الشعر في المغرب
كاتبة مغربية: القيم التي أنصفت المرأة مهددة
تنتمي الكاتبة والشاعرة المغربية مليكة العاصمي إلى عائلة مراكشيّة عريقة عرفت بحب المعرفة؛ فقد كان والدها أول من أسسّ “مدرسة الفضيلة للبنات” في مراكش سنة 1946. وقد لعبت هذه المدرسة دورا تاريخيا في تعليم الفتيات، وكذلك النساء، وفي تحرير المرأة ودمجها في الحياة العامة، كما لعبت أدوارا حاسمة وأساسية في النضال الوطني.
الشعر في المغرب
في بداية حوارنا معها، تلفت العاصمي إلى أن أنشطتها العلمية وكتبها تتوزع على حقول معرفية عديدة. وآخر إصدار لها كان ديوان شعر بعنوان “أشياء تراودها” صدر عن بيت الشعر في المغرب بدعم من وزارة الثقافة.
وتحدثنا ضيفتنا عن الأعمال التي ستصدر لها قريبا مثل كتاب بعنوان “موسوعة الثقافة الشعبية والميثولوجية المغربية وحكايات نساء مراكش”، عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، وهو جمع وتحقيق لجانب من الثقافة الشعبية المغربية وخاصة ثقافة المرأة، تكشف فيه العاصمي عن طبيعة المعارف التي كانت تحملها المرأة المغربية في الماضي ونوعية مساهماتها في الحياة والتطور السياسي الثقافي والاقتصادي والاجتماعي ودورها الحضاري في المغرب.
كما تذكر الكاتبة مؤلفين آخرين سيصدران لها بعنوان “موسوعة البيئة والمناخ بالمغرب” و”حدائق مراكش/ المجال والإنسان” من ثلاثة أجزاء، وهما دراسة عن خصائص بيئة مراكش ومناخها وتأثيرهما في تكوين شخصية وثقافة وحضارة المجتمع المراكشي مع إبراز مظاهر هذه الثقافة والحضارة، والمؤثرات والتغيرات التي طالتها.
و”موسوعة الثقافة الشعبية والميثولوجيا المغربية وحكايات نساء مراكش” هي رسالة مليكة العاصمي الجامعية، مكونة من 6 مجلدات، اثنان منها دراسة، والباقي نصوص جمعتها وحققتها.
نسألها هنا كيف جاءت إلى الشعر وعن التأثيرات المغربية والعربية في نصها علاوة على تأثير الشاعرات فيها؟ لتجيب ضيفتنا “مثل هذا السؤال لا أجد له جوابا دقيقا. لكنني ولدت في أسرة شاعرة، تشتغل بالثقافة والإبداع في معانيهما المتعددة. عمي عبدالقادر حسن العاصمي كان رائد الشعر الحديث بالمغرب، أصدر سنة 1936 ديوانه ‘أحلام الفجر‘ وهو أول ديوان شعري صدر في المغرب. كان لهذا الديوان صدى كبير وردود فعل صاخبة متباينة، تعرض الشاعر بسببه للتكفير من طرف علماء الجامعة، ودافع عنه علماء آخرون ألفوا في ذلك تآليف عديدة. كذلك كانت تصلنا أشعاره من السجون التي تنقّل فيها، فكانت تعبر عن معاناة وعذابات المناضلين ضد القوى الاستعمارية. وتصلنا كذلك أشعار ابن عمتي مبارك الغراس من منفاه، وهو الذي صار في ما بعد أستاذي في المدرسة الثانوية. أقر بأن أساتذتنا وتعليمنا كان لهم تأثير كبير كذلك”.
وتتابع العاصمي قائلة “في المدرسة الابتدائية أطلعنا أستاذنا آنذاك إبراهيم الهلالي على ديوان ‘وحدي مع الأيام‘ للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان ودرسنا منه قصيدة ما زلت أذكرها، تقول: بجسمي قفقفة وانخذال/ فيا نار زيدي لظى واشتعال/ ومدي بجوي دفيء الجناح/ فللبرد عاصفة واجتياح. ودرسنا أستاذ الفرنسية مصطفى أملو في الثانوية قصائد جميلة لألفريد دو موسي. كنا كذلك نعيش الشعر في بيتنا كأطفال ونتداوله كثيرا، فمكتبة الوالد غنية بمحتوياتها الشعرية. قبل أن يؤسس أبي ‘مدرسة الفضيلة للبنات‘ أسس ‘مكتبة الشعب‘ وكان يجلب الكتب والصحف والمجلات المشرقية عن طريق البريد الإنكليزي. وأول ما قرأته في مكتبة بيتنا ديوان الأخطل الصغير بشارة الخوري. لا شك أن لكل ذلك ولغيره تأثيرا معينا”.
مراكش والحضارة
تعد مليكة العاصمي شاعرة مراكش، لذا نتطرق معها إلى الحديث عن هذه المدينة ماضيا وحاضرا، خاصة من حيث الحياة الثقافية فيها، لتقول “مراكش مدينة شاعرة بطبيعتها تهب الشعر بدون حساب، وسكانها شعراء حتى دون أن يعوا ذلك. مراكش بالإضافة إلى أنها مدينتي التي ألازمها هي مدينة عالمية منذ تأسيسها إلى اليوم. هي مقصد مشاهير العالم لخصوصياتها المتعددة؛ خصوصيات المناخ والبيئة والخضرة والثقافة والعمران والحضارة العريقة، علاوة على أنواع التراث المادي واللامادي، كما خصوصياتها البشرية وغناها العرقي بمختلف حمولاته الحضارية”.
تتابع الشاعرة قائلة “مراكش مدينة إمبراطورية، استقرت منذ تأسيسها كعاصمة الغرب الإسلامي وتوسع نفوذها شرقا وشمالا وجنوبا حتى أوروبا وعمق أفريقيا، وعوضت بغداد في مراحل ضمور الخلافة الإسلامية، وكادت تكون كبرى عواصم العصر، كما عاشت في كنف الرخاء والرفاه مراحل مديدة. رحل إليها كبار علماء ومثقفي ومفكري ومبدعي ذلك العصر، وصبت فيها أعراق بشرية وحضارات. هذه العوامل جعلت منها عاصمة التعدد الحضاري والفن والإبداع”.
تلفت ضيفتنا إلى أن مراكش تتميز بجاذبية خاصة على جميع الأصعدة. وقد كانت العاصمي ابتداء من 1976 مكلفة كمنتخبة في المجلس البلدي بشؤون الثقافة والتعليم والصحة والرياضة. وتذكر أنهم قاموا خلال هذه المرحلة بعدد كبير من الإنجازات والمبادرات التي نقلت المدينة من حالة التهميش والتدهور التي انتهت إليها، إلى وضع مميز كمدينة عالمية ذات إشعاع دولي، مدينة الأحداث الكبرى والقرارات الكبرى والبنايات الكبرى المختلفة، فاسترجعت طابعها الجامعي والثقافي، وسجلت في تلك الفترة كتراث عالمي من طرف منظمة اليونسكو.
ضيفتنا معروفة أيضا بنضالاتها من أجل حقوق المرأة، حول وضع المرأة المغربية والعربية في ظل التهديدات الأصولية تقول العاصمي “هناك أزمة فكرية عالمية أنتجت تراجعات كثيرة على مستوى تحرر الشعوب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والملونين والمهاجرين والأمن العالمي وغير ذلك من القيم التي حملها عصر الأنوار، واحتفلت بها الشعوب المستضعفة، وكرست في القوانين الدولية ومنتظماتها. اليوم لم تعد هناك مرجعيات قيمية رغم حديثنا الدائم عن القوانين المتعارف عليها دوليا، لأن الأمم المتحدة وهياكلها أول من يلوي أعناق الحقائق ويساهم في خلق الكثير من الاختلالات التي أنتجت حالة من التردي الفكري الشامل، ومنه انتهاك النساء من طرف الأصوليين خاصة الإسلاميين، كما
من طرف الأصوليين غير المسلمين المتاجرين بالنساء والأطفال. هناك تطرف في الجهتين يتنامى، والجميع في حقيقة الأمر يتاجر بالأفكار والقيم، ولا أحد من الطرفين يعرف هذه القيم أو يستوعبها، ونتائج ذلك تنعكس على المرأة بصفة خاصة وعلى المجتمعات بصفة عامة”.