نفاد وشيك للوديعة السعودية..

خبراء يحذِّرون: استمرار انهيار العملة يدفع اليمن نحو منحى خطير

هوت أسعار الصرف للريال اليمني في السوق المحلية لتصل إلى 606 ريالات / دولار نهاية أغسطس 2019

عدن

واصلت العملة اليمنية تراجعها أمام العملات الأجنبية، وسط عجز فاضح لحكومة الشرعية عن إيقافه، ما ينذر بدفع البلد نحو منحى خطير يفاقم حدة الكارثة الإنسانية التي تعد الأسوأ عالمياً.

وبعد أن كانت أسعار العملة اليمنية تحسنت نسبياً عقب تغيير قيادة البنك المركزي، عادت للانهيار مجدداً خلال الأسبوعين الماضيين، متعدية حاجز ال600 ريال مقابل الدولار الأمريكي.

وهوت أسعار الصرف للريال اليمني في السوق المحلية لتصل إلى 606 ريالات / دولار نهاية أغسطس 2019م مقارنة بحوالى 215 ريالا/دولار نهاية مارس 2015 بفارق قدره 391 ريالا /دولار وبنسبة تغير بلغت 181.8%.

وكان سعر العملة اليمنية بدأ بالانهيار التدريجي عقب الانقلاب المسلح الذي تبنته ميليشيا الحوثي -الذراع الإيرانية في اليمن- في 21 سبتمبر 2014م ولجوئها إلى سحب الاحتياطي النقدي الخارجي للبنك المركزي.

وبحسب مصادر حكومية، فقد سحبت إدارة البنك الواقعة تحت سيطرة الميليشيا 4.2 مليار دولار خلال الفترة مارس 2015 إلى أغسطس 2016 مما أدى إلى نفاد الاحتياطي الأجنبي للبنك المركزي والذي يعتبر الغطاء القانوني للريال اليمني ويسهم في الحفاظ على قيمته أمام العملات الأجنبية.

كما قامت ميليشيات الحوثي خلال نفس الفترة، بإنزال طبعات جديدة من العملة المحلية من الريال اليمني كانت مخزنة في البنك المركزي كمخزون قرطاسية وبمبلغ إجمالي 521 مليار ريال وبدون أي غطاء قانوني، بينما كان هذا الإصدار يحتاج إلى غطاء احتياطي أجنبي ما قيمته 2.4 مليار دولار، للحفاظ على سعر صرف الريال أمام الدولار.

وبذلك تكون ميليشيات الحوثي قد قامت بسحب واستنفاد نحو 6.6 مليار دولار من الغطاء القانوني للريال وجعلته مكشوفاً أمام العملات الأجنبية.

وفي ضوء ذلك سجلت أسعار صرف الريال مقابل الدولار تراجعا وصل إلى 251 ريالا بنهاية 2015 و313 ريالا نهاية 2016 و436 ريالا في نهاية 2017.

ولجأت حكومة الشرعية عقب نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في منتصف العام 2016، إلى طباعة عملات نقدية جديدة في روسيا دون غطاء خارجي وضخها للسوق منذ مطلع العام 2017، لمواجهة العجز في السيولة النقدية، ما جعلها غير قادرة على دفع رواتب موظفي الدولة، في حين ما تزال رواتب الموظفين المتواجدين في مناطق سيطرة الميليشيا والبالغ عددهم مليونا ومائتي ألف موظف متوقفة منذ حوالي ثلاث سنوات.

وبلغ إجمالي ما طبعته حكومة الشرعية من العملة الجديدة وإنزاله للسوق قرابة تريليوني ريال.

وبالتوازي مع ذلك تسارع انهيار أسعار صرف الريال مقابل الدولار ليصل إلى 542 ريالا /دولار نهاية 2018 و606 ريالات/ دولار نهاية أغسطس 2019.

وكان أكبر معدل تغير في سعر صرف الريال مقابل الدولار 39.6% خلال العام 2017.

وحول استمرار هذا الانهيار لسعر العملة اليمنية، يقول الخبير الاقتصادي الأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد جامعة عدن الدكتور مساعد القطيبي "عملياً معظم الوحدات الاقتصادية لا تغطي إيراداتها نفقاتها، ويصل متوسط نسبة العجز لدى تلك الوحدات أكثر من 70% حسب بعض المعلومات المتحصل عليها، ويتم تغطية ذلك العجز من الباب الثالث للموازنة العامة للدولة الخاص بالمنح والمساعدات الخارجية، وخصوصا النفقات المتعلقة بالمرتبات والأجور والنفقات التشغيلية الخاصة بها".

ويضيف "معلوم أن الحكومة لا توجد لديها في الوقت الراهن أية منح خارجية نقدية سوى الوديعة السعودية فقط، أي أن الحكومة تقوم بتمويل معظم نفقات المرتبات والأجور من خلال السيولة التي يحصل عليها البنك المركزي نتيجة قيامه بتغطية الاعتمادات الخاصة بالواردات السلعية للتجار والتي يتم تمويلها من الوديعة السعودية، وهذا ما هو عليه الحال منذ الحصول على الوديعة السعودية، هذا بالإضافة إلى الإصدار النقدي الجديد الذي قام به البنك خلال الفترة الماضية".

واستطرد الدكتور القطيبي قائلاً، "مايزال البنك المركزي يقوم بتغطية الاعتمادات الخاصة بالواردات من تلك الوديعة السعودية، وهذه الوديعة كافية لتغطية الاعتمادات لعدة أشهر قادمة، حسب خطة الحكومة الخاصة باستغلال هذه الوديعة وبرنامج الاستفادة منها".

واستدرك: "لا أقول إنها ستكفي لشهرين ولا لثلاثة أشهر فقط بل أكثر من ذلك".

لكن الدكتور القطيبي حذر في الوقت ذاته من أن الحكومة ستواجه فعليا مشكلة في تغطية النفقات الخاصة بالمرتبات والأجور بعد نفاد هذه الوديعة سواء في ظل وجود حكومة الشرعية في معاشيق أو في ظل عدم وجودها.

وأوضح أن مسألة السيولة النقدية اللازمة لتغطية تلك النفقات ليس لها ارتباط ببقاء الحكومة من عدمه.

وخلص الدكتور مساعد القطيبي إلى القول "الأزمة حتماً ستواجه الحكومة سواءً بقيت في معاشيق أو لم تبقَ وذلك عند نفاد الوديعة السعودية وعدم الحصول على منحة أو وديعة نقدية أخرى".

بينما اعتبر الخبير الاقتصادي فاروق الكمالي، أن استنفاد قيادة وحكومة الشرعية عائدات صادرات النفط التي تعد أهم مصادر النقد الأجنبي للبنك المركزي اليمني، لصرف رواتب بالدولار لجيش جرار من مسؤوليها المعينين في مناصب بالخارج دون عمل، أحد أهم العوامل التي سببت الانهيار غير المسبوق لسعر العملة اليمنية أمام الأجنبية.

وقال إن "عائدات صادرات النفط هي أهم مصادر النقد الأجنبي، والحكومة تستخدم هذه العائدات لصرف رواتب موظفيها في المستويات العليا من الوزراء والوكلاء، جيش جرار من المسؤولين بلا مسؤولية وبدون مهام يقبضون رواتبهم بالعملة الخضراء، فكيف لا ينهار الريال؟".

وشدد أن استقرار سعر الصرف وإنقاذ الريال يبدأ بوقف هذا العبث، لافتا إلى أن هناك عوامل أخری أدت إلى الانهيار الأخير لسعر الريال وبشكل غير طبيعي، وتتعدی العوامل الاقتصادية.

وكان تقرير حديث صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء اطلعت عليه (اليوم الثامن) كشف أن اجمالي خسائر اليمن في انخفاض الناتج القومي تتجاوز 54.7 مليار دولار خلال الأربعة أعوام من 2015 إلى 2018م مقارنة بسنة الأساس العام 2014م.

وأوضح التقرير أن من آثار الانقلاب والحرب، انكماش متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من حوالي 1287 دولارا عام 2014 إلى 385 دولارا عام 2018 بمعدل تغير تراكمي 70%، مبيا أن هذا الانكماش يعني انزلاق مزيد من المواطنين تحت خط الفقر الوطني المقدر ب600 دولار للفرد في العام.

وأظهرت تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 90% نهاية 2018 مقارنة ب49 % عام 2014 وتدنيا مزمنا في نصيب الفرد اليمني من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية مقارنة بمتوسط دخل الفرد في العالم ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما في ذلك دول مشابهة لوضع اليمن مثل ليبيا والسودان.

وأفاد التقرير أن الاقتصاد اليمني سجل انكماشا تراكميا كبيرا في الناتج المحلي الإجمالي في الاعوام 2015, 2016, 2017, 2018.

وقال "انخفض الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015 إلى 24.8 مليار دولار مقارنة ب31.7 مليار دولار عام 2014، بينما انخفض إلى 17.6 مليار دولار في العام 2016م وإلى 15.3 مليار دولار في العام 2017م وإلى 14.4 مليار دولار في العام 2018م".

ونبه التقرير في الوقت ذاته أن هذا الانخفاض والخسائر في الناتج المحلي الإجمالي لليمن مرشح للارتفاع في ظل استمرار الحرب وانقلاب ميليشيات الحوثي.

ويجمع خبراء اقتصاديون أن تداعيات الانقلاب الحوثي واستمرار الحرب لعدة سنوات وأخطاء السياسات الحكومية والمصرفية، سرعت في انهيار العملة وضاعفت أسعار المستهلك في اليمن للمواد الغذائية وغير الغذائية.

وكشفوا عن ارتفاع معدل التضخم إلى 360% في أغسطس 2019.

في حين حذرت دراسة لصندوق النقد الدولي أن انخفاض 1% في قيمة العملة الوطنية يؤدي إلى ارتفاع في معدل التضخم بنسبة 1.39% وإلى 2.3% مما يضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية ويقود إلى انزلاق مزيد من الناس تحت خط الفقر خاصة وأن اليمن مستورد صافٍ للغذاء والدواء والكساء والوقود.