تحليل يفند تصريحات متحدثه الرسمي..
تحليل: "إخوان اليمن".. كيف ترك الحرب ضد الحوثي واتجه جنوبا؟
قبل أن يقوم بتأسيس حزب الإصلاح في عام 1990، أسهم عبدالله بن حسين الأحمر، بنشاطٍ في تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام في الثمانينيات، والذي بقي الحزب الحاكم في اليمن حتى عام 2011. تم إنشاء حزب التجمع اليمني للإصلاح، في الأساس، بطلبٍ من الرئيس اليمني علي صالح، مِمَّن كان يقدِّم نفسه حينها بـ”مجموعة الاتجاه الإسلامي”؛ ليكون حزباً تابعاً للمؤتمر متلقياً دعمه من أجل تبنِّي مواقف معارِضة ومعرقلة للحزب الاشتراكي القادم من الجنوب، والذي لم يمضِ على دخوله في الوحدة مع الشمال حينها سوى بضعة أشهر.
وبسبب الافتقار إلى التنظيم الدقيق، تم جعل تنظيم الإخوان المسلمين الموجود فعلياً في صنعاء النواة الداخلية للإصلاح؛ لما لدى الإخوان من قدرة تنظيمية بفضل أسبقيته؛ إذ أُسس التنظيمُ في عام 1928، كما هدف “الإصلاح” أيضاً إلى الاستفادة من النظرة السياسية والأيديولوجية والتربية الفكرية لدى جماعة الإخوان المسلمين، وهذه هي الحقائق التي صاحبت إنشاء حزب التجمع اليمني للإصلاح، كما أوضحها بكل دقة وصراحة مؤسس الحزب عبدالله بن حسين الأحمر، في مذكراته.
تحاول طائفة من حزب الإصلاح اليوم إخفاء كل تلك الحقائق الواضحة كمَن يُخفي الشمس بغربال! وآخرهم المتحدث باسم الحزب عدنان العديني، الذي نفى، في حوار له مع صحيفة “الشرق الأوسط”، أية علاقة للحزب بالإخوان، قائلاً: “سبق أن أكدنا في (التجمع اليمني للإصلاح) عدم وجود أية علاقة تنظيمية أو سياسية تربطنا بالتنظيم الدولي لـ(الإخوان المسلمين)”.
دعامتان أساسيتان
تقوم جماعة الإخوان المسلمين على دعامتين أساسيتين؛ الأولى هي جعل الشريعة الإسلامية أساساً يتحكم في شؤون الدولة والمجتمع، والثانية توحيد الدول الإسلامية والعربية وتحريرها من الإمبريالية الأجنبية. وهذه الدعامات هي ما تعطي الجماعة الصبغة السياسية الإسلامية العالمية؛ حيث تعمل الجماعة في ما لا يقل عن 18 دولة حول العالم اليوم.
كانت تلك الدعامات من أول ما دافع عنه حزب الإصلاح اليمني عند تأسيسه؛ من خلال الاعتراض على التعديلات الدستورية التي طُرحت للاستفتاء بُعيد الوحدة، حيث الاعتراض الكبير على المادة القائلة: “الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع”، ووجه اعتراض “الإصلاح” هو أن تكون الشريعة الإسلامية “المصدر الوحيد للتشريعات”، وقد خرجت في سبيل ذلك مُظاهرة كبيرة في صنعاء يتقدمها عبدالمجيد الزنداني، وهو من أبرز مؤسسي وزعماء الحزب، والمصنف اليوم كإرهابي من قِبل الولايات المتحدة.
أما الدعامة الثانية؛ وهي الخلافة العالمية، فلطالما تحدث عنها زعماء “الإصلاح” مراراً وتكراراً؛ وهي في الواقع دعامة استندت إليها قبائل شمال اليمن قاطبة منذ ما قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بقرون، حيث كانت قبائل حاشد وبكيل تدعم بقوة حكم الأئمة الأشراف -على حد تعبيرهم- حفظاً للدين، وتحقيقاً للخلافة الإسلامية.
وعلى الرغم من الارتباط الوثيق الذي لا غبار عليه بين دعامات حزب الإصلاح، ودعامات الإخوان المسلمين المنضمين إلى الحزب والمؤثرين فيه؛ فإن المتحدث باسم الحزب أصرّ، في لقائه مع “الشرق الأوسط”، على أن الحزب ذو أولوية وطنية، وأن سياسته تحكمها المصلحة الوطنية، ونفى علاقته التخريبية بقطر، الداعمة للإخوان المسلمين، متجاهلاً كل الحقائق التي كشفت عن تمويل قطر لأعضاء بارزين في حزب الإصلاح؛ مثل حميد وحسين الأحمر؛ لزعزعة الاستقرار في اليمن، ومتغاضياً عن كل التصريحات المحابية بوضوح لقطر وتركيا والمعادية بما لا يقبل الشك للسعودية؛ وهي تصريحات يقولها دائماً قيادات بارزة في الحزب؛ مثل توكل كرمان، وتعج بها وسائل الإعلام الإصلاحية كقناتَي “بلقيس” و”يمن شباب”، ومؤخراً “المهرية”.
ثقافة السلاح
إن التحريض الذي يقوده حزب الإصلاح هو الذي يغذي جبهات القتال في اليمن؛ ليس ضد الحوثيين كما يدَّعي الناطق الرسمي باسم الحزب، بل ضد الجنوبيين الذين يحاولون استعادة دولتهم المنهوبة منذ عام 1994. في الواقع، يلجأ التيار الإسلامي والقبلي دائماً إلى رجال القبيلة ورجال التيار الإسلامي؛ لتقوية جبهات القتال في أوقات الصراعات في الشمال، وبالطبع نحن في غنى عن الإشارة إلى أنها جبهات قتال يُحمل فيها السلاح، وأن السلاح جزء أصيل من ثقافة القبيلة في اليمن.
ومن الشواهد على هذه المشاركة المسلحة هو ما حدث في حرب اليمن القصيرة في عام 1979 بين الجنوب والشمال قبل تأسيس حزب الإصلاح؛ لكن بمشاركة قياداته المؤسِّسة كالزنداني والأحمر وأتباعهما، وأيضاً حرب الانفصال في عام 1994 بعد تأسيس حزب الإصلاح كما هو واضح، ومع ذلك يُنكر العديني، في لقائه مع “الشرق الأوسط”، حمل رجال “الإصلاح” للسلاح، ويتغنى بسلمية سياسية مثالية.
ركَّز عدنان العديني، في حواره مع الصحيفة، على انتهاج حزب الإصلاح العملَ السياسي، وصناديق الاقتراع التي جلبت حزبه كما يقول؛ وهو ما يوحي بالنهج الطبيعي لأي حزب في العالم، أي السعي نحو السلطة أو المشاركة في السلطة، من خلال دعم أصوات أنصارها لمرشحي الحزب؛ ولكن هذا الوضع الطبيعي لأحزاب العالم لم يتم تبنيه يوماً في شمال اليمن، حيث تفرض القبيلة نفسها كنِد في السلطة، وليس مجرد متنافس عليها، وتفرض أعضاءَها وقادتها كشركاء في الحكم وليس كأتباع، وقد حاول المتحدث باسم الحزب تأكيد المبادئ الحزبية الطبيعية، لكن خانه التعبير الذي قاده عقله اللا واعي؛ حيث استمر يكرر كلمة “شعبنا” ست مرات، في حين أن الأصل هو أن الحزب لا شعب له، بل أنصار وأتباع، إلا إنْ كان يتبنَّى سياسة “أنا الشعب، والشعب أنا” و”صوت الشعب صوتي، وثروة الشعب ثروتي”؛ وهو الخطاب الذي يردده المستبدون ليُريحوا ضمائرهم عند سرقة حقوق وثروات شعوبهم، كالقذافي الذي استنصر به إصلاحيو اليمن.
إن ركاكة وزور إجابات العديني، في حواره مع الصحيفة، هي دلالة على حالة الترنُّح التي يعانيها حزب الإصلاح؛ نتيجة الانقسامات الداخلية المتعددة والحادة بين جيل الشباب والكهول، والطامحين إلى السياسة ورجال القبيلة، والمتلهفين إلى الثراء والمشاركة في الكعكة، وأولئك الذين يمتلكون الكعكة بالفعل.
ورغم أنه من الشائع أن تُغَيِّر الأحزاب السياسية في جميع أنحاء العالم من أيديولوجيتها التي قامت عليها عند التأسيس؛ فإنه يُخشى أن يكون الأمر قد فات على حزب الإصلاح، ولم يعد بإمكان العطار أن يُصلِح ما أفسد الدهر.
ذكر العديني بالفعل أن التحدي الذي يواجه الحزب حالياً هو “تعطيل الحياة السياسية”، دون أن يشير إلى أن الدولة اليمنية التي يسيطر عليها حزبه تسعى لاستمرار “تعطيل” الحياة السياسية والتمسك بحجة “الشرعية”؛ لأنها تدرك أن عودة الحياة السياسية، المتمثلة في الانتخابات وما إلى ذلك، ستعرِّيها من شرعيتها المزعومة في الجنوب، حيث لا قبول للإخوان المسلمين ولا القبيلة.
_________________________________
المصدر| موقع كيو بوست