إعادة هيكلة الشرعية اليمنية..
القوات اليمنية تحاول قلب موازين القوى في معركة الجوف
تمكّنت القوات التابعة للحكومة الشرعية اليمنية، الإثنين، من تحقيق انتصار جزئي على ميليشيا الحوثي وذلك في أول خطوة نحو استعادتها زمام المبادرة بعد كبوة سقوط مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف بيد الميليشيا.
وكان سقوط المدينة الواقعة بشمال شرق صنعاء قد أثار المخاوف من سقوط كامل أجزاء المحافظة ما سيشكّل تغييرا في “موازين القوى العسكرية بصورة نهائية”، بحسب تعبير أحمد عبيد بن دغر، مستشار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
وتقول مصادر يمنية إنّ الهزيمة العسكرية في مدينة الحزم أشّرت على أزمة سياسية أعمق تتمثّل في تعدّد مصادر القرار داخل الشرعية وتباين الأهداف بين الأجنحة المشكّلة لها، في إشارة إلى وجود جناح موال لجماعة الإخوان المسلمين ومدعوم من تركيا وقطر اللتين تعملان على إحباط جهود التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في تحرير المناطق اليمنية من الحوثيين.
وأُعلن، الإثنين، عن استعادة قوات الجيش اليمني بمساندة قَبلية وبغطاء جوي من طيران التحالف العربي، مواقع استراتيجية في محافظة الجوف بعد ساعات من سيطرة مقاتلي جماعة الحوثي عليها. وقال الناطق الرسمي باسم قوات محور الجوف، ربيع القرشي، في تغريدة على تويتر إنّ قبائل دهم ساعدت القوات الحكومية على استعادة منطقة اليتمة مع استمرار المعارك على جبهتي السليلة والمهاشمة في المحافظة ذاتها.
وقالت مصادر عسكرية حكومية، لوكالة الأناضول، إنّ العشرات من عناصر ميليشيا الحوثي سقطوا بين قتلى وجرحى بعد معارك ضارية دارت رحاها على امتداد الجبهة بينما سقط خمسة قتلى من القوات الحكومية والقبائل المساندة لها. وأشارت المصادر ذاتها إلى أن طيران التحالف شارك في المعارك، وقصف تعزيزات ميليشيا الحوثي.
دوائر سياسية يمنية ترفض تحميل التحالف مسؤولية التراجع الميداني للقوات اليمنية، معتبرة كلام بن دغر تهرّبا من المسؤولية
وتمكّن الحوثيون مطلع الشهر الجاري بعد معركة عنيفة من اقتحام مدينة الحزم مركز محافظة الجوف بعد أشهر من القتال ضد القوات الحكومية التي تسيطر على المدينة منذ منتصف ديسمبر 2015.
وتعليقا على هذا التطور الميداني قال مستشار الرئيس اليمني أحمد عبيد بن دغر إن سيطرة الحوثيين على المحافظة المحاذية للحدود السعودية تعود إلى “أننا كشرعية وتحالف قد تسببنا في ما نحن عليه، انقساما وعداء لبعضنا البعض، في إصرار عجيب على إهداء هزيمتنا للحوثيين وإيران”.
ورفضت دوائر سياسية يمنية تحميل التحالف مسؤولية التراجع الميداني للقوات اليمنية، معتبرة كلام بن دغر تهرّبا من المسؤولية.
وتابع مستشار هادي عبر تدوينة نشرها على فيسبوك “إذا تعاملنا بذات المستوى الذي تعاملنا به بشأن سقوط نهم، فسنكون قد قرّرنا مصير المعركة لصالح الحوثيين يمنيا، ولصالح إيران إقليميا، وسيكون دور التحالف قد انتهى في اليمن”. ومثّلت التطورات الجارية في الجوف دليلا على عودة التصعيد إلى اليمن ما يعتبر انتكاسة لجهود السلام التي يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث.
ودعا غريفيث إلى خفض التصعيد، قائلا في بيان أصدره إثر زيارة قام بها إلى مدينة مأرب شرقي اليمن حيث تدفّق الآلاف من النازحين هربا من المواجهات العسكرية في الجوف، إنّ “الطريقة الوحيدة لإنقاذ اليمن من الانزلاق مجددا إلى صراع واسع النطاق ومأساة إنسانية جديدة هي العودة إلى الهدوء من خلال عملية خفض تصعيد شاملة وجامعة وخاضعة للمساءلة”. وأكّد في بيانه “حان الوقت لذلك، وسأعمل مع الأطراف لجعل هذا حقيقة واقعة”، مضيفا “اليمن لا يستطيع الانتظار”.
ولم ينجح غريفيث طيلة عمله على الملفّ اليمني سوى في رعاية توقيع اتفاق بين الحكومة الشرعية والمتمرّدين الحوثيين. وتعلّق الاتفاق الذي أبرم قبل أكثر من عام في العاصمة السويدية ستوكهولم بالوضع في الحديدة المطلّة على البحر الأحمر غربي اليمن، حيث نصّ على إقرار وقف لإطلاق النار وإعادة نشر القوات وإنجاز عملية تبادل للآلاف من الأسرى. وعدا عن الهدنة الهشّة التي لا تزال صامدة رغم تعرّضها للانتهاك بشكل متكرّر، فإنّ أيا من بنود الاتفاق الذي صبّ في مصلحة الحوثيين وسمح لهم بالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم صفوفهم، لم يتم تنفيذه.
وتعتبر دوائر سياسية يمنية أنّ أي مسار للسلام في اليمن سيكون على أساس الحقائق القائمة على الأرض، محذّرة من أنّ المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران، لن ينصاعوا طوعا للسلام طالما لم يوجد عامل قويّ يدفعهم إلى ذلك.
وعلى هذه الخلفية تطالب عدّة شخصيات سياسية بإجراء عملية إعادة هيكلة للشرعية اليمنية تشمل شقيها السياسي والعسكري بشكل يضمن وحدة قرارها وانسجام أهدافها، وذلك بهدف قلب موازين القوى ضدّ الحوثيين أولا، واستعدادا لأي عملية سلام قد تنجح الأمم المتحدة والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالملف اليمني في إطلاقها لاحقا.