بدعم وغطاء من التحالف العربي..

"الاخوان".. خيارات ضئيلة بعد نجاح المجلس الانتقالي على الأرض

وشهدت العلاقة بين الحزب الإخواني والسعودية تحولا منذ أبريل الماضي، حينما قررت الرياض بدعم من مجلس التعاون الخليجي وبتوافق يمني داخلي، إسناد صلاحيات الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادي رئاسي جديد يكون ممثلا للقوى الوازنة في اليمن.

حزب الإصلاح يترك الباب مواربا أمام فرضية التقارب السياسي مع الحوثيين.

عدن

لم يتوقف تنظيم الإخوان يوما عن خدمة الاذرع الإيرانية في اليمن، فالأيادي التي أدمنت العبث، تواصل إغراق محافظة تعز اليمنية بالفوضى وترهيب المنظمات.

ويواجه حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي احتفل مؤخرا بالذكرى الثانية والثلاثين لتأسيسه تحديات وجودية، مع تلاشي دوره السياسي داخل السلطة الشرعية في اليمن، وتآكل مراكز نفوذه العسكري في الجنوب، وقبلها في الشمال الذي بات معظمه تحت سيطرة الحوثيين.

وتبدو الخيارات ضئيلة أمام الحزب الذي نشأ في عام 1990 ويشكل الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لاسيما بعد نجاح خصمه المجلس الانتقالي الجنوبي في فرض سيطرته على دفة الأمور داخل السلطة الشرعية، بدعم وغطاء من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.

ويقول مراقبون إن هامش المناورة لدى الجماعة بات ضيقا للغاية، وهذا ما يدفعها إلى الخيارات اليائسة، كمحاولة الإيحاء بأن فرضية التقارب مع الحوثيين واردة وأن الإشكال الوحيد بين الطرفين يكمن في وجود أزمة ثقة.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن تعمد قيادي إخواني مؤخرا الكشف عن محاولات لوساطة تركية جرت قبل عامين بين حزبه وجماعة الحوثي، لم يكن بريئا أو مجرد تصريح عابر غير مدروس، بل هو في واقع الأمر رسالة إلى التحالف العربي الداعم للشرعية ولاسيما السعودية، يفيد مضمونها بأن حزبه الذي سبق أن تحفظ على هذه الوساطة قد يجبر على أن يدفع بمثلها إن استمر نزيف الحزب.

ويتزامن نشر الإخوان الإرهابية للفوضى في تعز مع ذكرى "اليوم المشؤوم" أو "يوم النكبة" كما يقول اليمنيون ذاك الذي سقطت فيه صنعاء بيد مليشيات الحوثي في أكبر انتكاسة بتاريخ هذا البلد الفقير. 

ويصادف اليوم الأربعاء الذكرى الـ 8 لـ"نكبة الحوثي" التي حلت باليمن في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، في انقلاب جاء بدعم وتمويل وتدريب ومعدات من نظام إيران، تخللتها هجمات إرهابية دموية داخلية امتدت للسعودية باستخدام الصواريخ الباليستية والعبوات والألغام البحرية والمسيرات.  

وكشف القيادي وعضو البرلمان اليمني عن كتلة الإصلاح شوقي القاضي، في مداخلة تلفزيونية، أن جماعة الحوثي طلبت عبر السفير التركي قبل عامين عقد مصالحة مع حزب الإصلاح للتوقف عن القتال.

وأضاف القاضي “قلت حينها للسفير التركي إننا مكون من مكونات الشرعية ولا يمكن أن ننخرط في مفاوضات أحادية مع الميليشيات”.

واستدرك القيادي الإخواني بالقول إنه أبدى موافقة شخصية على التفاوض مع جماعة الحوثي مقابل ضمانات تركية على ما يتم الاتفاق عليه، إلا أن السفير التركي تراجع عن رأيه بعد تأكيده أن بلاده لا تستطيع ضمان تنفيذ أي اتفاق مع الحوثيين.

وأشار القاضي إلى أن مشكلة حزبه مع جماعة الحوثي هي مشكلة بناء ثقة، بعد نقض عدة اتفاقيات أبرزها مخرجات الحوار الوطني، مطالبًا الجماعة الموالية لإيران بإبداء حسن النية ورفع الحصار عن مدينة تعز وإطلاق سراح المختطفين، وعلى رأسهم القيادي في الحزب محمد قحطان.

وشهدت العلاقة بين الحزب الإخواني والسعودية تحولا منذ أبريل الماضي، حينما قررت الرياض بدعم من مجلس التعاون الخليجي وبتوافق يمني داخلي، إسناد صلاحيات الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادي رئاسي جديد يكون ممثلا للقوى الوازنة في اليمن.

وجاء هذا التحرك بعد أن ثبت فشل الرهان على الرئيس هادي في إدارة الصراع مع الحوثيين، وتفشي الفساد في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية، والذي يتحمل حزب الإصلاح الجانب الأكبر من المسؤولية عن ذلك، حيث كان المهيمن على السلطة ولا يستطيع الرئيس هادي اتخاذ قرارات مفصلية دون العودة إليه.

وتسعى أيادي الفوضى الإخوانية إلى إظهار المحافظات المحررة بما فيه تعز، على أنها بيئة غير صالحة لعمل وكالات العون والإغاثة الدولية في مخطط يستهدف إجبار المنظمات الدولية على العودة للعمل من مناطق مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة إيرانيا.

وفي محاولة متأخرة لطمأنة المنظمات، قالت شرطة تعز في بيان، إنها بدأت "بإجراء تحقيقات بالتنسيق مع النيابة، وقامت بضبط المتهمين الأساسيين في الاشتباكات التي خلفت قتلى وجرحى".

وعمد مجلس القيادة الرئاسي الجديد الذي يترأسه رشاد العليمي إلى إجراء تحويرات مست الحكومة والقضاء، واعتبر حزب الإصلاح أنها تستهدف تحجيم نفوذه. وعززت العمليات العسكرية التي شنت في محافظتي شبوة وأبين على أيدي قوات تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، مخاوف الحزب الإخواني الذي عمد إلى محاولة التشكيك في شرعية المجلس لإيقاف هذا النزيف الذي يتعرض له، لكن خطوته تلك قوبلت بصد من المجتمع الدولي.

وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال لقائه الاثنين رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، على دعم الولايات المتحدة للمجلس، وقبل ذلك كان سفراء الاتحاد الأوروبي أعربوا بعد اجتماع مع العليمي في الرياض عن “دعمهم القوي” للسلطة الجديدة وأكدوا على أهمية الحفاظ على وحدة المجلس.

ويرى متابعون للشأن اليمني أن المواقف الصادرة عن المجموعة الدولية أوصدت الباب أمام محاولات الإصلاح لضرب شرعية المجلس، كما أنها أدت إلى إثارة غضب السعودية، التي ترى أن ما أقدم عليه الحزب يضر بجهودها في حل الأزمة اليمنية المعقدة.

ويشيرون إلى أن الحزب قد يرى في التحرك باتجاه فتح قنوات تواصل سياسية مع جماعة الحوثي الخيار المر الذي قد يضطر إليه في المستقبل القريب لضمان نفوذه في اليمن، لكن هذا الخيار يبدو محفوفا بالمخاطر.

حزب الإصلاح سيكون مجبرا اليوم على التحرك ببطء شديد دون القيام بردود فعل قد تكون تكلفتها باهظة

ويقول المتابعون إن الإصلاح سيواجه بداية صعوبة في البحث عن وسيط إقليمي يقبل لعب هذا الدور ولا يخشى غضب السعودية، مشيرين إلى أن تركيا لا يمكنها أن تكون مثل هذه الجهة، حيث أن أنقرة تسعى جاهدة لإنهاء فجوة الثقة مع الرياض، ومثل هذه الخطوة قد تنتهي بها إلى عودة العلاقات مع الأخيرة إلى الوراء وهو ما لا يخدم مصلحتها.

وتحتضن تركيا عددا من قيادات الإصلاح التي تملك استثمارات عقارية ضخمة هناك، لكن مصادر إعلامية يمنية كشفت أن السلطات التركية قلصت مساحة تحرك تلك القيادات، وسط مخاوف من أن تعمد أنقرة إلى ترحيلها.

ويضيف المتابعون أن قطر التي تدعم حزب الإصلاح وتفسح لقياداته حرية الحركة واستغلال منابرها الإعلامية هي بدورها لا تريد أن تتخطى هذا الدعم، لأن ذلك سيجعلها في مواجهة لا تريدها مع السعودية.

ويقول المتابعون إن حزب الإصلاح سيكون مجبرا اليوم على التحرك ببطء شديد دون القيام بردود فعل قد تكون تكلفتها باهظة، بالتوازي مع عمليات جس نبض للحوثيين بدأ فعلا من خلال بعض أجنحته التي فتحت اتصالات مع قيادات حوثية للبحث عن أرضية مشتركة تراعي مصالح كلا الطرفين.

وعلى امتداد سنوات الحرب الثماني حصلت تقاطعات بين حزب الإصلاح والحوثيين، على أرض الميدان، وآخرها ما تعرضت له مناطق في شبوة قبل أن تستردها ألوية العمالقة الجنوبية، وربما سرع ذلك خطوات الرياض لناحية إعادة النظر في الدور المتعاظم للإخوان.

وقالت مجلة فورين بوليسي: "إن الحوثي لا يسعى للسلام في اليمن وطريق واحد لإجباره"

لكن الكثير من اليمنيين لا زالت تساورهم الشكوك تجاه مستقبل محادثات السلام مع الحوثيين، إذ يرون أن الحوثيين ليسوا جادين في السعي إلى حل سلمي للصراع، نظرًا لاستمرار عنفهم وخطابهم ضد خصومهم، وفقا لمجلة فورين بوليسي.

وأشار التقرير إلى أن الحوثيين لم يبدوا أي اهتمام بعملية سلام أو تسوية تفاوضية، ولم ينخرطوا في أي جهد لخفض التصعيد، حيث عبر الحوثيون في بياناتهم العلنية واجتماعاتهم الخاصة عن موقف متعنت يربط أي محادثات سلام بالاستجابة لمطالبهم مثل فتح مطار صنعاء، الذي يوفر لهم ميزة نسبية في حال تراجعوا عن تنفيذ جانبهم من الاتفاق.

ويرى التقرير أن هذا الموقف يثير تساؤلا أساسيا حول ما إذا كان الحوثيون مستعدين لتقديم تنازلات. فصعوبة التوصل إلى اتفاق بشأن تدابير إنسانية بسيطة، مثل تخفيف حصار مدينة تعز الذي دام سنوات، يجعل من الصعب التفاؤل بشأن استعدادهم لتقديم تنازلات في القضايا الأساسية المتعلقة بتقاسم السلطة والحكم ووضع نظام سياسي يمكن لجميع اليمنيين المصادقة عليه.

ورجح التقرير أن ترفض قيادة الحوثيين التوصل إلى تسوية سياسية لأن أي اتفاق لتقاسم السلطة سيجعل جزءًا كبيرًا من مؤسساتهم السياسية والاستخباراتية دون سيطرة كاملة، وهو ما يعني أيضًا خسارتهم قدرًا كبيرًا من القوة السياسية والاقتصادية التي تتوافر لهم.

أضف إلى ذلك، الانقسامات القائمة بالفعل بين أعضاء مليشيات الحوثي، وخاصة من جانب العناصر التي لا تشعر أنها مدينة بالفضل لإيران، وهي القضية التي أدت إلى انعدام ثقة داخلي، وهو الأمر الذي لا يريد الحوثيون أن يظهر للعلن، ومن ثم.فهم ليسوا مستعدين تمامًا لتسوية سياسية.

وعلى الرغم من سجل الحوثي الكارثي، فإن التخلي عن المفاوضات ليس خيارًا، لأن فشل المفاوضات قد يعني نتيجة أسوأ لمستقبل اليمن، كما أنه سيترك سلطة الحوثيين بلا منازع في المناطق التي يسيطرون عليها حالياً، وهو ما لا يصب في مصلحة اليمن أو المنطقة الأوسع، وبالتالي فإن القضية بالنسبة للحكومة اليمنية والمجتمع الدولي التي تدعم التوصل إلى حل تفاوضي للصراع هي كيفية ضمان التوصل إلى اتفاق سلام يتضمن بنودا فعالة لمنع انسحاب الحوثيين.

ويعتقد التقرير أن موجة التقارب التي شهدتها المنطقة في الآونة الأخيرة تؤدي إلى زيادة احتمالات نجاح المفاوضات، فعودة سفير كل من دولة الإمارات والكويت إلى طهران، وكذلك المقترحات السعودية لتفعيل الحوار الثنائي مع إيران إلى المستوى الوزاري، توفر قنوات ثنائية للتواصل مع النظام الإيراني، وفرصة للضغط من أجل التعاون الإيراني في المفاوضات السياسية اليمنية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة. وبالمثل فإن إحياء الاتفاق النووي الإيراني يمكن أن يعمل أيضًا على خفض التوترات الإقليمية وتحسين احتمالات نجاح المفاوضات.

ولم يتضح ما إذا كانت الحكومة الإيرانية تملك الرغبة أو القدرة على الضغط على الحوثيين للتوصل إلى حل سياسي في غياب التزام الحوثيين، ولكن حتى قرار طهران بسحب عناصر الحرس الثوري وحزب الله (اللبناني) من اليمن، فضلاً عن إنهاء إمدادات الأسلحة للحوثيين - والتي تستمر على الرغم من وقف إطلاق النار - ستكون كافية لإمالة التوازن على الأرض نحو اتفاق سياسي.

وأخيرا، ستكون مجموعة أصدقاء اليمن، التي تضم ما يقرب من 40 حكومة ومنظمة دولية تشكل أقرب شركاء اليمن الدوليين، عنصرًا أساسيًا في المشاركة الدولية لدعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتعزيز الانتعاش السياسي والاقتصادي والأمني لليمن في المستقبل.