الجفري: دولة الجنوب العربي قائمة لهذه الحسابات السياسية الدقيقة

دائما ما تذهب الصحافة العربية والمصرية على وجه التحديد نحو النخب الجنوبية لمعرفة تفاصيل الأزمة اليمنية والجنوبية، وإلى اين يمضي هذا البلد غير المستقر منذ ستينات القرن الماضي، لكن تختلف الرؤية والتحليل من سياسي إلى أخر، فالحرب اليمنية التي طال أمدها دون حسم يذكر، أو دون افق سياسية لحل سلمي ينهي الصراع، ويوقف شبح الموت جوعا الذي يهدد حياة الآلاف من اليمنيين والجنوبيين.

الزميل الشحات غريب الصحافي في صحيفة الفجر المصرية الإلكترونية، أراد التعمق بشكل أكثر في معرفة تفاصيل الحرب في اليمن، ومحاولات الحوثيين الكثيرة لما اسماه افشال السلام في اليمن، وإلى اين تمضي الأمور هناك، فأجراء مقابلة صحافية من السياسي الجنوبي البارز السيد يحيى محمد الجفري نائب الرئيس المؤقت لحزب رابطة الجنوب العربي الحر(الرابطة)، قدم قراءة دقيقة ومعمقة للأزمة، وطرح الحلول التي يراها من وجهة نظره، مستبعدا الحسم العسكري للأزمة، مؤكدا على ان حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي والتحالف العربي يقاتلون قتال "جيش محترف"، في حين ان قتال الحوثيين يعتمد على حروب العصابات.

رهان الحوثيين

وقال الجفري "إن الحوثي يراهن على الوقت أنه سيكون في صالحه، ويفسر تعاطف العالم مع مأساة شعب اليمن أنه شكل من أشكال التأييد له، وأيضاً يجد في السلام خسارة نفوذ له وضياع مصالح مستمرة تبقيه قادراً على الفعل مع استمرار الدعم الذي يصله بشكل غير مفسر، ولذلك يراوغ ويقدم مقترحـات سرعان ما يضيف إليها شروطاً تدفع (الشرعية) وحلفاءها يرفضون وهكذا دواليك".

وأضاف السياسي الجنوبي "إن الحوثي إذا ما وجد نفسه مضطراً لقبول إتفـاق مـا، كإتفاق "ستوكهولم"، فإنه سرعان ما يعمل على إفراغ الإتفاق من مضمونه بالإصرار على تفسيرات تبرر له عدم التنفيذ لأن الطرف الآخر لم يقبـل ذلك التفسير للنص وهلم جر".

حل الأزمة اليمنية

واستبعد السيد يحيى الجفري إمكانية حل الازمة اليمنية عسكريا، موضحا "أن الحل العسكري يكاد يكون مستحيلاً ليس لتكافؤ القوة بين الطرفين؛ ولا اعتبار لتفوق في القوة لطرف على الآخر أي قيمة تذكر إلا في قوة النيران؛ بقدر ما هو اختلاف نمط التعامل العسكري بينهما، فالحوثي يقود قتاله على نمط حرب عصابات "اضرب واهرب"، مع وجود حاضنة شعبية.. والشرعية والتحالف العربي نمط قتاله هو قتـال الجيـوش المحترفة، وتتردد أقاويل لا يمكنني القطع بصحتها من عدمه فحواها اتهامات لقيادات وعناصر ترتزق مـن القتـال، مع غياب حاضنة شعبية وعقيـدة قتـال، وشتان بين الأمرين".. مشيرا الى ان "أمريكا هزمت في فيتنام لهذه الفوارق؛ وفي أفغانستان في الوقت الحاضر لذات السبب؛ ناهيك عن أن القتال هي الحرفة الوحيدة التي تجيدها قبائل اليمن وتمتهنها بذكاء أعجز جيش مصر في الستينات أن يحقق أي انتصار".

وقال الجفري "ليس هناك مخرج وحل لأزمة اليمن إلا عن الطريق السياسي عبر التفاوض.. وعلى طرفي القتال القبول والرضا بتقديم تنازلات، فبدونها لن يتحقق الحل السياسي ويستمر النزيف الذي أرهق جميع الأطراف.. ولا يفوتني هنا أن أؤكد أن أي حل لا يصاحبه حل للقضية الجنوبية، بقيام دولة الجنوب العربي المستقلة، فلن يتأتى أي أمـن أو استقرار في المنطقة كلها.. ومن يعتقد أن الحل يمكن دون قيام دولة للجنوب فهو واهم وغير مدرك لحقائق الواقع".

الحوثيون ومجاعة باليمن

وتحدث الجفري عن جماعة الحوثي وكيف تسببت بالمجاعة في اليمن، من خلال استمرار الحرب والإصرار على رفض أي مبادرات للحلول".. مؤكدا "أن التنظيمات الإرهابية حتى الآن لم تسيطر على دولة، وبالتالي فأنصار الله (الحوثيون) أكثر سوءاً من أي تنظيم إرهابي لأنها سيطرت على شعب بأكمله واستولت على البنك المركزي حتى أفرغتـه مـن موجوداته.. والأغرب من ذلك أن المنظمات الدولية، بما فيها دول عظمی، حالت دون سيطرة الشرعية على البنك المركزي ونقله إلى عدن، وتجميد حساباته في الخارج حماية لها بحجة واهية عكست، من وجهة نظري، دعماً وتدعيماً لأنصار الله بأسلوب خبيث.. وكانت الحجة هو النأي بالبنك المركزي عن الصراعات والخلافات السياسية".. متسائلا "هل سمعت بمبرر أوهي من ذلك في أي صراع مماثل في أي مكان في العالم؟.. فمن سمح بذلك، ساهم بشكل غير مباشر في حالة المجاعة القائمة".

تحركات الانتقالي ووضع القضية الجنوبية

وفي معرض رده على تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي ووضع القضية الوطنية الجنوبية، أجاب السيد الجفري "أنا أنتمي إلى حزب رابطة الجنوب العربي الحر(الرابطة) وهو الحزب الجنوبي الوحيد الذي أيد المجلس الانتقالي انطلاقاً من الأهداف التي أتت في وثائقه الرسمية وخطاب رئيسه الذي أخذ به تفويضاً شعبياً في حينه.. وسنستمر في تأييدنا له طالما ظل متمسكاً وساعياً لاستقلال الجنوب العربي وقيام دولته الفيدرالية الديمقراطية المستقلة على كامل مساحة الجنوب العربي من باب المندب حتى المهرة.. فإن حاد - لا سمح الله- عن هذه الأهداف سيفقد تأييدنا بل وتأييد غالبية شعب الجنوب العربي.

ومضى قائلا "أؤكد عن ثقة ومعرفة ويقين أن وضع قضية الجنوب في وضعها الصحيح، ودولة الجنوب العربي قائمة لا محالة.. لا أقول كلامي هذا عن مجرد حماسة بل مبني على حسابات سياسية دقيقة وعميقة قائمة على حساب المصالح لسائر الأطراف المحليـة والإقليميـة والدوليـة سواء السياسية أو الاقتصـادية أو الأمنيـة ومتطلبات الاستقرار والتنمية".

دور إيران في المنطقة

وتحدث السيد يحيى الجفري عن دور إيران في المنطقة، وزيارة وفد حوثي الى طهران للقاء الرئيس الإيراني الجديد، حيث أكد "ان إيران بـذلك تعلن استمرار دعمهـا لأنصار الله ليس إيماناً بقضيتهم، أو بسبب المذهب الشيعي الاثنعشري، أو الزيدي الذي لن يلتقي معهم مذهبياً، ولكن لأن إيران دولة إقليمية كبيرة لها أطماعها ومصالحها وهي توظف أنصار الله (الحوثيون) لذلك ولكن ليس بعمق توظيفها لحزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي العراقي لأسباب سياسية وتاريخية وعقائدية ومذهبية ليس هنا مجال الحديث عنها".

التدخلات التركية

وعن أسباب التدخل التركي في المنطقة، قال السيد الجفري "السبب يكمن في مصلحة سياسية لتركيـا تدفعها لإرساء مـداميك نفوذ لها في مواجهة المنافسة التقليدية بينها وبين إيران؛ علاوة على أن تركيا كانت صاحبة نفوذ ووجـود كبيرين في الجزيرة العربية حتى الحرب العالمية الأولى؛ وترى نفسها حامية المذهب السني المعتدل في مواجهة المذهب الشيعي والسلفية السنية المتطرفة.. وهنـا أكـاد أرى طرفين أحدهما غائـب وإن وجـد لا يحسن تقـديم نفسه.. والآخر خفي ويلعب من وراء الستار ويوظف الصراع التنافسي على النفوذ بين القوى الإقليمية لصالحه من خلال تقديم هذا الطرف لإخافة الطرف الآخر.. كل ذلك للمزيد من إحكـام السيطرة على اللاعبين المحليين والإقليميين.. هذا في تقديري باختصار معنى الوجود التركي.. فالعربي غائب، غائب، غائب.. وهنا بكل وضوح يتمثل نتائج انحسار نفوذ مصر العربية ليس فقط في محيطنـا الـعربـي بـل والافريقي.. وهنـا أجـد نفسي أردد شطر البيت هذا (وفي الليلـة الظلماء يفتقد البدر)".