مصير المبادرة الأمريكية..
تحليل: هل ينتهي الصراع في اليمن أخيرًا؟
في 27 من أكتوبر 2018 كان وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس يتحدث في مؤتمر صحفي أمام وسائل إعلام أمريكية عن الأوضاع العسكرية في العالم، ورؤية بلاده في الهيمنة على العالم من خلال العقوبات التي تفرضها بلاده على بلدان عدة شملت روسيا وتركيا وإيران وشركات صينية وجماعات دينية.
لكن الغريب في الأمر أنه رد على سؤال وجهه إليه من أحد الصحفيين عن الوضع السياسي في اليمن، وإن كان لدى الولايات المتحدة الأمريكية خطط لحل الوضع السياسي اليمني وإيقاف التهديدات الحوثية للملاحة الدولية وإنهاء انقلابهم على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المعترف به دوليًا وإجبار الحوثيين على الالتزام بالقرارات الدولية، بالقول إن الولايات المتحدة الأمريكية تدعو إلى البدء بالدخول في تسوية حقيقية لإنهاء المأساة التي تزداد سوء يومًا بعد آخر.
وأضاف: «لقد أُهدر ما يكفي من الوقت على القضايا الثانوية، وحان الوقت للمضي قدمًا نحو وقف هذه الحرب، ويجب أن نبدأ في شهر نوفمبر في التفاوض بشأن القضايا الجوهرية، التسوية يجب أن تحل محل القتال، والناس يجب أن يحظوا بالسلام للشفاء».
حديث وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس المنشور في موقع وزارة الدفاع الأمريكية، يكشف جزءًا من تفاصيل المبادرة التي يبدو أن الجيش الأمريكي هو من أعدها والتي ترتكز على تقسيم اليمن إلى مناطق مع حكم ذاتي بعد عملية تدريجية لنزع السلاح.
وقال الوزير الأمريكي: «أعتقد أن الجزء الأول من المعادلة هو أن نضمن أن تكون الحدود منزوعة السلاح حتى لا يشعر الناس بأن عليهم أن يضعوا قوات مسلحة على طول الحدود، يجب ألا يكون هناك أكثر من الجمارك وشرطة الحدود هناك لتسريع تدفق البضائع والناس يذهبون ويأتون بشكل قانوني».
وأضاف: «ثانيا أعتقد أن نزع السلاح وفق جدول تدريجي طويل، أنا أقول إننا لسنا بحاجة لصواريخ توجه في أي مكان في اليمن بعد الآن، لا أحد سيغزو اليمن، سوف نعود إلى الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، بحيث تعطى المناطق التقليدية لسكانها الأصليين، لكي يكون الجميع في مناطقهم ولا حاجة للسيطرة على أجزاء أخرى من البلاد، ولنترك الدبلوماسيين يعملون على إضفاء لمساتهم السحرية الآن، لكن ذلك يجب أن يبدأ كما أرى على طول هذين الخطين».
بل وصل الأمر لدى وزير الدفاع الأمريكي بالاعتقاد أن الحوثيين سيوافقون على هذا المقترح لأنه وفق حديثه فرصتهم في تحقيق مصلحتهم بعيدًا عن المساعدة الإيرانية.
وليس ببعيد وتحديدًا بعد 3 أيام من تصريح وزير الدفاع الأمريكي، خرجت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي لتتجرد من دورها العسكري وتخوض في العمل السياسي لتكشف هي الأخرى أن باريس تمارس ضغوطًا بالتعاون مع الأمم المتحدة، من أجل الوصول إلى حل سياسي في اليمن، بحجة أن الحل العسكري في اليمن لن يؤتي بثماره.
ليس عيبًا أن يتجلي العسكريون ويتحدثون عن الحلول السياسية، لكن الغريب أن يأتي الحديث من وزارة الدفاع الأمريكية ونظيرتها الفرنسية في توقيت متقارب، في الوقت الذي غاب المتحدثون السياسيون والوسيط الأممي إلى اليمن مارتن جريفيثس عن الحديث عن أي مبادرة سوى أنه يسعى لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية اليمنية.
أيضًا جاء حديث وزيري دفاع فرنسا وأمريكا وهما يعدان من القوى العظمى في العالم، ومساندين لـ»إسرائيل» التي تعتبر أن أذرع إيران جماعات إرهابية لكونهم يحملون شعار الموت لأمريكا و»إسرائيل».
وبالحديث عن «إسرائيل»، فإن هناك ترابطًا بين تصريح وزيري دفاع أمريكا وفرنسا مع زيارة بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان التي سبقت حديث جيم ماتيس عن التسوية السياسية في اليمن بيوم واحد والتي كانت تقريبًا في 26 من أكتوبر وتركزت المباحثات بين سلطان عمان ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على السلام في منطقة الشرق الأوسط.
ووفقًا لوسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي فإن رئيس وزراء الاحتلال زار سلطنة عمان بعد اتصالات مكثفة وإصرار من السلطان قابوس على بنيامين نتنياهو بأن يحل عليه ضيفًا في مسقط، وهذا ما يوصلنا إلى أحد خيوط حديث وزيري دفاع فرنسا وأمريكا عن أهمية الحل السياسي في اليمن والتي تبدو أنها صفقة لإنقاذ الحوثيين والإبقاء عليهم في جنوب المملكة العربية السعودية مثلهم مثل مليشيات حزب الله اللبناني في الجنوب اللبناني، بهدف الضغط على المملكة العربية السعودية وخصوصًا بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
قد يستغرب البعض من أسباب ربط تلك الزيارة بحديث وزيري الدفاع الأمريكي والفرنسي عن الوضع اليمني، لكن بالعودة إلى الاتفاق الذي أبرم بين كل من إيران والدول الـ6 (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) والتي كانت عمان الوسيط الفعلي واستطاعت أن تقود تلك المفاوضات إلى توقيع الاتفاقية في 2 من أبريل 2015 بنجاح، وألغاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا العام، وهو ما أثر على الوضع الاقتصادي لإيران وبالتالي على أذرعها في المنطقة ومن ضمنها حزب الله وجماعة الحوثي في اليمن.
يبدو أن إيران لجأت إلى خطة أخرى لتخفيف الحبل الذي يلتف حول عنقها وتواصلت مع عمان لتقود الأخيرة وساطة غير معلنة مع «إسرائيل»، على اعتبار أن تل أبيب لديها مفاتيح الحلول ونفوذ في الوسط السياسي الأمريكي، وقادرة على تخفيف الضغط الأمريكي على طهران.
من غير شك أن طهران وأذرعها سيقدمون تنازلات كبيرة لـ»إسرائيل» ومن ضمنها تمرير صفقة العصر وتقديم ضمانات بعدم امتلاك السلاح النووي، وتغيير أيديولوجيات جماعات تعتبر «إسرائيل» أنها تشكل تهديدات على وجودها، مقابل استخدام «إسرائيل» نفوذها وقيادة تسوية سياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتخفيف وتيرة العقوبات على إيران، ومن جانب آخر دعم أذرعها التي ستتعهد إيران بتجميل صورة «إسرائيل» لديها (حزب الله وجماعات الحوثي في اليمن)، وإبقاء الأخيرة على الحدود السعودية لتشكل تهديدًا على الرياض.. يبدو أن «إسرائيل» رأت أنها فرصة على طبق من ذهب يقدم إليها، على اعتبار أن ذلك سيمهد الطريق لدول في المنطقة للتسابق نحو التطبيع معها، وهي فرصة لن تفرط بها «إسرائيل»، وسرعان ما تحرك اللوبي الصهيوني لإخراج مبادرة تحفظ كيان الحوثيين في اليمن، ورحبت بها أمريكا الداعم الرئيسي لـ»إسرائيل»، وفرنسا وبريطانيا مهندسا اتفاقية «سايكس بيكو».
إعلان رسمي
وبالعودة إلى محور موضوعنا، خرج وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الأربعاء 31 من أكتوبر 2018 ببيان يدعو التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية إلى وقف الضربات الجوية في جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن، ورأي في ذات البيان أن الوقت قد حان لوضع حد للأعمال «العدائية»، بما في ذلك ضربات الصواريخ والطائرات دون طيار من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اتجاه المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقال: «ينبغي أن تبدأ مشاورات جوهرية مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتنفيذ تدابير بناء الثقة لحل المشاكل الرئيسية للصراع وتجريد الحدود من السلاح، في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام في بلد ثالث»، أي نفس الحديث الذي تحدث به وزير الدفاع الأمريكي الذي يتضمن منطقة منزوعة السلاح وحكم ذاتي للحوثيين.
وعلى الفور أعلنت وزيرة خارجية السويد مارغوت فالستروم أن بلادها مستعدة لاستضافة محادثات الأطراف المتنازعة في اليمن، ويأتي هذا الإعلان بعد 5 أشهر من زيارة مبعوث خاص لوزارة خارجية مملكة السويد إلى الحوثيين في صنعاء.
ورحب وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت بالدعوة الأمريكية لوقف القتال في اليمن، وهي أول مرة تخرج بريطانيا فيها عن الحياد وتؤازر الخطة الأمريكية لتقسيم اليمن وإبقاء الحوثيين كقوة عسكرية ويحكمون مناطق تحاذي المملكة العربية السعودية.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيثس أنه سيعمل على عقد مفاوضات جديدة بين أطراف النزاع في اليمن بغضون شهر، وذلك غداة دعوة أمريكية مماثلة.. وقال جريفيثس في بيان نشر على حسابه على موقع تويتر «ما زلنا ملتزمين بجمع الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات في غضون شهر، كون الحوار هو الطريق الوحيد للوصول إلى اتفاق شامل».. وفي بيان آخر نشر على موقع مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، حث مارتن جريفيثس جميع الأطراف المعنية على اغتنام ما أسماها «الفرصة» للانخراط بشكل بناء مع جهوده الحاليّة لاستئناف المشاورات السياسية على وجه السرعة، من أجل التوصل لاتفاق على إطار للمفاوضات السياسية وتدابير لبناء الثقة التي تتضمن على وجه الخصوص تعزيز قدرات البنك المركزي اليمني وتبادل الأسرى وإعادة فتح مطار صنعاء.
مصير المبادرة الأمريكية
المبادرة الأمريكية الجديدة التي تختلف كليًا عن مبادرة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في عهد الرئيس باراك أوباما التي كانت تدعو إلى تشكيل مجلس رئاسي متوافق عليه من الأطراف كافة ليكون انتقاليًا لفترة وجيزة قبل الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في اليمن، تنسف المرجعيات الـ3 (قرار مجلس الأمني الدولي 2216 واتفاقية السلم والشراكة والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية) التي تتمسك بها الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وهو ما يعني أن المبادرة لن ترى النور إلا في حال أن ضغطت «إسرائيل»، لكن ذلك سيكون له عواقب وخيمة في اليمن.
المبادرة لا تنهي الأزمة اليمنية، وإنما تزرع قنابل موقوتة في اليمن والمنطقة بشكل كامل، فالحوثيون إن التزموا بها في العام الأول سينقضونها في العام التالي وسيهاجمون المملكة العربية السعودية، وما يؤكد ذلك حديث محمد البخيتي عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي في حوار له على قناة الميادين تعليقًا على المبادرة الأمريكية، بأن مشروعهم «إلهي لتحرير الإنسان في العالم أجمع» وليس في اليمن فقط.
وهو ما يعني أن المبادرة قد تجد صعوبة في تنفيذها على الأقل في الوقت القريب، لأن الحوثيين يسعون «لتحرير العالم بمشروعهم الإلهي» كما يقولون، وتحرير المنطقة العربية من الهيمنة الأمريكية وفقًا لرؤيتهم، إضافة إلى أن الحكومة اليمنية والتحالف العربي يريدون الالتزام بالقرار الأممي 2216 وإعلان الانتصار.
نزع سلاح الحوثي وتحجيمهم في مناطقهم وفقًا لمبادرة وزير الدفاع الأمريكي أمر قد يُسيل لعاب المملكة العربية السعودية كون ذلك سيسجل نصرًا عسكريًا لهم، لكن على المدى البعيد سيعانون من مشاكل كبيرة سيسببها لهم الحوثيون الذين سيعملون مع إيران لدعم شيعة السعودية بالانقلاب على المملكة العربية السعودية، بعد أن يتم إعدادهم وتشكيل أفواج عسكرية لمقارعة النظام السعودي.. إجمالًا المنطقة تقترب من تقسيمها، وخريطة الشرق الأوسط على وشك التغيير، والتسابق نحو التطبيع مع «إسرائيل» بات على الأبواب، فلا الحوثيون صادقين بشعارهم الموت لأمريكا و»إسرائيل»، ولا إيران محقة فيما تقول إن أمريكا الشيطان الأكبر، فمنذ بدأ العداء الأمريكي الإيراني الوهمي وضعوا العرب كحلبة صراع وهما الخصمان أمام الجمهور العربي لكن لا أحد لمس الآخر، في الوقت الذي يدسون تلك الحلبة ويسرحون ويمرحون داخلها كما يشاؤون، والمصيبة أن المشاهدين والمشجعين هم العرب.