من أوكرانيا إلى غزة مرورا بسوريا..

معركة روسيا المحتدمة مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".. أين يقف الأميركيون؟

"في السابع من مارس الجاري، قال جهاز الأمن الفيدرالي في روسيا، إنه أحبط هجوما خطط له تنظيم داعش ضد كنيس يهودي في موسكو. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة قدمت في نفس الوقت تقريرا استخباراتيا إلى روسيا بشأن هجوم محتمل على مكان حفل موسيقي".

جندي من القوات الخاصة الروسية يسير امام مركز "كروكس سيتي هول" التجاري في مدينة كراسنوغورسك في ضواحي العاصمة الروسية موسكو عقب الهجوم - وسائل إعلام روسية

موسكو

بينما كان العالم يركز على الحربين في أوكرانيا وغزة، كانت القوات الروسية تساعد النظام السوري على تكثيف هجماته على معاقل تنظيم داعش في الصحراء.

كان هذا النوع من المناوشات مستمرا لسنوات في سوريا، مما جعل التنظيم يهدد منذ فترة طويلة بالانتقام من موسكو مباشرة لدعمها نظام الأسد للبقاء في السلطة. 

ويبدو أن تلك اللحظة حانت عندما هاجم مسلحون تابعون للتنظيم قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو، الجمعة، مما خلف أكثر من 130 قتيلا. 

ووصف بيان المسؤولية، الصادر السبت عن فرع التنظيم "داعش خراسان"، الهجوم بأنه "الأعنف منذ سنوات"، في إشارة إلى التاريخ الطويل من الهجمات في مواجهة موسكو.

واعتبرت الخبيرة في السياسة الخارجية والأمنية الروسية في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي، هانا نوت، أن التنظيم صاغ الهجوم على أنه يأتي في سياق الحرب الطبيعية المستمرة بينه وبين "الدول المناهضة للإسلام".

وفي تعليقاته الموجزة السبت، لم يذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ادعاءات التنظيم، لكنه هدد بمعاقبة المسؤولين عن الهجوم الدموي. 

وقال الكرملين إن بوتين تحدث مع رئيس النظام السوري بشار الأسد عن التعاون في مكافحة الإرهاب، من بين قضايا أخرى، في مكالمة هاتفية السبت.

وبدلا من ذلك، نفى التلفزيون الرسمي الروسي ادعاءات تنظيم داعش بالمسؤولية، وأشار بدلا من ذلك، دون إبراز دليل، إلى أنها كانت عملية نفذتها أوكرانيا، وربما بدعم غربي.

وأصدر البيت الأبيض بيانا، السبت، كرر فيه التأكيد الأميركي على أن تنظيم داعش هو المسؤول عن الهجوم.

تاريخ طويل من المواجهات

كانت روسيا بلا شك في مرمى التنظيمات المتشددة منذ فترة طويلة، إذ تصاعد العداء لأول مرة خلال الحرب السوفيتية التي استمرت عقدا من الزمن في أفغانستان، واستمر خلال الحربين الوحشيتين اللتين خاضتهما روسيا في الشيشان، وتصاعدت منذ نشر القوات الجوية الروسية في سوريا في سبتمبر 2015.

وفي أواخر أكتوبر من ذلك العام، أعلنت جماعة فرعية للتنظيم في مصر مسؤوليتها عن زرع قنبلة على متن طائرة ركاب كانت تقل سائحين عائدين من شرم الشيخ إلى روسيا، مما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 224 شخصا. 

بعدها أصدر الجناح الدعائي للتنظيم مقطع فيديو أنشودة باللغة الروسية يشير إلى أن الحكم الإسلامي سيعود إلى المناطق الروسية حيث يشكل حوالي 20 مليون مسلم جزءا كبيرا من السكان، بما في ذلك القوقاز وتتارستان وشبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا قبل عشر سنوات. 

وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدت سلسلة من الهجمات الدموية التي نفذها في الغالب متطرفون محليون ضد مدرسة ومسرح في موسكو ومراكز النقل وأهداف أخرى إلى مقتل مئات الروس، مما يعني أن هذا التهديد معلوم جيدا لدى السلطات الأمنية. 

ويأتي اسم التنظيم "داعش خراسان"، نسبة إلى اسم قديم للمنطقة التي تشمل أفغانستان وباكستان.

وفي فبراير 2017، صرح بوتين بأنه نحو أربعة آلاف روسي وخمسة آلاف آخرين من دول كانت تابعة للاتحاد السوفيتي ذهبوا للقتال في سوريا وأنه يتفهم "مدى الخطر الكبير الذي يمثله معقل الإرهاب في الأراضي السورية على روسيا". 

وقالت "نيويوك تايمز" إن تنظيم داعش خراسان نفذ في الأشهر التي أعقبت استيلاء طالبان على الحكم، هجمات شبه يومية، استهدفت جنودا وأحياء تضم أقلية الهزارة الشيعية، كما استهدف السفارة الروسية في كابل، وحاول اغتيال أكبر دبلوماسي باكستاني في أفغانستان.

وأشارت الصحيفة إلى أن هجمات التنظيم "باتت أكثر جرأة خلال الفترة الأخيرة، حيث امتدت إلى خارج البلاد، فقتلت أكثر من 43 شخصا في هجوم استهدف تجمعا سياسيا شمالي باكستان في يوليو الماضي".

كما قتل التنظيم "ما لا يقل عن 84 شخصا، إثر تفجيرين انتحاريين في إيران، في يناير الماضي".

ثم جاء الهجوم الأكثر دموية، إذ أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجوم في موسكو، الجمعة، الذي أسفر عن مقتل 133 شخصا على الأقل.

وبحسب خبير مكافحة الإرهاب في مركز صوفان، كولين كلارك، فقد بدا من مقاطع الفيديو المنتشرة الخاصة بالهجوم المسلح في قاعة الحفلات الموسيقية، الجمعة، أن المهاجمين الأربعة عملوا بتنسيق بشكل جيد، معتقدا أنهم تدربوا في معسكر للتنظيم في أفغانستان ثم أرسلوا إلى روسيا. 

وفي السابع من مارس الجاري، قال جهاز الأمن الفيدرالي، وهو وكالة إنفاذ القانون الرئيسية في روسيا، إنه أحبط هجوما خطط له تنظيم داعش ضد كنيس يهودي في موسكو. 

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها، السبت، إن الولايات المتحدة قدمت في نفس الوقت تقريرا استخباراتيا إلى روسيا بشأن هجوم محتمل على مكان حفل موسيقي.

واعتبر المسؤول الحكومي الأميركي السابق المعني بالقضايا الأمنية في الشرق الأوسط، والمتخصص في الشأن السوري في جامعة هارفارد، أندرو جيه تابلر، أن هجوم موسكو يؤكد أن ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا.

مراقبون روس يستبعدون تورط داعش 

وفيما لاتزال التحقيقات الأمنية متواصلة بخصوص الجهة التي تقف خلف الهجوم الذي شنه مسلحون على أحد أكبر المراكز التجارية في موسكو، فإن تصريحات مسؤولين روس وأقوال محللين سياسيين وخبراء ألمحت إلى دور أوكراني، وهاجمت في بعض الحالات ترويج وسائل إعلام غربية لمسؤولية التنظيم عن العملية، معتبرة أنها محاولة لتبرئة كييف من الضلوع بتنفيذ العملية.

ووفقًا للباحث بالشؤون الأمنية، فاسيلي جورافلوف، فإن الهجوم قد يكون مقدمة لنوع من الاستفزاز ضد روسيا، متابعًا أنه "من المستحيل عدم ملاحظة كيف تحاول وسائل الإعلام الغربية أن تضع في أذهان مواطنيها فكرة بسيطة مفادها أن الهجوم في قاعة كروكوس كان من عمل داعش (تنظيم الدولة) مما يعني أن جذور الشر والعقول المدبرة والجناة الحقيقيين يختبئون في مكان ما بالشرق الأوسط، لتشتيت الانتباه عن فرضية تورط أوكرانيا ودول غربية في هذه العملية "المستفيدين الحقيقيين من زعزعة الأوضاع في روسيا".

 

خطوة نحو حرب

ويرى جورافلوف أن الهجوم شكل خطوة نحو حرب كبيرة، معتبرًا أن "الحديث عن تورط داعش هو سخيف وموجه إلى الجهلة" مضيفا أن اللحظة والمكان المختارين وكل خصائص الجريمة تؤكد ذلك، وأنه لولا المشاركة النشطة لأجهزة الاستخبارات الغربية لما كانت السلطات في كييف لتقوم بعمل كهذا على الإطلاق. ويتابع بأنه ليس المهم من نفذ العملية وإنما الذي أعطى الأوامر ووفر الدعم اللوجستي.

ويلاحظ الباحث بالشؤون الأمنية أن هذه العملية خلافًا لكل العمليات السابقة، من بودينوفسك إلى نورد أوست "اختفت فيها ملامح المنطق المتمثل بطرح مطالب، ولكن في الهجوم على كروكوس لم تكن هناك أهداف أخرى سوى قتل أكبر عدد ممكن من الناس".

ويلفت بهذا السياق إلى أن من تم إلقاء القبض عليهم تقريبًا لا يعرفون الروسية "وليس من شك في أن هذا كان عملاً مُعداً ومخططاً له بحرفية. فقد كانوا يعرفون المكان جيدًا، أي أنه كان هناك استطلاع أولي، ويبدو ذلك واضحًا كونهم ساروا نحو قاعات المجمع بطريقة تثبت معرفتهم بالمكان، لأنه إذا جاء شخص ما إلى هذا المجمع لأول مرة فإن الوصول لقاعة الحفلات الموسيقية كان يمثل مشكلة إلى حد ما لكثرة الممرات والسلالم".

ويضيف جورافلوف أن إشعال النار في المبنى جاء مقصودًا لتسهيل انسحاب المسلحين، وفي ذات الوقت لتعقيد عملية تقديم المساعدة للجرحى أو خروج الضحايا من المكان، كما أن عملية إلقاء القبض على المسلحين المشتبه بهم جرت في مدينة بريانسك التي تبعد حوالي 500 كيلومتر عن كييف، وذلك خلال توجههم إلى الحدود الروسية الأوكرانية.

 

حرب نفسية

بدوره، يعتبر الباحث في الدراسات الجيوسياسية أندريه زايتسيف أن العملية هدفت- من بين أمور أخرى- إلى التأثير النفسي على المواطنين الروس وإدخال فكرة الشعور بالخطر في كل مكان بالأذهان والتسبب بحالة انعدام الثقة، لاسيما في العاصمة موسكو التي تخضع لإجراءات أمنية مشددة.

ويؤكد أن تحميل المسؤولية لتنظيم الدولة أو لجهات أخرى "متعددة الجنسيات" يأتي في سياق تحقيق أهداف كييف في استهداف المدنيين "بعدما فشلت في تنفيذ الهجوم المضاد ووقف تقدم القوات الروسية".

ويعيد زايتسيف إلى الأذهان ما صدر منذ فترة وجيزة عن سفارات غربية بموسكو من تعليمات لمواطنيها بتجنب الأماكن العامة، معتبرًا أن هذه التحذيرات لم يكن ما يدعمها على أرض الواقع في العاصمة والبلاد عمومًا، وهو ما تبين بوضوح قبل وخلال إجراء الانتخابات الرئاسية، معتبرًا أن السلطات محقة في التزامها بـ"نظافة المعلومات" لمنع تشويه الحقائق وتهرب المسؤولين الحقيقيين من دفع ثمن هذا العمل الدموي الذي شهدته موسكو.