تصعيد متزامن في العواصم الأربع..

تحليل: ما هي الاستراتيجية الأميركية ضد إيران؟

لا سلام طالما بقي هذا السلاح مرفوعا

محمد عباس (لندن)

بدأت واشنطن حملة دولية ضد إيران والمتمردين الحوثيين، بعد إطلاق صاروخ باليستي على الرياض في 4 نوفمبر الجاري، ضمن تطور يشي بأن الوضع في اليمن في الفترة المقبلة سيشهد تصعيدا يمكن اعتباره جزءا من استراتيجية شاملة ومواقف مترابطة لتقليم أظافر إيران في المنطقة، ومواجهتها في العواصم العربية الأربع: بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق، التي تبجحت طهران باحتلالها وتحويلها إلى حاميات إيران.

ورغم أن الهجمات الصاروخية التي اعترضتها الدفاعات الجوية السعودية ليست الأولى من نوعها، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة اهتماما أميركيا بارزا في الفترة الحالية بالربط بين هذا التصعيد وبين التوتر المستمر في العلاقات بين طهران وواشنطن، بسبب العقوبات المتتالية التي تفرضها الأخيرة والاستراتيجية الجديدة التي أعلنتها وتسعى من خلالها إلى مواجهة التهديدات الناجمة عن تدخل إيران في المنطقة.

ويمكن تفسير الاهتمام الأميركي في إطار اعتبارات عديدة، فواشنطن تحاول إعادة التأكيد على أن إيران لا تلتزم بالاتفاق النووي، في إطار حملة دولية تسعى إلى تقريب وجهات النظر مع القوى الدولية الأخرى التي ما زالت تعارض تلك الرؤية وترى أن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي.

وكان تركيز الولايات المتحدة على أن تدخل إيران في النزاع اليمني عبر دعمها العسكري للحوثيين يثبت انتهاكها لقراري مجلس الأمن رقمي 2231 الخاص بالاتفاق النووي الذي يمنع إيران من نقل أو بيع أو توريد أسلحة ما لم يوافق المجلس على ذلك، و2216 الذي يحظر على أي طرف نقل أسلحة إلى المتمردين الحوثيين وحلفائهم خاصة الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

البنتاغون يؤكد أن الولايات المتحدة والسعودية تعملان معا لمحاربة المتطرفين وإنهاء نفوذ إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة

وتسعى واشنطن عن طريق التركيز على الدور الإيراني في اليمن إلى إقناع القوى الدولية بأن إيران ليست طرفا يمكن أن ينخرط في التزامات دولية صارمة، وانتهاكاتها لقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية سياسة مستقرة دأبت على اتباعها منذ عقود عديدة.

وتحاول إدارة الرئيس دونالد ترامب عبر ذلك إضفاء وجاهة خاصة على رؤيتها القائمة على أن إيران سوف تستغل الاتفاق النووي لتطوير برنامج نووي للأغراض العسكرية، بعيدا عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدليل رفضها إجراء عمليات تفتيش على بعض المنشآت العسكرية والعلمية التي يشتبه في أنها قامت بأنشطة مشبوهة داخلها.

وركزت واشنطن في تعاملها مع ملف الصواريخ التي أطلقت على السعودية على أن تلك النوعية من الأسلحة لم تكن موجودة قبل بداية النزاع، وهو ما يعني أنها لا تعود لأي من طرفي التمرد أي الحوثيين أو عبدالله صالح، وتمثل أحد أهم جوانب الدعم الذي تقدمه إيران لحلفائها.

يوجه الاهتمام رسالة مباشرة إلى طهران بأن واشنطن جادة في مواجهة أدوارها بالمنطقة، وأنها لن تسمح لإيران بتكرار سياستها إزاء الصراع السوري في اليمن. وتماهت سياسة واشنطن مع الاتهامات التي وجهتها الرياض إلى حزب الله بالمسؤولية عن إطلاق الصاروخ الأخير على الرياض، حسب ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ومع تأكيدات ولي العهد السعودي وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان أن إيران متورطة في اعتداء مباشر عبر تزويدها للحوثيين بصواريخ باليستية، وهو ما يرقى إلى اعتباره حربا ضد المملكة.

وأكد البنتاغون أن الولايات المتحدة والسعودية تعملان معا لمحاربة المتطرفين وإنهاء نفوذ إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة. وسعت واشنطن عن طريق ذلك إلى تأكيد أنها لن تتراجع عن دعم حلفائها في مواجهة التهديدات التي تفرضها السياسة الإيرانية وأن عهد التغاضي عن تلك السياسة ولى، والصفقة النووية لا تعني منح إيران صكا لمواصلة أدوارها التخريبية.

واشنطن تعي أن طهران تتجه إلى استغلال نفوذها في اليمن لتعزيز موقفها في الصراع المفتوح معها في المنطقة وامتلاك أوراق ضغط

يعود جانب من أسباب تصاعد اهتمام واشنطن بالدور الإيراني في اليمن إلى أنها لن تتسامح مع أي تهديدات قد تتعرض لها مصالحها بالقرب من خطوط المواصلات العالمية في باب المندب والبحر الأحمر، بعد أن حاول المتمردون استهداف بعض القطع البحرية الأميركية، على غرار ما حدث في أكتوبر 2016، عندما تعرضت المدمرة مايسون وسفينة الشحن البرمائية بونس لهجمات صاروخية انطلقت من أراض يسيطرون عليها داخل اليمن.

وتعي واشنطن أن طهران تتجه إلى استغلال نفوذها في اليمن لتعزيز موقفها في الصراع المفتوح معها في المنطقة وامتلاك أوراق ضغط، وهو ما تحاول واشنطن الاستعداد له عبر الدخول على خط التصعيد بين الرياض وكل من طهران وحزب الله والحوثيين في اليمن.

وترغب في تعزيز الجهود التي تبذلها قوى دولية عديدة من أجل ممارسة ضغوط على طهران لإقناعها بتغيير سياستها تجاه الملفات الشائكة على غرار برنامجها الصاروخي ودورها التخريبي في المنطقة.

وكان لافتا أن التصعيد الأميركي ضد الدور الإيراني يتزامن مع استعداد وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لإجراء زيارة لطهران يمكن أن تمهد المجال أمام زيارة أخرى يمكن أن يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت لاحق، والتي ستتركز حول هذه الملفات.

وتتأهب فرنسا للعب دور الوسيط لكن حيادها الشديد قد يجردها من أي وسيلة ضغط ذات مغزى. ومع احتدام التوتر بين الرياض وطهران منذ استقالة سعد الحريري من رئاسة وزراء لبنان، قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة لم تكن معدة سلفا للسعودية حيث التقى ولي العهد محمد بن سلمان يوم الخميس.

انعكس الإصرار في التبريرات التي قدمها الرئيس حسن روحاني للقصف الصاروخي على الرياض، وقال إنه لا سبيل أمام الحوثيين سوى اللجوء إلى السلاح، بشكل يشير إلى أن التصعيد سيكون عنوانا رئيسيا من الطرفين؛ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وحلفائهما من جهة، وإيران في الجهة المقابلة، وسيكون اليمن في قلب هذه المواجهة.

رئيس تحرير دورية مختارات إيرانية