الاقتراب من سيناريو الحرب طويلة الأمد..
الحرب الروسية الأوكرانية.. هل انعشت حركة الجماعات الإرهابية في "أفريقيا وآسيا"؟
تتزايد أنشطة تنظيم داعش في شرق أفريقيا مهددًا الاستثمارات الاقتصادية والإستراتيجية بالمنطقة، إلى جانب تحفيز منافسات إقليمية مع تنظيم القاعدة ما يؤثر على الاستقرار وتشتت قوى الأمن.

الحروب وما يترتب عليها من آثار اقتصادية وأمنية على رأس العوامل التي تصب في صالح التنظيمات الإرهابية
أدت الحرب الروسية الأوكرانية، إلى حدوث انتعاش في حركة الجماعات الإرهابية في قارتي أفريقيا وآسيا، في ظل انشغال القوى الدولية والإقليمية بالحرب، وذهاب شحنات أسلحة عن مسارها في جبهة القتال، متوجهة إلى مخازن الإرهابيين.
بفعل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أهمل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ملف الإرهاب في قارتى آسيا وافريقيا، حيث عاود الانتشار بقوة في عام 2022، بل يواصل تهديداته مع مطلع 2023، مع الانتشار المكثف لتنظيماته في غرب إفريقيا، وضربات تنظيم «داعش» في العراق وأفغانستان الأيام الأخيرة.
وتأتي الحروب وما يترتب عليها من آثار اقتصادية وأمنية على رأس العوامل التي تصب في صالح التنظيمات الإرهابية، لا سيما مع قدرة الجماعات على توظيف الأزمات لصالحها، مستغلة تضارب مصالح الدول الكبرى.
ويرى مراقبون أن القارة الإفريقية وأفغانستان، إلى جانب العراق، صارت أرض العمليات المركزية لتنظيم «داعش» في العام المنصرم 2022، وخلال العام الجديد 2023.
وبدلًا من أن يستغل العالم، حالة الاقتتال بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة» على النفوذ، انغمست واشنطن في حرب أوكرانيا ما صنع أزمات أكثر قوة عالميًّا، تضاف لمضار الحرب.
وارتفعت معدلات هجمات «داعش» في وسط إفريقيا وفي الجنوب، خاصةً دولة موزمبيق، بمعدل 50 بالمائة في عام 2022 مقارنةً بسنوات سابقة.
كما ارتفعت نسبة عمليات «داعش» في مناطق غرب إفريقيا بواقع 20 بالمائة.
ويمتلك «داعش» أكثر من فرع في غرب إفريقيا وآخر في منطقة الساحل والصحراء الكبرى.
وجاء خروج فرنسا العسكري من غرب ووسط إفريقيا وانشغال روسيا بحربها ضد أوكرانيا، ليجعلا الساحة شبه خالية لتنظيم «داعش» وبقية التنظيمات المتطرفة.
ومع اقتراب المعارك في أوكرانيا من سيناريو الحرب طويلة الأمد، تلوح دول الغرب بمواجهة أزمة في حجم الأسلحة الموجودة في مخازن دول حلف شمال الأطلسي ناتو؛ وهو ما ينعكس مستقبلًا على قدرتها على مواجهة التهديدات الإرهابية على أراضيها وفي الخارج.
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021م، مع انهيار الحكومة السابقة المدعومة من الغرب وانسحاب آخر القوات الأمريكية من البلاد. كما قلصت الدول المانحة المساعدات المالية لأفغانستان، وجمدت الولايات المتحدة أكثر من تسعة مليارات دولار من الأصول الخاصة بأفغانستان بالعملة الصعبة. الأمر الذي انعكس على الأوضاع الإنسانية بالبلاد علاوة على ضعف الإمكانيات في التعامل مع ملفات الجماعات المسلحة، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.
بعد وصول حركة طالبان للسلطة تباين نشاط تنظيم داعش الإرهابي في أفغانستان، فقد بدأ نشاطه مبكرًا، باستهداف مطار كابول بعد ساعات من إعلان طالبان الاستيلاء على السلطة في 15 أغسطس 2021م، وأدت العملية إلى سقوط عشرات الضحايا بينهم 10 من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الهدف من هذه العملية إثبات أن الأراضي الأفغانية ليست تحت سيطرة طالبان وحدها، وأن هناك جهات أخرى لم تكن في الحسبان.
وكثف التنظيم الإرهابي ضرباته ضد الأبرياء باستهداف مستشفى كابول العسكري وعدد كبير من مساجد الشيعة والصوفية وصلت إلى إقليم قندهار ذاته، كما بدأ في اتخاذ عناصر حركة طالبان أهدافًا له، في عمليات فردية وجماعية وأسقط من بينهم العشرات بين قتيل وجريح في مناطق متفرقة من البلاد، كما لم تسلم الحدود الأفغانية الباكستانية من عمليات التنظيم الإرهابي.
ثم تراجعت عمليات التنظيم في النصف الأول من عام 2022م، وبدأت تظهر تصريحات متناقضة حول مخاطر التنظيم الإرهابي في أفغانستان من قبل الحكومة المؤقتة لحركة طالبان، ورغم تصاعد العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم داعش الإرهابي بشكل متزامن على الأراضي الأفغانية، والتي وصلت إلى أكثر من 40 عملية- وفقًا لصحيفة النبأ الناطقة باسم التنظيم في عددها الصادر بتاريخ الخميس 16 ديسمبر 2021م- فإن المتحدث الرسمي باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، خرج أكثر من مرة ليقلل من تأثير داعش ولاية خرسان، ويؤكد أنها تحت السيطرة.
وقال مجاهد في مؤتمر صحفي عقد بالعاصمة كابل في 10 نوفمبر 2021م: «إن التنظيم لم يعد يشكل تهديدًا كبيرًا بعد اعتقال 600 من عناصره والمتعاطفين معه منذ أغسطس، وصار تحت سيطرتنا بطريقة أو بأخرى... لم يعد يشكل تهديدًا كبيرًا». الأمر الذي أثار موجة من الجدل واتهامات لطالبان بالتواطؤ مع الحركة بعد عدم تمكنها من الحصول على الاعتراف الدولي من قبل الأمم المتحدة.
لتعود الحركة إلى استخدام ورقة داعش للضغط على المجتمع الدولي، بأنها ليس لديها إمكانيات للسيطرة على التنظيم الإرهابي، مما يشكل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وأن ذلك سيؤدي إلى عدم قدرة الحركة على الوفاء بتعهداتها التي التزمت بها في اتفاق الدوحة.
غير أن الواقع الذي تعيشه أفغانستان اليوم تحت حكم طالبان يؤكد أن هناك أزمة حقيقية يعيشها الأفغان بسبب العقوبات الاقتصادية التي تهدد الشعب بالجوع وانعدام الأمن والاستقرار، وهو ما اعترفت به بعض المؤسسات الرسمية والدبلوماسية.
فقد أكد نائب وزير الخارجية الروسي أوليج سيرومولوتوف في مقابلة مع وكالة (تاس) السبت 28 يناير 2023م أن نقص الأموال الناجم عن العقوبات الغربية يحد من قدرة السلطات الأفغانية على محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وشدد سيرومولوتوف على أن روسيا تدرك أن إمكانات السلطات الأفغانية محدودة بسبب النقص التام في الأموال الذي نتج أولًا وقبل كل شيء عن القيود المالية غير القانونية لواشنطن وما شابه ذلك".
وأكد أن تنظيم داعش يشكل تهديدًا خطيرًا لأفغانستان ودول المنطقة وبالتحديد دول آسيا الوسطى. مشيرًا إلى أن التنظيم: «يسعى إلى الحصول على موطئ قدم على الأراضي الأفغانية وتشويه سمعة السلطات الحالية في البلاد ، مما يبرز عدم قدرتها على ضمان الأمن الكامل».
وتتزايد أنشطة تنظيم داعش في شرق أفريقيا مهددًا الاستثمارات الاقتصادية والإستراتيجية بالمنطقة، إلى جانب تحفيز منافسات إقليمية مع تنظيم القاعدة ما يؤثر على الاستقرار وتشتت قوى الأمن.
على الرغم من مظاهر الفقر والعوز المادي الذي تبديه قارة أفريقيا، فإنها تحظى بثروات طبيعية منها ما لم يكتشف بعد، ومنها ما يُسرق عبر عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية وكذلك الأطماع الدولية.
فيما تمهد الصراعات الطائفية والاضطرابات السياسية في المنطقة لتزايد تغلغل الجماعات الإرهابية في المنطقة، إذ يعمق تنظيم داعش نفوذه في موزمبيق ممتدًا نحو زامبيا ومنهما إلى شرق وسط القارة مؤسسًا ولايات جديدة في المنطقة تنشر العنف لصالح أهدافه الخاصة، بينما استطاع تنظيم القاعدة تأسيس فرع عنيف له في القرن الأفريقي عن طريقة حركة الشباب الموجودة في الصومال.
تحظى منطقة شرق أفريقيا بثروات متنوعة أبرزها احتياطيات الغاز الطبيعي التي توجد في موزمبيق، ويعبث تنظيم داعش مُهددًا الاستثمارات المختلفة في هذا المجال، إذ تشن عناصر التنظيم هجمات متفرقة على مواقع التنقيب عن الغاز والعاملين بها، إذ أعلن داعش مسؤوليته في نوفمبر 2019 عن استهداف شاحنة تابعة للمناجم ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، كما قتل التنظيم اثنين من رعايا روسيا من العاملين بحقول الغاز في أكتوبر 2019.
وأدت الهجمات المتكررة على مواقع التنقيب عن الغاز إلى خروج الاستثمارات الفرنسية من السوق، ففي أبريل 2021 أعلنت شركة توتال للنفط انسحابها من مشروعات الغاز في موزمبيق، وكان حجم استثماراتها يبلغ نحو 20 مليار دولار، وذلك نتيجة عنف داعش في المنطقة، وكان حصار مدينة بالما بشمال شرق البلاد في 26 مارس 2021 من أبرز الوقائع التي أسهمت في عزوف الشركة عن الاستثمار في البلاد.
وعبر فرعه في موزمبيق أسهم داعش في هجمات ضد عناصر الأمن بتنزانيا، ففي 24 أكتوبر 2020 شن التنظيم هجومًا عبر 300 من عناصره ضد مركز شرطة في منطقة قريبة من الحدود الجنوبية مع موزمبيق، ما يشير إلى تنامي جديد للتنظيم في المنطقة، وتحظى تنزانيا باستثمارات أجنبية في مجال الموانئ وتعد الصين أبرز المستثمرين في هذا الإطار، إذ وقعت حكومة البلاد في 2014 اتفاقًا مع الشركة الصينية القابضة لتشييد ميناء جديد وشبكة للسكة الحديد باستثمارات بلغت 10 مليارات دولار، ومن جهته يهدد فرع القاعدة في الصومال استثمارات الملاحة البحرية في القرن الأفريقي وكذلك عمليات صيد الأسماك.
تؤثر العمليات الإرهابية المتواترة في المنطقة على الصورة الذهنية التي تسعى الجماعات لنشرها عن نفوذها، فنظرًا للتراجع الأمني والسياسي، ينفذ التكفيريون هجمات عنيفة تخلف الكثير من الضحايا وهو ما يستخدم فيما بعد للترويج لقوة التنظيمات في المنطقة إلى جانب إحداث مزيد من عمليات التجنيد لصفوفهم.
ويحرص تنظيم داعش على تغطية أخبار عناصره في شرق أفريقيا عبر دورية النبأ التابعة له، وذلك بما يُظهر استفحالًا لنفوذه متعمدًا نشر صور دموية للضحايا كقطع الرؤوس وغيره، إلى جانب التركيز على مشاهد قتل رجال الأمن بما يوحي بسيطرة إرهابية في المنطقة.