ترجمة..

تقرير: ما هي أسباب تفشي “كراهية الأجانب” في تركيا؟

يجري إلقاء اللوم على "قوى عالمية" لتبرير علل دولة!

أنقرة

في تجمّع 13 شباط/فبراير 2019، قبيل الانتخابات البلدية التركية المقررة في 31 آذار/مارس المقبل، ألقى الرئيس رجب طيب إردوغان اللوم على “قوى عالمية” بشأن المشاكل الاقتصادية التركية الخطيرة، والارتفاع الهائل في أسعار المنتجات بالأسواق، في إشارة واضحة إلى الدول المجاورة، والدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا.

هذه النغمة ليست جديدة وقد اعتدنا على سماعها في أنقرة كأداة لتشتيت انتباه الشعب عن العلل الحكومية الواضحة، لكن الرئيس التركي لجأ هذه المرة إلى استخدام مصطلح “إرهاب الغذاء”، حين قال: “لم تستطع القوى العالمية تركيع تركيا في أية قضية من القضايا. لم تستطع القوى العالمية تحقيق أهدافها عبر أسعار صرف العملات، أو نسب الفائدة، أو حتى عبر الدبلوماسية، فلجأوا إلى تحقيق ذلك عبر البصل والبطاطا والباذنجان والخيار والفلفل”.

وتعقيبًا على هذا الخطاب، يشير لنا خبراء بارزون إلى أن تصريحات إردوغان ليست إلا جزءًا من دعاية تكتيكية تهدف إلى تشتيت انتباه الجمهور عن المحنة السياسية المحلية، وعن مشاكل البلاد على الساحة الدولية الناتجة عن السياسات الحكومية الضعيفة. ووفقًا لهم، نجح هذا الخطاب بشكل عام إلى حد كبير، إذ يمكن الحكم على ذلك عبر الاستطلاعات والدراسات الاستقصائية التي أجريت في السنوات القليلة الماضية، التي تكشف أن ظاهرة “كراهية الأجانب” ازدادت في أرجاء البلاد كافة على نطاق واسع، وهو ما يشير بدوره إلى أن التكتيك الرئاسي التركي حقق نجاحًا في توجيه الرأي العام التركي بعيدًا عن مشاكل أنقرة الحقيقية.

وفقًا لاستطلاع عام 2018، أجرته جامعة قادر هاس التركية، فإن 60% من الأتراك يعتبرون الأمريكيين بمنزلة التهديد رقم 1 على الشعب التركي. وبحسب دراسة استقصائية أجرتها صحيفة “يني شفق” الموالية لإردوغان، فإن 96% من الأتراك يرون الأمريكيين كأعداء. وأيضًا في 2014، كشف استطلاع مؤسسة “بيو” البحثية أن 73% من الأتراك يرون الشعب الأمريكي بنظرة غير محببة.

وبحسب استطلاع “بيو” عام 2007 حول الاتجاهات العالمية الاجتماعية، فإن الشعب التركي يُظهر مستويات عالية من السلبية تجاه الأجانب، بما يفوق المستويات التي أظهرتها شعوب إسلامية أخرى مثل مصر والأردن وباكستان وإندونيسيا، وكذلك جاليات مسلمة في دول شملت نيجيريا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا.

ويقول المحاضر في جامعة إنديانا بوليس الأمريكية، دوغلاس وودويل، إن “الرأي العام التركي بالمجمل هو الأكثر كرهًا للأجانب من بين جميع الشعوب”.

ويؤكد خبراء أن ظاهرة كراهية الأجانب في تركيا سبقت حُكم إردوغان، في إشارة إلى تجذر الأيديولوجية التركية الاستعلائية منذ القِدم. وقد أبحر عالِم الاجتماع في جامعة سانت لورانس الأمريكية، يسيم بيير، طويلًا في هذا الأمر، عبر كتابه المنشور في عام 2014 تحت عنوان “تشكيل الأمة التركية 1920 – 1938″، وقد كتب ما يلي: “في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أصبح هدف القوات المتحالفة الرئيس هو حماية الأقليات، وذلك بغرض خلق ثقافات سياسية ليبرالية قائمة على التسامح في دول أوروبا الوسطى والشرقية، إلا أن القيم الليبرالية تلك اصطدمت بشكل مباشر مع مقترحات الوفد التركي”.

وأكمل بيير: “خلال تلك الفترة، أظهر الأتراك مشاعر معادية للأجانب، واعتبروا أن المُثل الليبرالية والتوجهات الاقتصادية الغربية بمنزلة اعتداء إمبريالي على البلاد”. ووفقًا له: “عزى القادة الأتراك أسباب جميع التوترات الداخلية في البلاد آنذاك إلى مصادر خارجية وقوى غربية”.

في الحقيقة، تنعكس مشاعر كراهية الأجانب في كلمات النشيد الوطني التركي الرسمي، الذي جرى تبنيه عام 1921، والذي يصف الحضارات الأخرى بـ”الوحوش”. وحتى بعد انضمام تركيا إلى مجلس أوروبا عام 1949 وحلف الناتو عام 1952، أظهرت البلاد مشاعر معادية للأجانب من جميع الجنسيات، وللغرب وللأمريكيين. ولم تقتصر هذه المشاعر على النخب التركية السياسية، بل تغلغلت إلى صفوف الناس العاديين، وهو ما سهّل على حكومة إردوغان التلاعب بالجمهور عبر تشتيت انتباه الناس عن مشاكل السياسة التركية العامة، وتوجيههم نحو تصديق وجود “مؤامرات خارجية”.

ولهذا السبب، لم يجد إردوغان أية صعوبة في القول خلال حملة انتخابية في 16 شباط/فبراير: “إن مساجدنا تتعرض للقصف والحرق في ألمانيا واليونان”. هذا الخطاب من إردوغان وغيره من أصحاب أيديولوجية حزب العدالة والتنمية تسبب بانتشار ظاهرة كراهية الأجانب في البلاد، ما جعلهم مثل المكفوفين الذين لا يرون الحقائق على الأرض، وما صعّب عليهم كذلك إدراك حقيقة ما يحصل في بلادهم.

المصدر