الحلقة الثانية والأخيرة..
قراءة في دراسة مركز رؤيا للبحوث والدراسات: واقع الصراع في اليمن
المبادرات والحلول السياسية:
السيناريو الأول: استمرار الحرب وإنتاج الحلول المؤقتة.
السيناريو الثاني: وقف الحرب بقرار أممي وضغط دولي.
السيناريو الثالث: التقسيم
السيناريو الأول: (استمرار الحرب وإنتاج الحلول المؤقتة).
يعكس هذا السيناريو استمرار المسار القائم مع تغيرّات محدودة وغير مؤثرة. فاستمرار الحرب وبقاء الضغوط الميدانية وإنتاج الحلول المؤقتة، يبدو السيناريو الأرجح في المشهد والثابت عمليًا على أرض الواقع في المستوى المنظور، وعلى المدى المتوسط والبعيد، كما هو عليه الحال منذ المبادرة الخليجية و(اتفاق السلم والشراكة)، لكن إنتاج الحلول المؤقتة قد يؤدي إلى نشوب حرب أكبر مستقبلًا.والضغط الأمريكي هو ما سيحدد بقاء هذا السيناريو، فإذا ما قررت الولايات المتحدة إيقاف العمليات العسكرية داخل اليمن، فمن الصعب أن نجد هذا الاستمرار الحقيقي للصراع والحرب على هذا النحو. لكن إذا فشلت في إيجاد حلول توافقية كماتريد هي، فمن المحتمل أن يستمر الصراع بهذا الشكل. يستند هذا السيناريو إلى أن نواة الحل السياسي لم تتشكل بعد، ومعادلة صنع السلام في اليمن مازالت بعيدة المنال، ولم تنضج بعد نتيجة تراخي الدور الأممي وعدم توافر الظروف الملائمة لوقف الحرب. وفشل مشاورات السويد في تثبيت الهدنة في الحديدة، وحالة السيولة للمصالح التي تجنيها الأطراف والقوى المحلية والإقليمية والدولية من وراء الحرب، والتصلّب والتشدَّد في المواقف والتمسك بالأهداف الاستراتيجية والمكاسب السياسية،.وما يعزز فرضية سيناريو استمرار الحرب هو وجود حسابات ومصالح دولية وإقليمية متداخلة، حيث نرى أن هناك انقلابًا على مستوى المرجعيات السياسية والفكرية والثقافية في المنطقة، وهو ما يرمي إلى تفكيك هياكل السلطة القائمة في اليمن، فالمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية تم تسليمها لأطراف وقوى جديدة.ولكن استمرار الصراع بمثل هذه الصورة يخدم مصلحة إيران بشكل مباشر، ويرتد سلبًا على الوضع في اليمن. كما يوفر للإمارات مساحة أكبر وبناء حالة من التوافق المجتمعي، لصالحها، وشراء المواقف السياسية، وتعضيد وجودها وتثبيت نفوذها في اليمن قبل أي نهاية للحرب.
السيناريو الثاني: (وقف الحرب باتفاق أوقرار أممي وضغط دولي).
يعكس هذا السيناريو بلوغ حالة من التأزم والتصعيد، وربما وصولاً إلى المواجهة. يكون التصعيد العسكري هو المسار السائد، وبشكل عنيف، خصوصًا في مدينة الحديدة، وتشهد اليمن، حالة من تصاعد المواجهات العسكرية الحاسمة بين الطرفين، يتخللها فترات من الهدوء دون التوصل إلى أي حل سلمي أو عسكري.يستند هذا السيناريو إلى طبيعة الحرب وتعقيداتها وتأثيراتها على حركة الملاحة ومصالح الدول وارتداداتها على الأمن الإقليمي والعالمي، وإلى تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، والمتوقع أن ينشأ في ظل هذه الحالة ضغط دولي وقرار أممي باتجاه وقف الحرب في اليمن سلمًا أوحربًا. وذلك من خلال مسارين وأحد احتمالين للضغوط، الأول: انسحاب التحالف من اليمن، والثاني: سقوط حكم الحوثيين، وهزيمة إيران في اليمن.
المسار الأول: انسحاب التحالف من اليمن.
وهذا المسار، يعتبر من أبرز السيناريوهات المتوقعة لوقف الحرب، نتيجة تزايد الضغوط الدولية والإقليمية على التحالف، الذي يهدف إلى وقف عملياته في اليمن، وبسبب ضغط أمريكي دولي، وهذا الأمر أصبح واقعًا إلى حد ما. فالولايات المتحدة الأمريكية أمهلت السعودية لفترة محددة. ولكن هذه المهلة انتهت مدتها واتضح أن الضغوطات التي مورست على التحالف نتيجة تعرض إدارة ترامب والحكومة البريطانية لضغوطات من قبل القوى السياسية المعارضة لإنهاء الدعم العسكري للتحالف في اليمن.
وقد يحدث الانسحاب نتيجة للضغوط السياسية والاقتصادية المتوالية (الضغط المالي) والكلفة الباهظة للحرب،
نتيجة نشوء وتشكل دولة للحوثييّن شمال اليمن، وهذا الأمر لم يعد مستحيلاً أن يكون الحوثيوُّن في اليمن على غرار حزب الله في لبنان، فقد تقدموا بعرض عبر الأمم المتحدة للقبول بحكومة مدنية لا يرأسونها، وفي حال حصل توافق أممي على بقاء السلاح في أيديهم، فإنهم يشكلون نموذج الحالة اللبنانية التي لا يتدخل فيها الحوثييّن سياسيًا بل عسكريًا عند حاجتهم لذلك، ووفق ما يحقق لهم مصالحهم وقد يحدث انسحاب شكلي للتحالف من اليمن، وذلك في أن يكون هناك نوع من التوافق تحت الطاولة بين الإمارات والحوثييَّن، يؤدي إلى انسحاب غير مباشر للإمارات من المناطق الواقعة تحت نفوذ الحوثييّن غرب اليمن، مقابل سيادة إماراتية على الموانئ في الحديدة الذي يترافق مع وقف السعودية للعمليات في اليمن، مع تعهد الحوثييّن بوقف استهداف السفن والموانئ واستخدام الصواريخ الباليستية والعمليات العسكرية على الحدود. وهو الوضع الذي قد يتناسب مع مصلحة الإمارات وإيران في اليمن.والسيناريوهات المحتملة للضغوط تجاه دول التحالف هو تمكين طهران من التوصل عبر وكيلهم المحلي إلى التحكم بطرق تدفق النفط والتجارة العالمية وتطويق المملكة السعودية من الجنوب، ودفع الحوثييّن باتجاه السيطرة الكاملة على اليمن وإنشاء حكم كونفدرالي مع إيران، مع الحفاظ على حقوق الأقليات الأخرى.
المسار الثاني: سقوط حكم الحوثيين، وهزيمة إيران في اليمن.
وسقوط حكم الحوثيين، وهزيمة إيران في اليمن، يعتبر من أبرز السيناريوهات المتوقعة، الذي قد يحدث نتيجة دعم أمريكي أكبر للتحالف، يسمح للسعودية بالتمدد شمالاً ورفع وتيرة عملياته العسكرية في اليمن، ومن خلال تزايد الضغوط الاقتصادية على إيران، ودفعها للتوقف عن دعم الحوثييّن، والانسحاب من ساحة اليمن؛ الأمر الذي قد يدفع الحوثييّن للسلام والهزيمة. وهذا الاحتمال يبدو ضعيفا في الوقت الحالي،. لكن في ظل الظروف الحالية يبدو صعب، لكن إذا استمرت الضغوط وبدأت تؤتي ثمارها على الاقتصاد الإيراني، فإن الوضع سيختلف تمامًا، فقد تصبح اليمن ضمن بطاقات التفاوض بين واشنطن وطهران.
كما قد يحدث هذا السيناريو نتيجة تراجع دور الحوثيين في اليمن وأداءهم العسكري، وعدم قدرة طهران على الاستفادة من الحوثيين في تعزيز موقفها التفاوضي، الأمر الذي قد يترشح عنه فقدان الحوثييّن للسند الخارجي ويدفعهم للقبول بدور سياسي للرئيس الانتقالي هادي أوشخص آخر بديلاً عنه، لرئاسة اليمن من الداخل، وقبولهم بإلقاء السلاح نظريًا. وهذا ما قد يحدث على المستوى الرسمي عن طريق ترحيبهم بذلك، مع تفكيك لمليشيا تهم، لكن يبقى هذا السلاح بشكل أو بآخر. وبالتالي: يكون هناك نوع من القبول بحكومة تميل إلى السعودية أكثر، ويكون دور الحوثييّن محصورًا في نطاق نفوذهم وتواجدهم الجغرافي، شمال اليمن، وهذا الاحتمال وارد وغير مستبعد، ولكن يتوقف على من يكون لديه الاستعداد في هذه الحالة لإجراء مفاوضات من تحت الطاولة.
وتوجد مؤشرات عديدة على إمكانية حدوث سقوط حكم الحوثيّين وهزيمة إيران في اليمن، وتتمثل في جنوح الجماعة إلى الاستفراد بالسلطة والنفوذ والاستحواذ، والسياسات القمعية المتبعة في التعامل مع المخالفين والخصوم والمعارضين لهم. وتصدّع بنية تحالف الحوثييّن مع حزب المؤتمر الشعبي العام، ودخول الحوثيّين في صراعات مُحتدّة مع القبائل في مناطق مختلفة من اليمن، وتطويق السعودية والقوات الحكومية لهم في صعدة والقوات المشتركة في الحديدة، وتفكك بنية معظم تحالفاتهم السياسية والمجتمعية في الداخل مع معظم الأطراف والقوى المحلية، ورغبة طهران في حلحلة ملف اليمن، ودفعها بوساطات متعددة.
وما يعزز سيناريو سقوط حكم الحوثييّن، وهزيمة إيران في اليمن، هو أن استيلاء الحوثييّن على السلطة في صنعاء وصعودهم في المشهد اليمني فرضته عوامل ومؤثرات سياسية ورغبات إقليمية ودولية، وسوف ينتهي بانتهائها، وكون بقاء الحوثييّن لم يعد عسكري وإنما سياسي بالدرجة الأولى لأن القوى والأطراف المنخرطة في الحرب تنظر له كورقة وذريعة تستخدمه أما على المستوى العسكري فقد تم طحن قدراته وتدمير قوته العسكرية.
المسار الثالث: اتفاق دولي وتفاهم إقليمي ومحلي.
ويعكس هذا المسار حالة من الانفراج والتهدئة ونزع فتيل الأزمة والوصول إلى حلّ.
وتتوفر فرص للسلام في اليمن، من خلال إبرام وعقد اتفاق دولي، وإصدار قرار أممي ينص على وقف الأعمال الحربية في اليمن، بالتوازي مع حدوث تفاهم إقليمي ومحلي بين الأطراف على مختلف القضايا، يقضي بانسحاب التحالف، وتوقف إيران عن دعم الحوثييّن، مع تسليم الموانئ لقوات مراقبة دولية و بشكل مؤقت، وعقد هدنة لمدة قصيرة قابلة للتجديد، تكون الأولوية للإغاثة الانسانية، وإعادة النازحين، وإعمار البنية التحتية، ثم التمهيد لعقد انتخابات برقابة دولية ومن ثم اجراء استفتاء للشعب لتقرير مصير اليمن، سواء عن طريق تطبيق مخرجات الحوار الوطني، وقيام دولة اتحادية من ست أقاليم، أومن خلال إقليمين شمال وجنوب، وثلاثة أقاليم شمال ووسط وجنوب، بحيث تصبح تلك الأقاليم متمتعة باستقلالية في إدارة نفسها إداريًّا وسياسيًّا .
وهذا السيناريو من السيناريوهات المحتملة، الذي قد تتوقف من خلاله حرب اليمن، ولكن لا توجد مؤشرات على الأقل في الوقت الحالي لإمكانية حدوث هذا السيناريو، ويتوقف على تحقق السيناريو وسريانه شروط ليس من بينها انسحاب التحالف من اليمن، وتوقف طهران عن دعم الحوثييَّن؛ بل قد يحدث نتيجة تراجع دور أمريكا في المنطقة وتوقف الفاعلين واللاعبين الدوليين عن ممارسة اللعبة الكبرى، وإنتاج حروب الهيمنة وإذكاء صراع المصالح في المنطقة والعالم، وتجارة الأسلحة.
السيناريو الثالث: (التقسيم والتفتيت).
ويحضر سيناريو التقسيم، في ضوء التطوَّرات السياسية والميدانية الماثلة في تنامي دور فاعل من غير الدولة في العاصمة صنعاء وعدن، يضع اليمن للمرة الأولى منذ توحيد شطري البلاد عام 1990م، بين حكومتين، وعاصمتين، وهي خطوة إضافية في واقع تعززت فيه عوامل وصور التقسيم، فالقوات التي تسيطر على المحافظات الشمالية تابعة للحوثيّين والمحافظات الجنوبية تتألف من جنوبيين بشكل شبه كلي.وما يفرض تحقق سيناريو التقسيم هو استحالة عودة الدولة المركزية واليمن الموحد وتطبيع الأوضاع لماكانت عليه قبل الحرب، ورغبة قوى وأطراف عديدة في استمرار دورة الصراع والاقتتال الداخلي، وبقاء اليمن غير مستقرً.
وهو السيناريو الذي يطرح نفسه بقوة في ظِلّ عدم القدرة على التوصل لحلول ترضي جميع الأطراف في اليمن، وتداخل الأبعاد الإقليمية والدولية في الأزمة، خصوصًا السعودية والإمارات وإيران، حيث تمانع الرياض من قيام دولة يقودها الحوثيّين الشيعة على حدودها، كما ترفض أبو ظبي العدول عن بسط نفوذها لتحقيق مصالحها، في الوقت الذي لن تتنازل فيه طهران عن نفوذها ومصالحها وفك ارتباطها بوكلائها في اليمن.
وفي ظِلّ الوضع القائم الذي يعزز خيار التقسيم، فإنه قد يتخذ عِدّة صيغ، فقد تؤدي الحرب إلى ولادة قسرية لـتطبيق خيار “الأقاليم”، التي تشجع السعودية والحكومة الشرعية على المضي بها وفقاً لخطة التحوّل من دولة بسيطة إلى دولة اتحادية جرى إقرارها في مؤتمر الحوار. غير أن حدود الأقاليم هنا قد تفرض عبر سيطرة الأطراف المتنازعة على الأجزاء المتفرقة. وفي حال توجه البلاد نحو التقسيم، فإن الحرب قد تستمر بصورة أو بأخرى، وقد يجري التوافق على تهدئة محكومة بالتوجه الدولي والإقليمي ونوايا الأطراف المحلية تجاه السلام.
وسيناريو تقسيم اليمن إلى عدة دويلات شمالية وجنوبية، وليس إلى شمال وجنوب، بات أمراً غير مستبعد، وإن كان لا يمكن تحديد الوقت المنتظر لذلك، فهو السيناريو الأوفر حظاً في المستقبل مالم تحدث مفاجآت داخلية أو إقليمية ودولية مستجدة، فالوقائع على الأرض وما يدور من كر وفر وتحركات سياسية مرتبكة، توحي بأن هناك مخطط لإقامة ونشوء دويلات ومناطق حكم ذاتي، ويمكن أن يزداد عددها في المستقبل طبقاً لتطورات الأحداث. وسيناريو التقسيم المتوقع هو السيناريو الذي يعني تقسيمًا بالمعنى العام. والتجزئة والتفتيت من أبرز ملامح السيناريو الذي تختلط فيه الاعتبارات الجيوسياسية والعشائرية والدينية المذهبية، ولكن هذا قد يتطلب وقتاً أطول لترسيخه. كما سيتطلب هذا السيناريو انخراط أطراف دولية في الصراع لمصلحة الأطراف المتصارعة محلياً وإقليمياً، وهو أمر غير متحقق ومستبعد حتى اللحظة، وممكن على المدى المتوسط والبعيد.
ختاماً: السيناريوهات كلها مبنية على الوقائع اليوم، وإذا حدثت أي متغيرات سياسية في المنطقة والإقليم، فسوف يكون له الأثر المباشر على هذه السيناريوهات.
د.علوي عمر بن فريد