واشنطن والحشد الشعبي بالعراق..
تقرير: هل تسير مناكفات واشنطن نحو حرب جديدة؟

تهديد بمقاومة القوات الأميركية
في سياق مراقبتها لأنشطة إيران المزعزعة لأمن منطقة الشرق الأوسط لم تطلب واشنطن عند قرارها الإبقاء على قواتها في العراق من حكومة بغداد أن تسمح لها بمراقبة طهران، إلا أن تطور نسق الأحداث والصراع بين الولايات وإيران يشي بأن مناكفات كبرى تطرأ على العلاقات بين الإدارة الأميركية وتحديدا قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران، لكن يبقى من بين الأسئلة المطروحة، هل سيتحول هذا السجال إلى حرب؟
هذا الصراع المرتقب أجّجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين قال إن واشنطن ستُبقي على جنودها في العراق لمراقبة جارته إيران، وهو ما أثار استياء مسؤولين في بغداد، وأفرز مواقف متباينة من شخصيات وكتل سياسية ومسؤولين، فضلا عن جدل قانوني متواصل.
هذه الرغبة الأميركية، المعلنة جوبهت بردود حادة أطلقتها فصائل شيعية مقربة من إيران، متوعدة باستعدادها لمواجهة القوات الأميركية، حيث طالبت قوات الحشد الشعبي صراحة بوجوب المصادقة في البرلمان العراقي على مغادرة القوات الأميركية بعد نهاية مهمتها المنحصرة في القضاء على تنظيم داعش.
من جهتها، تحاول طهران، استغلال هذه الورقة عبر تصريحات مستفزة لواشنطن كان آخرها على لسان رئيس محاكم الثورة في طهران موسى غضنفر آبادي، الذي قال إنه في حال تخلّى الإيرانيون عن دعم الثورة، فإن “الحشد الشعبي العراقي” و”فاطميون الأفغاني” و”زينبيون الباكستاني” و”الحوثي اليمني” مستعدون لحمايتها.
ولا يُخفي العديد من المتابعين للشأن العراقي تخوفاتهم من مغبّة تمدّد نفوذ وحدات الحشد الشعبي، حيث يقول الكاتب العراقي فاروق يوسف “إن الوجود الإيراني يعبّر عن آليته في الاستمرار بالعراق من خلال الميليشيات الخاضعة عقائديا لفكر الوليّ الفقيه، التابعة للحرس الثوري الإيراني. وهو ما يعني إما تسليح المجتمع وإما إخضاعه لسيطرة الجماعات المسلحة”.
قادة الحشد الشعبي يعيشون حالة إنكار لواقع أن الإنجازات العسكرية التي تحققت طيلة سنوات الحرب على تنظيم داعش كانت بإسناد مكثّف من طيران التحالف الدولي
ويضيف أن “إيران فعلت كل هذا ولا تزال تطمع في أن تفعل المزيد مصرّة على أن استمرار نظامها في الوجود مرتبط بسياسات التوسع العسكري على حساب دول المنطقة، التي تم استضعافها وإحداث خلخلة عظيمة في بنائها السياسي”.
وبشأن هذا الصدام المرتقب تؤكد العديد من المراجع السياسية أن قادة الحشد الشعبي يعيشون حالة إنكار لواقع أن الإنجازات العسكرية التي تحققت طيلة سنوات الحرب على تنظيم داعش كانت بإسناد مكثّف من طيران التحالف الدولي، وهو عامل الحسم الأول الذي من دونه ستكون عمليات استعادة المدن صعبة للغاية أو غير ممكنة.
وينتقد يوسف إصرار الحكومة العراقية على الاعتراف بالقوات الموالية لطهران بقوله “ليس مألوفا أن تقوم دولة باحتضان قطاع الطرق باعتبارهم أبناءها، الدولة العراقية حين خصّصت جزءا كبيرا من ميزانيتها للإنفاق على الحشد الشعبي وضعت أموال الشعب العراقي في خدمة القتلة الذين يديرون ماكنة الجريمة المنظمة بالطريقة التي تناسب طهران.
وصعّدت الوحدات الموالية لإيران من حدة خطاباتها بعدما قال مؤخرا هاشم الموسوي، المتحدث باسم “حركة النجباء”، (ضمن الحشد الشعبي)، إن “خيار المقاومة سيأتي بعد استنفاد كل الجهود السياسية والبرلمانية، إذ تستعد بعض القوى لإصدار قانون يتمّ بموجبه إخراج كافة القوات الأجنبية من العراق”.
وتابع “سيكون هناك تكتيك وتخطيط، وإذا تم استنفاد جميع المحاولات الحكومية والنيابية لن يبقى أمامنا سوى أن نختار التوقيت للمواجهة”.
أما بخصوص الاستراتيجيات الأميركية فهي ترتكز انطلاقا من وجود جنودها في العراق على استمرار الحرب على بقايا تنظيم داعش ومنع عودته ثانية، ودعم قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب “مراقبة” النشاطات الإيرانية ونشاطات القوات الحليفة لها في العراق، خاصة ما يتعلّق بالممر البري بين إيران وساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويمكن لتنفيذ استراتيجية البقاء “لمراقبة إيران” أن تؤدي أدوارا واضحة في التصدي للنشاطات الإيرانية، التي تتخذ من الأراضي العراقية ممرات وصول إلى القوات الحليفة لها في سوريا ولبنان.
ومن المهام الموكلة للقوات الأميركية في العراق، مراقبة نشاطات فصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران، باعتبارها إحدى أهم أذرع توسع النفوذ الأميركي الذي تعمل الولايات المتحدة ضمن دائرة أوسع، تضمّ دولا عربية على التصدي له في عموم المنطقة.
وعندما وضعت واشنطن حكومة بغداد في موقف محرج مع هذه الميليشيات أطل، الرئيس برهم صالح ليقول إن واشنطن لم تطلب إذنا “من العراق لتقوم قواتها الموجودة على الأراضي العراقية بمراقبة إيران”.
وتثير تأكيدات ترامب على بقاء جنوده في العراق “لمراقبة إيران” ردود فعل واسعة رسمية لدى تيارات سياسية شيعيّة ترفض بقاء الأميركيين، كما لا تخفي نيّتها في استهداف القوات الأميركية وإرغامها على الخروج بالقوة أو عن طريق تشريعات يقرّها مجلس النواب.
وتخطط عدة كتل سياسية شيعية، منها ممثلة لفصائل الحشد الشعبي، لانتزاع قرار من مجلس النواب العراقي للدفع باتجاه مغادرة القوات الأميركية أو على الأقل معرفة أماكن انتشارها وعددها ومهماتها، والحدّ من نشاطاتها خارج ما اتفق عليه مع الحكومة العراقية بتدريب القوات الأمنية والشراكة في الحرب على تنظيم داعش.
ويرجّح في حال تصويت أعضاء مجلس النواب على قرار يطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها، فان قرارا كهذا سيحظى بالأغلبية نظرا إلى أن الأعضاء الشيعة هم الأكثرية، كما أن كتلا سنية متحالفة في ائتلافات يقودها شيعة هم قيادات في الحشد الشعبي، مثل “ائتلاف البناء” برئاسة هادي العامري الذي يضمّ جزءا من تحالف المحور الوطني (سنّي) وأعضاء سنّة مستقلين أيضا.
كما يعدّ ائتلاف الإصلاح الذي يرأسه مقتدى الصدر من أكثر الكتل السياسية التي تطالب بإخراج القوات الأميركية عبر وسائل دبلوماسية.
فيما ترى قلّة من الأعضاء أو الكتل السياسية الشيعية ضرورة بقاء القوات الأميركية في المرحلة الراهنة، ومنها تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم، وهو ذات موقف الحكومة المركزية التي يرأسها عادل عبدالمهدي.
ويفتقر القرار العراقي إلى الوضوح نظرا إلى تعدد مراكز القرار، والنفوذ الواسع لقيادات الحشد الشعبي، خاصة المقرّبة من إيران، والتي ترفض بقاء أيّ قوات أجنبية تقول إنها ستنتهك سيادة العراق، في ذات الوقت ترفض بشكل قاطع اتخاذ الأراضي العراقية منطلقا لاستهدف دول أخرى، إيران تحديدا.
ومع اقتراب نهاية داعش، يرفض المنتقدون لسياسات الرئيس الأميركي في الشرق الأوسط، الإقدام على خطأ سحب القوات الأميركية من العراق، بتعلّة أن ذلك قد يؤدي إلى عودة تنظيم داعش لاستئناف هجماته على المدن الكبرى، وتعزيز قدراته القتالية في شنّ هجمات على معسكرات ومقرّات القوات الأمنية بشكل أوسع، وبأعداد وآليات أكبر عددا يتجنب التنظيم الزج بها في المرحلة الراهنة، خشية استهدافها من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وتمارس القوات الأميركية نشاطاتها متعدّدة الجوانب من ثماني قواعد غرب وشمال غربي العراق، وفي إقليم كردستان أيضا، وفقا لتقارير أشارت إلى أن عديد القوات الأميركية يتعدى 5 آلاف مقاتل بقليل.
واعتمدت القوات الأمنية على فصائل الحشد الشعبي بشكل أساسي كقوات برية “رديفة” في بعض الأحيان، لكنها في الواقع كانت القوة الأساسية في الدفاع عن المدن المستعادة من تنظيم داعش أو الهجوم على المدن لاستعادتها من التنظيم، وفي الغالب كانت كلا من القوات الأمنية والحشد الشعبي لا يحسمان معظم معاركهما إلا بإسناد جوي من طيران التحالف الدولي.
وسبق أن حدثت طيلة فترة الحرب على تنظيم داعش عدة احتكاكات بين بعض فصائل الحشد الشعبي والقوات الأميركية، أو حوادث قصف لمقرّاتها في مناطق عدة تؤكد الولايات المتحدة على أنها بالخطأ.
وتزامنا مع تصاعد التوتر بين الطرفين، تشير قراءات سياسية إلى أن الولايات المتحدة لا يمكنها الدخول مع وحدات الحشد في معركة مفتوحة، إلا أنه يمكن لها أن تقاتلها بالاعتماد على قوات محلية حليفة من السنّة، خاصة الذين قامت بتدريبهم طيلة سنوات الحرب على تنظيم داعش؛ ولا تبدو مؤشرات على استعداد قوات البيشمركة، وهي قوات حليفة لها، القتال بالإنابة عن الولايات المتحدة التي “تخلت” عنها عندما هاجمت فصائل الحشد الشعبي مدينة كركوك ومناطق متنازع عليها كانت تحت سيطرة البيشمركة.
لكن مع توفر هذه الخيارات، قد لا تجد واشنطن قوات حليفة لها على الأرض بعد انسحابها من العراق لتأمين مصالحها.