من دمشق إلى كاراكاس..
تقرير: هل يعيد الصراع الروسي الأميركي سيناريو حرب كوبا

العلم الأميركي لا يفارق أنصار غوايدو
ما إن تم ضبط الأمور في الملف السوري بعدما أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترتيب الأمور بإعلانه سحب قوات بلاده من الأراضي السورية، وهو ما اعتبره نظام بشار الأسد وحليفتاه إيران وروسيا انتصارا باهرا، حتى هاجر الصراع الأميركي من الشرق الأوسط إلى أميركا اللاتينية وتحديدا فنزويلا التي تعيش منذ مطلع العام على وقع صراع بين الرئيس نيكولاس مادورو (المدعوم من موسكو) وزعيم المعارضة خوان غوايدو (المدعوم من واشنطن). في مشهد يحيي ذلك الصراع بين القطبين عام 1962 في كوبا.
ولئن بدا واضحا منذ اعتراف الولايات المتحدة بغوايدو رئيسا بالنيابة عن مادورو بعدما شككت في نزاهة الانتخابات التي أوصلت هذا الأخير إلى سدة الحكم، إلا أن الاصطفافات في علاقة بهذه الأزمة أحيت مجددا معارك القطبين الشرقي والغربي، وعليه فإن الصراع الروسي الأميركي، لاح مؤخرا وطفا على السطح بأكثر حدّة بعد تبادل الاتهامات بين وزير الخارجية مايك بومبيو ووزارة الخارجية الروسية.
والثلاثاء ألقى بومبيو باللوم على روسيا وكوبا في إثارة الأزمة السياسية التي تشهدها فنزويلا بدعمهما للرئيس نيكولاس مادورو، وقال إنه حثّ الهند على عدم مساعدة حكومة مادورو من خلال الامتناع عن شراء النفط الفنزويلي.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي بعدما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على بنك إيفروفاينانس موسناربنك الروسي بسبب مساعدته شركة النفط الحكومية الفنزويلية (بي.دي.في.أس.أيه) على التملص من العقوبات المالية الأميركية.
تصاعد حدة السجال الجديد في فنزويلا يعيد إلى الأذهان تصادم القوتين في أكتوبر 1962 بكوبا، حيث واجهت الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي الذي تحالف مع الرئيس الكوبي فيدال كاسترو آنذاك
وقال بومبيو إن “هذه الرواية لا تكتمل دون الاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه كوبا وروسيا، واللتان تواصلان القيام به لتقويض الأحلام الديمقراطية للشعب الفنزويلي ورفاهيته”.
وأكد أن موسكو، مثل هافانا، تواصل توفير الغطاء السياسي لنظام مادورو في الوقت الذي تضغط فيه على الدول لتجاهل الشرعية الديمقراطية للرئيس المؤقت خوان غوايدو.
وحصل غوايدو على اعتراف الولايات المتحدة وأكثر من 50 دولة أخرى به رئيسا مؤقتا للبلاد، منها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والأرجنتين وتشيلي.
في المقابل، يحظى مادورو بدعم روسيا والصين بالإضافة إلى سيطرته على مؤسسات الدولة ومن بينها الجيش. ويتهم مادورو، غوايدو بمحاولة قلب نظام الحكم بتوجيه من الولايات المتحدة.
ولم تنتظر موسكو كثيرا لترد على واشنطن وتحديدا على وزير خارجيتها بومبيو، حيث قالت وزارة الخارجية الروسية الأربعاء إن تهديد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لشركة روسنفت الروسية، الرائدة في مجال الطاقة، لتعاملها مع فنزويلا، لا معنى له. وأوضحت الخارجية الروسية في بيان، أن الشركة تواصل أنشطتها بنجاح، رغم العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ 2014.
وأضافت أن الشركات الأميركية التي اضطرت إلى وقف التعامل مع روسنفت الروسية، بسبب العقوبات، تعرضت إلى خسائر كبيرة.
ويعيد تصاعد حدة السجال الأميركي الروسي في فنزويلا إلى الأذهان تصادما سابقا بين القوتين في أكتوبر 1962 بكوبا، وهي مواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الذي تحالف مع الرئيس الكوبي فيدال كاسترو آنذاك في سياق أحداث الحرب الباردة.
وتم في ذلك الوقت مقارنة الأزمة بحصار برلين كواحدة من أشد المواجهات خلال الحرب الباردة، حيث كادت أن تتحول إلى حرب نووية.
وبالنظر إلى تبدّل المتغيرات مقارنة بستينات القرن الماضي فإنه يستبعد أن تقوم واشنطن بغزو فنزويلا عسكريا، رغم قدرة الولايات المتحدة على تقديم أسباب تعبّد لها الطريق للتدخل لتنحية مادورو من السلطة. ورغم أنه بات من المؤكّد أنّ واشنطن ستستمر أيضا في ممارسة الضغط على مادورو على شاكلة ما فعلته مع كوبا، فإنه من المرجح أن الأمر في الوقت الحالي لن يصل إلى حصار بحري وتوتر عسكري مماثل لأزمة 1962.
أما من ناحية روسيا، فرغم تشبثها بدعم الرئيس مادورو فإنها لن تغامر بدورها حفاظا على مصالحها في فنزويلا القريبة من الولايات المتحدة بتقديم دعم عسكري مثل ما فعلت ذلك مع كاسترو في أزمة أكتوبر الشهيرة، وهو ما يجعل فرضية الصراع العسكري في فنزويلا أمرا مستبعدا في هذه الفترة. ومنذ اندلاع الأزمة الحالية، تؤيد روسيا وتركيا والمكسيك وبوليفيا شرعية الرئيس الحالي نيكولاس مادورو، الذي أدى في 10 يناير المنقضي، اليمين الدستورية رئيسا لفترة جديدة من 6 سنوات.
وتشهد فنزويلا توترا متصاعدا منذ 23 يناير الماضي، إثر تشبث رئيس البرلمان غوايدو، بحقه في تولي الرئاسة مؤقتا إلى حين إجراء انتخابات جديدة.