أزمة جديدة بين القاهرة وتل أبيب..
تصاعد التوتر الكلامي بين مصر وإسرائيل.. هل هو مجرد دعاية أم تمهيد لصراع أعمق؟
تصاعد الصراع في غزة أشعل حربًا كلامية بين مصر وإسرائيل، بين تصريحات إسرائيلية تثير القلق من قوة مصر وصمت القاهرة الاستراتيجي، ما يطرح تساؤلات: هل هي مناورة سياسية أم بداية توتر أعمق؟ يستعرض التقرير هذه الأزمة وتداعياتها.

الجيش المصري
منذ اندلاع الصراع الأخير في قطاع غزة، تحولت العلاقات بين مصر وإسرائيل إلى ساحة حرب كلامية محمومة، أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت المواجهة العسكرية باتت وشيكة، أم أن الأمر لا يتجاوز المناورات السياسية والدعائية التي تخدم أجندات داخلية لكلا الطرفين. وسط هذا التوتر، تبرز قضايا حساسة مثل الوساطة المصرية بين إسرائيل وحماس، ومستقبل غزة، والتوازن العسكري في المنطقة.
واستهلت إسرائيل هذا التصعيد الكلامي بتصريحات متعمدة تسلط الضوء على القدرات العسكرية المصرية. فقد أشار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، في كلمة أمام خريجي دورة ضباط بمدينة حولون يوم الأربعاء إلى أن "مصر تمتلك جيشًا كبيرًا مزودًا بطائرات وغواصات وصواريخ متطورة، وعددًا هائلاً من الدبابات"، مضيفًا أن "التهديد الأمني المصري قد يتغير في لحظة". ورغم أن هذه المعلومات ليست جديدة، إذ تعرفها مراكز الأبحاث العالمية، فإن توقيتها أثار الشكوك حول نوايا تل أبيب.
كما زاد سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، يحيئيل ليتر، من حدة التوتر بتصريحات أدلى بها خلال مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، متهمًا مصر بتعزيز وجودها العسكري في سيناء وبناء قواعد هجومية، فيما اعتبره انتهاكًا لمعاهدة السلام لعام 1979. وتأتي هذه التصريحات قبيل لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما يعزز الانطباع بأنها تحمل أبعادًا سياسية تتجاوز الجانب العسكري.
ولم تصدر القاهرة ردًا رسميًا على هذه التصريحات، لكن المراقبين يرون في صمتها استراتيجية لتفويت الفرصة على إسرائيل التي تسعى -حسب المصريين- إلى صرف الأنظار عن القضية الأساسية، وهي وقف إطلاق النار في غزة. ويعتقد البعض أن إسرائيل تحاول إرباك خطة مصر لتقديم حل عربي لأزمة القطاع يعارض أي توجه أمريكي قد يؤدي إلى تفريغ غزة من سكانها.
وعلى الجانب الآخر، يرى المصريون أن تضخيم إسرائيل لقدرات الجيش المصري ليس بريئًا، وإن لم يشير إلى استعداد فوري للمواجهة، فإنه يحمل تحريضًا ضد القاهرة، ومحاولة للتشكيك في دورها كوسيط بين إسرائيل وحماس، فضلاً عن تقزيم مبادراتها المرتقبة في القمة العربية الطارئة بالقاهرة.
في مصر، يتزامن هذا التوتر مع خطاب دعائي داخلي يمجد دور الرئيس عبد الفتاح السيسي في دعم القضية الفلسطينية. وتنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي روايات تتحدث عن "مؤامرات إسرائيلية" لاجتياح مصر، مع تداول فيديوهات دعائية -مثل تقرير قناة العربية في 11 فبراير- يتم تقديمها على أنها دليل على حشد عسكري في سيناء، رغم أنها في الحقيقة تعود لعرض عيد الشرطة في يناير. ويقول مراقبون إن هذا الخطاب يهدف إلى صرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية الداخلية، عبر استحضار الخطر الخارجي واستدعاء بطولات الماضي.
في إسرائيل، يرى الخبير أحمد فؤاد أنور أن التحريض على مصر موجه أساسًا للداخل الإسرائيلي، حيث أدت عملية "طوفان الأقصى" إلى اهتزاز ثقة الجمهور بالجيش والاستخبارات، مما دفع القادة لتحويل الانتباه إلى "تهديد مصري" محتمل. ويدعم ذلك دراسة للخبير الأمني شاي إيتان، حذر فيها من فتح جبهة جديدة مع مصر مستقبلاً.
وتتصاعد حدة التوتر مع إعلان مسؤول إسرائيلي، قبيل مفاوضات المرحلة الثانية لصفقة الأسرى في القاهرة يوم الخميس، أن إسرائيل لن تنسحب من ممر فيلادلفيا جنوب غزة، وهو ما يخالف اتفاق وقف إطلاق النار. هذا الموقف أثار استياء مصر، الوسيط الرئيسي، وحذر أنور من أن تكرار الحديث عن قوة مصر قد يكون تمهيدًا لضربة استباقية ضد الجيش المصري، وهو سيناريو يبقى محل تحليل.
يستبعد المراقبون انخراط مصر في صراع عسكري مباشر مع إسرائيل، نظرًا لتركيز الجيش المصري على الأمن الداخلي والمصالح الاقتصادية، فضلاً عن التزامها بعلاقات السلام منذ 1979. ومع ذلك، يبقى التصعيد الكلامي مؤشرًا على عمق الخلافات حول غزة ومستقبل المنطقة. فهل يظل الأمر محصورًا في الدعاية، أم أن التوتر قد يتجاوز الحدود اللفظية؟ الإجابة قد تعتمد على نتائج المفاوضات الجارية ومسار الأزمة الفلسطينية.