"إيران و تهديد الممرات البحرية العربية"..
المضايق البحرية العربية: تحديات الأمن القومي في مواجهة الأطماع الإقليمية
"إيران تهدد دول الخليج العربي بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 40% من النفط الذي يحتاجه العالم، وتعاون الجامعة العربية والدول الكبرى الصديقة ضروري لمواجهة التهديدات الأمنية."
ملخص:
يستعرض هذا التقرير أهمية المضايق البحرية العربية، مثل مضيق باب المندب ومضيق هرمز وقناة السويس، باعتبارها ممرات استراتيجية للتجارة والطاقة العالمية. يعرض التقرير التهديدات الإيرانية لهذه المضايق عبر دعم المليشيات المسلحة وتهديد إمدادات النفط العالمية، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية الناجمة عن القرصنة والتدخلات الأجنبية. ويقترح التقرير خطوات لمواجهة هذه التهديدات، مثل التنسيق الأمني الإقليمي وتفعيل الاتفاقيات الدولية لحماية الملاحة البحرية.
حسب التعريف القانوني يُعتبر المضيق البحري جزءًا من الملاحة الدولية و يخضع للقواعد القانونية المحددة للملاحة فيه، و يعتبر المضيق جزءًا من أعالي البحار، و لكل سفينة الحق و الحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية او يمس نظامها او امنها، و هي عبارة عن فتحات طبيعية ضيقة تصل بين بحرين أو مساحتين بحريتين، و يتجاوز اتساعها ضعف عرض البحر الإقلـيمي.
و يقع في المنطقة العربية عدد من اهم المضايق و الممرات المائية الدولية و التي تربط بين شرق العالم و غربه، و هذه المضايق هي مضيق هرمز و مضيق باب المندب و مضيق جبل طارق و قناة السويس.
المياه لا تعتبر مضيقاً بالمعنى الجغرافي إلا إذا توفرت لها الأوصاف التالية:
- ان تكون جزءًا من البحر.
- ألا تكون قد تكوّنت بطريقة صناعية.
- أن تكون محددة الإتساع.
أن تفصل منطقتين من الأرض، و تصل منطقتين من البحر.
مضيق باب المندب:
باب المندب هذا المضيق يتبع جغرافيا للجنوب العربي، و يتحكم بطريق هام و رئيسي من طرق التجارة العالمية، و بسبب موقعه هذا فقد تعرض للعديد من الإحتلالات ابرزها البريطاني و آخرها اليمني، و يمر من خلاله كل بترول دول الخليج العربي، و كذلك صادرات روسيا و الصين و الهند، بإختصار هذا المضيق يوصل اسيا بأفريقيا و اوروبا، و من خلال المحيط الهندي يمر 70% من إجمالي التجارة العالمية من الشرق الأوسط، و كمية النفط التي بعبر من خلال باب المندب 3.3 مليون برميل يومياً، و ازدادت اهمية هذا المضيق بوجود قناة السويس.
باب المندب يرتبط بخليج عدن المربوط بدوره بالمحيط الهندي، و منه الى البحر الأحمر ثم عبر قناة السويس المصرية الى البحر الأبيض المتوسط، و يبلغ إتساع باب المندب 96 ميلاً.
بعد إستقلال الجنوب العربي من الإستعمار البريطاني في العام 1967م بدأت الأمور تستقر في مضيق باب المندب، و لكن للأسف تغير الأمر بعد إحتلال و غزو الجمهورية العربية اليمنية للجنوب العربي، و من هذا اليوم لم يرى المضيق اي إستقرار او هدوء أو أمان.
ظهرت في المضيق القرصنة التي تؤدي الى عدم إستقرار الإقتصاد العالمي، و أدت الى خسائر بالمليارات منذ العام 1994م، و حتى اليوم عندما قامت مليشيات الحوثي بدعم من الدولة الإيرانية بتهديد السفن التجارية بحجة انها تناصر أشقائنا في غزة، و متجاهلين انهم يأذون أشقائنا في السعودية و مصر و الأردن إقتصادياً.
للأسف عندما حكم حكام صنعاء الجنوب قاموا بأمور غير قانونية، فمثلاً اصدر رئيس الجمهورية حينها علي عبدالله صالح بإصدار قانون باقتطاع مضيق باب المندب من محافظة عدن الجنوبية و إدخاله ضمن محافظة تعز الشمالية و كذا جميع الجزر التابعة للجنوب و الواقعة في البحر الأحمر، و هذا غباء من حكام صنعاء لأن حدود الجنوب معلومة و مُرّسمة منذ ما قبل الإحتلال البريطاني، و معلوم لكل المحافل العربية و الدولية.
و بما ان معظم مراكز الإنتاج على مستوى العالم موجودة في الشرق الأقصى في دول مثل اليابان و الصين و اندونيسيا و ماليزيا، بالمقابل تقع مراكز التوزيع و الإستهلاك موجودة في الشرق الأوسط و اوروبا و امريكا لهذا نرى ان مضيق باب المندب و قناة السويس هما همزة الوصل بين مراكز الإنتاج و مراكز الإستهلاك.
مضيق هرمز:
من اهم المضايق في العالم، و ما زاد من أهميته في العصر الحديث هو إكتشاف النفط في الدول المحيطة به، و أهميته ايضا انه عنق الزجاجة في مدخل الخليج العربي و يربط بين الخليج العربي و خليج عمان.
و مضيق هرمز من المضايق الدولية من الناحية القانونية، فهو يربط بين خليج عمان و الخليج العربي الذي تشاطئه من الشرق إيران، و من الغرب السعودية و الإمارات و قطر و البحرين و الكويت، و من الشمال العراق و من الجنوب عُمان، و يشكل مضيق هرمز مياها إقليمية للدول المطلة عليه، و هذا يعني ان كل السفن الأجنبية دون إستثناء لها الحق في المرور من خلاله و الملاحة فيه.
و حدث في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة لقانون البحار صراع بين الدول الكبرى و الدول النامية حول النظام القانوني للمضايق المستخدمة للملاحة الدولية، فكانت الدول الشاطئية تسعى الى تطبيق مبدأ السيادة الإقليمية على هذه الممرات المائية الدولية، و يخضعها لنظام المرور البري اي الإشتراط بالإذن المسبق للمرور، و جاءت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار و اعتمدت حق المرور العابر للسفن و الطائرات في المضايق المستخدمة للملاحة الدولية، و اوضحت الإتفاقية حقوق و واجبات السفن التي تمر في المضيق، و حقوق و واجبات الدول الساحلية المطلة علية و تنطبق هذه الأحكام على مضيق هرمز.
ايران هددت أكثر من مرة بأنها ستغلق مضيق هرمز لأنها ليست بحاجة اليه، و هي تشير لهذا التهديد كلما ظهرت ازمة بينها و بين امريكا، و المنطق يقول أن ايران لن تستفيد من إغلاق مضيق هرمز لأنه تستفيد كثيراً من المضيق، و لكنها لو ذهبت لإعاقة المرور في المضيق من خلال المبالغة في الإجراءات الرقابية و التفتيش للناقلات النفطية الأمر الذي سيؤدي الى إختناق الحركة و يعطل تدفق النفط، و في الجانب الآخر ايران تخشى رد الفعل الإمريكي إذا ذهبت لهذه المغامرة الغير محسوبة العواقب في المضيق و الخليح العربي، لأن امريكا قد تذهب الى إجهاض القدرات الإيرانية بدرجة كبيرة عن طريق تدمير البنية التحية العسكرية لإيران و النووية ايضاً.
قناة السويس:
تعتبر قناة السويس شرياناً رئيسياً لحركة التجارة العالمية المنقولة بحراً، و إجمالي ما يمر من خلال القناة تقريباً 8.3% من حركة التجارة العالمية، و 25% من إجمالي حركة البضائع عالمياً، و 100% من إجمالي تجارة الحاويات المنقولة بحراً بين آسيا و أوروبــا.
و تستفيد مصر كثيراً في تعزيز إقتصادها من مساهمة قناة السويس من خلال رسوم العبور التي يتم فرضها على السفن، و كذلك توفر القناة فرصا إستثمارية للشركات المحلية و الأجنبية، و تسهيل عمليات النقل لهم، و كذلك تعين الإقتصاد المصري في إدخال العملة الأجنبية مما يعطيها قوة إقتصادية.
تتميز قناة السويس بإنسيابية مرور السفن من خلالها، و خاصة ان التكاليف في القناة مخفضة.
اضافة الى قناة السويس الأولى الذي ابتدأ عملية الحفر فيها في 25 ابريل 1859م، و انتهت الأشغال فيها و تم إفتتاحها رسمياً في 1869م، أيضاً تم إفتتاح مشروع قناة السويس الجديدة في 6 أغسطس 2015 ،و هو مشروع لتطوير و توسعة قناة السويس و هذه القناة الجديدة تشتمل على تفريعة جديدة بطول ٣٥ كيلومترًا يمر بموازاة قناة السويس الأصلية التي يبلغ طولها ١٩٠ كيلومترًا.تم انشاء قناة السويس الجديدة بهدف تلافي المشاكل القديمة لقناة السويس من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، و بذلك يمكن للسفن المرور في الاتجاهين دون توقف في مناطق انتظار داخل القناة و كذلك تقليل زمن العبور مما يسهم في زيادة الإقبال على استخدام القناة و يرفع دخلها بنسبة 259%، و كذلك يرفع درجة تصنيفها.
تمت عمليات حفر قناة السويس الجديدة بواسطة الحكومة المصرية،و بمساعدة من بعض الشركات الوطنية بتمويل كامل من الشعب المصري من خلال طرح سندات ذات فائدة في سوق الأسهم المالية و قد تم جمع 8.4 مليار دولار أمريكي في غضون 8 أيام فقط ،و تم الإنتهاء من المشروع خلال عام واحد فقط.
اطماع ايران في المعابر البحرية العربية:
لا يغفل أحد من العرب إلا إذا كان جاهلاً او عميلاً لإيران، بأن هذه الدولة الإيرانية ليس لها إلا هدفاً واحداً الا و هو إذلال و تهديد و إضعاف الدول العربية، لهذا وجدت ان السيطرة على المضايق البحرية افضل طريقة لها.
ايران تقريبا تستطيع شل مضيق هرمز، و هذا يعني انها ستتحكم في اخطر طريق لنقل البترول من العراق شمالاً ثم الكويت و الامارات و قطر و كل المنطقة الشرقية من السعودية و الذي يذهب الى اسواق الإستهلاك سواء في الشرق الأقصى شرقاً او الى اوروبا و غيرها، و كذلك بالأعمال العدوانية لمليشيات الحوثي في البحر الأحمر تكون اوقفت 10% من حجم التجارة العالمية التي تمر من باب المندب.
هدف ايران الأساسي هو فرض الحصار على الدول العربية من مضيق هرمز حتى مضيق باب المندب و منه الى البحر الأحمر، و هذا العدوان لا ينسينا ان هذا المخطط الإيراني يستهدف ايضا ضرب السعودية و مصر و الأردن و حتى السودان.
و تعتبر مصر هي اكثر الدول التي تتوقف حاليا عند هذا التهديد و يجب ان تأخذه على محمل الجد، نظرا لخطورته الفائقة على امنها الاقتصادي و القومي عموما.
يبقى السؤال ماذا لو قررت ايران اغلاق باب المندب بإستهداف كل السفن التي تمر من خلاله، او تتذرع بعذر آخر؟
ان سياسة الولايات المتحدة في اليمن منذ مجيئ الرئيس جو بايدن الى الرئاسة عملت على تعزيز قبضة ايران في اليمن، و كان لها التأثير القوي في منع حسم المعركة في الحديدة و سمحت لهم بالسيطرة على ميناء الحديدة، كما ضيقت على إمدادات السلاح النوعي و الذخائر المتطورة على التحالف العربي، و بكل الوضوح فان إدراة جو بايدن هي كما كانت إدارة باراك اوباما متعاطفة مع الإيرانيين على حساب العرب.
دبلوماسية بايدن المرنة مع إيران فشلت فشلاً ذريعاً، و أهدت الخزينة الإيرانية مليارات الدولارات التي تعينها في تمويل وكلائها في العراق و سوريا و اليمن و لبنان و غزة دون حسيب او رقيب فقط لإيذاء العرب، فهذه الأعمال الإرهابية هي البداية و نهايتها اخطر اذا لم تتوقف.
كذلك ايران قد تذهب لشيطنة البحر الأبيض المتوسط، و هذا ما قاله محمد رضا نقدي من الحرس الثوري حينما قال «سينتظرون قريبا إغلاق البحر الأبيض المتوسط و مضيق جبل طارق و الممرات المائية الأخرى»، و قد يحدث هذا بخلق عناوين جديدة لهذا الشيطنة، و بمساعدات مليشيات حزب الله المليشيات السورية.
التحالف البحري الذي أعلنت عنه امريكا لتسيير دوريات في جنوب البحر الأحمر و باب المندب لن يعمل على حماية أعالي البحار و تعزيز الأمن كما يدعي الأمريكان، فهجمات الحوثيين أثرت على الإقتصاد العالمي و ستستمر، و امريكا تدرك ذلك، لهذا يجب البحث عن حل جذري.
كيف نواجه التهديدات الأمنية على المضايق:
ايران تهدد دول الخليج العربي بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 40% من النفط الذي يحتاجه العالم، و تهدد ايضاً باب المندب ليكتمل حصارها للجزيرة العربية، و بالتعاون مع الجامعة العربية و الدول الكبرى الصديقة يجب ان نضع المحاذير لمواجهة التهديدات الأمنية على المضايق كالتالي:
- فيما يخص باب المندب السعي لدى مجلس الأمن الدولي لإستصدار قرار شبيه بالقرار 1851 لسنة 2008م، الذي اعطى الضوء الأخضر لتشكيل قوة عسكرية لمواجهة القراصنة الصوماليين في مناطق وجودهم.
- تفعيل إتفاقية قمع الأفعال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية سنة 1988م (إتفاقية سلامة الملاحة البحرية)، التي تنص على قيام الأطراف بتجريم تلك الأفعال، و بفرض ولايتها القضائية عليها ، و بقبول تسليم الأشخاص المسؤولين او المشتبه في انهم مسؤولون عن إختطاف سفن او السيطرة عليها بالقوة او بالتهديد او بإستعمال القوة أو بأي شكل آخر من أشكال الترهيب[1].
- السعي لدى مجلس الأمن لإستصدار قوانين عالمية للحفاظ على الطاقة في منطقة مضيق هرمز و عدم تعرضها لمشاكل سياسية او عسكرية حتى لا يتضرر الإقتصاد العالمي، و حث المجلس ان يعامل منطقة مضيق باب المندب مثلما تعامل المشكلة الصومالية[2].
- على دول الخليج العربي و السعودية بالتعاون مع مصر و الأردن العمل على إنشاء نظام أمني إقليمي في البحر الأحمر، و ان يكون هناك إتفاقاً على مصادر التهديد و ان تُشكل قوة عسكرية لحماية الإقليم و تتكون من قوات عربية و أفريقية يتم التنسيق بينها للمراقبة.
- الإستفادة من قوات CFT قوات الواجب المختلطة 150، و من صلاحياتها في خليج عدن و البحر الأحمر، و هذا يعطيها نفوذ للمراقبة و المتابعة لأي نشاط إرهابي لتهديد الملاحة الدولية، و كذلك تشكيل قوة جنوبية بحرية تسيطر على باب المندب و أجزاء من الساحل الغربي.
- التنسيق بين الدول التي لها مصالح في البحر الأحمر، و عمل تنسيق يعتمد على نمو الثقة بين جميع الأطراف، و عدم إنفراد دولة واحدة بتحديد آلية او إستراتيجية ذلك، و تنسيق حوار إستراتيجي مع دول كبرى كأمريكا و روسيا و الصين حول أمن البحر الأحمر بما يؤكد السيادة العربية عليه.
- مد خط انابيب عبر الأراضي الجنوب العربي، بإتفاق بين دول الخليج و الجنوب العربي و السعودية.
- إستغلال الموقع الإستراتيجي لميناء الفجبرة على خليج عمان لنقل صادرات دول الخليج النفطية.
- إلزام إيران بإحترام القوانين الدولية و التي تُعد الداعم الرئيسي لمليشيات الحوثي.
- دعم الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً حتى تقوم بإلتزاماتها تجاه القانون الدولي.
الخلاصة:
اصبح معلوما للجميع بأن الممرات و المضايق البحرية العربية لها أهمية إستراتيجية، و في الشرق الأوسط هي قلب جيوسياسية الطاقة العربية، لأن التزود بالطاقة مرتبط بأمن الطاقة العالمي، و بالنتيجة فان القرصنة و التأثير على الحركة البحرية من خلال المضايق العربية ستؤدي على التأثير على أمن و سلامة إمدادات الطاقة في العالم.
و هنا على الجامعة العربية وضع خطة إستراتيجية لأمن الطاقة في المضايق العربية، و وضع الخطط المناسبة لحماية المضايق العربية في اوقات السلم و الحرب سواء كان ذلك بسبب تهديدات إقليمية أو دولية.
و يجب التأكيد على ان أي تهديد لأمن المضايق العربية و البحر الأحمر هو تهديد لأمن و إستقرار إمدادات النفط و شرايين الطاقة العالمية.
د. علي محمد جارالله
مراجع:
- محمد طلعت الغنيمي: الوجيز في قانون السلام.
- حامد سلطان محمد عبدالله العريان: أصول القانون الدولي العام.
- إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
- عبدالمجيد العبدلي: قانون العلاقات الدولية- الطبعة الثانية
- وسام الدين العكلة: النظام القانوني للمضيق الدولي.
- أمين محمد قائد اليوسفي: النظام القانوني للمضائق العربية
- حسام سويلم: مضيق هرمز في بؤرة الصراع الإيراني الأمريكي.
[1]الأمم المتحدة : مجلس الأمن القرار رقم 1851 الذي اتخذه المجلس في جلسته رقم 6046، في 1 ديسمبر 2008م S/RES/1851/(2008) 16 December 2008
[2]نفس المصدر السابق