أبوظبي تدعم القاهرة وتدين نتنياهو..

الإمارات وإسرائيل: تصاعد التوتر الدبلوماسي على وقع تهديدات تهجير الفلسطينيين

بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي لوّح فيها بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، برزت أبوظبي ببيان حاد اللهجة أكدت فيه وقوفها الكامل إلى جانب مصر، ودعمها للحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف.

خطوط حمراء إماراتية في وجه الضم والتهجير

محرر الشؤون الإقليمية
محرر الشؤون الاقليمية والملف الإيراني

نشرت الإمارات بياناً شديد اللهجة تؤكد فيه دعمها الكامل لمصر والحقوق الفلسطينية بعد تصريحات نتنياهو بشأن غزة. ويأتي ذلك في سياق تباينات متصاعدة بين أبوظبي وتل أبيب إثر تهديدات إسرائيلية بضمّ الضفة الغربية. البيان الإماراتي أكّد أنّ “الإمارات تقف إلى جانب مصر” وتُثمّن جهود القاهرة في نصرة الشعب الفلسطيني ووقف محاولات تهجيره. كما دانت الإمارات تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول تهجير الفلسطينيين من غزة ووصفتها بأنها “امتداد خطير لسياسات الاحتلال” ومخالفة صريحة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

أكّدت الإمارات إدانتها جميع محاولات التهجير التي تستهدف الفلسطينيين، معتبرةً أن هذه الدعوات تشكل “خرقًا صارخًا للقانون الدولي وللشرعية الدولية” وتعدياً سافراً على حق الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه.

جدّدت رفضها القاطع لأي تصفية للقضية الفلسطينية، مشددةً على أن صون حقوق الفلسطينيين لم يعد خياراً بل “التزاماً أخلاقياً وإنسانياً وقانونياً”، وأن الاستقرار بالمنطقة لا يتحقق إلا عبر حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

هذه المواقف الإماراتية تستند إلى رؤيتها المستمرة لضرورة حل الدولتين وتأكيد حقوق الفلسطينيين، بما يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية. فهي تندرج ضمن سلسلة من التصريحات والدفاعات الإماراتية عن القضية الفلسطينية، مثل البيانات السابقة التي أدانت استهداف المدنيين والحصار على غزة، ودعت للمجتمع الدولي لوقف الجرائم الإسرائيلية.

تصريحات نتنياهو والتصعيد الإقليمي

أثار تصريح نتنياهو في مقابلة مع قناة “أبو علي إكسبرس” جدلاً عربياً واسعاً. حيث ادعى نتنياهو أن هناك خطط مختلفة لإعادة إعمار غزة” وأنه “لا طرد جماعي” للفلسطينيين، مضيفاً أن ”نصف السكان يريدون الخروج من غزة” وأن هذا حق أساسي لكل فلسطيني. كما قال إنه يستطيع فتح معبر رفح لكن ”سيُغلق على الفور من مصر”.

أثارت هذه التصريحات رفضاً مصرياً رسمياً، إذ نعت الخارجية المصرية محاولة الوصف بأنها “نزوح طوعي” بأنها محاولة لتبرير عمليات التهجير القسري، مؤكدةً أن مصر لن تكون “بوابة للتهجير” وأن نقل الفلسطينيين إلى أي مكان خارج غزة هو “خط أحمر” لا يقبل التفاوض. كما دانت قطر، عبر وزارة خارجيتها، تصريحات نتنياهو واعتبرتها “امتداداً لنهج الاحتلال في انتهاك حقوق الفلسطينيين”، مؤكدةً أن سياسة العقاب الجماعي لن تنجح في إرغام الفلسطينيين على ترك أرضهم.

في المقابل، خرج مكتب نتنياهو بدوره ليهاجم البيان المصري، زاعماً أن مصر “تفضل حبس سكان غزة بداخلها” ممن يريدون الخروج. يذكر أن مصر – وعلى لسان رئيسها السيسي والمسؤولين – كررت مراراً رفضها المطلق لمخططات التهجير تحت أي ذريعة. ويتقاطع الموقف الإماراتي مع هذا الرفض القاطع، حيث أعادت الإمارات تأكيد دعمها الكامل لمصر ووقوفها مع جهود القاهرة في الحفاظ على الشعب الفلسطيني.

ضمّ الضفة الغربية وخطوط التّحفّظ الإماراتية

تزادت التوترات بين أبوظبي وتل أبيب بسبب تهديدات بعض المسؤولين الإسرائيليين بضم أجزاء من الضفة الغربية. فقد حذّرت الإمارات مراراً من أن أي خطوات إسرائيلية في هذا الاتجاه تشكل “خطاً أحمر” قد يقوض اتفاقية أبراهام للسلام ويفضي إلى إعادة النظر في مسار التطبيع. ففي مقابلة مع «تايمز أوف إسرائيل»، حذّرت المستشارة الإماراتية لانا نصيب من أن ضمّ الضفة سيكون “خطاً أحمر” لأبوظبي ويقوّض “رؤية وروح” اتفاقية أبراهام للتطبيع الإقليمي.

وقد أكّد دبلوماسيون إماراتيون أن عدم الموافقة على مخططات الضم أُقرّ سابقاً ضمن شروط التطبيع، وأن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي كان رهيناً بتجميد أي خطوات أحادية لإضفاء الصفة القانونية على الضفة. وقالت نصيب إن ضمّ الضفة “سيُنهي مسار التكامل الإقليمي” ويعكس جهداً لإنهاء حل الدولتين. وتتزامن هذه التحذيرات مع إشارة دبلوماسي إماراتي إلى أن تهديدات الضم “أجبرت” الحكومة الإسرائيلية على إزالة القضية من جدول أعمال اجتماعها الأسبوعي.

التداعيات الإقليمية: يُنظر إلى هذه المواقف الإماراتية على أنها الأشد ضد الحكومات الإسرائيلية الحالية منذ اندلاع الحرب. إذ ربطت الإمارات بين الامتيازات التي حصلت عليها إسرائيل (من التطبيع والاعتراف الإماراتي بدولة إسرائيل) وبين الالتزام بعدم انتهاك حدود القانون الدولي من خلال ضمّ الأراضي الفلسطينية. وتعكس تلك التحذيرات خشية الإمارات من أن أي خرق كهذا سيعطّل نهج التسوية السياسية ويؤدي إلى عودة التوتر إلى المنطقة.

تداعيات على مسار السلام وحل الدولتين

الموقف الإماراتي الراهن يظهر التزام أبوظبي بـحل الدولتين كمخرج وحيد للأزمة. فقد حذرت الإمارات باستمرار من أن سلاماً دائماً يُبنى على أساس دولتين تعيشان جنباً إلى جنب. ويرى المحللون أن تزايد الضغوط الإماراتية يأتي ضمن سياسة إقليمية تؤكد أن الاستقرار يتطلب حلّاً عادلاً للقضية الفلسطينية، خصوصاً بعد تدمير مساحات واسعة من غزة وطرد مئات الآلاف من بيوتهم في عامين من الحرب.

وبالإضافة إلى الشرعية الأخلاقية والقانونية التي تستند إليها الإمارات، تدفع دولة الإمارات والمجتمع الدولي نحو ضرورة وقف التصعيد والإلتزام بالقرارات الأممية الخاصة بفلسطين. ويظهر البيان الإماراتي وكأنه رسالة إلى المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المدنيين الفلسطينيين والعمل على حلّ عادل، إذ جاء فيه دعوتها لـ”الجهود الدولية المكثفة دون تأخير” لضمان حماية المدنيين.

نقاط هامة من الموقف الإماراتي:

الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة، مع الإشادة بجهود مصر في هذا الصدد.

التحذير من أن “أي تهجير” للفلسطينيين هو انتهاك جلي للقانون الدولي، ورفض مقارنته بأي “نزوح إرادي”.

تجديد التزام الإمارات بأبسط الحقوق الفلسطينية، ودعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة كضمان للاستقرار في المنطقة.

ربط العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية بمسار السلام العادل، حيث تم اعتبار ضمّ الضفة أو التراجع عن حل الدولتين أموراً قد تعيد النظر في طبيعة الاتفاقات الأمنية والدبلوماسية الموقعة بين البلدين.

بالمحصلة، يقف الموقف الإماراتي الراهن في قلب التقاطع بين أزمتي غزة والضفة الغربية. فبينما تؤكد الإمارات موقفها الثابت تجاه الحقوق الفلسطينية وحل الدولتين، فإنها في الوقت نفسه تستثمر علاقاتها مع إسرائيل كرافعة للتأثير على سياساتها. وتجلى ذلك في التأكيد العلني بوقف أي تطبيع سياسي أو اقتصادي إضافي في حال أقدمت تل أبيب على ضم أراض في الضفة. وبهذا، تسعى الإمارات، وهي إحدى القوى الإقليمية المعتدلة، للحفاظ على توازن صعب بين مصالحها الاستراتيجية والدعم القوي للموقف العربي والغربي الداعم لـحل الدولتين.