طغيان صوت الرصاص على كافة فنون الإبداع..
فنان يمني: اليمنيون يواجهون الحرب بالفن.. محاربون افتراضيون
ألقت الظروف الصعبة للصراع المستمر منذ خمس سنوات في اليمن بظلالها على كافة مناحي الحياة، وأنهكت مخيلة الأدباء والفنانين التشكيليين الذين سعى بعضهم للفرار من أجواء البارود إلى بيئات أكثر دفئا على الصعيد الثقافي، ومن هؤلاء الفنان اليمني ردفان المحمدي الذي أجبر على الرحيل عن وطنه، حاملا إياه في ريشته ولونه. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الفنان.
يرى الفنان اليمني ردفان المحمدي أن الحرب في بلده نالت كثيرا من هامش الفن التشكيلي الذي شهد أكبر انتكاساته نتيجة طغيان صوت الرصاص على كافة فنون الإبداع.
ويؤكد المحمدي في حديثه لـ”العرب” أنه يحاول أن يقاوم انعكاسات الحرب مثل غيره من الفنانين اليمنيين بريشته التي تتحدى كل الصعاب، مثبتا أن الفن هو سبيله الوحيد إلى عالم خال من الصراعات والحروب.
ويتخذ الفنان من العاصمة المصرية القاهرة مقرا لإقامته ومنطلقا لتجربته الفنية التي يحاول أن يفر بها من جحيم الحرب وموجات العنف السياسي.
تحولات فنية
بمرارة شديدة يستعيد المحمدي تعرجات الخط البياني للتشكيل في اليمن صعودا وهبوطا قبل أن تفقده حرب السنوات الخمس آخر ومضة بريق، حيث وصل الاهتمام بالتشكيل إلى مستوى مقبول على صعيد الحضور المحلي والمشاركات الخارجية والمعارض التي كانت تنظم بشكل دوري في اليمن.
ويقول “بعض رموز الفن التشكيلي في اليمن والذين كانوا يتصدرون المشهد قبل الحرب عانوا كثيرا من تراجع حضورهم الفني بشكل كبير ولافت، حيث كانت العديد من التسهيلات تقدم للفنان وتحفّه الأجواء المناسبة للإبداع، ومن ذلك توفير القاعة والمرسم اللذين يمثلان حجر الزاوية في مسيرة أي فنان تشكيلي واللبنة الأولى في انطلاقته لفضاء الريشة واللون، وهذه المزايا للأسف فقدها الفنانون اليمنيون بعد الحرب”.
ملامح المشهد الفني في اليمن تغيرت وبرزت العديد من التعقيدات التي تواجه الفنانين، وخاصة الكبار منهم
ويضيف المحمدي “كما رافق ذلك تغير ملامح المشهد الفني ككل، وبرزت العديد من التعقيدات التي تواجه الفنانين، وخاصة الكبار منهم، ولم يستطيعوا مواجهة تلك المتغيرات التي طرأت على الساحة، حيث اختفت السياحة وتلاشت المعارض الفنية والأنشطة الكبيرة التي كانت سببا رئيسيا في انتشارهم وكسب معيشتهم”.
ويعتبر المحمدي أن العديد من الفنانين اليمنيين الذين توهجوا في سماء التشكيل قبيل الحرب وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشارهم عربيا وعالميا، وإيصال تجربتهم إلى المحافل الفنية والإعلامية، تضرروا كذلك إلى حد كبير، حيث أعاقت الحرب وتبعاتها الاقتصادية والنفسية إكمال محاولتهم لمغادرة مربع المحلية والانطلاق إلى آفاق أكثر رحابة واتساعا.
ويشير المحمدي إلى عملية تبادل عكسي بين الفن التشكيلي واليمن والحرب وآثارها، فكما أثرت الحرب على الواقع التشكيلي اليمني، وجدت الحرب كذلك طريقها لأعمال 90 في المئة من الفنانين اليمنيين الذين تحول بعضهم -بحسب المحمدي- إلى محارب افتراضي بالقلم والريشة وعين راصدة للتحولات العميقة في المجتمع وتداعيات الصراعات النفسية والاجتماعية والثقافية، وهو ما يمكن اعتباره محاولة فنية لتوثيق حقبة الحرب في اليمن بالريشة واللون والخيال الإبداعي.
الفن والمواجهة
يتحدث المحمدي عن تجربته الفنية الخاصة بنوع كبير من التواضع، حيث يقول لـ”العرب” إنه لا يستطيع أن يجزم بأن تلك التجربة ناضجة إلى حد كبير، ويستدرك “هناك حالة نضوج فني في بعض اللوحات وهناك نضوج لوني في البعض الآخر إلا أنني ما زلت أبحث وأجرب لأصل إلى أسلوب أتميز به بشكل واضح وهذا لا يأتي إلا مع تراكم الخبرات والسنين بالإضافة إلى الاحتكاك بشكل واسع مع الفنانين، وأستطيع القول إن لمصر النصيب الأكبر في إثراء تجربتي الفنية”.
ويلفت الفنان في سياق حديثه عن عملية التلاقح الثقافي والفني إلى أن الفنانين اليمنيين في الخارج كان لهم دور رئيسي في نشر الفن اليمني عالميا، كما أنهم يساهمون في رفع قيمة المدرسة الفنية التي تأسست في الداخل وإعطاء جرعات إيجابية من الأمل لدى الفنانين الذين يكابدون الوضع اليمني ويتشبثون في نفس الوقت بتجربتهم الفنية ويعملون على تطويرها.
مضيفا “الفنان اليمني في الخارج على اتصال بكل ما يحدث في اليمن وعلى علم بكل ما يدور من تفاعلات سياسية وثقافية واجتماعية، كما أن الفنان اليمني سواء كان داخل اليمن أو خارجه ما زال يعبر بذات المشاعر وإن بدا بعض الاختلاف في التجربتين”.
استطاع الفنان ردفان المحمدي من خلال وجوده في القاهرة كسر حاجز العزلة الثقافية التي فرضتها الحرب على الفنانين والمبدعين اليمنيين في الداخل، حيث استطاع كما يقول لـ”العرب” أن يشارك في العديد من الأنشطة والمعارض الدولية، قبل أن تعطل جائحة كورونا حركة التنقل وتجمد الكثير من المناشط الثقافية، لتقتصر مشاركاته الفنية على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن تحولت صفحات التشكيل في الفيسبوك إلى قاعات ومعارض فنية.
وقد تمكن المحمدي بمشاركة زملائه الفنانين اليمنيين من إطلاق مسابقة فنية عربية في هذه الفترة بمشاركة المنتدى العربي للفنون الذي يقع مقره الرئيسي في صنعاء. وعن هذه التجربة ومدى التفاعل معها يقول “شارك في المسابقة فنانون من 13 دولة عربية، حيث تقدم للمسابقة أكثر من 250 رساما وخطاطا وتم قبول 130 عملا فنيا للتنافس عبر التصويت، إلى جانب وجود لجنة تتولى تحكيم وتقييم الأعمال وسيتم احتساب 70 في المئة للجنة و30 في المئة لتصويت الجمهور عبر الفيسبوك وإنستغرام، وبعد ذلك سيتم الإعلان عن الفائزين في يونيو وتكريمهم في شهر يوليو”.
وإضافة إلى النشاط الذي يقوم به من خلال المنتدى العربي للفنون، يشير المحمدي إلى قيامه بأعمال أخرى تتحدى العزلة التي يفرضها كورونا والإجراءات المرافقة له ومن ذلك قيامه بتدريب الرسم “أونلاين”.
عن هذه التجربة يقول “بدأت فكرة التعليم عبر الواتساب في 2015 بداية الحرب في اليمن، وترسخت هذه التجربة بعد أن توصلت إلى نتيجة مفادها عدم القدرة على التعليم المباشر في ظل ظروف الحرب، ولكن الحظر وحالة التباعد الاجتماعي الإجبارية التي فرضها انتشار فايروس كورونا كانا سببا آخر دفع إلى إحياء هذه الفكرة مجددا في ظل وجود الكثير من الفنانين والمدربين واستعدادهم للتدريب عن بعد عبر الإنترنت وتطبيقاتها المختلفة، وقد وجدنا تجاوبا كبيرا من قبل الدارسين ما شجعنا على توسيع هذا النشاط وإضافة أقسام أخرى إلى جانب الرسم للتعليم عن بعد”.
ويعترف المحمدي بأن كورونا كان له أثره السيئ كذلك على الفنون عامة، حيث أن الحالة النفسية للكثير من الفنانين دفعتهم إلى التوقف مؤقتا عن إنجاز لوحات جديدة، وهو ما اعتبره استراحة محارب فني قبل العودة مرة أخرى للعمل التشكيلي رسما ومعارض ومشاركات.