تطورات اقليمية
تركيا وإيران في مواجهة غير معلنة على الأراضي السورية..
التوترات الطائفية تعود إلى الواجهة.. ما وراء الاشتباكات في معقل العلويين بسوريا
تصاعد التوترات في معقل العلويين بسوريا وتساؤلات حول دور إيران وحزب الله
شهدت مناطق الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السابق بشار الأسد، يوم الجمعة 7 مارس 2025، معارك عنيفة لليوم الثاني على التوالي بين قوات الأمن السورية ومجموعات مسلحة موالية للنظام السابق.
هذه التطورات أثارت تساؤلات حول طبيعة التمرد الناشئ، ومدى تورط جهات خارجية، خاصة إيران وحزب الله، في دعم فلول الأسد لاستعادة نفوذهم المفقود عقب التغيير السياسي في سوريا.
واندلعت الاشتباكات يوم الخميس في قرية بيت عانا بمحافظة اللاذقية، عندما منعت مجموعة من الأهالي قوات الأمن من توقيف مطلوب بتهمة تجارة السلاح، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي مدينة جبلة، هاجم مسلحون موالون للأسد رتلاً أمنياً، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، قبل أن ترسل الإدارة الجديدة تعزيزات كبيرة للسيطرة على الوضع. وأشار المرصد إلى أن العملية كانت "منظمة بشكل كبير"، مما يوحي بوجود جهة داعمة، قد تكون حزب الله أو طرف آخر، سهّل تسليح المجموعات المتمردة.
مدير إدارة الأمن العام في اللاذقية، المقدم مصطفى كنيفاتي، أكد أن الهجمات كانت "مدروسة ومعدة مسبقاً"، واستهدفت نقاطاً وحواجز أمنية، مما أسفر عن خسائر في صفوف القوات. ومن بين القادة المرتبطين بالتمرد العقيد السابق سهيل الحسن، الملقب بـ"النمر"، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين أنصار الأسد.
وتتصاعد الاتهامات الموجهة لإيران بالوقوف وراء التمرد، سواء بشكل مباشر أو عبر حلفائها مثل حزب الله. تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قبل أيام، التي انتقد فيها الدور الإيراني، تعزز فرضية علم الاستخبارات التركية بتحركات مماثلة.
كما أن الخطاب الإيراني الرسمي، بما في ذلك كلمة المرشد الأعلى علي خامنئي في ديسمبر 2024 التي توقع ظهور "مجموعة شريفة وقوية" في سوريا، وتعليق وزير الخارجية عباس عراقجي بأن "الانتصارات ليست مؤكدة بعد"، يعكسان موقفاً داعماً لفلول الأسد.
وسائل الإعلام الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري وصفت القوات الحكومية السورية بـ"عناصر الجولاني"، بينما أطلقت على المتمردين لقب "قوات المقاومة"، في تغطية تبدو موجهة لدعم حلفاء طهران. ويتهم نشطاء حزب الله بتسهيل تهريب السلاح إلى المناطق العلوية عبر شبكاته القديمة.
وأثارت الاشتباكات مخاوف من تصاعد العنف الطائفي ضد العلويين، الذين شكلوا قاعدة دعم النظام السابق. وأفاد ناشطون علويون بتعرض الطائفة لهجمات في ريف حمص واللاذقية منذ سقوط الأسد. في المقابل، ألقى المجلس الإسلامي العلوي باللوم على الحكومة المؤقتة، متهماً إياها بإرسال قوافل عسكرية لـ"ترهيب وقتل" السكان، ودعا إلى حماية أممية للمنطقة الساحلية.
إيران، من جانبها، نفت تورطها، وأكد المتحدث باسم خارجيتها إسماعيل بقائي معارضة طهران للعنف ودعوتها لضمان أمن جميع السوريين. لكن المراقبين يرون أن التصعيد قد يكون جزءاً من صراع غير معلن بين تركيا وإيران على النفوذ في سوريا، خاصة بعد نجاح أنقرة في دعم سقوط الأسد، وهو ما أثار انزعاج طهران. تصريحات فيدان الأخيرة، التي وصف فيها السياسة الإيرانية بـ"الخطيرة"، تلمح إلى احتمال رد تركي على أي تحركات إيرانية.
يبدو أن التمرد في الساحل السوري ليس مجرد احتجاج عفوي، بل عملية مدعومة تهدف إلى زعزعة استقرار الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع. التنظيم العالي للهجمات ووجود شبكات تهريب سلاح تشير إلى دور خارجي محتمل، مع أصابع الاتهام تشير إلى إيران وحزب الله. في الوقت نفسه، تعكس التوترات مخاوف العلويين من المحاسبة أو الانتقام، مما قد يفاقم الأزمة.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن سوريا لا تزال ساحة صراع إقليمي معقد، حيث تسعى إيران لاستعادة نفوذها المفقود، بينما تحاول تركيا تثبيت مكاسبها. الاشتباكات في اللاذقية قد تكون مجرد بداية لجولة جديدة من التصعيد، ما يستدعي متابعة دقيقة لتحركات الأطراف المحلية والدولية لفهم مسار الأزمة المقبل.