أكراد في زنازين أردوغان..

تقرير: سجون تركيا غرف تفتيش للأقليات والمعارضة

سجون تركيا

أسماء البتاكوشي

تشهد الأقليات العرقية الكردية اضطهادًا من قبل السلطات التركية، خاصة في السجون التي تتعرض للعديد من الانتهاكات والاضطهادات بحق الأكراد من التعذيب المستمر، ومنعهم من التحدث بلغتهم الكردية؛ إذ انتحرت ناشطة كردية، الإثنين الموافق 26 مارس 2019، في سجن من السجون التركية؛ احتجاجًا على ظروف اعتقال عبدالله أوجلان الزعيم التاريخي للأكراد، وتلك ليست الحالة الأولى من نوعها بل سبقتها 3 حالات أخرى.

و«ميديا تشينار» التي انتحرت كانت متهمة لصلاتها مع حزب العمال الكردستاني، الذي تدرجه تركيا بقائمة الإرهاب، وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا.

واعتقلتها السلطات التركية في سجن فان (شرق)، ثم نقلتها إلى ماردين (جنوب شرق) لجلسة محاكمتها؛ حيث انتحرت، وكانت «أوغور سكار»، و«زلكوف غيزين»، و«أيتن باشات» قد انتحرن أيضًا بعد أن أضربت النائبة الكردية ليلى غوفين عن الطعام في الـ8 من نوفمبر للعام الماضي 2018.

وانضم أكثر من 170 شخصًا إلى غوفين في إضرابها عن الطعام للمطالبة بتخفيف شروط اعتقال أوجلان، وفقًا لحزب الشعوب الديمقراطي.

كما أثار انتحار زلكوف غيزين شنقًا منتصف مارس الحالي، مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في ديار بكر، كبرى مدن الجنوب الشرقي،  والتي تعد أكثر مدينة تسكنها الغالبية الكردية.

أما أيتن باشات التي تبلغ من العمر 24 عامًا، فقد أعلنت النائبة الكردية أيسي بسران في بيان لها، انتحارها، السبت 23 مارس الحالي احتجاجًا على العزل اللاإنساني وغير الشرعي لعبدالله أوجلان.

وفي تصريحات للمرجع علق كرم سعيد، الباحث في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بأنه هناك إضرار بعدد كبير من المساجين الأكراد من قبل السلطات التركية، وهناك إضراب عن الطعام من بعض المعتقلين الأكراد منذ فترة، على رأسهم واحدة من المناضلات الكرديات هي ليلى غوفين التي لحقها نحو 170 شخصًا آخرين؛ حتى الإفراج عن عبدالله أوجلان .

وأشار «سعيد» إلى أن هناك معاملة لا إنسانية من قبل السلطات التركية للأكراد داخل السجون؛ إذ إن هناك أزمة أزلية تدور رحاها منذ عام 1984، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 50 ألف قتيل، إضافة إلى توطين عدد كبير من المواطنين الأكراد في جنوب شرق تركيا.

كما أضاف أن هناك إصرارًا من قبل الدولة التركية على مواجهة طموحات الأكراد بالقوة، مشيرًا إلى أنه في وقت من الأوقات تم التوجه إلى تسوية سياسية، ولكنها باءت بالفشل، بعد تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الذي يحمل أفكارًا متطرفةً تجاه الأكراد.

 

من هم الأكراد؟

وسكن الأكراد المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وأرمينيا، ويتراوح عددهم ما بين 20 و30 مليونًا، ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكن لم تكن لهم أبدًا دولة مستقلة.

وفي العقود الأخيرة، زاد تأثير الأكراد في التطورات الإقليمية؛ إذ قاتلوا من أجل الحكم الذاتي في تركيا، ولعبوا دورًا مهمًّا بالصراعات في العراق وسوريا، آخرها المشاركة في مقاومة تقدم تنظيم «داعش» في سوريا.

وبدؤوا في بداية القرن الـ20 التفكير في إقامة دولة مستقلة باسم كردستان، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصورًا لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920.

لكن هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح بعد 3 سنوات، عقب توقيع اتفاقية لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.

وانتهى الحال بالأكراد كأقليات في دولهم، وعلى مدار السنوات الـ80 التي تلت، سُحقت أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة.

الصراع بين تركيا والأكراد

وهناك صراع أزلي بين تركيا والأكراد، الذين يحتلون النسبة الكبيرة ضمن الأقليات في البلاد؛ إذ إنهم موجودون بنسبة تصل إلى 20 % من إجمالي التركيين، بتعداد إجمالي يزيد على 14 مليون نسمة.

وهم موجودون في كل محافظات البلاد، بالرغم من أن النسبة الكبرى منهم تعيش في الركنين الشرقي، والجنوبي الشرقي من البلاد.

وعلى مدار أجيال، عاملت السلطات التركية الأكراد معاملة قاسية؛ حيث أُعيد توطين الكثير من الأكراد، ومنعوا الكثير من الأسماء والأزياء الكردية، وأُنكر وجود الهوية العرقية الكردية، وأشير للأكراد باسم «أتراك الجبال».

وعلى خلاف اللغة التركية الرئيسية التي يتحدث بها معظم سكان تركيا، فإنهم يستخدمون لغة الهندو أوروبية في حياتهم؛ نظرًا لأن تركيا حظرت اللغة الكردية، سواء كان استخدامها في المناطق العامة أو الحياة الشخصية

كما ميزت في القبول بفرص العمل وكذلك الجامعات، حتى إن من يشغل المناصب العليا في المناطق الكردية يكون من غير الأكراد، إضافة إلى التهميش الذي تتميز به مناطق الأكراد في معظمها بغياب عمليات التنمية والتأهيل.

ومنعتهم من التعبير السياسي الحر وإعاقة عمل الأحزاب الكردية في حال تكوينها، وعدم وجود دستور ضامن للحقوق الأساسية للأكراد، والتي تزيد من النزعة الوطنية للاندماج في المجتمع، إضافة إلى ذلك غياب ثقافة التعايش المشترك.

وفي دراسة قدمها المركز العربي للبحوث بعنوان «تركيا وإيران تقارب الأضداد ضد الأكراد»، أظهرت الاضطهاد الذي تمارسه تركيا بحق الأكراد في أرضها، فلم يتوقف الأمر عند حدود الإنكار للحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية للأكراد، بل تُوج هذا التهميش بمزيد من العمليات العسكرية والأمنية تجاه الأكراد.

وقالت الدراسة: إنه من الواضح أن السياسات التركية تتسم بمزيد من العنف، سواء المسلح أو حتى العنف المتمثل في عمليات التضييق المجتمعي تجاه الأكراد في الداخل التركي؛ حيث أصبح لدى الأكراد قناعة أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وأن هذه السياسات تمتد لتشمل العديد من الدول التي من بين مكوناتها الأكراد كالعراق وسوريا.

وأشارت الدراسة إلى أن التخوفات لدى تركيا تتمركز في حالة القلق تجاه قيام الأكراد بتوحيد المناطق ذات الكثافات الكردية؛ ما دفع تركيا إلى حالة من الارتباك في التعامل مع المسألة الكردية داخليًّا وخارجيًّا.

وأضافت أن تركيا اتخذت تدابير عسكرية لمزيد من إحكام قبضتها الأمنية تجاه الأكراد داخليًّا وخارجيًّا تبنت سياسات من شأنها محاصرة مساعي الأكراد؛ لبسط نفوذهم.

وأكدت الدراسة أن تركيا تتعامل مع الأكراد وحزبهم الأكثر شعبية، حزب العمال الكردستاني PKK،  على أنه منظمة إرهابية؛ ما أدى إلى استمرار المواجهات المسلحة بينهم وعلى امتداد أكثر من 40 عامًا، وبرغم فترات توقف الحروب بينهم، فإن هذا لم يدفع بهم إلى تحسن يذكر في العلاقات، خاصة في ظل إنكار السلطات التركية للحقوق الكردية.

انتهاكات تركية في حق الأكراد

ونقل موقع الإذاعة البريطانية «BBC» شهادات تعذيب للأكراد في السجون التركية؛ حيث تعرض السجناء لكسور في الضلوع، وقطع معاصمهم؛ لتكبيل أيديهم، إضافة إلى كسور في الجمجمة.

وأشارت الـ«BBC» إلى أن كمال أولك، الذي تم اعتقاله بتهمة ارتباطه بمنظمة حزب العمال الكردستاني، تعرض للتعذيب مرات عدة في قسمي شرطة بإسطنبول.

وأكد كمال، أنه كان يتم وضع المسدس في فمه من أجل ترديد ما يمليه عليه الضباط، كما أنه كان ممنوعًا من دخول دورة المياه، موضحًا أنه تعرض لانتهاكات جنسية، إضافة إلى تهديده باغتصاب زوجته.

وأكدت منظمة العفو الدولية وجود تقارير موثقة حول تعرض المعتقلين للضرب والتعذيب والاغتصاب، كما وثقت منظمة «هيومان رايتس ووتش» عددًا من الانتهاكات.

وقالت مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان في تقرير عن الفترة بين يوليو 2015 وديسمبر 2016، إن نحو 2000 شخص لقوا مصرعهم وأن أحياء كاملة دُمرت جنوبي شرق تركيا خلال العمليات الأمنية التي شنتها الحكومة التركية والتي شابها دمار هائل وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

كما أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تركيا عام 1970، بعد أن أقدمت على انتهاكات لحقوق الإنسان بحق الأكراد، وارتبطت هذه الانتهاكات بالإعدام، والتعذيب، والتهجير القسري، وتدمير أماكن معيشتهم، والاعتقالات التعسفية، والقتل، وخطف الصحفيين الأكراد.

وفي عام 1980 أقدمت الحركات الكردية على القيام بالنشاطات السياسية السلمية للدفاع عن حقوقها الأساسية المدنية؛ إلا أن هذه النشاطات امتدت إلى التمرد بالسلاح، وحرب عصابات، وهجمات عسكرية استهدفت القواعد العسكرية في البلاد مطالبين بالانفصال عن تركيا، وإنشاء دولة كردية.

وأثناء الصراع بين الأكراد والحكومة التركية تم حظر الغذاء عن قرى وبلدات الأكراد، كما تم طرد العديد منهم قسرًا من قراهم من قبل قوات الأمن التركية.