شروط مسبقة تعرقل التوصل لاتفاق..

خيبة أمل عارمة: السودان يقرر الانسحاب من مفاوضات جنيف.. جولة جديدة من الصراع؟

الاختلافات العميقة بين الأطراف السودانية، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقية لإنهاء الحرب، هي الأسباب الرئيسية وراء فشل الجولة التشاورية في جدة. هذا الفشل يؤكد أن أي حل للأزمة السودانية يتطلب جهدًا دوليًا متضافرًا، وتضحيات كبيرة من جميع الأطراف.

آمال الشعب السوداني تتلاشى مع فشل مفاوضات جنيف

الخرطوم

أخفقت الجولة التشاورية بين الحكومة السودانية والولايات المتحدة في جدة، ما يضع علامة استفهام كبيرة حول مصير المفاوضات المقررة في جنيف لإنهاء الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عام. هذا الفشل يعكس عمق الانقسامات بين الأطراف السودانية، ويضعف الآمال في التوصل إلى حل سلمي قريبًا.

وقال رئيس الوفد الحكومي وزير المعادن السوداني محمد بشيرأبو نمو في بيان على صفحته على فيسبوك "أعلن بصفتي رئيسا لوفد الحكومة قي الاجتماعات التشاورية مع الأمريكان في مدينة جدة السعودية انتهاء المشاورات من غير الاتفاق على مشاركة الوفد السوداني في مفاوضات جنيف -كتوصية للقيادة- سواء كان الوفد ممثلآ للجيش حسب رغبتهم أو ممثلآ للحكومة حسب قرار الحكومة من الآن وصاعـدا".

وأضاف "أن الأمر كذلك متروك في النهاية لقرار القيادة بتقديراتها، وهناك بالتأكيد تفاصيل كثيرة قادتنا إلى هذا القرار بإنهاء الحوار التشاوري دون اتفاق"، دون مزيد من التفاصيل.

وتوجه وفد من الحكومة السودانية، الجمعة، إلى جدة للتشاور مع الولايات المتحدة بشأن دعوتها إلى المحادثات لإنهاء الحرب المستمرة منذ 15 شهرا بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع.

ووفق تقارير إعلامية، تمثل جوهر الخلاف في إصرار الوفد السوداني على عدم مشاركة المنظمة الحكومية للتنمية (إيغاد) في مفاوضات جنيف المقررة في 14 من أغسطس الجاري.

وذكرت التقارير أن الوفد الحكومي أصر أيضا على المشاركة في المفاوضات المرتقبة بوفد يمثل الحكومة، بينما قدم الوفد الأميركي الذي ترأسه المبعوث توم بيرليو مقترحا بأن يقود وفد التفاوض الحكومي ضابط أو مسؤول رفيع في الجيش السوداني باعتبار أن الحرب تدور بين طرفين عسكريين.

ويرى مراقبون أن موافقة الحكومة السودانية على إرسال وفد لها إلى جدة كانت تحت ضغوط دولية وداخلية، بعد احتداد المشكلة الإنسانية وتحولها إلى أزمة كارثية، لكن في الواقع غير مستعدة للحوار، إذ أن تمسكها بشروطها المسبقة قبل الذهاب إلى جدة يعكس استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى حماية القيادات من التصفية أو الضغط، وتأكيد الاعتراف الدولي بقائد الجيش عبدالفتاح البرهان كـ"رئيس مجلس السيادة" ما يساهم في تعزيز موقفه كقائد معترف به، مما يمكن أن يوفر بعض الحماية القانونية والسياسية.

ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن الحكومة التي هي خاضعة لسلطة الجيش الخاضع هو ذاته إلى سلطة التيارات الإسلامية التي ترفض الدعوة الأميركية للمفاوضات لأنها ستترتب عليها عواقب كبيرة، بخاصة المتعلقة بالنواحي القانونية كالجرائم والانتهاكات التي ارتكبت خلال الحرب.

وسبق أن وصف المستشار بقوات الدعم السريع، الباشا طبيق، الخطوة بـ"مراوغة جديدة" من الحكومة الخاضعة لسلطة الجيش في بورتسودان.

وقال في تدوينة على منصة "إكس" إنه "على الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية عدم الاستماع والاستجابة لمراوغة البرهان، ومن خلفه مجموعة الحرب من الإخوان المسلمين بقيادة علي كرتي التي تعمل على استمرار الحرب وإفشال المبادرة الأمريكية الداعية إلى مفاوضات جنيف".

وأضاف أن "كل الحديث الذي يدور حول ما يسمى بحكومة بورتسودان الآن ما هو إلا مراوغة وتلاعب لكسب مزيد من الوقت على حساب المواطن الذي يعيش في ظروف إنسانية بالغة التعقيد، ولاكتمال حلقات تحالفاتها الإقليمية واكتمال القواعد العسكرية على البحر الأحمر، لفرض واقع جديد يغير قواعد اللعبة".

وكان من المفترض أن تكون محادثات جنيف، التي وافقت قوات الدعم السريع على حضورها، أول محاولة كبيرة منذ أشهر للتوسط بين الطرفين المتحاربين في السودان.

ونهاية يوليو، دعت واشنطن الجيش وقوات الدعم السريع إلى هذه المفاوضات من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار.

وأوضحت واشنطن خلال وقت سابق أن مفاوضات جنيف التي ترعاها السعودية ستضم الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والامم المتحدة كمراقبين.

وآنذاك، رحّب قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، عبر منصة إكس بدعوة بلينكن قائلا "أعلن مشاركتنا في محادثات وقف إطلاق النار القادمة في 14 أغسطس 2024 في سويسرا".

وفي 19 يوليو الماضي، اختتمت محادثات غير مباشرة في جنيف، برعاية أممية، لتعزيز المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، بعد مرور 16 شهرا من القتال العنيف في السودان.

ويشهد السودان حربا منذ أبريل 2023 بين قوات الدعم السريع والجيش، أوقعت إلى الآن عشرات آلاف القتلى وأدت إلى أزمة إنسانية كبرى. وسبق أن باءت بالفشل جهود وساطة بذلتها خصوصا الولايات المتحدة والسعودية.

وأجبرت الحرب أكثر من 11 مليون شخص على النزوح داخل السودان وعبر الحدود، وفقا للأمم المتحدة، ودمرت البنية التحتية ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة.

ويواجه نحو 25.6 مليون شخص أي أكثر من نصف سكان السودان، مستويات مرتفعة من "انعدام الأمن الغذائي الحاد"، وفق ما كشف في يونيو تقرير تدعمه الأمم المتحدة.

والمعسكران متّهمان بارتكاب جرائم حرب، لا سيما باستهداف المدنيين والقصف العشوائي للمناطق السكنية ونهب المساعدات الإنسانية الحيوية أو عرقلة وصولها إلى من يحتاجون إليها