الهجمات الإرهابية الدامية..

تمدد نشاط الجهاديين إلى الدول الساحلية.. الخطر الإرهابي يداهم دول خليج غينيا

ظروف الحياة الصعبة يمكن بسهولة أن تدفع الأشخاص اليائسين إلى معسكر الإرهابيين

انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي مقطع فيديو لجهاديين يتكلمان الباريبا

واشنطن

تسود مخاوف جدية من أن يتمدد نشاط الجهاديين من مالي والنيجر وبوركينافاسو إلى الدول الساحلية على خليج غينيا مع تمدد الخطر الإرهابي غرب إفريقيا جنوبا من منطقة الساحل صوب الشريط الممتد من بنين إلى ساحل العاج.

وإزاء تزايد عمليات التوغل وأحيانا الهجمات الدامية في أطرافها الشمالية، تعمل بنين وتوغو وغانا وساحل العاج المطلة على خليج غينيا على تطوير ردها الأمني والسياسي.

لكن كيف يمكنها تفادي تكرار الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها دول الساحل المجاورة؟ ذلك هو السؤال المطروح في وقت استكملت فيه فرنسا الاثنين بدفع من المجلس العسكري الحاكم في باماكو، سحب قواتها من مالي حيث يتواصل تدهور الوضع الأمني كما في النيجر وفي بوركينا فاسو خاصة عند ما يسمى بـ"مثلث الموت" وهو المثلث الحدودي الذي يشهد اكثر عمليات الجماعات الجهادية دموية.

ومن بين الدول الساحلية هذه، دفع شمال بنين الثمن الأغلى إذ شهد عشرين هجوما على قوات الأمن منذ نشر الجيش فيه أواخر 2021.

وقال ضابط من بنين متمركز على الحدود مع بوركينا فاسو "ما نعيشه مروّع. نستيقظ كل صباح من غير أن ندري إن كنّا سنبصر اليوم التالي".

وفي نهاية يوليو/تموز طلب رئيس بنين باتريس تالون من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة إلى كوتونو، أن يساعده على حيازة المزيد من المعدات ولا سيما طائرات بدون طيار.

وأكد ماكرون في هذه المناسبة استمرار فرنسا في التزامها بـ"مكافحة الإرهاب" في غرب إفريقيا، مبديا في الوقت نفسه "استعداده" للمشاركة في اجتماع "مبادرة أكرا"، وهي الآلية المشتركة التي أطلقتها ساحل العاج وغانا وتوغو وبنين مع بوركينا فاسو عام 2017 لتعزيز تعاونها الأمني.

وأورد معهد "كونراد أديناور" الألماني أن "تدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو ومالي يجعل من شمال الدول الساحلية خط الجبهة الجديد ضد المجموعات المسلحة الناشطة في الساحل".

وفي توغو التي شهدت في مايو/ايار الماضي أول هجوم دمويّ على أراضيها، وفي غانا التي بقيت حتى الآن بمنأى من العنف رغم عمليات توغل وتجنيد المئات من السكان المحليين وفق تقرير للمعهد الألماني، ينتشر الجيشان في شمال البلدين منذ عدة سنوات. وفي ساحل العاج، لم تسجل أي عملية منذ عام، بعدما تعرض البلد لهجمات بين 2020 و2021.

غير أن "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد" المغربي حذر في تقرير صدر في أغسطس/اب بأن نشر قوات على الحدود "لن يكون مجديا، مثلما حصل في الساحل"، فأوضح واضعو الدراسة أن المجموعات الجهادية في منطقة الساحل "ليست جيوشا تقليدية" وهي تنتشر "من خلال بث أفكارها واستغلال استياء السكان" في هذه المناطق المهملة في غالب الأحيان.

ولفتت جانين إيلا أباتان الباحثة في معهد الدراسات الأمنية إلى أن الهجمات ليست سوى "رأس جبل الجليد". وقالت "أظهرت دراسات جرت في الساحل منذ 2019 أن المجموعات المتطرفة العنيفة كانت تتزود منذ ذلك الحين من الدول الساحلية، ليس بالوسائل اللوجستية والعملانية فحسب، بل كذلك بهدف التمويل".

وتابعت أن هذه المجموعات لا تحتل أراضي في دول خليج غانا بل تشن فيها "عمليات توغل" و"هجمات متطورة" لا يمكن تنفيذها إلا بناء على معلومات استخباراتية جيدة و"تواطؤ" عناصر محليين، فالتهديد الحقيقي يكمن في الواقع في عمليات تجنيد سكان محليين.

بدون تغيير جذري في النهج، فإن بنين والدول الأخرى سترى مواطنيها يتخذون القرارات ذاتها مثل جيرانهم في الساحل: سيتعاونون مع المتطرفين حتى يظلوا على قيد الحياة

وقال ضابط في الشرطة في شمال بنين "ظروف الحياة الصعبة يمكن بسهولة أن تدفع الأشخاص اليائسين إلى معسكر الإرهابيين".

وتأكيدا على ذلك، انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي مقطع فيديو لجهاديين يتكلمان الباريبا، وهي لغة من شمال بنين، يحضّان فيه السكان على الانضمام إلى صفوف جماعتهما ويتوعّدان أي متعاونين مع الدولة.

وشددت أباتان على أنه "يجب على الدولة أن تلبي حاجات هؤلاء السكان، أن تجعلهم يشعرون بأن قوات الأمن تحميهم، وإلا فسوف يتجهون إلى هذه المجموعات لضمان حمايتهم".

وفي نهاية يوليو/تموز، حذرت منظمة العفو الدولية من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن في شمال بنين وتوغو، ولا سيما عمليات التوقيف والاحتجاز التعسفية. ومن المهم برأي الباحثة "معالجة الأسباب العميقة للتطرف العنيف".

وباشرت دول خليج غانا التحرك، فطبقت منذ 2019 تدابير لمنع ظهور التطرف. وفي بنين، أطلقت الحكومة مشاريع إنمائية تضمنت إقامة مراكز شرطة ومدارس ومستشفيات في المناطق المهملة من الدولة التي توجه اهتمامها تاريخيا ومنذ حقبة الاستعمار الفرنسي إلى الشريط الساحلي. والأمر نفسه حصل في ساحل العاج حيث تم استثمار ملايين اليورو.

لكن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يشدد على وجوب التخلي عن نشر قوات عسكرية على الحدود، معتبرا أن ذلك يزيد من معاناة السكان الذي يعيشون في فقر مدقع ويعتمدون على التجارة عبر الحدود لتأمين معيشتهم.

واعتبر المركز أنه "بدون تغيير جذري في النهج، فإن بنين والدول الأخرى سترى مواطنيها يتخذون القرارات ذاتها مثل جيرانهم في الساحل: سيتعاونون مع المتطرفين حتى يظلوا على قيد الحياة".