تطورات اقليمية
دراسة في أسباب وتداعيات الاحتجاجات..
انتفاضة الكرامة: تحليل شامل للاحتجاجات الاجتماعية في إيران ربيع 2025
ثورة العطش والظلام: احتجاجات إيران 2025
في ربيع عام 2025، تشهد إيران موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات الاجتماعية التي تجتاح جميع المحافظات الـ31، حيث تتحد شرائح متنوعة من المجتمع – الخبازون، سائقو الشاحنات، المتقاعدون، المزارعون، الطلاب، والعمال – في صرخة جماعية من أجل العدالة والكرامة. هذه الانتفاضات، التي أشعلتها أزمات الكهرباء والمياه، التضخم الجامح، والفساد المنهجي، ليست مجرد تعبير عن السخط، بل تحدٍ مباشر لشرعية نظام الملالي. بعد أكثر من أربعة عقود من القمع وسوء الإدارة، وصل الشعب الإيراني إلى نقطة اللاعودة، مطالبًا بتغيير جذري في ظل نظام فشل في تلبية الاحتياجات الأساسية.
الخلفية: الفقر المصطنع والخراب الاقتصادي
على الرغم من امتلاك إيران ثروات طبيعية هائلة، بما في ذلك ثالث أكبر احتياطي نفطي وثاني أكبر احتياطي غازي في العالم، إلا أن الفقر يعم الشعب بسبب الفساد المنهجي وسوء تخصيص الموارد. يسيطر الحرس الثوري الإيراني وشبكات المرشد الأعلى علي خامنئي على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، من خلال كيانات مثل "ستاد إجراية فرمان حضرة إمام" التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. هذه الهيمنة الاقتصادية، إلى جانب الإنفاق الباهظ على الحروب بالوكالة والبرامج النووية، تركت البنية التحتية الإيرانية في حالة يرثى لها، ودفعت المواطنين إلى اليأس.
الفساد الاقتصادي: فضائح مثل اختلاس 2.6 مليار دولار في بنك ملي (2011)، واختلاس باباك زنجاني بقيمة 2.7 مليار دولار (2016)، وفضيحة شاي دبش بقيمة 3.7 مليار دولار تكشف عن نهب الثروة الوطنية.
تعدين العملات المشفرة: تستنزف عمليات التعدين غير المرخصة التي يديرها الحرس الثوري الطاقة الكهربائية، مما يتسبب في انقطاع التيار عن المدن، بينما تُحوَّل الأرباح إلى مشاريع عسكرية أو خارج البلاد.
الإنفاق العسكري: أنفقت إيران أكثر من 2000 مليار دولار على برنامجها النووي، و700 مليون دولار سنويًا على حزب الله، و50 مليار دولار على نظام الأسد في سوريا، مما أهمل الاحتياجات المحلية.
أزمة الكهرباء: ظلام يعم الأمة
أزمة الكهرباء في إيران عام 2025 هي رمز لإخفاقات النظام. بحلول فبراير 2025، عانى أكثر من 70% من البلاد من انقطاعات كهربائية غير معلنة استمرت لساعات أو أيام، مما أدى إلى:
إغلاق المؤسسات: توقفت المدارس، المستشفيات، المحاكم، والبنوك عن العمل.
خسائر اقتصادية: قدرت صحيفة "دنيا اقتصاد" في 6 مايو 2025 الخسائر اليومية بـ80 تريليون ريال (1.96 مليار دولار)، مع حاجة إلى 25.2 مليار دولار لإصلاح الشبكة الكهربائية.
غضب شعبي: في يزد، هتف المتظاهرون "تشفير للحراس، انقطاع الكهرباء للشعب!"، بينما في شيراز، ألقى خباز عجينًا فاسدًا خارج مكتب الكهرباء، معبرًا عن إحباطه.
نقص المياه: عطش يهدد البقاء
تفاقمت أزمة المياه بسبب انقطاع الكهرباء، مما عطل محطات الضخ وترك المجتمعات تعتمد على صهاريج المياه باهظة الثمن. في بوشهر وتشابهار، واجه المواطنون أسعارًا مرتفعة للمياه، بينما في أصفهان، جف نهر زايندهرود، مما أثار احتجاجات المزارعين. في خونج وكازرون، أغلق المزارعون الطرق احتجاجًا على إغلاق الآبار الزراعية، متهمين النظام بتحويل المياه إلى مشاريع الحرس الثوري.
احتجاجات الشرائح الاجتماعية
الخبازون:
الأزمة: انقطاع الكهرباء يفسد العجين، والتضخم يرفع أسعار الدقيق، والغرامات تهدد بإغلاق المخابز.
الاحتجاجات: في مشهد (24 مايو)، قوبل الخبازون بالغاز المسيل للدموع، وفي قزوين، ألقى خباز بعجين فاسد، معلنًا: "من سيدفع ثمن خسائرنا؟".
شعارات: "كفى مع الوعود الفارغة، طاولاتنا فارغة!".
سائقو الشاحنات:
الإضراب الوطني: بدأ في 22 مايو 2025 في بندر عباس، وامتد إلى 155 مدينة، مطالبين بتعريفات عادلة ووقود كافٍ.
التأثير: شل النقل البري، وتعطل إمدادات الغذاء والوقود.
شعارات: "ألم واحد، صوت واحد!"، "الموت للظالم سواء كان الشاه أو القائد!".
المتقاعدون:
المطالب: دفع معاشات تقاعدية دمرها التضخم والفساد.
الاحتجاجات: في الأهواز وكرمانشاه، هتف المتقاعدون: "لقد سرقوا صندوق النفط وتركونا معوزين!".
المزارعون والعمال:
المزارعون: أغلقوا الطرق في خونج وكازرون احتجاجًا على إغلاق الآبار وتحويل المياه.
العمال: في الأهواز وآراك، احتجوا على انقطاع الكهرباء الذي أضر بالآلات، معلنين: "لقد سئمنا!".
الطلاب:
الاحتجاجات: في طهران وتبريز، هتف الطلاب: "الطالبة ستموت لكنها لن تقبل الإذلال!".
القمع: اعتقال أكثر من 200 طالب في مايو 2025، مع تقارير عن التعذيب.
وحدات المقاومة: محرك التغيير
تلعب وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق دورًا حاسمًا في تنظيم وتوسيع الاحتجاجات. تتكون من شباب متعلمين، غالبًا بقيادة نساء، وتعمل هذه الوحدات سرًا لتحدي النظام من خلال:
التنظيم: تنسيق الاحتجاجات في 280 مدينة خلال انتفاضة 2022، ودعم إضراب سائقي الشاحنات في 2025.
الأعمال الرمزية: تفجير قواعد الباسيج، إحراق لافتات النظام، وتوزيع منشورات مناهضة.
التضامن: توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتضخيم أصوات المتظاهرين عبر وسائل الإعلام.
على الرغم من القمع الشديد، بما في ذلك سجن أكثر من 3600 عضو منذ 2022، تواصل هذه الوحدات إلهام المقاومة الشعبية.
رد النظام: القمع والإنكار
رد النظام على الاحتجاجات يتسم بالعنف والوعود الفارغة:
القمع: استخدام الغاز المسيل للدموع في مشهد، هدم أكشاك الباعة في شهر كرد، واعتقال سائقي الشاحنات والطلاب.
الإعدامات: أكثر من 160 إعدامًا في مايو 2025 لإرهاب السكان.
الإنكار: وصف الاحتجاجات بأنها "مدبرة من الخارج"، على الرغم من الرفض الشعبي لهذه الادعاءات.
استنتاج
تكشف احتجاجات 2025 عن نظام على وشك الانهيار، فقد شرعيته بسبب الفساد، القمع، وسوء الإدارة. توحد الخبازون، سائقو الشاحنات، المتقاعدون، المزارعون، والطلاب في مطلب مشترك للعدالة والكرامة، رافضين دعاية النظام ومطالبين بتغيير منهجي. الحل الوحيد لأزمات إيران يكمن في تفكيك النظام الثيوقراطي وإقامة حكومة ديمقراطية تعطي الأولوية لاحتياجات الشعب. كما أكدت مريم رجوي في 22 مايو 2025، فإن "الانتفاضة والمقاومة هما الطريقان الوحيدان للتحرر". إن شجاعة الشعب الإيراني، المتحدة في مواجهة الظلم، تمهد الطريق لمستقبل يعيد فيه الإيرانيون تشكيل مصيرهم.