تطورات اقليمية

عملية استخباراتية ناجحة وزيارة سويدية رفيعة ترسم ملامح مرحلة جديدة..

من الميدان إلى الدبلوماسية.. الصومال ترسّخ توازن القوة بين المواجهة المسلحة وبناء المؤسسات الأمنية

قوات صومالية - أرشيفية

شهدت الساحة الصومالية في الآونة الأخيرة أحداثاً أمنية وسياسية مهمة تكشف عن تشابك المعركة ضدّ حركة «الشباب» مع الجهود الدولية لبناء مؤسسات أمنية صومالية قادرة على تأمين الاستقرار. أطلقت وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية (نيسا) عملية نوعية في منطقة البصرة بولاية شبيلي الوسطى، وانشغل الرأي العام بزيارة وزير الدفاع السويدي للعاصمة مقديشو، كما تفجّر جدل سياسي حول تقارير صحفية زعمت وجود «صفقة سرية» تربط المساعدات السويدية بعمليات ترحيل المهاجرين الصوماليين. يقدم هذا التقرير قراءة تحليلية لهذه المستجدات، ويستعرض خلفية الصراع مع حركة «الشباب»، ودور الشركاء الدوليين في دعم الحكومة الصومالية، وطبيعة الجدل حول الشفافية في التعاون الدولي.

العملية الأمنية في البصرة – تفاصيل وخلفيات

أعلنت وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية عن تنفيذ عملية نوعية استهدفت مخيماً لمسلحي حركة «الشباب» في منطقة البصرة التابعة لإقليم شبيلي الوسطى، أسفرت عن مقتل سبعة مسلحين بينهم قيادات بارزة وإصابة ثلاثة آخرين. وفقاً للبيان الحكومي، نُفّذت العملية استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة أفادت بأن الجماعة كانت تُعد لهجمات على الممر الحيوي بين مقديشو وبلعد بهدف عرقلة الإمدادات وتعطيل التحركات الأمنية. كما أوضح البيان أن القوات دمرت خياماً وملاجئ تُستخدم للتخطيط دون تسجيل إصابات في صفوف المدنيين. وهذا يشير إلى زيادة في دقة المعلومات الاستخباراتية وإلى قدرة نيسا على تنفيذ عمليات جراحية تقلل من الخسائر الجانبية.

السياق العسكري والتهديدات القائمة

برغم النجاح التكتيكي للعملية، تعكس هذه الضربة حجم التحدي الذي تمثله حركة «الشباب». فحسب تقرير لمركز «سوفان»، استعادت الحركة في يوليو 2025 عدداً من المدن مثل سابيد وأنولي، وسيطرت على مثلث إستراتيجي يضم مدن مقوقوري وتاردو وبوق عقل، مما يسمح لها بمحاصرة مواقع الحكومة وقطع خطوط الإمداد نحو مقديشو. كما يشير التقرير إلى أن الحركة أقامت نقاط تفتيش وفرضت ضرائب على السكان في المناطق التي سيطرت عليها. وبالتالي، فإن قتل سبعة مقاتلين لا يغير موازين القوى بصورة جذرية، لكنه يوجه رسالة بأن القوات الحكومية قادرة على تنفيذ عمليات استباقية لتعطيل خطط «الشباب» وتوفير حماية للطرق الحيوية.

أهمية الممر بين مقديشو وبلعد

يعتبر الطريق بين العاصمة مقديشو ومدينة بلعد شرياناً حيوياً يصل المراكز الإدارية بشمال مقديشو ويمتد نحو مناطق زراعية في شبيلي الوسطى. شهد هذا المحور هجمات متكررة من الحركة خلال السنوات الأخيرة لإرباك القوات الحكومية وتعطيل نقل الإمدادات والسلع. تشير المعلومات التي كشفتها نيسا إلى أن «الشباب» كانت تخطط لعمليات تستهدف هذا الممر، وهو ما يجعل التدخل الاستباقي أمراً ضرورياً. وعليه، يتضح أن العملية لم تقتصر على تحييد عناصر مسلحة، بل هدفت إلى حماية شريان اقتصادي واستراتيجي ومنع الحركة من فرض حصار على العاصمة.

تقييم النتائج والقدرة على الاستدامة

تؤكد مصادر حكومية أن العملية لم تسفر عن إصابات مدنية وأنها حطمت مخيمات وأماكن تخطيط، إلا أن قدرة الحركة على إعادة الانتشار تظل تحدياً قائماً. فالتقرير السابق يشير إلى انسحاب الميليشيات القبلية «ماكاويسلي» من بعض المواقع وهو ما سهّل للحركة السيطرة على المدن دون مقاومة تُذكر. كما أن الخلافات السياسية بين الحكومة الفيدرالية وبعض الولايات مثل بونتلاند وجوبالاند تعيق التنسيق الأمني وتمنح الحركة مساحة للمناورة. لذلك، فإن نجاح العمليات النوعية يجب أن يتزامن مع تعزيز التنسيق بين الحكومة المركزية والولايات وإنشاء تحالفات محلية تمنع «الشباب» من ملء الفراغ الأمني.

زيارة وزير الدفاع السويدي – أبعاد التعاون الأمني

في توقيت متزامن مع العملية الأمنية، وصل وزير الدفاع السويدي بول يونسن إلى مقديشو في زيارة رسمية هي الأرفع منذ سنوات، حيث التقى نظيره الصومالي أحمد معلم فقي لبحث تعزيز التعاون الدفاعي. ذكر بيان لوزارة الدفاع الصومالية أن المحادثات ركزت على مكافحة الإرهاب وبناء القدرات والتدريب العسكري المهني في إطار دعم القوات الوطنية الصومالية. وأشارت تقارير أخرى إلى أن الزيارة تندرج ضمن دعم السويد لمشروع إصلاح قطاع الأمن وبناء مؤسسات دفاعية مستدامة وترسيخ الحكم الرشيد، مع ربط التعاون الأمني بالمساعدات الإنسانية والتنموية. هذا يعكس أن السويد تُحاول الاستفادة من خبرتها في الحوكمة والتنمية لربط الدعم العسكري بتعزيز المؤسسات.

دوافع السويد وشركاء آخرين

التزام السويد بتقديم الدعم الفني والتدريب للقوات الصومالية ينبع من إدراكها بأن استقرار القرن الإفريقي ينعكس على أمن أوروبا، وأن الانتصار على الجماعات المتطرفة يحتاج إلى بنية أمنية فعّالة ومهنية. فضلاً عن ذلك، تشارك السويد في بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي (EUTM) التي توفر نصائح استراتيجية وتدريباً للقوات الصومالية، إذ يذكر الموقع الرسمي للمهمة أن تفويضها التاسع (2023‑2025) يركز على بناء قدرات قوات الدفاع الصومالية وتطوير القيادة والسيطرة وتعزيز الدمج بين الجهات الدولية. وبالتالي، فإن زيارة وزير الدفاع تمثّل امتداداً لسياسة أوروبية أوسع تسعى لتقوية المؤسسات الأمنية الصومالية قبيل انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي «AUSSOM» وتسليم المسؤوليات للحكومة.

دلالات الزيارة في الميزان السياسي

يأتي الاهتمام السويدي في وقت يعاني فيه الصومال من تصاعد هجمات «الشباب» ومن تفكك نسبي للتوافق السياسي الداخلي؛ ما يجعل الدعم الدولي حاسماً لتعويض ضعف القدرات المحلية. وقد أشاد الوزير السويدي خلال الزيارة بالتقدم الذي أحرزته القوات الصومالية في مواجهة الحركة، وأكد استمرار بلاده في توفير الدعم الاستشاري والتقني. كما أن هذه الزيارة تبعث رسالة بأن المجتمع الدولي يثق بالقيادة الصومالية ومستعد لدعمها. لكن هذا الدعم مشروط بتقدم الإصلاحات المؤسساتية ومحاربة الفساد؛ إذ إن أي تقاعس في بناء المؤسسات سيؤدي إلى فقدان الزخم الدولي، خاصة مع تركيز الولايات المتحدة على مكافحة تنظيم «داعش» في بونتلاند كما أشارت تقارير مركز «سوفان»، وهو ما يخفف الضغط على «الشباب» ويستدعي تعزيز دعم الدول الأوروبية.

الجدل حول «الصفقة السرية» – بين التحقيقات والنفي الرسمي

أثارت إذاعة «إيكوت» السويدية وشبكة «شبيلي» الإعلامية الصومالية تقارير تدّعي أن الحكومة السويدية حولت 100 مليون كرونة سويدية (قرابة 9 ملايين دولار) إلى مشاريع تنموية مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء الصومالي مقابل موافقة مقديشو على استقبال مواطنين صوماليين رُفضت طلبات لجوئهم في السويد. تذكر التقارير أن الاتفاق السري أدى إلى زيادة عدد عمليات الترحيل وأنّ المساعدات وُجِّهت إلى مشروع قرب مكتب رئيس الوزراء، ما أثار مخاوف حول تجاوز القنوات الإنسانية المعتادة واحتمال فساد. كما أوردت إذاعة «إيكوت» أن هذه الصفقة تسببت في خلاف أدى إلى ترحيل رئيس المساعدات السويدية في الصومال.

رد الحكومة الصومالية والدفاع السويدي

رفض مكتب رئيس الوزراء الصومالي هذه المزاعم ووصفها بأنها «ادعاءات زائفة» لا أساس لها، مؤكداً أن التعاون مع السويد قائم على الشفافية واحترام القانون الدولي، وأن المساعدات تُدار عبر آليات شفافة مثل البنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة ولا ترتبط بأي شروط تتعلق بإعادة المهاجرين. وأكدت الحكومة أن أي مسائل تتعلق بالهجرة تُناقَش ضمن الإطار القانوني الدولي، وحثت وسائل الإعلام على تحري الدقة والابتعاد عن نشر معلومات غير موثوقة. من جانبه، اكتفى الجانب السويدي بالتأكيد أن برامج المساعدة تتوافق مع معايير وكالة التنمية السويدية وأنه لا يوجد اتفاق غير معلن، لكن الصحافة السويدية ذكرت أن المشروع «مثير للجدل» وشهد تدخلات سياسية.

تحليل الأبعاد السياسية والاقتصادية للجدل

تكشف هذه القضية حساسية العلاقة بين الدعم التنموي وسياسات الهجرة الأوروبية. فمن جهة، تواجه الحكومات الأوروبية ضغوطاً داخلية لترحيل طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم؛ ومن جهة أخرى يعتمد الصومال على مساعدات خارجية لإعادة بناء مؤسساته، مما يفتح المجال لاتفاقيات قد تُستخدم لتحقيق أهداف سياسية متبادلة. حتى إذا ثبت زيف هذه المزاعم، فإن تداولها يسلط الضوء على ضعف الشفافية في بعض الملفات ويعطي معارضي الحكومة ذريعة للتشكيك في نزاهة الشراكات. كما يظهر كيف يمكن أن تؤثر مشكلات الهجرة في أوروبا على علاقات الشركاء مع دول المصدر، ويؤكد ضرورة بناء آليات رقابة مشتركة لضمان توجيه المساعدات وفقاً للأولويات الوطنية الصومالية دون مقايضة حقوق المواطنين.

التحديات البنيوية وآفاق المستقبل

بالرغم من العمليات النوعية والضربات الجوية – مثل الغارة التي نفذتها نيسا قرب بوق عقل في يوليو والتي قتلت سبعة مسلحين لكن كان أثرها محدوداً – يبقى تنظيم «الشباب» قادراً على التجنيد والتوسع بفضل عوامل بنيوية، أبرزها الفقر والبطالة وغياب الخدمات العامة في الأرياف، إضافة إلى النزاعات العشائرية التي تقوض الوحدة الوطنية. أشار تقرير مركز «سوفان» إلى أن الحكومة فقدت أجزاء كبيرة من المناطق التي استعادتها عام 2022، ما يدل على هشاشة المكاسب واستمرار قدرة التنظيم على استغلال الفراغات الأمنية.

معوقات التنسيق بين الحكومة الفيدرالية والولايات

إحدى العقبات الكبرى في الحرب ضد «الشباب» هي الخلافات بين الحكومة المركزية وولايات بونتلاند وجوبالاند حول تقاسم السلطة والموارد، الأمر الذي يعرقل إنشاء قيادة موحدة ويسمح للتنظيم بالاستفادة من الفجوة السياسية. ومن ثم، فإن أي استراتيجية فعالة لا بد أن تشمل تسوية الخلافات الداخلية، وبناء منظومة تقاسم للسلطة تعترف بخصوصيات الولايات وتضمن مشاركتها في الأمن الوطني.

دور الشركاء الدوليين في مرحلة ما بعد بعثة الاتحاد الأفريقي

مع اقتراب خروج بعثة الاتحاد الأفريقي وتعهد الحكومة بتولي مسؤوليات الأمن بالكامل، تبرز أهمية الدعم الخارجي في مجالات التدريب وبناء القدرات والتمويل. فالدول الأوروبية، مثل السويد والاتحاد الأوروبي عموماً، تستطيع توفير التدريب المهني والدعم التقني لبناء جيش وطني محترف، في حين يمكن للولايات المتحدة وتركيا توفير المساندة الجوية واللوجستية. لكن استمرار فعالية هذا الدعم مرهون بقدرة الحكومة الصومالية على محاربة الفساد وتعزيز الحكم الرشيد، وإلا ستتبدد الموارد دون تحقيق نتائج.

الحاجة إلى مقاربة شاملة لمكافحة التطرف

يعتبر العديد من الخبراء أن الانتصار على «الشباب» يتطلب مقاربة تشمل معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، مثل البطالة وتهميش الشباب، بالإضافة إلى إصلاح مؤسسات القضاء والشرطة وتعزيز العدالة الانتقالية. كما يجب تعزيز التعليم وبناء برامج لإعادة دمج المنشقين عن الحركة. هذه الجوانب غالباً ما تكون بعيدة عن الأضواء في تغطية العمليات العسكرية، لكنها تشكل الأساس لاستدامة أي نجاح أمني.

خاتمة

إن العملية الأمنية في البصرة وزيارة وزير الدفاع السويدي تُظهران تشابك الملف الأمني الصومالي مع العلاقات الدولية. فمن جهة، أثبتت نيسا قدرة على تنفيذ عمليات دقيقة تقلل الخسائر المدنية وتعطل خطط «الشباب»، لكنها تظل غير كافية لوقف تمدد التنظيم الذي يستفيد من الفراغ السياسي والخلافات الداخلية. ومن جهة أخرى، تؤكد زيارة الوزير السويدي وجود رغبة دولية في الاستثمار في أمن الصومال وبناء قدراته الدفاعية. ومع ذلك، فإن الجدل حول «الصفقة السرية» يذكّر بأن الشفافية والحوكمة الرشيدة ضرورية للحفاظ على ثقة الشركاءr. إن نجاح الصومال في المستقبل يتطلب مزيجاً من العمليات العسكرية الفعالة، والتسويات السياسية الداخلية، وحسن إدارة المساعدات الدولية لتحقيق التنمية والأمن معاً.

الشارقة للفنون تعلن تفاصيل الموسم الرابع من برنامج «عروض الشارقة»


هل تخفي إيران اليورانيوم المخصب في عمق الجبال؟ تقارير غربية تجيب


الأمير تركي الفيصل: استمرار الجرائم الإسرائيلية يصنع أجيالًا جديدة من المقاومة


الشارقة للفنون تكشف الفائزين في الدورة الأولى من برنامج «مقاربة» لدعم الكتابة النقدية