خطة تسلح تاريخية..
ألمانيا تستثمر في الأمن: خطة تسلح ضخمة وتطلعات استراتيجية
أطلقت ألمانيا خطة تسلح بتريليون إلى تريليون ونصف دولار على 12 عاماً لتصبح قوة عسكرية كبرى، ردّاً على الاضطرابات الجيوسياسية والتهديدات الروسية، مع سعي للاستقلالية الدفاعية.

خطة ألمانيا لإعادة التسلح وتحولها إلى قوة عسكرية كبرى
في ظل الاضطرابات الجيوسياسية العالمية، أطلقت ألمانيا خطة تسلح طموحة بميزانية تتراوح بين تريليون وتريليون ونصف دولار على مدى 12 عاماً، تهدف إلى تعزيز جيشها ليصبح قوة عسكرية كبرى. يعكس هذا التحول توافقاً شعبياً ونخبوياً نادراً في بلد عُرف بانضباطه المالي واعتماده التاريخي على الحماية الأمريكية، لكنه يأتي كرد فعل على تهديدات متزايدة وتغيرات في التحالفات الدولية.
دوافع الخطة
جاءت خطة إعادة التسلح الألمانية، التي اقترحها المستشار المحتمل فريدريش ميرتس وأقرها البرلمان يوم الثلاثاء، استجابة لعدة عوامل:
التهديد الروسي: أعادت الحرب في أوكرانيا (فبراير 2022) إحياء المخاوف الأوروبية من روسيا، خاصة بعد تصريحات ميرتس التي وصفت عدوان بوتين بأنه "حرب ضد أوروبا".
تراجع الاعتماد على أمريكا: مع عودة دونالد ترامب وسياساته المناهضة لتقديم "مظلة أمنية" مجانية لأوروبا، تسعى ألمانيا لتحقيق استقلالية دفاعية أكبر.
الوحدة الأوروبية: يدعم ميرتس فكرة تأسيس جماعة دفاع أوروبية مستقلة، مما يعزز دور ألمانيا كقائد محتمل في هذا المجال.
تحول تاريخي
شهدت السياسة الدفاعية الألمانية تحولاً جذرياً بعد عقود من الانخفاض العسكري عقب إعادة التوحيد (1990). فقد تقلصت صناعة الدفاع بنسبة 60%، وأصبح الجيش يعاني من نقص حاد في التجهيزات. لكن حرب أوكرانيا كانت نقطة فاصلة، دفعت برلين لإعادة تقييم عقيدتها الدفاعية وتبني برنامج تسليح ضخم وصف بأنه "أكبر حزمة إنفاق" في تاريخها، وفق زعيم الحزب الاشتراكي لارس كلينغبايل.
وضع الجيش الحالي
يُعد الجيش الألماني ثاني أكبر قوة في الاتحاد الأوروبي (183,695 جندياً) وسابع أكبر جيش عالمياً من حيث التمويل. يمتلك 284 دبابة "ليوبارد"، 674 مركبة قتالية، و226 طائرة مقاتلة، لكن جزءاً كبيراً من هذه التجهيزات غير جاهز للخدمة. وأظهرت تقارير (ديسمبر 2022) أن أقل من 30% من السفن البحرية تعمل بكفاءة، بينما تعاني المقاتلات والمعدات البرية من نقص حاد، إلى جانب افتقار الجنود للمعدات الأساسية كالخوذ والذخيرة.
التحديات والتطلعات
رغم كون ألمانيا خامس أكبر مصدر للأسلحة عالمياً (4.2% من السوق بين 2018-2022)، لم ينعكس ذلك على جيشها الذي ورث عقوداً من نقص الاستثمار. وأشارت مفوضة الدفاع إيفا هوغل (مارس 2024) إلى بطء التحديث، محذرة من أن الوضع تدهور بعد إرسال أسلحة لأوكرانيا، مع حاجة لـ20 مليار يورو لتجهيز القوات بالذخيرة. ويُتوقع ألا تُسد الفجوات قبل 2030.
تمثل خطة التسلح الألمانية نقلة نوعية نحو استعادة قوتها العسكرية وتعزيز استقلاليتها الدفاعية، مدفوعة بالتهديدات الروسية وتراجع الاعتماد على أمريكا. ورغم التحديات المرتبطة بنقص التجهيزات وبطء التنفيذ، فإن التزام برلين بزيادة الإنفاق وتحديث جيشها يضعها على طريق التحول إلى قوة عسكرية رائدة، مع تداعيات محتملة على التوازن الأوروبي والعالمي.