"طهران وخيارات الحرب الجديدة"..
تحليل: "إيران".. كيفية تجهيز طائرات "أف-16" بالأسلحة النووية
في خضم الجدل الدائر حول قدرة إيران على صنع أسلحة نووية، تتمثل الحجة المقدمة غالباً بأنه حتى لو نجح النظام في تنفيذ اختبار نووي، فإن تصميم رأس حربي صاروخي قابل للاستخدام لا يزال يتطلب ما يقدر بعامين من العمل الإضافي. وبالفعل، قد يكون تطوير رأس حربي قادر على تحمل الإجهادات ودرجات الحرارة لإعادة الدخول في الغلاف الجوي معقداً من الناحية الفنية تماماً كتصميم قنبلة نووية من النوع المتفجر داخلياً.
ومع ذلك، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار احتمال استخدام إيران لطائرة بدلاً من صاروخ كمنصة إطلاق. ففي النهاية، كانت هذه هي الطريقة المستخدمة لإلقاء أولى القنابل الذرية على اليابان ولأجزاء كبيرة من القوات النووية التي طورتها الدول القادرة في السنوات اللاحقة. لكن اليوم، لم يعد استخدام الطائرات مفضلاً لأنه يمكن اعتراضها بسهولة، كما أنها تثير العديد من قضايا القيادة والتحكم؛ وبدلاً من ذلك، أصبحت الصواريخ ذات الرؤوس النووية تهيمن على الترسانات الحديثة. لكن الأساليب الجوية قد لا تزال جذابة لإيران، حيث يمكن حتى لطائرة مقاتلة أن تحمل سلاحاً نووياً تكتيكياً صغيراً نسبياً بل قوياً ومخصصاً للاستخدام في ساحة المعركة (على الرغم من أن النظام الإيراني يفتقر إلى القاذفات الثقيلة اللازمة لنقل وإطلاق أسلحة استراتيجية).
وفي هذا السياق، تُعتبر المقارنة مع باكستان في محلها، علماً أن هذه الدولة هي مصدر تكنولوجيا التخصيب الأصلية بأجهزة الطرد المركزي الذي تملكها إيران. فبحلول عام 1984، كان برنامج إسلام آباد النووي قد أحرز تقدماً ملحوظاً لدرجة أن مدير البرنامج الراحل الدكتور عبد القدير خان أبلغ الديكتاتور العسكري محمد ضياء الحق أنه نجح في تصميم سلاح تم اختباره على البارد، مستبدلاً التنجستن باليورانيوم العالي التخصيب الذي يُستخدم لصنع قنبلة فعلية. وأسفر البرنامج أيضاً عن إنتاج مخزون صغير من المواد النووية المخصبة.
وكانت واشنطن على دراية بالتقدّم الذي تحرزه باكستان وزاد قلقها من إمكانية استخدام مقاتلات "أف-16" التي زودتها الولايات المتحدة في قوة ضاربة نووية ناشئة لمواجهة الهند، التي نفذت ما سمّي بـ"تفجير نووي سلمي" في عام 1974. وفي مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" عام 1985 بعنوان "الولايات المتحدة تحث ضياء على التخلي عن التركيز العسكري في طلب المساعدة التالية"، نقل الكاتب عن مسؤولين استخباراتيين قولهم إن "باكستان تعمل على تصنيع قنبلة ذرية يمكن إطلاقها من مقاتلة أف-16". كما أشار المقال إلى أن إسلام أباد "أعربت عن اهتمامها... بأحدث نماذج قاذفات القنابل من نوع "أف-16" وأدوات التحويل لجعل طائرة ركاب من طراز بوينغ 707... ناقلات تتزوّد بالوقود أثناء الطيران".
ويذكر الكتاب الجديد "Compulsions of Power" ("التزامات السلطة")، الذي يتضمن مقابلات مع نائب قائد الجيش السابق في عهد ضياء الحق، الجنرال ميرزا أسلم بيك، المتقاعد حالياً في راولبندي، المزيد من التفاصيل حول قدرات باكستان الأولية. ويشير أحد مقاطع الكتاب أن خان "نجح في تطوير نظام إطلاق... يمكنه حمل أسلحة ذرية وإطلاقها نحو نقاط مستهدفة بواسطة طائرات "أف-16". وفي وقت لاحق، ادّعى بيك أن "تجربة نظام الإطلاق نجحت في آب/أغسطس 1987".
وفي عام 1988، أصبح بيك القائد العسكري الأعلى في باكستان بعد وفاة ضياء في حادث تحطم غامض لطائرة برفقة السفير الأمريكي أرنولد رافيل، والملحق العسكري الجنرال هربرت واسوم وغيرهم. ورغم أن بيك تقاعد بعد ثلاث سنوات فقط، إلا أن دعمه المتصوّر لإيران بقي مصدر إثارة للجدل. فعلى سبيل المثال، بعد مقتل قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار في كانون الثاني/يناير 2020، بدأت صورة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي تنتشر على موقع "تويتر" يظهر فيها بيك بالزي العسكري وهو يصافح سليماني الشاب، الذي زُعم أنه كان يزور باكستان لتلقي التدريب. وتشمل السيرة الذاتية الجديدة صورة مشابهة للرجلين واقتباساً لبيك مفاده: "في الواقع، زار وفد من «الحرس الثوري الإسلامي» باكستان في عام 1989 برئاسة الجنرال محسن رجائي". وكان [سليماني] معهم أيضاً".
وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات علنية على أن إيران تعمل على نظام إطلاق باستخدام الطائرات، إلا أن الاحتمال يستحق المناقشة نظراً لأن طهران تملك الطائرات اللازمة لهذا الغرض ومن المعروف بأنها عملت عن كثب مع باكستان في مجال التكنولوجيا النووية والشؤون العسكرية. وتُعيد سيرة بيك الذاتية أيضاً طرح السؤال حول ما إذا كان الدكتور خان - الذي دُفن في تشرين الأول/أكتوبر مع مرتبة الشرف العسكرية الكاملة وإكليل من الزهور من رئيس أركان الجيش الحالي - هو فعلياً الناشر المارق للتكنولوجيا النووية أو شخصاً عمل بتشجيع من بعض الجهات العسكرية والحكومية على الأقل.
مدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.