الانتخابات التركية..

تقرير: الانتخابات المحلية التركية.. الاستبداد التركي الجديد

رجب طيب أردوغان.. المرشد الأعلى التركي

أنقرة

“الدول بحاجة إلى مسار عمل وتركيا دولة بدون خطة إنمائية، السلطات السياسية في تركيا كانت في السابق تهتم لأفكار واقتراحات الشباب وكانت الجدارة هي المهيمنة، لقد تمزق هذا الفهم في تركيا،… هذه واحدة من مشاكلنا الأساسية، لا يوجد سوى الولاء للرؤساء، عندما يتم فصل الهيكل البيروقراطي للدولة عن الجدارة، لا يمكن تقديم خدمات جيدة”، كانت هذه كلمات رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو في مؤتمر انتخابي لحزبه في مدينة مرسين التركية، التي نقلتها عنه جريدة “حريت التركية” ، واصفا الوضع العام الذي أصبحت فيه تركيا كدولة بلا كفاءات أو امتيازات بسبب سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه، حيث أصبحت الدولة التركية لا تعتمد إلا على الولاء للرئيس وحزبه وليس الولاء للجدارة الوظيفية، حتى أصبح الشباب التركي بلا أي فاعلية بسبب ما تعانيه تركيا من أزمات سياسية واقتصادية.

 وفي الوقت الذي تنتظر فيه تركيا الانتخابات المحلية، في 31 مارس – التي تعد أول انتخابات مهمة فيها بعد الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها تركيا منذ شهور عدة، وتُعد اختبارًا حقيقيًّا له ولحزبه “العدالة والتنمية”- نجد أن تركيا تواجه حزمة متنوعة من التحديات.

التضخم الاقتصادي التركي

يواجه الرئيس التركي تحديات اقتصادية حقيقية، ورغم ذلك فقد أطلق وعودًا جديدة في كلمته، التي نقلتها وكالة “رويترز” في 2 مارس خلال حملة انتخابية في مدينة ريزا التركية، بأن معدل التضخم في تركيا سوف يهبط إلى 6% أو 7 %بعد أن وصل في الوقت الحالي إلى 19%- 20%، لكنه لم يضع جدولًا زمنيًّا لخطته في التصدي للتضخم، ومن ثم بات السؤال المطروح هو الكيفية التي سوف يتمكن بها من تحقيق تراجع في التضخم من 20% إلى 6% بهذه السرعة؟ وفي غياب أي خطة اقتصادية حقيقة واضحة، يبدو أن هذه التصريحات لا تعدو أكثر من كونها دعاية انتخابية تخلو من أي مؤشرات حقيقية.

المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي التركي، الذي بلغ 100 مليار دولار، قد انخفض من 135 مليار دولار، وقد نتج هذا الانخفاض عن سياسات اقتصادية خاطئة كلفت الدولة التركية 35 مليار دولار، ورفعت التضخم في أكتوبر الماضي إلى 25%، مع انخفاض حاد في قيمة الليرة التركية، التي وصلت إلى 5.38 مقابل الدولار، بعد أن كانت، في مارس الماضي، 3.90 مقابل الدولار، ما يعني أنها فقدت نحو 25% من قيمتها، كما أن الإنتاج الصناعي انخفض بنسبة تصل إلى نحو 6%، وانخفض النمو العام من 7.4% في عام 2017 إلى 2% عام 2018. كما ارتفع مؤشر البطالة ليزيد عن 11%.

ومن ثم فإذا كانت شعبية أردوغان قد استقرت لفترات طويلة على مقاومة الإرهاب وتحقيق النمو الاقتصادي، ففي ظل هذه التحديات الاقتصادية التي شملت أيضا ارتفاعا كبيرا في أسواق الخضروات مع تناقص في الأراضي الزراعية بصورة كبيرة نتيجة السياسات الحكومية التي أهملت بصورة كبيرة القطاع الزراعي، ففي السنوات الـ 17 من حكم أردوغان، تم الاستغناء عن أكثر من 7.4 مليون فدان من الأراضي الزراعية، وهي مساحة تقارب حجم بلجيكا، كما انخفض عدد المزارعين من 2.8 مليون إلى 2.1 مليون في السنوات العشر الماضية.

الانتخابات المحلية التركية

تجرى الانتخابات المحلية التركية هذا العام بعد التعديلات الدستورية التي أجراها أردوغان وحزبه، في أبريل 2017، إذ قلصت التعديلات مهام البرلمان ووضعت الكثير من الصلاحيات للجهة التنفيذية المباشرة، المتمثلة في رئاسة الجمهورية، وكذلك رؤساء البلديات، الذين أصبح لهم دور مهم في العملية السياسية فهم من يعبر عن توجهات الأحزاب التي يمثلونها في النواحي الإنسانية والخدمية والاجتماعية، وهم نقطة الاتصال الأولى للأحزاب، إذ إن البلديات هي التي تضطلع بمهام تطوير المدن، وتنظيم حركة النقل، وتطوير خطوط الكهرباء وشبكات المياه، ولها نشاطات أخرى في كل مراحل التعليم، إذ تقوم بإنشاء مجالس الطلبة. كل هذه المهام، التي تقوم بها المجالس المحلية التركية، تجعل منها هدفًا أمام أردوغان؛ لإضافة مكاسب له ولحزبه “العدالة والتنمية” في الشارع التركي.

ولا يغيب عن الذكر هنا ما حدث خلال الانتخابات المحلية الأخيرة في 2014، عندما انقطع التيار الكهربائي خلال فرز الأصوات في أنقرة وأسطنبول، وقد أكدت الحكومة، التي كان يرأسها أردوغان وقتها، أن قطع الكهرباء بسبب قطة دخلت في أحد محولات الكهرباء الرئيسية، شككت المعارضة في تبريرات الحكومة، وأكدت أنه تم التلاعب بالنتيجة خلال انقطاع الكهرباء لصالح حزب “العدالة والتنمية” وقتها.

وضع حقوق الإنسان في تركيا

مع هذه الواقعة السابقة، ومع بدء الاستعدادات للانتخابات المحلية القادمة، فإن الحديث حول نزاهة الانتخابات أمر محل شك، بسبب ما يفرضه أردوغان من حالة “خوف” في الشارع التركي، فتركيا في السنوات الأخيرة، وتحديدًا بعد محاولة الانقلاب المزعوم ضد أردوغان، في أسوأ وضع لحقوق الإنسان وحرية الرأي، وقد نشرت منظمة العفو الدولية عن أوضاع حقوق الإنسان التركية في عامي 2017 و2018، أن هناك 50 ألف محتجز في السجون التركية رهن السجن الاحتياطي، وقد تم فصل ثلث أعضاء النيابة العامة والقضاة، وأنه لم تتَح الفرصة لمعارضي التعديلات الدستورية الأخيرة، للوصول إلى وسائل إعلام الدولة، وكذلك منعهم من الإعراب عن مواقفهم المعارضة علنًا، ووقوع مخالفات في عملية فرز الأصوات. وقد تم توجيه اتهامات لأكثر من 70 أكاديميًّا وقّعوا على عريضة “أكاديميين من أجل السلام”، بنشر دعاية لـ”حزب العمال الكردستاني”، دعت إلى إنهاء العمليات العسكرية في جنوب شرقي تركيا، وفصل ما يقرب من 107 آلاف موظف منذ 2016، كما منع العديد من العاملين من الاستمرار في مزاولة مهَنهم، وواجهوا صعوبات لإيجاد وظائف أخرى؛ بسبب أن النظام التركي أطلق عليهم “إرهابيين”، جراء فصلهم عن العمل.

هذه الإجراءات القمعية وغيرها، والتي ينتهجها رجب طيب أردوغان، تؤشر بوضوح على أن نتيجة الانتخابات المقبلة لن تتمتع بالنزاهة الكافية، حيث يستمر أردوغان في تثبيت نظامه على أسس ديكتاتورية؛ دون وجود لصوت المعارضة الحقيقية، وباتت تركيا وكأنها تحت حكم زعيم كوريا الشمالية، أو المرشد الأعلى الإيراني.