معركة تحرير الحديدة..
تحليل: استعادة الحديدة اليمنية.. أبعاد استراتيجية وإنسانية
تمضي القوات المشتركة بدعم واسناد من التحالف العربي وقوات الإمارات المسلحة في استعادة مدينة الحديدة، حيث الميناء الاستراتيجي الهام، ثاني أهم ميناء بعد ميناء عدن، والذي استغله الانقلابيون الموالون لإيران في تهريب الأسلحة والصواريخ التي تمدهم بها طهران، وفق ما أكده التحالف العربي.
مثلت عملية تحرير الحديدة العاصمة الاقليمية لتهامة، نقطة تحول في الحرب اليمنية التي تدور رحاها في البلد المضطرب منذ ربع قرن، حيث تسعى قوات التحالف العربي إلى استعادة مدن شمال اليمن، عقب ثلاثة اعوام من القتال الشرس على الحدود التاريخية بين بلدي ما قبل العام 1990م.
وتوحد اليمنان الجنوبي والشمالي في منتصف العام 1990م، غير ان البلد الموحد لم ستقر بتاتا، فمع مرور أربعة أعوام على توقيع اتفاقية الوحدة، دخلت البلد في دوامة حرب 1994م، وهي الحرب التي يقول يمنيون إنها قوضت الوحدة اليمنية، ودخل عقبها اليمن في حروب طويلة أبرزها محاولة اخماد التمرد الحوثي في صعدة، قبل ان ينجح الأخير في التوغل باليمن، مستغلا التحالفات اليمنية المحلية والاقليمية التي دفعت به كقوة عسكرية شكلت تهديداً على المحيط الخليجي.
واستكمل الحوثيون سيطرتهم على صنعاء العاصمة اليمنية، بالانقلاب على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي انتخب على اثر الانتفاضة اليمنية التي جاءت متزامنة مع ما عرف بثورات الربيع العربي.
وحاول الحوثيون استكمال انقلابهم بالسيطرة على عدن ومحافظات جنوب اليمن الغنية بالثروات النفطية والموقع الاستراتيجي المطل على باب المندب وخليج عدن وساحل بحر العرب الممتد من الممر الدولي إلى شواطئ عمان شرقاً.
كان الحوثيون يسعون لإسقاط كل اليمن في قبضة ايران، وهو ما استدعى تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية، عقب طلب عاجل تقدم به الرئيس هادي، بعد ان وصل الحوثيون إلى العاصمة الجنوبية عدن، التي فر إليها من صنعاء.
وعقب أربعة اشهر من القتال الشرس والغارات المكثفة لطيران التحالف العربي، تمكنت المقاومة الجنوبية وبإسناد من القوات الإماراتية من تحرير العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية المجاورة، قبل ان تنتقل الحرب الى حدود البلدين السابقة، ومأرب شرق صنعاء، التي لم تتحرك بأي عمل عسكري ضد الحوثيين منذ ثلاثة اعوام، وهو ما تنبه له التحالف العربي بقيادة السعودية قبل عام، حين أعلنت أربع دول رئيسة في التحالف "السعودية، الإمارات، مصر ، والبحرين" مقاطعتها لقطر.
وقد دفعت المقاطعة العربية للدوحة تنظيم الإخوان في اليمن، الذين تتبعهم قوات عسكرية في مأرب، إلى رفض قتال الحوثيين والدعوة إلى اعادة احياء تحالفات سابقة ابرمت بين فرع التنظيم الدولي في اليمن وجماعة الحوثي الموالية لإيران في صعدة معقل المتمردين الحوثيين في العام 2014م، قبل سقوط صنعاء بيد الحوثيين.
وتتهم قوى يمنية، تنظيم الإخوان بالوقوف وراء ادخال الحوثيين دون قتال الى صنعاء واشراكهم في مؤتمر الحوار اليمني الذي انتج حلولا يقول يمنيون انها ناقصة ولم تحل اي قضية، غير انها اسست لحروب مستقبلية.
وظلت الحرب ضد الحوثيين تراوح في مكانها في الجبهات التي يشرف عليها إخوان اليمن الموالون لقطر، ليدفع التحالف العربي بقوات من الجنوب في جبهة صعدة والساحل الغربي، وهي القوات التي استطاعت وخلال فترة وجيزة تحقيق انتصارات كبيرة، قبل ان يشهد اليمن تحولات أخرى، دفعت الإخوان إلى زاوية ضيقة، انقسم على اثرها التنظيم بين حمائم في قصر الرئيس اليمني في عاصمة السعودية الرياض، وصقور في تركيا وقطر، وقاد الأخيرون حملات إعلامية منظمة ضد التحالف العربي.
وشهد اليمن أواخر العام المنصرم، وتحديدا في مطلع ديسمبر (كانون الأول)، نقطة تحول رئيسية في سير الحرب، اثر انشقاق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح عن الحوثيين وقيامه بانتفاضة مسلحة في صنعاء، تسببت في مقتله، قبل ان تعيد قواته ترتيب صفوفها بدعم من التحالف العربي لتنظم إلى جبهة الحرب ضد الحوثيين، بقيادة نجل شقيق صالح وقائد حراسته العميد طارق محمد صالح.
دفع التحالف العربي بقيادة السعودية بالعميد طارق وقوات حراس الجمهورية إلى جانب قوات العمالقة الجنوبية والقوات التهامية الناشئة في معركة الساحل الغربي، لتشكل "قوات مشتركة" هدفها استعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي.
وقدمت دول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات دعما عسكريا كبيرا للقوات المشتركة التي دخلت في عملية "النصر الذهبي"، بطلب من الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي، الذي شدد على ضرورة استعادة ميناء الحديدة من قبضة الحوثيين الموالين لإيران.
واتهم هادي الذي زار دولة الإمارات العربية المتحدة قبيل بدء العملية العسكرية، في الـ12 من يونيو (حزيران) الجاري، الحوثيين بانهم رفضوا كل مساعي السلام، وعرقلوا جهود الأمم المتحدة وثلاثة من المبعوثين الذين تعاقبوا على اليمن في محاولة لوقف القتال وانهاء حالة المعاناة التي تسببت بها المليشيات المدعومة إيرانيا، وآخر تلك المساعي ما قام به المبعوث الجديد السيد مارتن غريفيث، الذي أكد رفض الحوثيين لكل مبادرات السلام الأممية.
وتهدف عملية تحرير الحديدة واستعادة الميناء الاستراتيجي إلى رفع المعاناة عن سكان الحديدة، الذين ضربتهم المجاعة التي اجتاحت تهامة خلال الاعوام الثلاثة، واوقعت عشرات الضحايا، أغلبهم من الاطفال.
واستغل الحوثيون الميناء في تهريب الاسلحة والصواريخ، ونهب المواد الاغاثية التي تمد اليمن بها منظمات دولية تابعة بعضها للأمم المتحدة.
وحرم الحوثيون سكان تهامة من تلك المواد الاغاثية التي بيعت في الاسواق لدعم المجهود الحربي للمليشيات في الحرب على اليمنيين.
وتسعى حكومة هادي إلى ضم محافظة الحديدة الى الجغرافيا المحررة التي تبسط سيطرتها عليها عقب تحريرها من الحوثيين والتنظيمات الإرهابية التي تقول الحكومة انها تابعة وممولة من قطر.
وترى الحكومة اليمنية ان استعادة الحديدة ستكون بداية حقيقية لإنهاء الحرب، لأنها قد تدفع الحوثيين إلى التفاوض الجدي لإنهاء الحرب ووقف نزيف الدم اليمني.
ويعاني التهاميون من هيمنة زيدية منذ أكثر من 100 عام، حيث تعود جذور القضية التهامية الى العام 1929م، حين اجتاحت قبائل إمامية تهامة وخاضت قتالا شرسا ضد قبائل الزرانيق التهامية.
ويتحدث تهاميون عن ما يسموها بـ" ” النكبة التهامية حصلت بتاريخ 26سبتمبر من العام1929 حيث اجتاح الامام اخر بلدة تهامية وهي (بيت الفقيه) وبسقوط (بيت الفقيه) اصبحت تهامة كلها تحت الاحتلال الزيدي الامامي للدولة المتوكلية الهاشمية”.
وتخوض القوات المشتركة وبدعم من التحالف العربي وبإسناد من القوات الإماراتية معركة إنسانية في المقام الأول في سبيل تحرير اليمنيين من المليشيات الحوثية الإيرانية، حيث يدفع الحوثيون بكل قوتهم لإلحاق أكبر دمار في الحديدة، في حين تؤكد حكومة هادي أن هدف العملية العسكرية في الحديدة تهيئة الظروف للبدء بعملية سياسية جادة، من خلال تغيير الواقع على الأرض، وإيقاف التدخل الإيراني الهادف لزعزعة استقرار المنطقة".
وتطهير ميناء الحديدة من سيطرة الحوثيين يقطع شريان الإرهاب الإيراني المتمثل في تهريب الأسلحة للمليشيات لقتل الشعب اليمني وإدامة الصراع بالمنطقة.
يدرك العالم والمنظمات الدولية والرأي العام العالمي الاستغلال الحوثي لميناء الحديدة، وحصار سكان المدينة وتجويعهم، وكان من اللازم طلب الرئيس هادي التحالف العربي لدعم الشرعية بالقيام بعملية عسكرية لدفع الحوثيين عن الميناء الاستراتيجي ورفع المعاناة عن السكان في الدرجة الاساسية، وافساح المجال ام هيئة الهلال الأحمر الإماراتي ومركز الملك سلمان في اغاثة السكان الذين تعرضوا للمجاعة خلال سنوات الاحتلال الحوثي لتهامة، حيث أن "الحملة العسكرية في الحديدة ستسهل دخول المساعدات الإغاثية والإنسانية بمشاركة دولية للتخفيف عن أبناء الحديدة جراء الحصار الذي فرضه الحوثيون لأكثر من ثلاثة اعوام".
وتسعى الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا إلى استعادة الميناء الاستراتيجي الذي تسببت السيطرة الحوثية عليه في انهيار الاقتصادي اليمني ووصول سعر صرف الدولار إلى 500 ريال يمني لسعر الدولار الواحد، وهو أول انهيار يصل فيه سعر الصرف إلى هذا المستوى.
واستعادة الشرعية لهذا الميناء سوف يؤمن احتياج اليمن يؤمن الطبيعي 70% من احتياجات اليمن، وهو ما يعني ان الحكومة تسعى إلى المحافظة على الاقتصادي اليمني والحد من المزيد من الانهيار، فالمجاعة التي اجتاحت تهامة تسببت في وقوع ضحايا أغلبهم من الاطفال نتيجة حرمانهم من واردات الميناء وفي طليعتها المساعدات الاغاثية التي كانت تصل عبر الميناء من المنظمات الاغاثية الدولية.
وقد ارسل التحالف العربي لدعم الشرعية قوافل اغاثية متسارعة للسكان البلدات التي تم تحريرها خلال الاشهر القليلة الماضية من المخأ إلى الخوخة إلى الدريهمي إلى السكان الواقعين في جوار مطار الحديدة.
على صعيد العمليات العسكرية، يستخدم المتمردون الحوثيون المدنيين كدروع بشرية وهو على الأرجح ما دفع التحالف العربي الى التأني في اقتحام المدنية خشية وقوع ضحايا في صفوف المدنيين.
وتفيد روايات سكان خرجوا من الحديدة، ان الحوثيين قتلوا مدنيين بتهمة التخابر مع التحالف العربي، فكل شيء في مدينة الحديدة، جعله الحوثيون مركزا عسكريا ومخبئا لعناصرهم التي هربت إلى وسط المدنيين لأداركها ان القوات المشتركة ومن خلفها القوات الإماراتية، قوات نظامية تقاتل وفق خطة عسكرية تضمن تجنيب المدنيين اي اضرار.
وفق روايات سكان فأن مقاتلات التحالف العربي حلقت فوق تجمعات للحوثيين وسط مدينة الحديدة، ولم تقصفها نظرا لوجود هذا التجمع وسط حي سكني مكتظ، الأمر الذي يؤكد ان الاستراتيجية العسكرية لقوات التحالف تقتضي في المقام الأول تجنيب المدنيين اي مخاطر، وهو ما استدعاء احد قادة الحوثيين للخروج بالقول "سوف نجعل الحديدة تحرق عن بكرة أبيها، على ان لا نخرج منها".
نشر الحوثيون آلاف الالغام في كل الطرقات والاحياء بشكل عشوائي ودون خرائط، في ممارسات غير أخلاقية، ولا تتماشى مع القوانين والاعراف الدولية.
والالغام يستخدمها الحوثيون في الحديدة، بشكل كبير يؤكد ان المليشيات في حالة انهيار كبير، لكن يسعون إلى الحاق اكبر قدر من الضحايا المدنيين.
يصف سكان تهامة عمليات زرع الالغام الحوثية في الحديدة، بأنه اجراء انتقامي من تهامة لعشرات السنين للأمام.
كان بإمكان القوات المشتركة تنفيذ عملية عسكرية سريعة وخاطفة ضد مليشيات الحوثيين وانتزاع ميناء الحديدة من قبضتهم، لكن يبدو ان القادة العسكريين يرون ان ذلك سوف يوقع ضحايا في صفوف المدنيين وهو ما يعمل التحالف العربي بقيادة السعودية على تجنب المدنيين من اي عمليات عسكرية، على عكس الحوثيين الذين يتحصنون بمنازل المدنيين والفنادق والمنشآت الحيوية، في محاولة للصمود أطول وقت ممكن.
يدرك الحوثيون أن خسارتهم للحديدة، يعني فقدانهم لأهم مصادر التمويل الرئيسية، لأن التحالف العربي وحكومة هادي عقدا العزم على ضرورة تجفيف منابع تمويل الحوثيين، الذين استغلوا ميناء الحديدة للمتاجرة بغذاء ودواء اليمنيين في السوق السوداء لدعم مجهودهم الحربي، لقتل وتجويع اليمنيين في تهامة والشمال.
تؤكد حكومة هادي أنها استعادة ميناء الحديدة، سوف يقطع أيادي طهران التخريبية عبر منعها من تهريب الأسلحة من خلال ميناء الحديدة، كما انها اعلنت قدرتها على تعزيز استقرار المنطقة، وضمان حركة الملاحة البحرية.
الحوثيون يعيشون في أضعف حالاتهم، وكان بالإمكان أن يقبلوا بمبادرات السلام التي يقودها المبعوث الأممي السيد مارتن غريفيث، لكن التعنت في الحديدة، سوف يطيل الازمة، لكن بكل تأكيد لن يخرجهم منتصرين، فلو نظروا إلى مساحة اليمن المحررة لوجدوا أن 90 من مساحة اليمن الموحد باتت خارجة عن سيطرتهم، فالحوثيون لم يعد ينتقموا من اسرائيل وامريكا التي يرفعون شعارات العداء لها، بل حربهم وحصارهم المفروض على سكان تهامة في اليمن، الذين أثبتوا صموداً أسطورياً لأكثر من ثلاث سنوات، من الاحتلال الحوثي.
الحوثيون سيخسرون الحديدة، فالخسائر العسكري التي منيت بها مليشياتهم في الحديدة، كبيرة جداً، كما أن الحديدة، قد شهدت مقتل رئيس المليشيات صالح الصماد، والمراهنة على الصمود سوف يجعلهم بعيدين عن اي مستقبل سياسي، في حال لم يستجيبوا لمبادرات السلام الأممية، فالحديدة للعديد من العوامل وأبرزها عدم وجود حاضنة شعبية، اقتراب القوات الحكومية قد تجعل السكان يتحررون من الخوف وينخرطون في التعاون مع القوات التي أتت لتخليصهم من ابشع احتلال، كما يقولون.
بالحديدة محافظة استراتيجية ورئيسية في غرب اليمن ويزيد عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة، ودخول القوات إلى الحديدة، سوف يساهم في انخراط الآلاف في صفوف القوات التهامية الناشئة والتي أسست لأول مرة بدعم إماراتي، يقول تهاميون إنهم انتظروا عقودا لكي تكون لهم قوة عسكرية تدافع عن مصالح أبناء الحديدة، وهو ما تحقق.
أذن.. لم يعد هناك من خيار امام الحوثيين سوى الانسحاب من الحديدة وتسليمها، والدخول في مفاوضات جدية، توقف في المقام الأول نزيف الدم اليمني.