الانفصال من منظور الأمم المتحدة..
تحليل: لماذا الانفصال في اليمن ليس كارثيا؟
إن مطالبات الانفصال تصم الآذان في الجنوب، حتى أصبح الجنوبيون اليوم مقتنعين بضرورة الانفصال المباشر.. لكن ما يعتمل خارج اليمن وما تسير عليه السياسة الدولية مختلف تماماً عما يفكر به الجنوبيون.
إن بيانات الأمم المتحدة المتوالية لا تكاد تخلو من التشديد على وحدة الأراضي اليمنية.. لكن هذا لا يعني أن المنظمة الأممية ستفرض الوحدة على الجنوبيين بالقوة، فحماية الحريات هي عمود القانون الدولي، ومنها الحريات السياسية، وهي أساس المطالبة بحق تقرير المصير.
كما أن القانون الدولي يشترط شرطين أساسيين للنظر في موضوع حق تقرير المصير، إثبات أن الوحدة قائمة بالقوة أو أن الدولة تمارس العنصرية المنظمة ضد فئة من الشعب، وكلا الشرطين ينطبقان على الجنوب.
لقد كانت الوثائق التي قدمها الجنوبيون في مؤتمر الحوار الوطني في «موفمبيك» الخطوة الأولى نحو إقرار حق تقرير المصير، فهي تثبت بشكل قاطع شرطي الانفصال.. لكن الآتي هو الأصعب، فهناك حسابات سياسية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بشكل جدي وواقعي.
ففي جنيف سيكون الطرفان الرئيسيان هما الشرعية وأنصار الله، وسيتفاوضان على وقف الحرب بشكل أساسي، لكن مجلس الأمن أقر إشراك الجنوبيين في المفاوضات والتي ستأتي مشاركتهم على هيئة مراقب يمنع الطرفان من التوصل إلى أي قرارات تضر بمصالح الجنوبيين أو تطلعاتهم.
فعلى سبيل المثال، سيطالب الطرفان بعفو عام، وحينها يجب أن يقوم الجنوبيون بالاعتراض على ذلك.. فهناك الكثير من الجنوبيين يطالبون اليوم بمحكمة جرائم حرب دولية لمعاقبة الحوثيين وحلفائهم على الجرائم الوحشية التي ارتكبوها في عدن خاصة والجنوب عامة في العام 2015 من قتل المدنيين العزل وقصف المنازل في عدن عشوائياً بالسلاح الثقيل ومنها الدبابات والمدفعية وقنص المدنيين حتى الأطفال والنساء منهم.
ومحكمة جرائم الحرب من أخطر المواضيع التي سيطالب بها الجنوبيون، ففي حالة التحالف العربي فإن عملياته محمية قانوناً بالقرار 2216، لكن ما فعله الحوثيون وحلفاؤهم هو جرائم حرب، وسيسعى ساسة يمنيون إلى دفن قضية محكمة جرائم الحرب، فهي الموضوع الوحيد الذي سيفشل أي آمال لمن تورطوا في أي مستقبل سياسي، وهم القادة المدنيون والعسكريون في مليشيات الحوثي والحرس الجمهوري السابق.
إن مفاوضات جنيف ستكون الخطوة الأولى، وفشلها أو أي تحرك من قوى الشمال ضد الرئيس عبدربه منصور هادي سيفتح الباب على مصراعيه لانفصال الجنوب بشكل سريع، وهنا تكمن مخاوف المجموعة الدولية.
وهي مخاوف مبررة، فالدول الرئيسية تعلم أن ليس هناك هيكليات دولة في الجنوب، فليس هناك مكاتب حكومية أو شبكة أمنية أو دفاعية على الأرض، وليس هناك نظام سياسي موحد.. وأي انفصال سريع سيؤدي بالضرورة إلى نزاعات في الجنوب قد تتطور إلى نموذج جنوب السودان الذي دخل في حرب أهلية على السلطة.. وهو ما قاله جريفيثس في مقابلته : «إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً»، لكنه لم يقل إن الانفصال غداً سيكون كارثياً.
كما أن هناك مخاوف لدى جيران الجنوب، فالمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان لا تريدان عودة النظام الماركسي السابق إلى الجنوب، فقد كان مصدر قلق وإيذاء وعدم استقرار لهما طوال ثلاثة وعشرين عاماً (1967 - 1990).
وهناك مخاوف لدى الجنوبيين أنفسهم، فلغة التخوين والتهميش الصادرة من مناطق خارج عدن والجنوب أحياناً هي مصدر رعب للعديد من الجنوبيين وبالذات في عدن، الذين مسهم الضرر من النظام الماركسي البائد.
الخطوة الأولى أمام الجنوبيين هي الالتفاف حول الوفد الذي سيذهب إلى جنيف، فهم ممثلون لهم ولا يهم من سيذهب، لكن الأهم أن يحملوا رؤية الجنوب بشكل واضح لا لبس فيها.. وأن يكون المفاوضون ليسوا سياسيين بالضرورة، ولديهم طاقم فني داعم متخصص ومهني.
والخطوة الثانية هي مد أيديهم إلى الجيران لطمأنتهم بأن مصالحهم وأمنهم هو جزء من أمن الجنوب ومصالحه، فلا يمكن التنكر بعد اليوم لمن أغاث الجنوبيين وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان أعانتا الجنوبيين على طرد الحوثيين وحلفائهم من الجنوب، وسهلوا بناء قوات أمن وجيش جنوبية تقاتل الآن في جبهات عدة، وهي الوحيدة التي تحقق انتصارات.
والخطوة الثالثة هي التعاون مع المبعوث الأممي ومكتبه الذي سيتم افتتاحه في عدن قريباً، فالمبعوث فتح الباب قليلاً، وليس على الجنوبيين اليوم فتح الباب على مصراعيه، بل خلع الباب تماماً عبر علاقة شفافة وقوية مع الأمم المتحدة والدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن وجمهورية مصر العربية، فالجنوب جزء من العالم وفي موقع استراتيجي حساس، وعليه ضمان مصالحه وأمنه مثل سائر الأمم.
الأيام