"العقل الاستشراقي ومكونات الازمة"..
المستشرق برنارد لويس.. الدين والقتل العمد في الشرق الأوسط (قراءة تأريخية)
العقل الاستشراقي يرى في تاريخ الشرق مكونات الازمة وهو ما يطرحه عند زاوية من الرؤية الصراعات السياسية تستخدم الدين في تبرير جرائمها حتى تكسب شرعية المقدس
لها عدة اطروحات ومواقف من قضايا الحضارة العربية الاسلامية والشرق الاوسط في الراهن ، وهي بقدر ما تتحرك على مساحات من جغرافيا الوعي السياسي _ التاريخي لا تخلو من تفسيرات العقل الموجه ايديولوجيا ، وهو ما يحدث التصدع بين الالتزام بحالة الموضعية عند القراءة لواقع الحدث وبين الرغبة في البقاء عند حدود معينة من الانتماء الذي يشكل المراقب العقائدي والسياسي لصناعة النظرة نحو المغاير.
عندما تدخل في دائرة الحوار مع افكار وتصورات وهو من اهم علماء التاريخ العربي _الاسلامي ، علينك ادراك ان الانحياز له حضوره وهو ما يدخل وضعية اطلاق الاحكام على مجريات التاريخ الاسلامي عند نقطة تعلو فيها عملية تضخيم المغاير في فعل الجرائم وكانه هو الاوحد والمفرد في فرض هذا الرد القاهر .
اما الدائرة التي يقف عليها فكر صاحب هذا الموقف كأنها لم تقع في نفس المحن والتجارب التي عرفتها كل الشعوب والاديان والمذاهب عبر حقب الازمة المختلفة.
الدين والقتل العمد في الشرق الاوسط تلك رؤية تدخل في اطار ما قدمته هذه العقلية الكبرى عبر قراءات تقف من درجة تعاملها مع هذا التاريخ وقوة الفكر الاستشراقي هنا يخدم حركة تعزيز هوية الجريمة في المقدس لتصبح الية العمل تتحرك حسب توجه بوصيلة الانتقام وعند وقوع الفعل يتحرك الى مثل اعلى هنا تنقل الجريمة من درجة الادانة الى معرج القداسة والرمزية في الفداء لمجد المثل العليا .
مما يطرحه علينا برنارد لويس في هذا الامر قائلا: في القرون الاولى للعهد الاسلامي وابتداء من القرن الثامن سيصبح القتل الديني العمد امرا متكررا ، كما سنجد الظاهرة الغربية اللافتة للنظر للفرق الدينية التي تمارسه باعتباره فرضا دينيا وهناك ملامح كثيرة مميزة لهؤلاء مثل التخصص في اسلوب بعينه للقتل وهو امر له مغزاه الطقوسي السري المقدس تقريبا .
احدى جماعات الاغتيال كانت تقتل ضحاياها خنقا وهنا تشابه واضح وربما صله بالمجرمين الهنود المحترفين
لم يكن اشهر القتلة من الحشاشين من الحشاشين يستخدمون سوى الخناجر ، الغريب انهم يتجنبون استخدام السم او الاسلحة النارية وغبرها من الوسائل الامنة نسبيا للتخلص من خصومهم كان التماس المباشر بين القاتل والضحية أمرا مهما مثلما كان عامل للتضحية بالنفس ).
من سرديات التاريخ يختار هذا المستشرق احداثا وقعت في اطار ظروف ازماتها حيث تحولت السلطة كما يرى في الدولة الاسلامية منذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان عام 656م المهاد الفاعل بكل ما جاء بعد ذلك من جرائم كانت الصراعات الدينية القوى المحركة فيها ومن عوامل قلب المراحل حتى ذهب صرح الحكم الاسلامي نحو السقوط .
هو في طرحه هذا يرى في الجريمة حالة تتجاوز مع تطهير النفس من الخطايا عبر قتل الاخر , ودرجة من عبور الذات من ثم الى التوبة فعل القتل طالما هو يخرج بأمر ديني ، فقد تلبس كل صفات القداسة حتى لو تطلب الحال الفناء التام مع الضحية .
هو بما يرى يسجن الحدث في قوالب جاهزة مع سبق الاصرار في استخدام وسائل تغتال مسببات لما جرى ربما ليست لها صلة بقواعد الدين وقد تكون ادخلت عبر مذاهب وعقائد طوعت لخدمة هدف سياسي .
وطالما اسست السلطة على جوهر المقدس كان لابد من اعتماد القتل احد\ اركانها عند بعض الفرق الطائفية والمذهبية حتى تحولت الى ظاهرة فاعلة لا يتم الخلاص من حاكم او معارض وصاحب فكر مغاير الا بها .
وهو ما فتح اوابا من الخراب والفوضى والتآمر على كيان الخلافة الاسلامية .
لقد لعبت حالات السطوة الروحية في هذا الاتجاه اخطر الادوار ، فكانت عمليات غسل الادمغة لمن يتم دفعهم نحو القتل باسم خدمة الدين الاسلامي , ربما يكون تنفيذ العملية واغراضها ليست مفهومة او واضحة لمن يقدم عليها ولكن واجب الطاعة المقدسة قد تسرب الى عمق الذات وجعلها تابعة لما فرض عليها .
يرى برنارد لويس بفرقة الحشاشين ،نموذجا وهي اسست على يد حسن كامل الصباح الحميري المتوفية عام 1124م والمولود في قم بلاد فارس ، من اهم الفرق التي مارست القتل السياسي باسم الدين وربما يرى فيها البدايات لبناء صرح الجريمة السياسية المرتبطة بالدين ، لها مراتب وتعاليم وطقوس وقيادة ورجال فداء وربما اقدمت عله من افعال ارسلت ظاهرة لها تاريخ في الحضارة الاسلامية ظلت لحقب تأثيرها فاعلا حتى اوجدت اختلالا مرجعيا لمن جاء بعدها من تنظيمات سياسية _ دينية .
هنا اقتباسان من مصادر العصور الوسطى قدمها لنا برنارد لويس الاول للشاعر عمر الخيام الذي عاش في القرن الثالث عشر وكان من المؤيدين لجماعة الحشاشين وربما كان له انتساب فيها حيت يقول : ( عندما تحين ساعة النصر يا اخواني ... آنذاك ... فان مقاتلا واحد يسير على قدميه قد يلقي الرعب في قلب ملك لديه الف فارس )
انها تعتبر نفسي عن قدرة الالتزام بطاعة الغرض ، وهي ليست قادمة من عتبات الماضي ، وان كانت وليدته ، بل فاعلة في الحاضر بقوة دافعة لمزيد من الذهاب ننحو اعلان مثل تلك الحروب .
الادارة في هذا الموضوع سلاح تحدي، وعندما ترسم خطة لضرب ذات تصبح العزيمة قادرة على خلق شحنات من الحقد نحو القصد تعادل موقف اكبر عدد من جنود الملك .
الحاجز النفسي للخوف سقط طالما عبر الجريمة تذهب الروح المنفذة نحو نعيم المقدس .
السياسة في صراعاتها لم تغفل هذا الجانب ،لعبت هي على وتر التضحية في سبيل مجد الوطن والامة ورفعت الجريمة الى منزلة القداسة.
اما في الجانب الثاني يرى برنارد لويس عندما كانت جماعة الحشاشين تمارس ارهابها ضد كل من الصليبين وأمراء الشرق الاوسط ، لم تكن تتعرض لكل فرسان الهيكل والاسبستارية وكان قائد الحشاشين يدفع لها مبالغ من المال حتى يسهلوا عمل رجاله في التحرك والوصول الى الغرض .
في سياق التداخل بين الديني و السياسي يقول برنارد لويس : ( ربما تكون الاساليب التي كان يلجا اليها الحشاشون في العصور الوسطى هي النماذج الاولى لما يمكن ان تطلق عليه بحق ارهاب الدولة .
لم يكونوا يفعلون ذلك باعتبارهم معارضة غير شرعية وكانوا يقومون بالاستيلاء على المناطق ، وقلاع ويقيمون ولايات صغيرة لحسابهم وعندما لم يكن ذلك مجديا كانوا يحصلون احيانا على مساعدة وتواطؤ حاكم محلي ما ، قد يكون امير مدينة او مقاطعة ، وكانوا يدافعون له مقابل ذلك ، مقابل الوعد بالحماية او التستر بالطبع ، كما كانوا يقومون بعمليات اغتيال عرضية ليست على اجندتهم قد تكون صالحة .
بهذا الاسلوب ، وربما لأول مرة في التاريخ ، كان يوجد امام الارهابين وتحت تصرفهم شكل من اشكال الدولة ، وعليه كانوا يستطيعون الوصول الى مستوى من التنظيم والتدريب بقدر ما يوفره لهم ذلك )
ارهاب المقدس صنع دولة ، هل هكذا تبدو المسالة عند برنارد لويس عند طرحه لواقع الدولة الاسلامية ؟
ان تقلبات الاحداث لم يحافظ على نقاء تلك الذات التي كانت المهاد الديني عند الاطوار الاولى لقد لعب فعل التوسع الجغرافي في خلخلة وتفكيك صفات كان لها ان تظل في نفس قوة فعاليتها ، لكن التمدد يمزق صلابة الشيء وهو ما وصل اليه حالة الدولة الاسلامية التي تداخلت فيها اطياف ، لم يكن العديد منها يحمل للإسلام سوى رغبة الانتقام والحقد لأنه اخد منهم حقوقا تعد بالنسبة لهم من قداسة الوجود وجاء التسامح مع الملل والنحل ليعطي لنا مساحات من الفكر والعمل ، فكانت عمليات مورست لهدم الاسلام من الداخل , كانت جر ائم الحشاشين تضرب المجتمع الاسلامي ، و هدفهم قلب النظام القائم في البلاد ، وكانت المذهبية الشيعية هي افكارهم ومنطلق اعمالهم وكانوا رافضين للإسلام السني فالقتل هنا يعد جهادا كذلك اعلان الحرب على الدولة وهو ما يجده برنارد لويس في واقع اليوم من قبل جماعات الجهاد الاسلامي وان لا فرق بينها وبين الطغاة ومن اغتصب السلطة وهم من صنع الاستبداد في منطقة يعتبر فيها الحكم تسلطيا لا يؤخذ الا عبر الجرائم سواء جاءت بعامل سياسي او ديني .
في العصر الحديث جرت في الشرق الاوسط عمليات قتل عديدة باسم الدين لكنها لا تخلو من دافع سياسي مثل مقال علي رازامارا رئيس الوزراء الايراني السابق عام 1951م الذي قتل على يد جماعات فدائيات اسلام ومحمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء المصري في عهد المالك فاروق عام 1948م وغيرها من الحالات القتل حتى مقتل الرئيس المصري انور السادات عام 1981م على يد جماعة ارهابية نفذت هذا الفعل باسم الدين .
لذلك لعبت هذه التصدعات في بنية المجتمع العربي اخطر الفعال في اشعال حروب اهلية في دول مثل لبنان والصومال والعراق واليمن وافغانستان ، وصعود العمليات الارهابية منطلقة من مرجعيات التاريخ الاسلامي بما حفل من صراعات واجتهادات ما زالت لها قوة التأثير على العقيدة والنفس ، وهذا ما يرى به برنارد لويس من تكرار الازمات في التاريخ الاسلامي هو ما يضع هذه المجتمعات في دائرة الانغلاق بعيدا عن حركة الفعل المادية .
ومما يرى برنارد لويس ان حالات التراكم في الازمات تخلق في نفسية المقدس تصدعات فكرية وعقائدية ، ومما يطرحه كقراءة هذه النقاط قائلا: ( على ان هناك بعض النقاط الاساسية التي تظهر امامنا اولاها وهي واضحة لكل ذي عينين ، ان القاتل شخص متطوع مكرس لذلك أي انه ليس مجندا ولا مرتزقا لكي يقوم بهذا العمل .
النقطة الثانية انه لا يتوقع ان بنجوا و يبقى على قيد الحياة بعد تنفيذه مهمته او لعله يتمنى الموت وبحسب بعض الروايات كان من العار الا يموت ، كان عليه ان يبقى ملاصقا لضحيته والا يحاول الهرب رغم انه قد تكون هناك فرصه لذلك ، وهناك قصة تروى عن قاتل نجا بعد ان ارتكب جريمته وتمكن من الهرب ، فكانت امه تبكي وهي مرتدية ثوب الحداد لما لحق بانها وبها عار .
الكاتب الفارسي حمد الله مستوفي من القرون الوسطى يقول لنا ان من بين اولئك من كان يعتقد ان عدم ارتكاب القتل العمد يعد نقيصة وربما خطيئة كبرى وهو ما نفهم منه ان القاتل الانتحاري الذي يفجر نفسه وغيره له تاريخ طويل ) .
العنف جزء من وسائل التربية التي تجاور المقدس تلك رؤية برنارد لويس نحو معتقدات الشرق لكنه يغفل ما حدث في مجتمعات اخرى جرت فيها صراعات لعبت الاديان تحت المجهر هو ضمن اطار فكر الاستشراق الذي يعيد صياغة صورة الشرق حسب مطالب التناحر والهيمنة وهذا يحدد مواقع مراكز القوى التي تعمل حتى الان على وضع هذا المكان تحت الوصاية .
برنارد لويس هو اكاديمي و مؤرخ ومستشرق ومترجم ومستشار ايديولوجي عن شؤون الشرق الاوسط وهو ملهم المحافظين الجدد في امريكا ومقاول ومورد الذخيرة الفكرية لحرب العراق وهو كذلك مخترع اكثر المصطلحات السياسة شهرة في العقود الاخيرة مثل صدام الحضارات والاصولية الاسلامية اختلفت المواقف والآراء حوله.
قالت عنه موسوعة المؤرخين والكتابة التاريخية : انه الاقوى تأثيرا بلين مؤرخي الاسلام والشرق الاوسط يصفه المفكر اللبناني فؤاد عجمي بانه اعظم مستشرقي زماننا الذي لن يتكرر .
حول العلاقة بين الفكر والتاريخ يقول برنارد لويس : ( الدارسة الجادة للتاريخ ، تاريخك او تاريخ غيرك لا بد من ان تعتمد على مصادر سياسية ، هذه المصادر ينبغي دارستها ومساءلتها في اصولها وليس من خلال مصافي وفلاتر الترجمة والتقنية والتكييف والتبسيط حيت يسهل التشويه او دينية فاذا بها تخرج معبرة عن افكار صاحب الفلتر او المصفاة ) .
له عدة مؤلفات منتشرة في معظم لغات العالم ، نذكر منها لغة الاسلام السياسية عام 1988م الاسلام الدين والشعب عام 2008م الاسلام في التاريخ 1993م ازمة الاسلام حرب مقدسة وارهاب غير مقدس عام 2003م تشكيل الشرق الاوسط الحديث 1994م وهو صاحب مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي وضع خططه في تقسيم دول المنطقة الى دويلات حسب المذاهب والعقائد والاغراض التي تخدم تصور هيمنة امريكا على العالم ، لذلك تظل افكاره مرتبطة بالأحداث الراهنة.