تولستوي وسعادة الأسرة
لماذا مازلنا نقرأ الأدب الروسي بمتعة وانبهار؟

الأدب الروسي

يراودني سؤال كلما قرأت رواية من الأدب الروسي ( لماذا مازلنا نقرأ الأدب الروسي بمتعة وانبهار؟) بالتأكيد إن ماتميز به الكُتاب الروس في القرن التاسع عشر من قوة الأسلوب والوصف الواضح للتجربة البشرية والعواطف الإنسانية هو ماجعلنا نستمتع بقراءة الأدب الروسي، والمؤلف الأدبي العظيم هو الذي يستطيع إجتياز حدود الزمان والمكان ومؤلفات الأدباء الروس مثل دستويفسكي وتشيخوف وتولستوي وتورغينيف إستطاعت النفاذ إلى ما بعدهم من عصور والتأثير على مشاعر ووجدان إجيال متعاقبة من الناس ورغم أن عشرات السنين تفصلنا عن الأدب الروسي الكلاسيكي
إلا إن الأهتمام به لاينضب، كذلك تحتل الرواية الروسية مكانة بارزة وتعتبر من ارقى فنون الأدب ليس في التاريخ الروسي فحسب بل في كل تراث الأدب العالمي.
( فهمت إن كل إنسان لايحيا بتدبيره لنفسه بل بالحب)
رغم وفاة والديه في صغره لكن أهتمام تولستوي بالأسرة أنعكس في كتاباته وفي حياته الشخصية ، فقد ولدَ تولستوي في طبقة لم تقدم في الغالب كتاباً بارزين لكنه كاتب له العديد من الأعمال الأدبية التي تعد من بين الأعظم على مر التاريخ ومن بين أهم أعماله رواية سعادة الأسرة الصادرة عن دار ( أقلام عربية) بترجمة مختار الوكيل.
هل يستمر الحب بنفس القوة بين الزوجين لصعوبات الحياة دور في تغيير حدة الحب بين الطرفين ؟ وهل لفرق السن بين الزوجين تأثير على الحب؟
تتولى سرد القصة ( ماشا) بطلتها الفتاة التي تقع في حب ( سيرجي ميخاليس) صديق العائلة ، في البداية يحاول سيرجي التصدي لهذا الحب بسبب فارق السن بينه وبين ماشا فهو يبلغ من العمر ستة وثلاثون عاماً بينما هي سبعة عشر عاماً إلى أن يستسلم لجمالها وشبابها ويعلن رغبته للزواج منها رغم خوفه من فرق العمر بينهما .
«واجهت الكثير في حياتي، أظنّ أنني وجدت عناصر السعادة: حياة هادئة منعزلة في الريف، نبذل فيها ما في طاقتنا، كيفما تكون أكثر نفعًا للناس الذين تسهل عليهم مكافأتنا بالعمل الطيّب المخلص، والذين لم يعتادوا أن يُقابلوا بمثل أعمالهم الطيّبة، ونؤدّي من الأعمال ما نرى فيه فائدة، ثم الرياضة والطبيعة والكتب والموسيقى وحبّ الجيران، هذه هي فكرتي عن السعادة، ثم أنتِ في رأس القائمة، شريكة الحياة، ثم أطفالنا فيما بعد... كيف يمكن أن يطمع المرء بأكثر من هذا؟».
( كان همي الوحيد أن أفهم نظرته إلي . كان يرى أنني أفضل امرأة في هذا الوجود كان يعتبرني حائزة لأنبل الفضائل الممكنة، ولقد حاولت على الدوام أن أصبح تلك المرأة في نظر أفضل رجل ).
تتزوج ماشا سيرجي ميخاليس وتعيش معه في قصره في الريف مع والدته وتبدأ الحياة الرتيبة بينهم فالزوج مشغول بأعماله بينما هي تعيش نفس الحياة المُملة يومياً وتصارح زوجها بمللها فيقرر إن يذهبان برحلة إلى بطرسبرغ
لقد كنت انشد الحركة ، ولا اتطلب الوجود الخامل الهادئ، كنت أتوق إلى المغامرات والمخاطر بل كنت احب أن أضحي بذاتي في سبيل حبي
وفي المدينة تنغمس ماشا في المجتمعات الراقية والحفلات الراقصة ، يحاول سيرجي منعها اول الأمر لكنها تتمسك برغبتها في البقاء في المدينة وعدم العودة الى الريف حيث الحياة الرتبية
كنت أشعر بالكبرياء ، والخيلاء ، حينما كنت أجذب نحوي كل العيون في الحفلات الراقصة، بينما يتركني هو سريعاً ليخفي نفسه في المعاطف السوداء ، كما لو كان يخجل من أن يعرف الناس عنه أنه زوجي.
وهنا تحدث الفجوة بين الزوجين ، والفرق بينهم ( العمر والخبرة ) خبرة سيرجي ميخاليس بالمظاهر الخداعة لرواد الحفلات في المجتمعات الراقية و قلة خبرة ماشا صورة لها إن هؤلاء أنبل الناس والطفهم وسرعان ما تكتشف حقيقتهم وتكتشف صدق كلام زوجها عنهم ..
( لقد كان ما فصل بيننا أشبه بخطيئة لا تمحى، فكأنه كان يحاكمني، ثم يتظاهر بالتودد إلي، ولكن لم يكن هنالك ما اسأله العفو من أجله . لم يعد يعطيني كل قلبه ، ويصغي إلي كما كان يفعل فيما مضى، ولكنه في نفس الوقت لم يعطه لمخلوق آخر ) ( هل ينتهي الحب ؟ )
بعد حب ثلاثة سنوات وطفلين هل ينتهي الحب ام يستقر هل تكون العلاقة بين الزوجين علاقة حب ام مودة ؟ هذا ماكان يقلق ماشاء حيال زوجها الذي لم تعد مشاعره كما كانت ، وهنا تقرر مصارحة زوجها بقلقها إزاء العلاقة فيجيبها أجوبة فلسفية تدل على براعة صاحب إنا كارنينا في توضيح أهمية سعادة الأسرة
( لاتحاولي أن تجعلينا نكرر الحياة ، لاتجعلينا نتصنع ، دعينا نشكر الله أن جعل حداً ونهاية لهذه العواطف والمفاجآت . ولقد نُزعنا من لذة حب الأستطلاع ، انتهى بحثهُ وحصلنا على جانب كبير من السعادة . والآن ، يجب أن نتنحى جانباً ونخلي الطريق له .
قال ذلك واشارَ إلى ( المربية) التي تحمل ( فانيا) ووقف لدى باب الشرفة وقال : هذه هي الحقيقة ياحبيبتي ! .
فكما يقال ( العائلة حين لايبقى أحد ).
ليو تولستوي: مؤلف وكاتب روسي، له العديد من الأعمال الأدبية التي تعد من بين الأعظم على مر التاريخ. ساهم تولستوي بشكل كبير-إلى جانب دوستويفسكي وتورغينيف-في النهضة الكبيرة التي شهدها الأدب الروسي خلال القرن التاسع عشر. كان له العديد من المواقف الجريئة مثل التخلي عن ثروته ومعارضة الكنيسة. وتحول في المرحلة الأخيرة من حياته ليغدو أشبه بزعيم أخلاقي وديني.