قصيدة..
قَمَرٌ مِثلَ لُؤلُؤةٍ مُعلّقةٍ فوقَ ليلِ الْيَمَنِ

العاصمة الجنوبية عدن

1-
قَمَرٌ
يَرسُمُ ظِلَّ الّلونِ
يَلعبُ في فُرشاةِ الضّوْءِ
يَرسُمُ بَحرًا وجَزيرةً
يَرسُمُ قَصرًا في صَنعاءَ... تسْكُنُهُ أميرةٌ...
وخَيالاتٌ بَعيدةٌ... تُطِلُّ مِنْ قَصْرِ غَمَدانَ...
2-
صحراءُ...
امرأةٌ كالرّيحِ مكشوفةُ الْوجهِ
صَعِدتْ إلى مَعابدِ الشّمسِ
حتّى احترقتْ في مواقِدِ الشِّعرِ والْحَنينِ
وانخفضتْ حتّى لامَسَتْ جدائلَ الّليلِ
ومَغيبَ الْأُفُقِ...
وجسَدَ الْأرضِ... وخَرَجتِ امرأةٌ
سمراءُ...
تُساهِرُ النَّجمَ حتّى ينامَ في ليلِ الْباديةِ
لَمَعَتْ... بَرَقَتْ... سَطعَتْ...
مِثلَ لُؤلُؤةٍ مُعلّقةٍ فوقَ ليلِ الْيَمَنِ...
وغَرِقَتْ...
غَرِقَتْ بالضِّياءِ ونَجْرانُ
تَغتَسِلُ بالضَوْءِ
وتَسطَعُ في بَهاءِ السّماءِ
وتَنامُ في بُحَيْرةِ الْفَلَكِ
3-
حَنيني ليسَ على حَجَرٍ
على رَسْمٍ على الْقِفارِ
حنيني لِمَنْ سكنَ الدِّيارَ...
خُذْني مَعكَ خُطْوتي في الْهواءِ
أضَاعَني قَدَري...
خُذْني...
أُجاوِرُ خُطُواتِكَ في ليلِ الْغُربةِ وَالتَّرْحَالِ
خُذْني معَكَ
أدْخُلُ خَيمةَ التّاريخِ
عَباءَتي الشّمسُ والصّحراءُ يدي...
وأصابعي أَودِيةٌ دائمةُ الْجَرَيانِ بالْحِبرِ والْكِتابةِ
خُذْني معَكَ
خُطْوتي في الْهواءِ
أَضاعَني قَدَري وبَيْني وبَيْنَ مملكتي
يقِفُ الْغَريبُ وقاطِعُ الطَّريقِ
والسَّيفُ والجلّادُ وَالْمِقصَلَةُ
ولَيْلٌ مِنَ الضّبابِ كثيفٌ...
4-
الْآنَ أدخلُ
منْ نافذةِ الْبحرِ إلى خليجِ عدنَ.
زُجاجةٌ منَ الْخَمرِ اَلْمُعَتَّقِ
في عُنُقِ مَضيقِ بابِ اَلْمَنْدَبِ...
لنْ تحتاجَ أنْ تَسْكَرَ حتّى تُوحِّدَ
ما بَيْنَ الرّونقِ والْجمالِ
وعَدنُ تتجسّدُ ما بينَ الْيابسةِ والْبحرِ...
سقطَ فَرَحُ الدّمعِ فوقَ عَدنَ
فوقَ إيقاعِ النّشيدِ
فوقَ مَحطّةٍ على طريقِ الْهِندِ
تَستقْبلُ الْعائدينَ بالْحريرِ
قلعةٌ مِنْ نسيجٍ وأنسِجةٌ مِنْ لونِ الْفرحِ
رَسمَةٌ للوحةٍ نُقِشَتْ بالدّمِ حتّى الْحُريّةِ
5-
قَمَرٌ
يا (امرأَ الْقيسِ) يَلْمَعُ مِثلَ السّيفِ
مِنْ غَربِ الْحِجازِ وشَرقًا في اَلْمَدَى
يَمانيُّ السّيفِ...
عَدَنِيُّ الرّمحِ والْقامةِ
وصَنعاءُ تَنزِلُ مِثلَ أميرةٍ
تَغسِلُ قدمَيْها في ماءِ الْبحرِ
وتَصعَدُ حيثُ يَرْقُدُ مَجدُ الشّمسِ ساجدًا
في صلاةِ حُريّةٍ يَتلوها الْفجرُ
5-
هنا كانُوا
هنا عاشُوا وتَسقُطُ قُرُنفُلةٌ في كُتُب التّاريخِ...
تَأخُذُني تَحمِلُني على أَجنحةِ الْوحيِ
عشَرةُ ملائكةٍ في خَمسِ عَرَباتٍ
وعِشرونَ جاريةً تسبَحُ بالْأبيضِ
وما بَينَ الْأبيضِ والرّيحِ
تَرْسُمُ الْجواري في فَراغِ الْفضاءِ
مَنطقةَ الْبحرِ الْأحمرِ
تَمُرُّ
مَنطقةُ الْبحرِ الْأحمرِ فوقَ يدي
تَصيرُ طيورًا تَطيرُ
تَحمِلُني على أجنحةِ الشّوقِ
أذوبُ في نُعومةِ
الْحريرِ... ... ...
أسمعُ موسيقى أسمعُ وَقْعَ
خُطُواتِ نَبِيٍّ
تَعبُرُ في وَهَجِ الْجنّةِ
6-
أُعلِنَ أنَّ الْأرضَ... لا تَستقرُّ في مكانٍ
وأنَّ بابَكَ مُغلَقٌ... وطريقَكَ إلى السّماءِ
عاصِفةٌ تَجرِفُ بَحْرًا
ما أغربَ الْبحرَ في مرآةِ الْإعصارِ
يَتدحرجُ مِثلَ الرّيحِ
ويَصعَدُ في قَبْضَةِ الْفضاءِ
ويَسقُطُ كأنَّ الْأرضَ تُغيِّرُ جلدَها
ويَحدُثُ الزّلزالُ
ها هوَ انفجارُ "سدِّ مأرِبَ"
يُعلنُ أنّ الْأرضَ واحدةٌ
وأنَّ النّبوءةَ توقيتٌ لزمنٍ آتٍ
وحدَهُ الْماءُ يُسمِّي الْأشياءَ بأسمائِها
يَخلطُ الرّملَ بالْأسماءِ
بالْعُرْفِ بالْعِرْقِ بالْجذرِ بالانتماءِ
الْماءُ يجمَعُ بَيْنَ الْأيمانِ وبَيْنَ الْكُفرِ
وبَيْنَ الْعَرَبِ الْبائدةِ والْعَرَبِ الْباقيةِ
الْعَرَبِ الْعاربةِ والْمُستَعرِبَةِ
7-
وغَربَ "صَنعاءَ"
جبلٌ يُعلِنُ حضورَ "النّبيِّ شعيبٍ" إلى مِدْيَنَ
الْآنَ أَمْزُجُ بَيْنَ طِباعِ الْخيرِ وفِعلِ الشّرِّ
بَيْنَ نوايا ربيعٍ يأتي
وجفافٍ يَغمُرُ نصفَ كوكبِ الْأرضِ...
يَمزُجُ ما بينَ الْأرضِ الْعَتَبةِ إلى السّماءِ
وما بَيْنَ الْأرضِ الْحكمةِ
قناديلَ كلامٍ في زَمَنِ النُّبوءاتِ
8-
سُبحانَ مَنْ رفعَ السّماءَ بِلا أعمِدةٍ
وبَسَطَ الْأرضَ وفَرَشَ ونقشَ ورَسَمَ
الصّحراءَ بِلوْنِ النّورِ
سُبحانَ مَنْ صَوَّرَ وَكَوَّنَ
وقالَ للشيْءِ كنْ فيَكُنْ
يكونُ... بحرًا ويكونُ... رمْلًا
وتكونُ هيَ صحراءَ
أخرجَتْ للعالمينَ نبيًّا
وتكونُ هيَ الصحراءَ
ممتدّةً كعروقِ يدي
مِنْ عَدَنَ إلى فارسَ إلى الْعراقِ إلى باديةِ الشّامِ
إلى بحرِ الْعَرَب إلى الْبحرِ الْأحمرِ إلى قلبي.