تطورات اقليمية
مخاوف إسرائيلية وترحيب دولي واسع..
الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن سوريا: خطوة نحو إعادة الإعمار والاستقرار
الرئيس الأميركي دونالد ترامب
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته للرياض في 13 مايو 2025، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة مفاجئة تنضم بها الولايات المتحدة إلى عدد من الدول الغربية التي خففت قيودها الاقتصادية على دمشق. يأتي هذا القرار في سياق سعي سوريا للتعافي من عقود من الصراعات والحروب، وسط آمال بإنعاش اقتصادي يدعم استقرار البلاد تحت قيادة الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع.
تاريخ العقوبات الأمريكية على سوريا:
بدأت العقوبات الأمريكية على سوريا عام 1979، عندما أدرجت واشنطن سوريا ضمن قائمة "الدول الداعمة للإرهاب" بسبب دعمها لفصائل فلسطينية وتدخلها في لبنان. تضمنت هذه العقوبات حظر بيع الأسلحة، تقييد المساعدات الأمريكية، وفرض ضوابط مشددة على التعاملات المصرفية مع الحكومة السورية.
خلال التسعينيات، شهدت العلاقات انفراجًا مؤقتًا بعد مشاركة سوريا في حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد للسلام عام 1991، لكن هذا الانفتاح تراجع مع تولي بشار الأسد الرئاسة عام 2000. في مايو 2004، أقر الرئيس جورج بوش الابن قانون "محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية"، الذي فرض قيودًا على تصدير السلع الأمريكية إلى سوريا (باستثناء الغذاء والدواء)، وحظر سفر شركات الطيران السورية إلى الولايات المتحدة، ووسّع العقوبات على مسؤولين سوريين.
في 2005، وبعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، سحبت واشنطن سفيرتها من دمشق، وأصدر بوش قرارات بحظر وصول 20 مواطنًا سوريًا وشركات سورية إلى النظام المالي الأمريكي. وفي 2006، استهدفت العقوبات البنك التجاري السوري بموجب قانون "باتريوت".
تشديد العقوبات بعد 2011:
مع اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في مارس 2011، تصاعدت العقوبات الأمريكية للضغط على النظام لوقف قمع المدنيين ودعم انتقال ديمقراطي. أصدر الرئيس باراك أوباما عدة أوامر تنفيذية:
الأمر 13572 (أبريل 2011): حظر ممتلكات مسؤولين سوريين متورطين في انتهاكات حقوق الإنسان.
الأمر 13573 (مايو 2011): استهدف مسؤولين إضافيين، بمن فيهم بشار الأسد.
الأمر 13582 (أغسطس 2011): حظر ممتلكات الحكومة السورية، ومنع استثمارات أمريكية جديدة في سوريا، وحظر تصدير الخدمات واستيراد النفط السوري، مما شلّ مصدرًا اقتصاديًا رئيسيًا لدمشق.
في 2013، التزمت الولايات المتحدة بقرارات دولية لمنع تصدير تقنيات المراقبة إلى النظام، والامتناع عن شراء الفوسفات السوري.
قانون قيصر (2019):
شكّل قانون "حماية المدنيين السوريين" (قيصر) تحولًا كبيرًا في العقوبات، حيث استهدف لأول مرة تعاملات أطراف ثالثة مع نظام الأسد، بما في ذلك كيانات روسية وإيرانية. تضمن القانون حظر التعامل مع النظام في مشاريع إعادة الإعمار، مما أثّر بشكل كبير على الاقتصاد السوري، لكنه عطّل أيضًا عمل منظمات المجتمع المدني التي واجهت صعوبات في تقديم الدعم الإنساني.
قانون الكبتاغون (2022-2024):
أقرّ الكونغرس قانون "الكبتاغون" على مرحلتين (ديسمبر 2022 وأبريل 2024)، مستهدفًا شبكات إنتاج وتهريب المخدرات التي اعتمد عليها نظام الأسد كمصدر تمويل رئيسي، خاصة تورط شخصيات بارزة في هذه التجارة.
إعلان ترامب وتداعياته:
خلال خطابه في منتدى الاستثمار السعودي-الأمريكي في الرياض، أعلن ترامب رفع جميع العقوبات على سوريا، مشيرًا إلى أنها "كانت قاسية ومدمرة" لكنها "لم تعد ضرورية"، وأن القرار جاء بناءً على طلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأعرب ترامب عن أمله في أن تنجح الحكومة السورية الجديدة في تحقيق الاستقرار والسلام، قائلاً: "حظًا موفقًا سوريا، أظهري لنا شيئًا مميزًا".
يُعد هذا القرار تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وتولي أحمد الشرع، الذي قاد تحالف المعارضة، الرئاسة. وأثار القرار احتفالات في دمشق وحمص، حيث رأى السوريون فيه خطوة نحو إعادة الإعمار وتحسين الاقتصاد.
التأثير الاقتصادي والسياسي:
رفع العقوبات يُتيح فرصًا لتدفق رؤوس الأموال الدولية إلى سوريا، خاصة من دول الخليج، ويعزز جهود إعادة الإعمار بعد حرب استمرت 14 عامًا. وأشاد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بالقرار، واصفًا إياه بـ"نقطة تحول حاسمة"، مؤكدًا استعداد سوريا لبناء علاقات مع الولايات المتحدة تقوم على الاحترام المتبادل. كما رحبت الأمم المتحدة بالخطوة، مشيرة إلى أهميتها لدعم الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
سياسيًا، يعكس القرار تقاربًا سعوديًا-أمريكيًا لدعم الحكومة السورية الجديدة، بهدف الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة. ومع ذلك، أثار القرار قلق إسرائيل، التي تتخوف من صعود حكومة الشرع بسبب خلفيته السابقة مع تنظيمات متشددة، رغم تأكيداته على التعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.
ويمثل قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا نقطة انطلاق جديدة للبلاد التي عانت من عزلة اقتصادية ودمار هائل. ومع دعم دولي متزايد، بقيادة السعودية وتركيا، تتجه سوريا نحو مرحلة إعادة إعمار واستقرار محتمل. ومع ذلك، تبقى التحديات كبيرة، حيث يتعين على الحكومة الجديدة إثبات التزامها بالإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان لضمان استدامة هذا الدعم الدولي.