"من وثائق صراع مراكز القوى"..

الجنوب العربي في سنوات الشدة.. التاريخ السياسي "1963 – 1967" هناك حلقات مفقودة

تبدو هذه المعلومات في دائرة الجنوب المجهولة من تلك الاحداث  ... ما يطرح  يبرهن على ان بريطانيا كانت لها يد في صناعة تلك الوقائع في الجنوب .

معلم ساعة بج بن ومتظاهرون جنوبيون - أرشيف

نجمي عبدالمجيد
كاتب وباحث ومؤرخ لدى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات

حقب كل الصراعات السياسية في كل مجتمع ، لا تكشف بل تظل من ملفاتها بحسب المطلب المعرفي عندما تأتي  اوقات تقييم الاحداث ومما يدخل الرؤية في زاوية احادية الجانب الغاء حضور مراكز قوى كانت داخلة في مجرى مواجهات  لكن صعود طرف عند المعطف الحاسم ليتسيد المشهد السياسي الفاعل بقوة القهر السلطوي ليدخل وجهة  النظر في حقب الحرق التاريخي  حتى تقع في الذاكرة في حصار الحديث في هذا الاتجاه دون الاخر .

وهذا ما ذهب اليه الجنوب ، تلك وضعية كانت من مفرزات صراعات تلك المرحلة ، حيث غابت اصوات حتى وصلت حالة الفهم عند اجيال جديدة الحقائق هذا التاريخ عند درجة الغياب الكامل لمن شاركوا في معارك الصراع ضد الوجود البريطاني .

غير ان تحديات المواقف وحركة مجريات التاريخ هي اقوى من بعض الستائر الحاجبة لما خلفها هنا يأتي السقوط لتظهر مسافات لم تكن تلك  القوى السياسية التي حكمت تعمل لها من حسابات العودة لأنها رسمت المصير من خلال سيطرتها لكن في دورة النفي للأخر ونفي الاستحواذ الاوحد في قلب هذه السلطة تكسر مه مرور الوقت كل فرضيات محو التاريخ الغير من المشاركة .

هنا لا نطرح الادانة بل نرى موقفا غاير فعل الاتجاه الاخر ، ربما في كشف بعض المعلومات ما يعيد قراءة واقع الجنوب العربي في مسار الكفاح المسلح وكيف ادركت بريطانيا لحظات التصدع في كل كيان كان يسعى للوصول الى حكم الجنوب وما هي عوامل الانقسام في داخل الجبهة القومية ؟ صاحب هذا الكتاب هو عبدالله الجابري وصدر في السعودية دون ذكر عام الاصدار.

مما يقوله الكاتب حول قضية خروج بريطانيا من الجنوب العربي : ( أ_ في عام 1964م) اصبحت قضية خروج بريطانيا من الجنوب العربي مسالة مقررة فقد اعلنت بريطانيا في ذلك الوقت  انها ستمنح الجنوب استقلاله في موعد اقصاه عام 1968م واعلنت كذلك انها بسبيل تخفيف التزاماتها الدفاعية شرقي السويس وان ذلك قد يعني _ او  هو سيعني بالفعل _ تصفية قاعدتها العسكرية في عدن . 

( ب_ في الفترة نفسها بدأت بريطانيا تجري سلسلة من الاتصالات مع القوى  الوطنية والجماعات  الحاكمة لعرفة  النسبة التي سيجري تطبيقها  من قرارات الامم المتحدة الخاصة بالجنوب العربي والصادرة في ديسمبر1963م ) .

كانت السلطات البريطانية في الجنوب العربي قد ادركت بتحول الخارطة في هذا الوقع لم تعد كما رسمت  في حقب سابقة بل دخل الجنوب العربي في لعبة التحرر والنضال الوطني .

هنا دخلت وسائل الاختراق والمخابرات ... بريطانيا التي حكمت الجنوب  وتعرف تركيبة نفسية كل فئة من شعبه  ، وحالات التنافر والتقارب عند كل جماعة بحسب ما تفرض المصالح  والصراعات دخلت من هذه المفارقات الى كيان الشروع الوطني  تجنيد العملاء  في داخل الجبهة القومية .

في 15_7_1967 م جرى اجتماع بين قيادات  من الجبهة القومية واخر مندوب سامي بريطاني في الجنوب العربي وهو هنري تريفليان  الذي كانت  فترة أقامته في عدن من 20 مايو 1967 حتى 29نوفمبر 1967 م .

وقد اسفر الاجتماع عند خطة مشتركة وقد ذكرت في هذا التوثيق بهده النقاط :

1_ تزود  الجبهة القومية اعضاءها  العاملين ببطاقات سرية  توضح انتماءهم الحزبي ، وذلك ليسهل لهم الجيش البريطاني حركة التنقل والمرور من مراكز التفتيش بأسلحتهم .

2_ تتعهد الجبهة القومية  بعدم استخدام  السلاح ضد الجنود البريطانيين وبتغطية  انسحابه في الاسابيع  الاخيرة من عدن .

 3_تتعهد الجبهة القومية بتقديم معلومات الى القوات البريطانية  عن اسماء واماكن اعضاء  رابطة الجنوب العربي  وجبهة تحرير الجنوب العربي   وتتعهد كذلك  بالمساعدة في اعتقالهم .

4_ وافقت بريطانيا على تزويد الجبهة القومية بأجهزة لاسلكي لتامين الاتصال بين اعضائها في الداخل والخارج 

5_ وافقت بريطانيا على تزويد الجبهة القومية  بكمية اولية من السلاح تمكنها  من العمل السريع  على ان يتم توريد حاجاتها الرئيسية من السلاح  عن طريق وكلاء التاج  في لندن وهو جماعة تبيع  السلاح بالاتفاق مع وزارة الخارجية البريطانية .

6_ اتفق الطرفان على الاسهام في ترتيب مظاهرات في جميع الولايات ضد الحكام والسلاطين بقصد مضايقاتهم وارهابهم على ان يقود هذه الظاهرات رجال ينتسبون الى الجبهة القومية ، واتفق كذلك على ان ستصدر الاوامر للجيش في هذه الولايات بعدم التعرض للمتظاهرين ، كما اتفق على ان يسافر الضباط السياسيون البريطانيون المقيمون في الولايات الى عدن قبل حدوث هذه الظاهرات حتى لا يتهموا بانها عملت بوحي منهم .

7- كلف المستر اشورت ضابط الاعلام البريطاني في  مكتب المندوب السامي بتوجيه سياسة الاعلام  لصالح الجبهة القومية ونسب اعمال العنف الى رجالها .

8_ اتفق على انه عندما  تنتهي حكومة الاتحاد  فان جميع الالتزامات التي كانت قائمة بينها وبين بريطانيا  تعد لاغية  ولا تعتبر الحكومة البريطانية ملزمة باي شيء للحكومة الجديدة الى ان يصار الى وضع اتفاق جديد .

9_ ستتولى الحكومة البريطانية اشعار حكام الولايات بانها  لن تكون في وضع يمكنها من نجدتهم فيما لو تعرضوا للمتاعب وستحثهم على الانتقال  الى عدن حيث ستكون شروط  السلامة المتاحة لهم افضل منها في مناطقهم وعندما يحين  موعد  تسليم السلطة ستتولى  ترحيلهم الى خارج البلاد .

10_ تقرر ان تعقد  اجتماعات دورية كل عشر ايام  بين المندوب  السامي ومعاونيه واعضاء الجبهة القومية لقياس حجم التقدم  الذي احرز في تنفيذ هذا المخطط ويحتفظ الندوب السامي البريطاني بالحق في ادخال اية تعديلات افضل في تحقيق اغراضها .

تبدو هذه المعلومات في دائرة الجنوب المجهولة من تلك الاحداث  ... ما يطرح  يبرهن على ان بريطانيا كانت لها يد في صناعة تلك الوقائع في الجنوب .

مما يدل على ان الشارع السياسي كان منقسما خارجا عن  الاجماع الواحد .

كانت هناك اهداف ثورية كما كانت هناك حالات ترصد وحتى يتم كسر مشروع الاستقلال الجنوبي ، لابد من زرع عوامل الانقسام ليست لحدا المرتبط  بالحدث ، بل جعل مسالة الرحيل البريطاني عن الجنوب بداية للدخول في الاحتراب من اجل السلطة وهنا نقف عند بعض من معلومات تلك الحقبة .

يقول الكاتب عبدالله الجابري ( في 6-7-1967م) عقد اجتماع في مكتب مستر جانج المعتمد البريطاني في مدينة الاتحاد وشهد هذا المؤتمر اهم مظاهر التحول الفعلي في السياسة البريطانية الى جانب الجبهة القومية .

وقد حضر هذا الاجتماع  من الجانب البريطاني : المستر جانح المعتمد البريطاني والمستر ديلي  ضابط سياسي وعضو المخابرات  المركزية ،  المستر سمر فيلد ضابط سياسي وعضو مخابرات المركزية ، والكولونيل شبلن الوكيل الدائم لوزارة الدفاع الاتحادية .

ولا حاجة للقول بان من يطلق عليهم ضباط سياسة في الجنوب العربي هم عمليا ونظريا العنصر التنفيذي  للسياسة البريطانية في هذه البلاد ... وهم المتحكمون في كل ضئيل وجليل من امورها . 

ومن الضباط العرب حضر هذا الاجتماع  العقيد حسين عثمان عشال قائد الجيش الحالي ، المقدم علي عبدالله ميسري ، المقدم احمد محمد بلعيد ، المقدم مهدي عشيش ، والمقدم احمد ميسرى ، والمقدم سالم قطيبي ... وهذا اغتيل من قبل الحكومة في ظروف غامضة لأنه اصيب بصحوة متأخرة .

وقد قصد من هذا الاجتماع  تنوير هؤلاء الضباط لانهم تربوا تحت اشرافها منذ ان كانوا جنودا ...

قصد تنويرهم بالتحول الجديد في السياسة البريطانية ... وابلغهم جانج ان بريطانيا بذلت كل ما في وسعها لحمل الاتحاد على التماسك وفشلت وحاولت  ان تقيم حكومة انتقالية على قاعدة عريضة... أي تشمل كل الاطراف  ولكن الارهاب احبط هذا  المجهود وقال لهم جانج ان الحكومة البريطانية  لا تستطيع ان تضمن مستقبلهم .. هم وكل الجيش والشرطة والجهاز المدني .. لان السلطة التي قد تخلف البريطانيين جاهزة بكل مؤسساتها  العسكرية والمدنية في تعز ... وقد اعدت كل شيء اعدادا متقنا على ايدي المخابرات المصرية  بحيث يكون من المشكوك فيه  ان تتعامل مع الجهاز لا تطمئن الى نواياه يقصد الجيش والشرطة والعناصر البارزة في الادارة المدينة ...

في الاسبوع الأول  من شهر أكتوبر 1967م كانت جلسات التشاور الجارية في القاهرة بين قحطان والزعيم عبدالقوي مكاوي تدور في حلقات مفرغة ولم يكن ما انجز من هذه المحادثات الا مزيدا من الجدل الذي قاد الأمور الى الطريق المسدود .

واسفرت المخابرات البريطانية عن الحقائق وحجمها وانحيازها العلني الى جانب الجبهة القومية ضد جبهة التحرير ورابطة أبناء الجنوب العربي .

في هذا الاتجاه لعبت لعبث الصحافة البريطانية في المعركة الى جانب القومية ، وهذا من وسائل المخابرات في إدارة الصراعات السياسة مما يوقع احد الاطراف في اكاذيبها الدافعة نحو المزيد من الاخطاء

في هذا السياق كتبت صحيفة التايمز البريطانية في شهر اكتوبر قائلة : ( يبدو ان الجبهة القومية  تسيطر الان على معظم ولايات الاتحاد ولكن الفائز الحقيقي من الجبهتين هو من كانت ل السيطرة على عدن ) 

لم تكن هذه الكلمات غير خديعة من عقل مخابراتي كي تحشد جبهة التحرير كل قواها في عدن حيث يسهل بعدها محاصرتهم وانزال ضربة قاتلة بهم حيث لا تقوم  لهم بعد ذلك قائمة وهذا ما جرى بالفعل في 1_7_ 1967م قام المستر ديلي وكيل وزارة الامن الاتحادية مع فرقة من الشرطة العسكرية البريطانية بضرب منزل الاستاذ عبدالرحمن جرجرة وزير الاعلام في حكومة اتحاد الجنوب العربي .

وقام رجال الامن بتطويق المكان ... وقد وجدوا سيارتي جيب احداهما فيها المستر ديلي وكان فوقها مدفع بازوكا كان الدخان يتصاعد من ماسورته وهذا يؤكد ان هذا الفعل من صنع المخابرات البريطانية وبعدها ينسب الى جبهة القومية .

كذلك عقد في تاريخ 10/10/1967م اجتماع في منزل المندوب السامي البريطاني في عدن لوضع خطة عسكرية تهدف الى اسقاط منطقة الواحدي في يد الجبهة القومية ، وبعد عدة مداولات قرر وضع قوة عسكرية كبيرة من الامن بقيادة العقيد صديق احمد تقود هجوما على ميفعة على ان يتم دعمها بتلات مصفحات بريطانية .

وقبل وصول تلك القوة الى الحدود الواحدي ، شعر بعض ضباط جيش جنوبي العربي ، وهو من كانوا يطالبون بوضع جيش الجنوب على حياد ، بان قيام الامن العام لحساب الجبهة القومية قد يقود الى احداث خلل سياسي في وحدة الجيش الاتحادي وهو الذي كان يعاني من توزع الولاءات وهو ما لعبت عليه المخابرات البريطانية .وقد قام هؤلاء الضباط الذين كان عددهم 40 بالرفض علنا لدخول الجيش في الصراع الحزبي ورفعوا مذكرة احتجاج للمندوب السامي البريطاني تطالب بعودة رجال الامن العام والسلاح وعدم زج الجيش في الهجو على منطقة الواحدي.

ومضت تلك القوة في طريقها وهاجمت ميفعة وقد استولت عليها دون أي مقاومة واعلنت منطقة الواحدي خضوعها للجبهة القومية بعد انسحاب  القوة التي استولت عليها باسم جبهة التحرير وفي تاريخ 21/10/1967م كان قد تقرر القيام بهجوم  اخر على الصعيد  ونصاب ...وكانت قوة هذا الهجو تتكون من الامن العام الموجودة في عتق و بيحان مع سرية من الجيش تساندنا دبابات صلاح الدين .

هذه بعض من الجوانب السياسي الذي شهدة الجنوب في تلك المرحلة ، وهي وثائق وحقائق ما زالت بحاجة للمزيد من البحث والدراسات حتى يتضح كل حدث  بما له من عوامل لعبت في تحريك مسار الامور.

كذلك مطلوب سماع صوت كل الاطراف في هذا الجانب حتى لا تظل الروية قاصرة عند اتجاه واحد .

تلك هي مسيرة تاريخ الشعوب في ازماتها السياسية ، وما مرت بها من فارقات ليست هي وليدة الماضي ، بل كذلك قراءة للغد .