بحوث ودراسات
أبوظبي وصوت الاعتدال الجديد دبلوماسية بلا ضجيج..
فلسفة القيادة في السياسة الخارجية الإماراتية.. دراسة في التحولات الإقليمية 2011–2025
محمد بن زايد وصياغة نموذج جديد للدبلوماسية العربية - اليوم الثامن
قالت مجلة بريم الصادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، إن دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قدّمت خلال العقد الأخير نموذجًا جديدًا للدبلوماسية العربية يقوم على الفاعلية الهادئة، والتوازن بين المصالح الوطنية والانفتاح الدولي، بعيدًا عن الشعارات الأيديولوجية أو المواقف الانفعالية التي طبعت السياسات العربية لعقود طويلة.
وأضافت المجلة في ورقة بحثية أعدّتها سكرتيرة التحرير د. شورى فضل، أن فلسفة القيادة لدى الشيخ محمد بن زايد تمثل تحوّلًا نوعيًا في التفكير العربي تجاه مفهوم النفوذ والقيادة، إذ نجحت أبوظبي في بناء شبكة علاقات وتحالفات متوازنة مع القوى الكبرى والإقليمية، مستندة إلى أدوات القوة الناعمة، والتنمية، والمساعدات، إلى جانب الحضور الأمني والعسكري المنضبط عند الضرورة.
دبلوماسية الفعل لا القول
توضح الورقة أن النهج الإماراتي في السياسة الخارجية تجاوز النمط التقليدي للدبلوماسية القائمة على التصريحات والمواقف العاطفية، نحو دبلوماسية عملية تركز على النتائج والمصالح المباشرة.
ففي الوقت الذي شهد فيه العالم العربي أزمات متلاحقة منذ عام 2011م، حافظت الإمارات على خط استقرار استراتيجي جعل منها فاعلًا موثوقًا في إدارة النزاعات، بدءًا من دعم جهود مكافحة الإرهاب في اليمن وليبيا، مرورًا بالوساطة في ملفات القرن الأفريقي، وصولًا إلى دورها المتوازن في الأزمة الأوكرانية والحرب في غزة.
وترى المجلة أن هذا النهج نابع من رؤية قيادية تعتبر السياسة الخارجية امتدادًا للتنمية الداخلية؛ فالدبلوماسية الإماراتية لم تكن معزولة عن مشروع الدولة الحديثة الذي يقوده الشيخ محمد بن زايد، القائم على تمكين الاقتصاد، وتحديث التعليم، وتكريس التسامح كقيمة مؤسِّسة.
فلسفة القيادة والتأثير
أشارت الورقة إلى أن فلسفة القيادة لدى محمد بن زايد تتأسس على ثلاث مرتكزات رئيسية، هي الفاعلية الصامتة، أي أن العمل السياسي لا يحتاج إلى ضوضاء إعلامية كي يكون مؤثرًا، والتوازن بين الصرامة والمرونة حيث تتعامل الإمارات مع الأزمات بسياسة "اليد الممدودة" دون التفريط في الخطوط الحمراء للأمن القومي، والقوة الناعمة كرافعة للنفوذ، عبر الاستثمار في التعليم والثقافة والتكنولوجيا والطاقة النظيفة والعمل الإنساني.
وتضيف المجلة أن هذه الفلسفة تجلّت بوضوح في تعامل الإمارات مع القضايا العربية الحساسة، إذ تبنّت موقفًا واقعيًا من الصراعات الإقليمية، لا يقوم على الاصطفاف، بل على إدارة التوازنات.
ففي الملف الإيراني، حافظت أبوظبي على قنوات تواصل مفتوحة، وفي المقابل عززت علاقاتها الدفاعية مع واشنطن وباريس ونيودلهي. وفي الملف الفلسطيني، دعمت جهود التهدئة والمساعدات الإنسانية، مع التأكيد على حل الدولتين بوصفه الأساس لأي تسوية دائمة.
دبلوماسية ما بعد الأيديولوجيا
تؤكد الدراسة أن تجربة الإمارات تمثل انتقالًا من دبلوماسية الشعارات إلى دبلوماسية المصالح، أي من السياسة القائمة على الخطاب الأيديولوجي إلى سياسة واقعية محكومة بميزان المكاسب الوطنية والاستقرار الإقليمي.
وقد ساعد هذا التحول على جعل الإمارات طرفًا مؤثرًا في تشكيل معادلات المنطقة، من البحر الأحمر إلى شرق المتوسط، ومن إفريقيا إلى آسيا.
وفي هذا الإطار، توضح د. شورى فضل أن الإمارات استطاعت أن توظّف علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية في خدمة أهدافها الدبلوماسية، فالموانئ، وخطوط الملاحة، والمشروعات الإنسانية، تحولت إلى أذرع ناعمة للنفوذ الاستراتيجي، تُدار بعقلية مؤسساتية دقيقة لا تعرف الارتجال.
توازن القوة والمرونة
تشير المجلة إلى أن الإمارات، رغم حجمها الجغرافي المحدود، استطاعت أن تؤسس قوة توازن عربية جديدة، تتعامل بمرونة في الملفات السياسية، وبحسم في قضايا الأمن القومي.
ويُعد تدخلها في التحالف العربي باليمن، ودعمها لجهود مكافحة الإرهاب، نموذجًا واضحًا على الجمع بين الدبلوماسية الوقائية والعمل الميداني المنضبط.
كما أن حضورها المتنامي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي لم يكن توسعًا جيوسياسيًا بقدر ما كان استثمارًا في أمن الملاحة والتجارة الدولية، ما منحها احترامًا واسعًا لدى القوى الكبرى.
الإمارات وصوت الاعتدال
ترى الورقة أن النموذج الذي صاغه الشيخ محمد بن زايد يمثّل إحياءً لصوت الاعتدال العربي، في وقتٍ تصاعدت فيه الانقسامات والصراعات المذهبية والطائفية.
فالإمارات قدّمت نموذج الدولة المدنية المستقرة، التي تُعلي قيمة الإنسان، وتؤمن بأن الأمن لا يتحقق بالسلاح وحده، بل بالتنمية والتعليم والانفتاح.
وقد مكّنها هذا النهج من بناء رأسمال سياسي وأخلاقي عزّز من مصداقيتها في الملفات الدولية، وأعاد الثقة بالدور العربي في العلاقات الدولية.
نحو مفهوم عربي جديد للدبلوماسية
خلصت المجلة إلى أن التجربة الإماراتية بقيادة محمد بن زايد تُعد مختبرًا حيًّا لصياغة دبلوماسية عربية جديدة، تتجاوز ثنائية القوة والخضوع، لتؤسس لمعادلة مختلفة قوامها:
“النفوذ الهادئ، والمبادرة المدروسة، والشراكة بدل التبعية”.وهو ما جعل من أبوظبي مركز ثقل سياسي واقتصادي ودبلوماسي في الشرق الأوسط.
وفي ختام الورقة، أكدت د. شورى فضل أن هذا النموذج، رغم نجاحه النسبي، يواجه تحديات مستقبلية أبرزها: صعود قوى إقليمية منافسة تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة، وضرورة الحفاظ على توازن دقيق بين التحالفات الدولية المتعارضة، لكنها رأت في الوقت ذاته أن مرونة السياسة الإماراتية وقدرتها على التكيف، تمنحها أفضلية استراتيجية في إدارة هذه التحولات المعقدة.
📘 لقراءة الدراسة الكاملة اضغط على الرابط التالي: https://alyoum8.net/pdfs/161