الأزمة اليمنية..
قرارات مجلس الأمن الطريق المختصر لتحقيق السلام في اليمن
أثارت اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، يوم الأربعاء 26 سبتمبر 2018، جدلا إثر مناقشة تقرير المفوّض السامي لحقوق الإنسان الذي أعدّه فريق من الخبراء البارزين حول الأوضاع في اليمن. منذ نشره قبل أسابيع، أثار التقرير ردود أفعال مختلفة سلبيّة وإيجابيّة وفقا لكيفيّة تفسيره من الأطراف المعنيّة.
وكسياق عمل، درسنا في مركز جنيف الدولي للعدالة، وبالتعاون مع منظمات غير حكوميّة أخرى، التقرير موضوع البحث، دراسة موضوعيّة بحتة، آخذين بعين الاعتبار صلاحيات لجنة الخبراء التي أعدّت التقرير والإطار القانوني الذي يحكم النزاع في اليمن طبقا لقرارات مجلس الأمن الدولي المتخذة طبقا للفصل السابع من الميثاق.
بداية، نؤيد جهود الأمم المتحدة لإنهاء النزاع الدامي في اليمن لكنّ ذلك يُفترض أن يتمّ استنادا إلى إطار العمل الذي تحدّده قرارات مجلس الأمن؛ وعليها أن تضع خطّة تعالج الأسباب الجذرية بدلا من التركيز على القضايا والآثار السطحية.
دون دراسة موضوعية للأسباب الرئيسية، سواء كانت طائفية أو اقتصادية أو غير ذلك، لن يكون هناك سلام ولا يحتمل وضع حدّ لانتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن النزاع الدائر.
الإطار الدولي للأزمة اليمنية
في 21 مارس 2015، ناشد الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مجلس الأمن تقديم المساعدة “بكل الوسائل المتاحة”. استجابة لذلك، تم تشكيل تحالف دولي بقيادة السعودية والإمارات لمساعدة حكومة عبدربه منصور هادي في إعادة السيطرة على البلاد.
حظي هذا التحالف بتأييد المجتمع الدولي، من خلال إجراءات مجلس الأمن الدولي، فضلا عن تقديم المشورة والدعم من قبل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة.
فضلا عن ذلك، أدانت قرارات مجلس الأمن بصورة متكررة أعمال ميليشيا الحوثي ضدّ الحكومة وفرضت حظرا ضدّ القوات الموالية للحوثيين (بما في ذلك القوات الموالية لعلي عبدالله صالح) وجاء ذلك واضحا في القرارات -2201 -2204 2216.
وصفت كل تلك القرارات جماعة الحوثي بأنها ميليشيات متمردة وأنّها تهدد الأمن والسلم في اليمن. مع ذلك، رعت الأمم المتحدة عدّة محاولات لعقد مفاوضات سلام بين الحكومة وميليشيا الحوثي.
وكان من المقرّر، في أوائل شهر سبتمبر 2018، إجراء أول محادثات خلال عامين في جنيف. وبالفعل وصل ممثلو الحكومة اليمنية إلى جنيف وحضر أيضا المبعوث الدولي مارتن غريفيث، لكن الحوثيين لم يصلوا قط. مبدئيا، تم تأجيل المحادثات عدّة أيام حيث قدّم ممثلو الحوثي مطالب وشروطا مختلفة مقابل مشاركتهم.
ورغم الجهود المكثفة التي بذلها المبعوث الأممي لترتيب الانتقال ووسيلة النقل الخاصة للحوثيين، تم إلغاء المحادثات لأن ممثلي الحوثي رفضوا، في نهاية المطاف، مغادرة اليمن.
على الرغم من الجهود التي بذلها المجتمع الدولي لتجنّب الحرب الأهلية، فقد تعامل الحوثيون مع كل جهد لصنع السلام كفرصة لترسيخ السلطة العسكرية والاستيلاء على الأراضي، وفي نهاية الأمر طرد الحكومة والسيطرة على البلاد بالقوة
وهكذا، فالحقيقة هي أن اليمن يواجه الوضع البائس في الوقت الراهن بصورة أساسية لأن ميليشيا الحوثي ترفض المشاركة بصدق في الجهود الرامية إلى حل الخلافات بطرق سلميّة.
على الرغم من الجهود التي بذلها المجتمع الدولي لتجنّب الحرب الأهلية، فقد تعامل الحوثيون مع كل جهد لصنع السلام كفرصة لترسيخ السلطة العسكرية والاستيلاء على الأراضي، وفي نهاية الأمر طرد الحكومة والسيطرة على البلاد بالقوة.
النتيجة الأحدث لانخراط الأمم المتحدة في حالة حقوق الإنسان في اليمن كانت تقرير فريق الخبراء المستقل. ولأن هذا التقرير لم يقم بفحص شامل للأعمال الإرهابية وسجل حقوق الإنسان الخاص بميليشيا الحوثي.
كما استخدم التقرير أوصافا لميليشيا الحوثي تخالف كل ما نصّت عليه قرارات مجلس الأمن الدولي، وذلك من قبيل “الثوار” و”سلطة الأمر الواقع” فقد شجع ذلك الحوثيين على الاستمرار في رفض المشاركة في الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي سلمي. لن يحقّق هذا النوع من النهج من قبل الأمم المتحدة سلاما دائما.
وعلى نحو ما ذكرناه سابقا، فإن المفتاح للمضيّ قدما في إنهاء النزاع في اليمن هو فهم أسبابه الجذرية ومعالجتها. هذا لا يعني أنه من الضروري العودة إلى مئات السنين من التاريخ.
في الواقع، وبالنظر إلى التطورات التي حدثت منذ الاحتجاجات السلمية في عام 2011، فإنه من الممكن فهم المصادر الرئيسية للسخط، بالإضافة إلى الأطراف التي لجأت إلى العنف وزعزعة الاستقرار في اليمن.
في سبيل المضي إلى الأمام، يجب على المجتمع الدولي أن يتبع إطارا واضحا للتفاعل مع مختلف الأطراف المعنية. في وقت مبكر، حدّد مجلس الأمن الدولي مواقف واضحة فيما يتعلق بأهم عناصر النزاع التي تنشئ إطارا كهذا، والذي يجب على الأمم المتحدة اتباعه في معالجة الوضع اليمني. اتخذ هذا الإطار شكله من خلال سلسلة قرارات مجلس الأمن المتخّذة منذ عام 2011 ويتلخص في ما يلي:
* يجب أن يتم تقرير النتيجة النهائية من قبل اليمنيين – ينبغي إجراء التغييرات بالوسائل السلمية.
* الرئيس هادي يرأس الحكومة الشرعية في اليمن – استيلاء ميليشيا الحوثي على المؤسسات الحكومية غير شرعي ومدان دوليا.
* الوضع في اليمن يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ويجب على المجتمع الدولي أن يقف في وجه كلّ من يقدّم أي دعم مالي أو عسكري إلى ميليشيا الحوثي أو حلفائها أو أي طرف يساهم في أعمال العنف وعدم الاستقرار السياسي.
الحل بقيادة يمنية
شدّد مجلس الأمن منذ قراره الأول في هذا الشأن على أهمية “عملية الانتقال السياسي بقيادة اليمن”. أيضا، يجب أن تكون هذه العملية سلمية. وأيد مجلس الأمن على وجه التحديد مبادرات مجلس التعاون الخليجي للتفاوض من أجل إنجاز حل سلمي بين أطراف النزاع.
بعد انتقال السلطة من الرئيس علي عبدالله صالح إلى الرئيس عبدربه منصور هادي في عام 2012، أيد مجلس الأمن مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه اتفاق انتقال السلطة باعتباره وسيلة لتحقيق “التغيير السلمي والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الهادف” الذي “يلبي المطالب والتطلعات المشروعة للشعب اليمني”. في هذه المرحلة المبكرة، أهاب مجلس الأمن أيضا بجميع الأطراف في اليمن “أن تمتنع عن استخدام العنف لبلوغ الأهداف السياسية”.
يتوجب على الأمم المتحدة العودة إلى الإطار الذي أنشأته قرارات مجلس الأمن للعمل على تحقيق السلام ودعم الحكومة اليمنية في خلق حوار يعالج الأسباب الجذرية لهذا النزاع
ومنذ انتقال السلطة في عام 2012، رفض مجلس الأمن باستمرار قبول ميليشيا الحوثي كسلطة شرعية في اليمن، بدءا بدعمه “لجهود الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة الوحدة الوطنية لدفع عملية الانتقال إلى الأمام”، لم يتزعزع موقف مجلس الأمن بأن الحكومة الشرعية هي تلك الحكومة التي تم اختيارها من خلال العملية السياسية، ولم يعترف مطلقا بـ“سلطة الأمر الواقع” المنشأة بالقوة العسكرّية.
واستنكر مجلس الأمن استيلاء ميليشيا الحوثي من جانب واحد على المؤسسات الحكومية وطالب الحوثيين بالإفراج عن المسؤولين الحكوميين اليمنيين، بمن فيهم الرئيس عبدربه منصور هادي ووزراؤه (القرار 2201 لعام 2015). بعد رفض الحوثيين الانسحاب، أكد مجلس الأمن توصيفه لاستيلاء الحوثيين على السلطة على أنه غير شرعي عندما طالب بانسحاب ميليشيا الحوثي من العاصمة و“التوقف عن جميع الأعمال التي تندرج حصرا ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن”.
تهديد السلم والأمن الدوليين
خلال الفترة 2014-2013، أفسدت أعمال العنف المستمرة عملية الحوار الوطني. على الرغم من أن عددا من الجماعات كانت متورطة في القتال، فإن جهود ميليشيا الحوثي لتوسيع سيطرتها على المزيد من الأراضي كانت هي المحرّك الرئيسي لاستمرار العنف. إثر تصاعد النزاع المسلّح، قرّر مجلس الأمن في مطلع عام 2014، وفقا للسلطات المخولّة له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أن الحالة في اليمن تُشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين في المنطقة.
ويتيح الفصل السابع لمجلس الأمن اتخاذ قرارات ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدّة، كما يسمح بالاستخدام القانوني للقوة وغيرها من التدابير القسرية من قبل المجتمع الدولي وفقا لتوجيهات مجلس الأمن. ما تلا ذلك، كان عبارة عن تحديد وعزل تدريجي لميليشيا الحوثي وحلفائها باعتبارهم المرتكبين الرئيسيين لأعمال العنف وزعزعة الاستقرار السياسي. وبدأ الأمر بفرض عقوبات مالية وحظر على السفر.
واعتبر مجلس الأمن في النهاية زعيم الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح مسؤولين عن إدامة أعمال العنف والأزمة السياسية في اليمن، وقام بإخضاعهما وحلفائهما لعقوبات مالية وحظر على توريد الأسلحة وحظر على السفر.
وضعت هذه السلسلة من التدابير التي اتخذها مجلس الأمن إطارا واضحا يمكن للأمم المتحدة من خلاله التعامل مع النزاع في اليمن.
لكن مع الأسف، انحرفت الجهود الأخيرة عن هذا الإطار وأدت إلى تقويض جهود الحكومة اليمنية للتوصل إلى حل سياسي سلمي. على سبيل المثال، في عام 2015 أنشأت الحكومة اليمنية لجنة وطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان. لكن، لم يكن هناك تعاون من جانب ميليشيا الحوثي، كما أن عدم تقديم الدعم لها من قبل الأمم المتحدة أعطى إشارة خاطئة للحوثيين للاستمرار في معارضة جهود الحكومة.
أيضا، فإن دعم إيران المستمر لميليشيا الحوثي بالإمدادات العسكرية انتهاك واضح للحظر المفروض على الأسلحة الذي أعلنه مجلس الأمن، وهو إلزامي لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ويتيح هذا الإمداد المستمر بالأسلحة للحوثيين الاستمرار في الضرب بتوجيهات مجلس الأمن عرض الحائط، مما يؤدي إلى المزيد من القتال الذي ينتج عنه المزيد من الدمار والموت وانتهاكات حقوق الإنسان.
من هنا، يتوجب على الأمم المتحدة العودة إلى الإطار الذي أنشأته قرارات مجلس الأمن للعمل على تحقيق السلام ودعم الحكومة اليمنية في خلق حوار يعالج الأسباب الجذرية لهذا النزاع.
ودون تحقيقات مستمرة والاعتراف بالمسبّب الرئيسي للوضع الحالي، كما كان عليه الحال خلال الحوار الوطني، فإنه لن يكون هناك سلام في نهاية المطاف ولا يحتمل أن تكون هناك نهاية لانتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن النزاع الدائر في اليمن.