الحوثيون ليسوا كحزب الله

فورن بوليسي: هذا هو الحل للأزمة في اليمن

مسلحون حوثيون في شمال اليمن يرفعون صور زعماء شيعة

وكالات (واشنطن)

"بالطريقة التي يرى بها فريق الأمن القومي لترامب حزب الله اللبناني، يرون الحوثيين الذين تخوض المملكة العربية السعودية ضدهم حرباً منذ عامين"، بهذه العبارة فسر محللان سياسيان رؤية الولايات المتحدة للوضع في اليمن، وهو ما تتمناه دول الخليج وعلى رأسها السعودية.

ففي مقال بمجلة فورن بوليسي الأميركية، الثلاثاء 28 فبراير/شباط 2017 اعتبر الكاتبان جوست هلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط لمجموعة الأزمات الدولية، وأبريل لونجلي الخبير المدقق في شؤون شبه الجزيرة العربية بنفس المجموعة، أن علاقة الحوثيين بإيران الغريم اللدود للسعودية ليست كالعلاقة التي يتمتع بها حزب الله بسبب عدة أمور أهمها، الحرب على إسرائيل.

كما وضع الكاتبان عدة سيناريوهات إذا ما أقدمت الإدارة الأميركية الحالية على الدخول في حرب اليمن لمساعدة دول الخليج للخروج من "وحل" الحرب الدائرة هناك، أبرزها: وجود تحركات للأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية في السعودية، مما يتسبب في خروج المنطقة كلها عن السيطرة.

واعتبر ا أن الحل الأمثل لحل الأزمة في اليمن هو دفع السعودية للأطراف اليمنية للجلوس على طاولة المفاوضات التي بحسب رأيهم ستغيب الحوثيين عن الساحة لعدم وجود شعبية لهم.

وإلى نص المقال

يبدو أن ميدان المعركة الأول الذي ستواجه فيه إدارة ترامب، إيران، هو اليمن. ومن دواعي سرور حُلفاء ترامب من دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، أنه يبدو وكأن فريق الأمن القومي للرئيس الأميركي، يرى الحوثيين، بالطريقة ذاتها التي يرى بها حزب الله.

والحوثيون هم ميليشيا (الجيش الشعبي) في اليمن، تعود جذورهم إلى التقاليد الزيدية الشيعية، التي تحارب حالياً إلى جانب أجزاء كبيرة من الجيش والمجموعات القبلية الشمالية، الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، ضد مجموعة من المعارضين المحليين.

ويمكننا أن نقول بأن ذلك كله، يُعَد ضمن خطة إيرانية كُبرى لبناء تحالف شيعي قوي، يقف في مواجهة عدو إيران اللدود، إسرائيل ومنافستها الإقليمية، المملكة العربية السعودية.

ولكن، تقف عقبة واحدة في سبيل تحقيق ذلك؛ الحوثيون ليسوا هُم حزب الله.

ورغم أنهم أعربوا علناً عن تعاطفهم مع الجمهورية الإسلامية، إلا أنهم لم يبنوا علاقة وثيقة مُماثلة مع طهران.

ومع ذلك، لا يزال من الممكن أن تقوم الجهود المشتركة لواشنطن وحلفائها الخليجيين، بدفع الحوثيين للوقوع بين يدي طهران.

مُقارنة صعود الحوثيين مع صعود حزب الله، ستفيدنا كثيراً فحزب الله اللبناني، وُلِد في أوج الأحداث المتخبطة لغزو إسرائيل للبنان عام 1982 واحتلالها للبلاد.

وكان حزب الله يتغذى على حالات الغضب والامتعاض التي لا تُعد ولا تُحصى للمواطنين الشيعة اللبنانيون؛ والتي تعود أسبابها إلى نقص تمثيلهم في النظام السياسي اللبناني، ووجود المسلحين الفلسطينيين في البلاد (الذين اتخذوا من جنوب لبنان، نقطة انطلاق لشن هجماتهم على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل)، وكذلك بسبب رد الفعل الإسرائيلي الذي لم يميِّز بين الشعب اللبناني والمسلحين الفلسطينيين، فكان اللبنانيون من بين الضحايا الرئيسيين لرد الفعل الإسرائيلي. ولم يحدث ذلك إلا بعد ثلاث سنوات من قيام الثورة الإسلامية ، عندما كان الحرس الثوري الإيراني -مدعوماً بانتصاراته السياسية وقدرته على وقف الغزو العراقي- حريصاً على نشر فكره في جميع أنحاء العالم الشيعي.

بدأ حزب الله كتجربة إيرانية، وفُرصة من الممكن أن تستغلها طهران. ولكن مع مرور الوقت، أصبح أهم من ذلك بكثير: فقد أصبح مُمَثِّلاً حقيقياً وشعبياً (إن لم يَكُن أُشيد به عالمياً أيضاً)، للطائفة الشيعية اللبنانية، مع وجود ميليشيا مستعدة للوقوف في وجه الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل ضد السيادة اللبنانية. وأكسبه ذلك، الدعم بين السنة والمسيحيين في لبنان، الذين أظهروا دعمهم له على مضض، وأثار الحزب الإعجاب على نطاق واسع كذلك حول العالم العربي -طالما لم يطرح نفسه بوصفه ممثلاً طائفياً.

وظلت على مدى عقود، حقيقة أن حزب الله تَلَقَّى ترسانة أسلحته من إيران عن طريق سوريا، سبباً في شعور العرب بالقلق الطفيف- إلى أن أبرزت الحرب بين لبنان وإسرائيل عام 2006 أنه قوة عسكرية مزعجة لبعض الأنظمة العربية.

تغيّرت النظرة إلى حزب الله بشكل كبير على مدار السنوات الأربع الماضية. فقد تسبب تدخله في الحرب الأهلية في سوريا، في تحويله إلى شريك لا غنى عنه لإيران، في الحفاظ على بقاء النظام القاتل للرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي، تمد إيران الحزب بالدعم الأساسي واللازم من الأسلحة.

ومع وصول التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى أوجه في منطقة الشرق الأوسط، تبنَّى حزب الله الطائفية، التي ادعى البعض أنه كان يمثلها بالفعل منذ فترة طويلة.

تختلف سلسلة نَسَب الحوثيين عن حزب الله، ومع ذلك، هناك بعض التشابهات الهامة بينهما أيضاً. فقد أعلنت المجموعة جهراً، حمايتها للطائفة الزيدية في اليمن -وهم الشيعة الأقرب إلى السنة في اليمن من حيث المعتقد الديني، أكثر من أتباع المذهب الإثني عشري الشيعي السائد في إيران والعراق ولبنان- وبدأت المجموعة في خوض السياسة الوطنية، كحركة إحيائية شعبية مُعارِضة للتوسع السلفي في المناطق الزيدية.

وفي بداية الألفينات، تحولوا إلى ميليشيا مع تقارب سياسي لإيران وحزب الله، وموقف صريح مُعارِض للولايات المتحدة الأميركية، والسعودية وإسرائيل.

وقاتلوا ما بين عامي 2004 و2010 في ست جولات من الحرب مع جيش الرئيس آنذاك، علي عبدالله صالح، واستمدوا قوتهم خلال تلك العمليات عن طريق مستودعات الجيش التي استولوا عليها.

قد كان من الممكن أن يستمر الحوثيون في خوض القتال، إن لم تندلع الثورة اليمنية في عام 2011، عندما هز الربيع العربي نظام صالح، وبلغ ذروته خلال المرحلة الانتقالية التي كانت السعودية وسيطاً جزئياً فيها وساعدت على فرضها بالقوة.

استُبدِل صالح بنائبه، عبد ربه منصور هادي. ولمدة عامين، خاض الحوثيون اللعبة السياسية، فشاركوا في الحوار الوطني، حتى أنهم عملوا على قلب التوازن العسكري في الشمال لصالحهم.

وعندما تعثّرت الفترة الانتقالية السياسية، عاد الحوثيون لاستخدام السلاح، واقتحموا العاصمة، صنعاء، في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2014، وبعدها ببضعة أشهر، أطاحوا بهادي الذي فر هارباً إلى عدن، ومن ثم إلى السعودية، بعدها بفترة وجيزة.

كما قام الحوثيون أيضاً بتزوير قيامهم بالتحالف مع عدوهم السابق، صالح. وقد رأى الرئيس السابق في الحوثيين -الذين كانوا مُقاتلين أقوياء، ولكنهم يفتقرون إلى المهارة الإدارية- فُرصة للانتقام ممن انقلبوا عليه في عام 2011، وربما أيضاً لاستعادة السلطة. وتخطّت القوة المشتركة ما بين الحوثيين وأجزاء من القوات المسلحة التي كانت لا تزال مُوالية لصالح، الخط الأحمر الذي رسمته المملكة العربية السعودية: ففي شهر مارس/آذار من عام 2015، شنّت المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، هجوماً جوياً، وأَتْبَعَتْه بهجوم بري بعدها بفترة وجيزة، لوقف تقدم تحالف الحوثيين وصالح.

أما الآن، بعد مرور ما يقرب من عامين، لا يزال القتال جارياً مع تخريب أكثر بلاد العالم العربي فقراً خلال تلك العملية.

حتى الآن، وبصرف النظر عن البيان القوي لطهران وتأييدها للحوثيين، فلا توجد إلا أدلة قليلة جداً تجزم بدعم إيران للحوثيين.

وكان هناك دليل على وجود بعض الشُحنات من الأسلحة الصغيرة، وربما، على تقديم النصيحة من حزب الله والحرس الثوري، الذين من المرجح أن يكونوا قد ساعدوا الحوثيين في إطلاق الصواريخ على الأراضي السعودية، واستهداف السفن السعودية في البحر الأحمر.

وفي الوقت ذاته، فإن دعم الجيش والمخابرات الأميركية والبريطانية لقوات التحالف التي تقودها السعودية، يفوق بعوامل عديدة، الدعم الذي تَلَقّاه الحوثيون من طهران.

تقوم تلك الحرب الآن بتعزيز قوة الحوثيين، الذين رفعوا لواء الدفاع عن الأمة ضد العدوان الخارجي.

في الواقع، أصبحت السعودية الآن تُمَثِّل للحوثيين، ما كانت تُمَثِّله إسرائيل منذ فترة طويلة لحزب الله. ينظر حزب الله اللبناني إلى إسرائيل باعتبارها قوة احتلال أجنبي للأراضي العربية، تقوم بقمع الشعب، بالإضافة إلى أنها لديها مُخططات أكبر في المنطقة، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى.

أما بالنسبة للحوثيين، فإن المملكة العربية السعودية تُعَدّ المُعتدي الخارجي، وهي كذلك جزء من المؤامرة الأميركية-الإسرائيلية للهيمنة على المنطقة.

ولكن، قصة صعود الحوثيين إلى السلطة، توضِّح أن دافعهم الأول والأساسي، يتمثَّل في وجود أجندة محلية، لا إقليمية.

يتمتع الحوثيون بدعم قوي ودائم في الشمال الزيدي. ولن يتسبب تصعيد الحرب في تغيير تلك الحقيقة، حتى مع دعم أميركا المتزايد للتحالف الذي تقوده السعودية.

وإن حدث ذلك، فإن الحوثيين سيقبلون بكل سهولة الدعم المالي والعسكري الإضافي الذي قد تقدمه لهم إيران.

أما بالنسبة لإيران، فإن اليمن كانت تمثل وسيلة فعالة من حيث التكلفة لاستعداء المملكة العربية السعودية، التي أنفقت مليارات الدولارات على حرب اليمن، بينما خصصت طهران ميزانية صغيرة مُقارنة بها.

قد تنظر إدارة ترامب لإيران على أنها منطقة مناسبة لإظهار عزمها على مواجهة الإصرار الإيراني، دون إثارة حرب أكبر عبر منطقة الشرق الأوسط.

وعلى النقيض، تصب أميركا تركيزها في سوريا على "الدولة الإسلامية" (داعش) بدلاً من التركيز على التجاوزات التي يقوم بها نظام الأسد ضد شعبه؛ وأي إجراءات أكثر حزماً تقوم بها أميركا ضد إيران أو أي من وكلائها هناك، ستتسبب في حدوث مخاطر أكبر، نظراً للتحالف القائم بين إيران وروسيا.

وقد تكون أميركا بحاجة إلى إيران في العراق أيضاً -في صورة الميليشيات الشيعية- كشريك أساسي للجيش العراقي الضعيف بالفطرة، في المعركة ضد الدولة الإسلامية ذاتها، التي اتخذت من الموصل حصناً راسخاً لها.

وفي الخليج، سيتسبب الدخول في صراع مع البحرية الإيرانية، في إثارة خطر المواجهة المُباشِرة الأوسع مع إيران.

ولذا، قد ترى واشنطن أن زيادة الدعم العسكري لقوات التحالف التي تقودها السعودية، وحتى الضربات المباشرة ضد ممتلكات الحوثيين في اليمن، تُعد وسيلة قوية وفعالة ومنخفضة التكاليف لإيصال الرسالة المطلوبة إلى طهران.

ولا يوجد شك في أن السعودية ستقابل تلك الأفعال بفرحة كبيرة، إذ راهن ولي ولي العهد السعودي، النائب محمد بن سلمان، على سمعته أنه سينتصر في تلك الحرب، بجانب الإمارات العربية المتحدة، حليفته.

وتأمل تلك الدول أن تتمكن من هزيمة التحالف بين الحوثيين وصالح، بمساندة الولايات المتحدة، أو على أقل تقدير، إجبار ذلك التحالف على تقديم تنازلات كبيرة وذات أهمية على طاولة المفاوضات.

قد يَثْبُت في النهاية أن مثل تلك الحسابات، تُمثل خطأً فادحاً.

فبينما يرتبط الحوثيون بإيران، لا تريد الأخيرة أن تتحكم في اتخاذهم للقرارات الخاصة بهم. وفقاً للعديد من المُقابلات التي تمت مع مسؤولين أميركيين ومع الحوثيين أنفسهم، تبيّن أن قادة الحوثيين تجاهلوا طهران بشكل قاطع، عندما قدّمت لهم النصيحة بعدم الاستيلاء على صنعاء.

ويبدو أن إيران قامت بما يكفي حتى الآن، لمُعاداة وتخويف السعوديين وبالتالي، ضمان تَعَثُّرهم في أرض اليمن المُوحِلَة، وإنفاقهم لمليارات الدولارات على الحرب التي يستحيل عليهم الفوز فيها.

وفي حال اندفع ترامب واتخذ الخطوة الأولى للدخول في الحرب اليمنية، فسيكون هناك خطر حقيقي بأن يخرج الصراع عن نطاق السيطرة. إذ ستوَفِّر اليمن موقعاً سهلاً لطهران، للرد على السعودية: ويتلخّص أحد السيناريوهات المتوقعة، في اندلاع انتفاضة إيرانية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع اندفاع الحوثيين إلى نجران وبعض المدن الأخرى في الجنوب، وإطلاق الصواريخ تجاه السفن السعودية التي تسعى لعبور مضيق باب المندب. ومن الممكن أن يُشكل ذلك تهديداً خطيراً على الاستقرار الداخلي للمملكة العربية السعودية.

يرى قادة التحالف الذي تقوده السعودية، أن عليهم الاستمرار في تلك الحرب، إذ أنهم لا يمكنهم قبول وجود كيان يشبه حزب الله اللبناني، على حدودهم. وإن كان ما يشيرون إليه هو وجود ميليشيا مُعادية غير تابعة للدولة، وشديدة التسليح على حدودهم، فقد حدث الأمر بالفعل ولا يوجد ما يمكن القيام به، وما يزيد الوضع تفاقُماً هو الحرب المستمرة.

ولكن، إن كان الخوف بخصوص وجود حليف إيراني، فلا ينجح كل ما يقومون به إلا في دفع مجموعة ذات أجندة محلية في الغالب، بين يدي طهران. ولا يجب الاستمرار في حرب لا يمكن الفوز بها، إن كانوا يريدون السيطرة على الحوثيين. ويجب، بدلاً من ذلك، الدفع بالأطراف اليمنية للعودة إلى طاولة المفاوضات: إن كانت السعودية وحلفاؤها يدعمون اللامركزية الحقيقية والحكم الشامل، فستضعف قوى الحوثيين بمفردها، إذ أن أيديولوجيتهم لا تحظى بجاذبية واسعة، فهُم لا يمتلكون مهارة الحكم، وسيحصلون على التوازن المطلوب لا محالة، عن طريق حزب صالح، والجماعات المتحالفة مع السعودية.

لا يمكن للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الخروج بسهولة من الحرب في اليمن، ولكن إن كانوا مُخضرمين استراتيجياً مثل إيران على سبيل المثال، فسيفتحون الطريق أمام الحوثيين، للغرق في العملية السياسية الفوضوية، التي ساعدوا في جلبها إلى الساحة بأنفسهم.