمال اليمن.

وأفادت مصادر قبلية لـ"اليوم الثامن" بأن الحوثيين دفعوا بتعزيزات عسكرية كبيرة قبيل الهجوم، شملت الطائرات المسيرة، الدبابات، المدفعية الثقيلة، وقوات تم استقدامها من معسكرات في رداع والسوادية وذمار وصنعاء، وحتى محافظة إب. ودارت اشتباكات عنيفة بين الجماعة المسلحة وأبناء قبيلة آل مسعود، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الحوثيين، بينهم قيادات ميدانية بارزة اعترفت الجماعة بمقتلهم. 

وثقت مصادر حقوقية مقتل وإصابة مدنيين، بينهم نساء وأطفال، جراء الهجوم الحوثي العنيف. كما انتشرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مشاهد لتهجير قسري لعشرات العائلات من القرية. وأكدت المصادر أن العائلات المهجرة لجأت إلى وادي "ثاه"، بينما بقي المئات من السكان عالقين في القرية تحت نيران الاشتباكات. 

كشفت المصادر عن اختطاف الحوثيين لما لا يقل عن 400 مدني من أبناء قبيلة آل مسعود، معظمهم من كبار السن والأطفال. وتم نقل 340 من المعتقلين إلى سجن إدارة منطقة رداع في الكمب، بينما نقلت 60 آخرين إلى السجن المركزي برداع، وسط ظروف إنسانية وصفت بالكارثية. 

ويشير الهجوم الحوثي على قرية حنكة آل مسعود إلى استمرار الجماعة في نهجها القمعي الممنهج المدعوم من إيران، والذي يستهدف تفكيك البنية القبلية وتشريد السكان من مناطقهم. ويدعو مراقبون ومنظمات حقوقية المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات الجسيمة وحماية المدنيين من العمليات العسكرية التي تتسم بالوحشية. 

ويأتي هذا الهجوم في سياق تصعيد حوثي واسع النطاق بمحافظة البيضاء، مما يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية في اليمن ويفرض تحديات إضافية على الجهود الدولية الرامية لتحقيق السلام في البلاد.

أعلنت جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، سيطرتها الكاملة على منطقة "حنكة آل مسعود" بعد ان نجحت في قمع القبائل، وهو ما اسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى واعتقال المئات من أبناء المنطقة.

أفادت وزارة الداخلية التابعة للجماعة في بيان رسمي أن قواتها "طهرت" المنطقة من ما أسمتهم بـ"عناصر متطرفة"، مبررة حملتها بأنها جاءت بعد رفض أبناء المنطقة تسليم أنفسهم والقبول بالوساطات القبلية، وزعمت الجماعة أن هؤلاء العناصر كانوا مسؤولين عن اعتداءات على تجمعات مسلحين موالين وتحريض ضدها.

وأكدت مصادر حقوقية أن الحملة الحوثية تخللتها عمليات قصف عشوائي استهدفت منازل المدنيين في القرية، مما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 15 شخصًا، بينهم نساء وأطفال. كما وثقت المصادر تهجيرًا قسريًا لعشرات العائلات، حيث لجأت بعض الأسر إلى وادي "ثاه"، في حين بقي المئات عالقين وسط الاشتباكات.

وكانت تقارير حقوقية يمنية قد أكدت أن الجماعة اختطفت ما لا يقل عن 400 مدني، بينهم أطفال وشيوخ، ونقلتهم إلى سجون في منطقة الكمب والسجن المركزي برداع، في ظروف إنسانية صعبة. وأفادت تقارير أخرى بقيام الحوثيين بتفجير وحرق عدد من المنازل وتفخيخ منازل أخرى خلال عامين، في تأكيد على وجود نية لأذرع إيران على قمع القبائل في رداع والتي رفضت المثول للجماعة.

واستنكرت سفارات الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا الهجمات الحوثية على قرية "حنكة آل مسعود"، ووصفتها بأنها انتهاكات صارخة للقانون الدولي وجرائم حرب تتطلب تحقيقًا عاجلًا ومحاسبة المسؤولين عنها. ودعت السفارات إلى وقف فوري للانتهاكات الحوثية، وحثت المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات أكثر صرامة.

من جهتها، أصدرت قبائل البيضاء بيانًا قوي اللهجة ندّدت فيه بجرائم الحوثيين، ووصفت العملية بأنها "تطهير عرقي وإبادة جماعية". وأكدت القبائل أن الحوثيين يستغلون تصنيف خصومهم بـ"الإرهابيين" كذريعة لتبرير انتهاكاتهم، مشيرة إلى أن هذه الاستراتيجية تخدم المخططات الإيرانية التوسعية في اليمن.

وأعرب عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، خلال اتصال هاتفي مع محافظ البيضاء ناصر الخضر السوادي، عن تضامنه مع أهالي القرية، وأشاد بصمودهم في مواجهة انتهاكات الحوثيين. كما وجه بتقديم الدعم الطبي للجرحى الذين تم نقلهم إلى عدن لتلقي العلاج، وترحّم على أرواح الضحايا.

ودعا وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لوقف الجرائم الحوثية، محذرًا من أن استمرار الصمت الدولي يشجع الجماعة على تصعيد انتهاكاتها. وطالب الإرياني بتصنيف الحوثيين كـ"تنظيم إرهابي عالمي"، ومحاكمة قادتهم أمام المحاكم الدولية على الجرائم التي ارتكبوها بحق المدنيين.

وجاءت هذه الهجمات الحوثية ضمن سلسلة من العمليات العسكرية التي تنفذها جماعة الحوثيين بدعم مباشر من إيران، والتي تهدف إلى إخضاع المناطق القبلية بالقوة، ما يعكس إصرار الجماعة على المضي قدمًا في سياسة القمع والتوسع العسكري. ومع استمرار هذه الانتهاكات، تتزايد المطالبات الدولية باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين ووضع حد للتدخل الإيراني الذي يساهم في تأجيج الصراع اليمني.

 أهمية البيضاء وقبائلها وخلفية الصراع مع صنعاء

قبائل رداع، التابعة لمحافظة البيضاء، تعد واحدة من أهم القبائل اليمنية التي تمتاز بتماسكها الاجتماعي وموقعها الاستراتيجي في وسط البلاد. وتعتبر هذه القبائل جزءًا من قبائل "قيفة"، التي لعبت دورًا بارزًا في مقاومة مشروع إيران في اليمن، سواء من الجماعات المتطرفة أو القوى التي تسعى لفرض سيطرتها بالقوة، كما أن البيضاء بحد ذاتها لديها نزعة انتقامية من حروب سابقة كانت الإمامة في اليمن قد اخضعت البيضاء لمصلحة نفوذ الإمام أحمد في صنعاء، في عشرينيات القرن الماضي، وذلك بعد استعانة السلطان الرصاص بالإمام في مواجهة قبائل آهل حميقان التي تقع في الحدود مع محافظة البيضاء.

في عام 1923، شهدت محافظة البيضاء  حدثًا تاريخيًا بارزًا، حيث استعان السلطان حسين بن أحمد الرصاص بالإمام يحيى لمواجهة قبائل آل حميقان التي كانت قد ضيّقت عليه وقتلت شقيقه صالح في العام السابق. استجاب الإمام يحيى لطلب السلطان الرصاص، وأرسل حملة عسكرية كبيرة استعان فيها بقبائل يمنية من صنعاء وذمار، تحت ذريعة دعم السلطان الرصاص ضد آل حميقان. 

تمكنت هذه الحملة من السيطرة على مدينة البيضاء بعد معارك ضارية، فيما عُرف بيوم "الربوع" (الأربعاء). إلا أن الإمام يحيى استغل هذا النزاع لتعزيز نفوذه في المنطقة، مما أدى لاحقًا إلى صراعات بينه وبين السلطان الرصاص، الذي حاول مقاومة تمدد نفوذ الإمامة في مناطق نفوذه، لكنه فشل ليصبح لاجئا لدى قبائل العواذل في مكيراس.

وقد مثلت تلك الحرب انتكاسة عميقة لا تزال آثارها إلى اليوم، عير ان قبائل البيضاء ورداع مثلت خلال السنوات العشر الأخيرة قوة ميدانية واجتماعية قادرة على التأثير في مسار الأحداث، وذلك بفضل قدرتها على التحشيد، ودورها الفاعل في حماية أراضيها من التدخلات الخارجية، لكن يظل العامل الإقليمي هو الدور الأبرز  كما أن موقعها الجغرافي يجعلها عقبة رئيسية أمام الحوثيين في محاولاتهم لعودة السيطرة الكاملة على محافظتي أبين وشبوة، حيث تمثل البيضاء نقطة استراتيجية تربط بين الجنوب والشمال اليمني.

وشنت جماعة الحوثيين خلال الأعوام الأخيرة، وخاصة في الفترة بين 2024-2025، عدة حملات عسكرية على مناطق قبائل رداع، أبرزها الهجوم الأخير على قرية "حنكة آل مسعود".

 وقد اعتمد الحوثيون في هذه الحملات على تعزيزات عسكرية ضخمة شملت الطائرات المسيرة، الدبابات، والمدفعية الثقيلة، ما يشير إلى أهمية هذه المنطقة في استراتيجيتهم. 

ولجأت الجماعة إلى تهجير العائلات القبلية بالقوة، كما حدث في الهجمات الأخيرة، حيث اضطرت عشرات الأسر إلى الفرار من منازلها واللجوء إلى المناطق المحيطة. الهدف من هذه السياسة هو تفكيك النسيج القبلي وزعزعة الاستقرار الاجتماعي. 

وعمد الحوثيون إلى استهداف القيادات القبلية من خلال عمليات الاعتقال والاغتيال، بهدف إضعاف الهياكل القيادية التقليدية التي يمكن أن تنظم مقاومة ضد الجماعة، وهي استراتيجية منفردة استخدمها الحوثيون بعد ان نجحوا في اخضاع القبائل اليمنية بسهولة منذ بداية الصراع، غير ان رداع والبيضاء والخلفية التاريخية للصراع كانت العقبة الوحيدة امام الحوثيين، الذين تعرضوا لأكبر حرب استنزافية منذ بداية الصراع في أواخر العام 2024م، وقد شرعت الجماعة إلى استهداف الزعامات القبلية بالقتل وتدمير تدمير الممتلكات، نهب الثروات، وفرض الجبايات على القبائل، ضمن استراتيجية إنهاك القبائل اقتصاديًا وإضعاف قدرتها على القيام بأي مقاومة، فالحوثيون الذين يحتلون مكيراس المجاورة، ويتمركزن في اعلى عقبة ثرة

وتدرك جماعة الحوثيين أن القبائل تشكل العقبة الأكبر أمام فرض مشروعها السياسي والطائفي، نظرًا للتاريخ الطويل للقبائل في التصدي للهيمنة الإمامية. 

الحرب الحوثية على قبائل البيضاء.. أهداف محلية وأبعاد إقليمية 

لم يواجه الحوثيون أي عقبات حقيقية خلال توسعهم من صعدة إلى صنعاء، حيث مهدت أحداث 11 فبراير 2011م، التي قادها الإخوان المسلمون ضد نظام علي عبدالله صالح، الطريق أمامهم للوصول إلى العاصمة صنعاء بسرعة. فقد شارك الحوثيون مع الإخوان في التظاهر لإسقاط النظام اليمني آنذاك، وهو ما أسهم في تحولهم بعد الإطاحة بصالح إلى قوة سياسية مسلحة معترف بها خلال مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014م). 

بحلول السابع من يوليو 2014م، أسقط الحوثيون محافظة عمران، وفي 21 سبتمبر من نفس العام، سيطروا على العاصمة صنعاء دون مقاومة تُذكر، خاصة بعد تحييد الجنرال علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع وأحد أبرز القادة العسكريين آنذاك. فر الأحمر إلى السفارة السعودية بصنعاء، والتي تكفلت بإخراجه إلى الرياض، حيث استقر هناك منذ ذلك الحين. 

لم تصمد قوات حراسة الرئيس عبدربه منصور هادي طويلًا أمام الحوثيين، خاصة مع انضمام تشكيلات عسكرية يمنية إلى الجماعة المسلحة. أعلن هادي استقالته، مما فتح الطريق أمام الحوثيين للتوسع جنوبًا، حتى وصلوا إلى محافظة البيضاء، التي شكلت عقبة كبيرة أمام تمددهم نحو محافظتي أبين ويافع. 

مقاومة قبلية في وجه التغول الحوثي

رغم فارق الإمكانيات العسكرية، حيث امتلك الحوثيون أسلحة الجيش اليمني الثقيلة، بينما اعتمدت قبائل البيضاء على أسلحة خفيفة ومتوسطة، صمدت القبائل لأسابيع في مقاومة شرسة. ومع ذلك، ومع مرور أكثر من عقد على سيطرة الحوثيين على معظم الأراضي اليمنية، لا تزال بعض المناطق في البيضاء، مثل الزاهر ورداع، تحتفظ بجيوب مقاومة قبلية. 

على الرغم من استخدام الحوثيين للقوة المفرطة في محاولة كسر شوكة هذه القبائل، إلا أن غياب الدعم العسكري والإسناد الجوي جعل من استمرار المقاومة أمرًا صعبًا. 

يؤكد زعيم قبلي في حديث لـ"اليوم الثامن" أن القبائل مستعدة لاستئناف القتال ضد الحوثيين إذا ما حصلت على الدعم العسكري الكافي. ويضيف: "ما نحتاجه هو دعم دولي وإقليمي حقيقي، وإرادة من الفاعلين الدوليين لدعم المقاومة القبلية. لكن حتى الآن، يبدو أن البيانات الدولية تقتصر على الإدانات التي قد تكون تحركات سياسية أو مجرد رسائل لإرضاء الرأي العام دون اتخاذ خطوات عملية". 

وتمثل البيضاء جبهة معقدة بسبب صمود قبائلها، وهو ما يجعلها عقبة أمام الهيمنة الحوثية الكاملة، وتعكس مقاومة قبائل البيضاء إمكانية أن تكون هذه المنطقة ورقة ضغط على الحوثيين إذا توافرت الإرادة الدولية والإقليمية لدعمها، لكن استمرار الصمت الإقليمي والدولي تجاه ممارسات الحوثيين في البيضاء يطرح تساؤلات حول جدية المجتمع الدولي في دعم استقرار اليمن ومواجهة النفوذ الإيراني الذي يعزز وجود الحوثيين.

تقديم الدعم الفعلي والمباشر للقبائل في البيضاء يشكل عاملاً حاسمًا في إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، وهو ما يتطلب تنسيقًا فاعلًا من القوى الدولية والإقليمية لمواجهة النفوذ الحوثي المدعوم من إيران، وإعادة التوازن إلى المشهد اليمني. 

إن استهداف الحوثيين المستمر لقبائل رداع والبيضاء يمثل تهديدًا وجوديًا للنسيج القبلي اليمني، الذي يشكل خط الدفاع الأول في مواجهة الأطماع الحوثية. من هنا، يجب أن يصبح دور التحالف العربي والدولي في دعم القبائل نقطة تحول استراتيجية لتعزيز النزعة القبلية المقاومة للأذرع الإيرانية. 

استمرار تجاهل هذه القبائل وخذلانها يعني فتح الباب أمام الحوثيين لإضعاف أي مقاومة داخلية محتملة، ما يسهم في توطيد قبضتهم على المناطق الوسطى واليمن ككل، وهي المناطق الواقعة خارج اطار الهضبة الزيدية التي تمثل الحاضنة الرئيسية لهم.

يسعى الحوثيون بشكل ممنهج إلى تفكيك النسيج الاجتماعي اليمني من خلال استهداف قبائل رداع، بهدف السيطرة على المناطق الوسطى التي ترتبط جغرافيًا بالمحافظات الجنوبية المحررة. 

هذه السيطرة تفتح الطريق أمام الأذرع الإيرانية لتعزيز دعمها للتنظيمات الإرهابية، مثل القاعدة، التي تتمركز في جبال أبين وشبوة. ويشمل هذا الدعم تزويد التنظيمات الإرهابية بالطائرات المسيرة والعبوات الناسفة الذكية، وهي تقنيات حصل عليها تنظيم القاعدة مؤخرًا نتيجة تحالفه مع الحوثيين. 

إعادة تشكيل التحالفات القبلية فرصة حاسمة 

اليوم تبدو الفرصة مواتية لإعادة تشكيل التحالفات القبلية وتوحيد الصفوف في مواجهة جماعة الحوثيين، من خلال تأسيس جبهة قبلية موحدة تسهم في إعادة ترتيب موازين القوى الداخلية. هذه الجبهة يمكن أن توقف سياسة التهجير والملاحقات التي يعتمدها الحوثيون لإضعاف القبائل وتفكيكها، وتفشل مخططات الهيمنة الإمامية (القديمة والجديدة)، وذلك عبر دعم القبائل بالأسلحة والإمدادات الضرورية التي تعزز قدرتها على الصمود والمقاومة. 

تقع على عاتق القوى الدولية والإقليمية مسؤولية كبيرة في تقديم الدعم العسكري والسياسي للقبائل. ومع ذلك، يتعين أن يكون هذا الدعم مشروطًا بالتزام القبائل، بحيث تشمل حربها، بعد تحرير البيضاء من الحوثيين، القضاء على التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل القاعدة وداعش، التي وجدت في بعض مناطق البيضاء ملاذًا آمنًا بدعم غير مباشر من الحوثيين. 

تطهير البيضاء من الحوثيين والتنظيمات الإرهابية سيمثل فرصة للقبائل لتأمين المنطقة بشكل كامل، ويعزز دورها في أي محادثات سلام أو مفاوضات سياسية قادمة. هذا الحضور السياسي يضمن تمثيلًا عادلًا يعكس أهمية القبائل ودورها التاريخي في تحقيق الاستقرار. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية للمناطق القبلية المتضررة من الصراع هو أمر ضروري لضمان عودة الحياة الطبيعية، ودعم صمود القبائل التي تحملت العبء الأكبر من النزاع. 

اليمن الذي شكلت فيه القبيلة إحدى أهم مقومات النظام الاجتماعي والسياسي على مدى نصف قرن، يجد اليوم نفسه في مواجهة مشروع طائفي يسعى لإقامة نظام إمامي جديد على حساب القبائل اليمنية. فالصراع الحالي في اليمن يتمحور بشكل كبير حول القبيلة، التي تعد أحد الفصول الأساسية في مواجهة الحوثيين. 

الحوثيون الذين يستندون إلى ما يُعرف بـ"الهاشمية السياسية"، يرون أن بقائهم واستمرار مشروعهم الطائفي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إضعاف القبيلة اليمنية وتفكيك بنيتها الاجتماعية. ومن هنا، يصبح دعم القبائل وتمكينها ضرورة استراتيجية ليس فقط لإنهاء الصراع الحالي، ولكن أيضًا للحفاظ على اليمن وهويته الاجتماعية والسياسية. 

إعادة ترتيب التحالفات القبلية ودعمها بشكل فاعل سيمثل خطوة أساسية في مواجهة المشروع الحوثي والتنظيمات الإرهابية، وفتح الطريق أمام تحقيق الاستقرار في اليمن. تأمين البيضاء سيكون نقطة انطلاق لتوازن جديد في المشهد اليمني، يعيد للقبيلة دورها التاريخي كركيزة أساسية في بناء النظام الاجتماعي والسياسي.

إعادة إدراج الحوثيين كإرهابيين.. دلالات سياسية وأمنية على الساحة اليمنية


من دافوس إلى الرياض.. استثمارات سعودية في طريقها إلى التريليون


مواهب سينمائية واعدة.. منصة الشارقة تُكرّم صناع الأفلام من مختلف الجنسيات


حملة دعم تاريخية.. الإيرانيون يجمعون أكثر من 7 ملايين دولار لقناة المعارضة