قرارات جديدة تكشف بوادر حرب قادمة..
تحليل: هادي.. يلغم مساعي السلام للبقاء في رئاسة اليمن من المنفى
أصدر الرئيس اليمني المنتهية ولايته قرارات جمهورية انفرادية، وصفت على أنها محاولة أخيرة للتشبث بالرئاسة اليمنية كحاكم لليمن من منفاه الاختيار في العاصمة السعودية الرياض، وهو الأمر الذي يزيد المخاوف من موجة جديدة للعنف والانهيار الاقتصادي في البلد الذي تشهد حربا قدر لها ان تستمر وان كانت على حساب السكان.
عبدربه منصور هادي، هو قائد عسكري جنوبي فر إلى صنعاء في منتصف ثمانيات القرن الماضي، على إثر القتال الذي انفجر بين قيادات الحزب الاشتراكي اليمني في عدن، عقب محاولة عبدالفتاح إسماعيل المدعوم من الاتحاد السوفيتي الانقلاب، على الرئيس الحاكم علي ناصر محمد الذي كان على علاقة بالخليج ومقرباً من إيران.
في وقت متأخر من ليل الجمعة الـ15 من يناير (كانون الثاني الجاري)، أصدر الرئيس المنتهية ولايته ثلاثة قرارات جمهورية، أحادية الجانب بعيداً عن ما تم التوافق عليه في "اتفاقية الرياض"، الموقعة في الـ5 من نوفمبر (تشرين الثاني)، العام 2019م، وهي الاتفاقية التي تأخر تنفيذ بنودها، على خليفة رفض التيار النافذ في الرئاسة اليمنية، تنفيذ تلك البنود، واقدم على تفجير الأوضاع عسكرياً في أبين، لكنه لم يستطع ان يحدث اختراقاً في التقدم صوب مدينة زنجبار مركز محافظة أبين، (60) كيلو متر إلى الشمال الشرقي من عدن العاصمة.
أطلق حلفاء هادي أكثر من عملية عسكرية، للتقدم صوب زنجبار العاصمة الإقليمية لأبين، لكنهم فشلوا، الأمر الذي دفعه الى الموافقة على استئناف تنفيذ بنود اتفاقية الرياض، بداية بالشق العسكري والفصل بين القوات في أبين، وصولا الى تشكيل الحكومة.
موافقة هادي لم تكن ملزمة للحلفاء المحليين للأطراف الإقليمية، في إيقاف التحشيد للحرب، خاصة وان المضي في تنفيذ بنود الاتفاقية تزامن مع وصول أسلحة وطائرات تركي.
تشكيل حكومة المناصفة لم يكن بالأمر السهل، فالحكومة التي أدت اليمنية الدستورية في الرياض، كانت عودتها إلى عدن محفوفة بالمخاطر، فمع هبوط الطائرة في مدرج مطار عدن الدولي، حتى سقطت ثلاثة صواريخ، خلف الهجوم عشرات الضحايا بينهم مسؤولون ومدنيون، لا يزال الفاعل مجهولا الى اليوم، على الرغم من توجيه الحكومة أصابع الاتهام للحوثيين، لكن لم يخف الأمر وجود اتهامات لأطراف إقليمية كقطر، التي دخلت لاحقا في مصالحة هشة مع السعودية، في الخامس من الشهر الجاري.
منتصف ليل الجمعة الـ15 من يناير (كانون الثاني الجاري)، أعاد هادي الأوضاع إلى ما قبل تنفيذ "الشق السياسي والعسكري"، من اتفاق الرياض، بعد ان اصدر قرارا تزامن مع تلويح أمين عام حزب النهضة الإخواني علي الأحمدي، المقيم في الرياض، والذي توعد برفض اقالة محافظ شبوة محمد صالح بن عديو، بدعوى ان الأخير يدافع عن "ما اسماه مشروع الجمهورية اليمنية"، قبل ان يقدم حاكم شبوة الى افتتاح ميناء قنا قيد التأسيس، وتحويله الى ميناء نفطي، وهو الأمر الذي تسبب بوقف توريد المشتقات الى العاصمة (التي تقيم فيها حكومة المناصفة).
حكومة هادي المتحكمة في الموارد، جعلت من "العملة والرواتب والمشتقات النفطية"، أسلحة لمواجهة الجنوبيين، فالعملة المحلية شهدت تحسنا مع عودة الحكومة، الا انها سرعان ما انهارت بالتزامن مع خطوات الرئيس هادي التصعيدية.
يظل هادي الخصم الأبرز للجنوبيين "على الرغم من ادعاء اتباعه الجنوبيين، بانه يعاني من ضغوط إخوانية"، لكن العديد من الأفعال على الأرض، يعزز من هكذا اتهامات.
بالنظر الى القرارات الأخيرة، ومدى موقف هادي من قتال الحوثيين، الذي جاء اتفاق الرياض لتوحيد الجهود لاستئناف قتالهم، على الأقل لدفعهم نحو تسوية سياسية.
اتفاق الرياض الذي حظى باعتراف إقليمي ومن الأمم المتحدة التي رأي مبعوثها انه قد يدفع نحو عملية سلام شاملة في اليمن، الا ان القرارات الأخيرة لهادي، لا تنسق الاتفاق فقط، بل وعملية السلام، وهي اسهل الطرق للبقاء أطول فترة ممكن في اليمن، فالأمم المتحدة والإقليم لا يمكن ان يذهب الى تسوية سياسية، في ظل وجود ازمة سياسية، هي في الأساس معقدة أكثر من أزمة الحوثيين، بالنظر الى موقف حكومة هادي، التي طالما دعت الانقلابيين في صنعاء إلى السلام، على عكس الجنوبيين الذين ترى سلطة هادي ان لا خيار غير السيطرة على عدن وباب المندب.
لم يكن هادي جادا في هزيمة الحوثيين، فخلال السنوات الست الماضية، لم تحقق القوات الموالية له او لنائبه في احداث أي تقدم صوب صنعاء، بل على العكس، استعاد الحوثيون السيطرة على فرضة نهم وأجزاء من مأرب وكل محافظة الجوف الحدودية مع السعودية، واستولوا على كميات كبيرة من الأسلحة الضخمة التي قدمتها الرياض لجيش مأرب على أمل ان يقوم بقتال الحوثيين.
هادي كرئيس مؤقت، بل والرئاسة اليمنية في الرياض ترى ان تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية قد يعجل بنهاية الحرب وهو ما لا ترغبه في الوقت الراهن، وهو ما أفصح عنه بعض المسؤولين الحكوميين الذين حذروا من مغبة مضي الولايات المتحدة في تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية.
موقف هادي من قتال الحوثيين بدأ منذ وقت مبكر، فعقب شهور من تحرير الجنوب، وتحديدا في (فبراير / شباط) العام 2016م، عين الجنرال الزيدي علي محسن الأحمر نائبا له، وأحمد عبيد بن دغر، رئيسا للحكومة، على الرغم من ان الأول لا يرغب في هزيمة الحوثيين وسبق له وتسلم لهم العاصمة اليمنية صنعاء في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014م، دون قتال وفر الى السعودية، وهو يمتلك اكبر قوات عسكرية في العاصمة اليمنية صنعاء، واسمها قوات الفرقة الأولى مدرع.
اما أحمد عبيد بن دغر، فقد كان مناصراً للحوثيين حتى ما بعد انطلاق عاصفة الحزم، قبل ان يقفز من سفينة الانقلاب الى سفينة الشرعية، لتكون المكافئة "رئيس حكومة، لم تحظ بثقة البرلمان اليمني".
هذا التعيين رأي بن دغر انه اقل ما يمكن الطموح له، فسارع الى تقديم نفسه كرئيس توافقي بين الانقلاب والشرعية، على اعتبار انه "خير من يمثل جميع الأطراف".
هذا التوجه أخاف هادي كثيرا، وهو ما دفعه الى اقالته واحالته للتحقيق، حتى يقطع عليه طموح الوصول الى الرئاسة، قبل ان يتلقفه الاخوان ويعيدوه في البداية كمستشار لهادي ثم رئيسا لمجلس الشورى.
ويبدو ان الخيار امام هادي الآن هو الانقلاب على اتفاق الرياض، وافشال كل جهود التسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، وهو ما يعني ان الخيارات امام الرئيس المنتهية ولايته قد أصبحت "ضيقة"، للحد الذي يرى ان الحرب هي السبيل الوحيد للبقاء في الحكم، دون أي اكتراث بما قد تخلفه الحرب من معاناة كبيرة للمواطنيين ربما لعقود قادمة.