سقوط السلالة..
إحراق قبر حافظ الأسد.. تصعيد في التوترات والمعارضة تتحدى رمزية النظام السوري (ترجمة)
إحراق قبر حافظ الأسد واقتحام منزله في دمشق ليست سوى خطوات رمزية تعكس الغضب الشعبي العميق ضد النظام السوري الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لعقود.
في مشهد غير مسبوق يعكس تصاعد التوترات في سوريا، أظهرت لقطات مصورة التقطتها وكالة فرانس برس يوم الأربعاء، مشاهد إحراق قبر حافظ الأسد، والد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، في مسقط رأسه بمدينة القرداحة. تمثلت هذه الحادثة في استهداف الضريح من قبل مقاتلين من المعارضة، الذين أضرموا النيران في القبر وسط مشاهدة من الشبان والمواطنين المحليين.
وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، وقع الحادث في معقل الطائفة العلوية في اللاذقية، حيث ينتمي الرئيس الراحل حافظ الأسد. وظهرت لقطات من الضريح، الذي يتسم بتصميمه المعماري الضخم والمعقد، وهو يحترق ويتضرر بشكل كامل. يعتبر هذا الضريح واحدًا من المعالم الرمزية التي ارتبطت بحكم آل الأسد على مدار عقود. ويضم الضريح مقابر عدة أفراد من عائلة الأسد، بما في ذلك شقيق بشار الأسد، باسل، الذي كان يعد لخلافة السلطة قبل أن يفارق الحياة في حادث سير عام 1994.
وكان يتمتع الضريح بتصميم معماري مذهل يتكون من العديد من الأقواس والزخارف المحفورة في الحجر. وقد كان يعتبر رمزًا من رموز عائلة الأسد التي حكمت سوريا بشكل مستمر لأكثر من 50 عامًا. اليوم، يندثر هذا الرمز في مشهد حارق يرمز إلى التغيرات المتسارعة في سوريا بعد سنوات من الصراع العنيف.
ووصل حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا عام 1970 عبر انقلاب غير دموي، ليؤسس حكمًا سلطويًا استخدم فيه الأجهزة الأمنية بقوة لضمان استقرار النظام وتعزيز مكانة الطائفة العلوية في هيكل الدولة. اعتمد حافظ الأسد على جهاز المخابرات المترامي الأطراف لضبط السيطرة على كافة مفاصل الدولة السورية، مما جعل النظام يحظى بسمعة من الرعب والمراقبة المستمرة. كما كان معروفًا بقمعه العنيف للانتفاضات، بما في ذلك حملته الدموية ضد الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982، حيث قُتل الآلاف من المدنيين نتيجة القصف العنيف.
وكان حافظ الأسد أيضًا مهندسًا لسياسة سوريا الإقليمية والدولية، حيث أسس تحالفات استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي ودول أخرى، ما جعل سوريا دولة مركزية في محور المقاومة ضد إسرائيل. ورغم النقمة الشعبية على نظامه بسبب قمعه وحملاته العسكرية، فإنه كان يتمتع بدعم قوي من داخل المؤسسات العسكرية والأمنية.
بعد أكثر من 50 عامًا من حكم عائلة الأسد، جاءت الأحداث الأخيرة لتغير وجه سوريا بشكل جذري. في أكتوبر 2023، شنت فصائل معارضة هجومًا خاطفًا على مدن سورية رئيسية، ما أجبر الرئيس بشار الأسد على الفرار، منهياً بذلك حكم عائلة الأسد الذي دام لعقود. هذا الهجوم لم يكن مجرد نهاية لحكم الأسد الأب والابن فحسب، بل كان أيضًا بداية لمرحلة جديدة من الصراع في سوريا الذي دمر البنية التحتية وأدى إلى مقتل مئات الآلاف.
ومنذ عام 2011، بدأت الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري، وهو ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية دموية استمرت لأكثر من عقد من الزمان. التدخلات الخارجية، بما في ذلك الدعم الروسي والإيراني للنظام السوري، من جهة، ودعم العديد من الدول الغربية والعربية للمعارضة المسلحة، من جهة أخرى، جعلت من سوريا ساحة معركة عالمية. ونتيجة لذلك، تحولت الحرب إلى صراع معقد جذب قوى إقليمية ودولية، وأودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وتسبب في تشريد ملايين آخرين.
ففي أعقاب فرار بشار الأسد، شهدت العاصمة دمشق موجة من الاحتجاجات الشعبية. في يوم الأحد التالي للحدث، قام العديد من السكان المحليين بزيارة منزل الأسد في حي المالكي الراقي، وهو أحد الأماكن المحظورة على المواطنين العاديين دخولها. هؤلاء الزوار، الذين كانوا في الغالب من المواطنين الذين كانوا يشعرون بالظلم والإقصاء تحت حكم الأسد، عبروا عن فرحتهم وسعادتهم بما وصفوه بأنه "تحدٍ" للنظام الذي اضطهدهم لفترة طويلة.
وكان يحتوي منزل الاسد على ثلاث مبانٍ ضخمة مكونة من ستة طوابق، تجول الزوار في الغرف، رغم أن الأثاث كان محدودًا والمرافق كانت فارغة باستثناء بعض الصور الملقاة على الأرض. في أجواء من الاندهاش والذهول، قام البعض بسرقة مقتنيات من المنزل، بما في ذلك ملابس وأغراض أخرى، كما لو كانوا يعيدون استعادة ما أخذ منهم تحت حكم الأسد.
من جانب آخر تعيش سوريا في خضم أزمة اقتصادية خانقة. انقطاع الكهرباء، والنقص الحاد في المواد الأساسية، وتدهور الوضع الصحي، أصبحت جزءًا من الواقع اليومي للسوريين. وفقًا للأمم المتحدة، أصبح غالبية السكان يعيشون في حالة فقر، حيث أسفرت الحرب والعقوبات الغربية عن تدهور كبير في الوضع الاقتصادي.
وتجسد هذه الأحداث تصعيدًا في التوترات داخل سوريا، حيث كان النظام السوري يسعى لضمان استقرار حكمه، بينما تبدو المعارضة اليوم في موقف متفائل بتحقيق انتصار تاريخي على رمزية النظام.