(اليوم الثامن) تبحث في ما قبل انتفاضة صنعاء ويمن بعدها..

تحليل: صالح ضحية صفقة إقليمية وصنعاء.. عربية أم فارسية؟

صنعاء باتت اليوم أمام اختبار صعب، فأما أن تصبح عاصمة فارسية أو تعود كعاصمة عربية

صالح أبوعوذل (عدن)

علي صالح يتحالف مع الحوثيين (الأقلية الشيعية) القادمة من أقصى الشمال اليمني، انتقاماً لإزاحته من سدة الحكم، إثر الانتفاضة اليمنية التي تزامنت مع ثورات الربيع العربي، فالراقص على رؤوس الثعابين، اراد أن يرقص على رؤوس جحافل الحوثي القادمة من جبال وكهوف صعدة.وجد صالح نفسه مجبرا على ترك السلطة، بعد أن نجا من محاولة اغتيال يقف خلفها تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، رممت السعودية وجهه الذي مزقه صاروخ أطلقه اتباع رجل الأعمال اليمني حميد الأحمر – وفقا لنتائج محاكمة يمنية-، ثم قدمت له مبادرة خليجية كانت بمثابة خروج مشرف له ولأتباعه فقد منحته تلك المبادرة الحصانة من الملاحقة القضائية له ولأتباعه، بعد أن أصبح ثريا يمتلك أكثر من 60 مليار دولار أمريكي.

 

رئيس الرئيس

كان صالح يمني النفس بأنه سيكون رئيس الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي، إلا أن الأخير الذي خبر صالح طوال نحو ربع قرن، تعلم منه الكثير من الحيل والخدع، فهادي الذي لم يكن يحلم برئاسة اليمن، وجد نفسه رئيساً وحليفاً قويا للخليج الداعم له، فحاول صالح اغتياله في هجوم مسجد العرضي في صنعاء، الا أن هادي نجا من محاولة الاغتيال، حيث تأخر في الوصول إلى المستشفى لزيارة قريبه الذي قضى في الهجوم الإرهابي الذي استهدف مستشفى العرضي وأوقع عشرات الضحايا المدنيين والأطباء اليمنيين والأجانب.

في يوم الخميس 5 ديسمبر 2013، قام مسلحون باقتحام مستشفى العرضي الذي يقع داخل مجمع وزارة الدفاع اليمنية، متنكرين بلباس عسكري ويحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة، مدعومين بسيارات تحمل متفجرات، ومعهم انتحاريين.

وتناقلت وسائل اعلامية أن العملية كانت تستهدف اغتيال الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي كان يقوم بزيارة للمستشفى.

وأسفرت العملية عن مقتل 56 شخصاً غالبيتهم من الأطباء والممرضات، وإصابة 176 آخرين بجروح، وذلك حسب آخر معلومات أعلنت عنها اللجنة الأمنية العليا في اليمن، ومن بين القتلى طبيبان ألمانيان وآخران فيتناميان وممرضتان فيليبينيتان وأخرى هندية.

في الـ 21 فبراير 2012، انتخب هادي رئيساً توافقياً لليمن، لمدة سنتين يعقبه اجراء انتخابات حرة لاختيار رئيس لليمن المضطرب منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.

 

مؤتمر الحوار اليمني

حاول هادي استغلال فترة حكمه، للخروج بتسوية سياسية تضمن لجميع اليمنيين حقوقهم – كما قال- إلا أن ذلك المؤتمر لم يكتب له النجاح، حيث انه انتج حلولا قوبلت برفض شعبي عارم في الجنوب، غير أن الحوثيين الذين كانوا يخططون لإسقاط اليمن لمصلحة إيران العدو اللدود للخليج، وافقوا على المشاركة في مؤتمر الحوار اليمني، على الرغم من أنهم جماعة متمردة لا تمتلك اي صفة سياسية، لكن الكثير من الأطراف والقوى اليمنية حاولت استغلال الحوثيين لابتزاز دول الجوار، وهو ما مكن الحوثيين من صنعاء بكل سهولة.

فصالح الذي اراد الانتقام من الخليج تحالف مع الحوثيين، وسبقه الإخوان الذين تحالفوا مع الحوثيين في دعم التظاهرات المناوئة لصالح والتي أجبرته على تسليم الحكم، فيما وجد صالح ضالته فيهم لتحقيق طموحاته في العودة إلى سدة الحكم من جديد.

تحالف الإخوان مع الحوثيين سلمياً في العام 2011م، حيث تقاسم الطرفان ساحة الجامعة في صنعاء، قبل أن يسهلوا له احتلال بلدات ريفية متاخمة لصنعاء، وذلك انتقاما من السعودية التي صنفتهم وزارة داخليتها بأنهم جماعة إرهابية.

إذن.. الحوثيون وجدوا كل الظروف مهيأة أمامهم للتمدد والسيطرة على اليمن.

في الـ21 من سبتمبر  (أيلول)2014، أعلن الحوثيون سيطرتهم على صنعاء، بعد أن سلمت (الفرقة الأولى مدرع)، صنعاء على طبق من ذهب، اثر انسحاب قائدها الجنرال علي الأحمر صوب السعودية، ماراً بمناطق سيطرة الموالين لإيران.

 

عوامل ساهمت في سيطرة الحوثيين على صنعاء

 

لعب المذهب الزيدي دوراً كبيراً في وصول الحوثيين بكل سهولة إلى العاصمة صنعاء، ناهيك عن المال الإيراني الذي تدفق عبر الجو من خلال تنظيم رحلات يومية بين طهران وصنعاء، فالزيود يرفضون أن يحكم اليمن من خارج مذهبهم.

الهضبة الزيدية ترى أن حكم اليمن حصرا عليها، فحتى حزب الإصلاح الإسلامي (النسخة اليمنية من تنظيم الإخوان الدولي)، يقوده قادة زيود ولا يسمح أن يرأسه من خارج المذهب الزيدي على الرغم من ادعاء تنظيم اليمن (سلفيته المذهبية)، لكنه لا يزال يقودها أحد ضباط المخابرات الذين عملوا مع صالح وهو محمد اليدومي.

 

الانقلاب على هادي

في يناير (كانون الثاني) 2015م، دشن الحوثيون وبدع من قوات صالح الانقلاب على الرئيس هادي وحكومته، حيث انسحبت قوات الحرس الخاص التي كان يقودها نجل صالح، الا من جنود جنوبيين وقفوا سداً منيعاً لنحو يومين متتاليين.

وقدم هادي استقالته عقب استقالة حكومة خالد بحاح، احتجاجاً على حصار الحوثيين لمنزله في شارع الستين بصنعاء.

أصبح هادي حينها رئيساً سابقاً لليمن، فيما كان الإخوان والمؤتمر والحوثيون يبحثون في فندق موفمبيك عن البديل لهادي، فكانت الكثير من الأسماء المطروحة من بينها الرجل الضعيف محمد سالم باسندوة الذي سبق له أن قدم استقالته من حكومة الكفاءات الوطنية التي سبقت حكومة بحاح، وذلك اثناء سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014م.

ووفقاً للعديد من المصادر فإن صالح طرح اسم أحمد عبيد بن دغر، فيما طرح الحوثيون ثلاث شخصيات هاشمية من صنعاء.

دار نقاش بين الاطراف الثلاثة فيما كان هادي يستعد لمغادرة صنعاء خفية إلى العاصمة الجنوبية عدن، وهو ما تحقق في ذكرى انتخابه رئيساً توافقياً لليمن، في الـ21 من فبراير (شباط)، حيث فوجئ الحوثيون بوكالات الأنباء وهي تتحدث عن وصول الرئيس هادي إلى عدن بعد أن غادر صنعاء بطريقة (سرية) لم تكشف تفاصيلها الحقيقية بعد.

انفضت اجتماعات الاطراف الثلاثة، فهادي الذي وصل عدن اعلن عن سحب استقالته، ليبدأ اليمن مع مرحلة جديدة، الهدف منها التصدي للتمدد الإيراني.

 

اجتياح الجنوب

كان هادي عذرا للقوى الشمالية لاجتياح الجنوب، في حين وقف الإخوان على الحياد من تلك الحرب، فالشعار الذي رفعوه عقب سقوط عمران في يوليو (تموز) 2014، "لن ننجر"، أعلنوا تمسكهم فيه، فيما صالح اراد أن يجعلها حرباً يمنية للدفاع عن الوحدة، معتقداً أن الخدعة التي استخدمها في صيف عام 1994م سوف تنجح مرة أخرى.

ولكي لا يقال انها حرب طائفية، دعا صالح أنصاره في مدينة تعز إلى اجتماع في صنعاء وخطب فيهم بحضور  أحمد عبيد بن دغر وعارف الزوكا وقيادات جنوبية أخرى موالية له "وتوعد الجنوبيين بترحيلهم عبر البحر"، فالقيادات الجنوبية التي قال إنه في عام 1994م، ترك لها المجال للهرب من ثلاثة منافذ، أكد أن هذه المرة بيدهم منفذ وحيد هو البحر في الطريق إلى جيبوتي.

علم صالح أن دول الخليج سوف تقود تحالفا لوقف تمدد إيران فحاول تدارك الأمر وارسل نجله أحمد إلى الرياض لمفاوضة السعودية حول مستقبله، فقد عرض على الرياض محاربة الحوثيين واعادتهم إلى كهوف مران مقابل رفع العقوبات عن ابيه الرئيس صالح، وهو الطلب الذي قوبل برفض سعودي وأعلن وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان أن عدن خط أحمر.

عاد أحمد "بخفي حنين"، من الرياض، فانطلقت عاصفة الحزم بعد أن ابلت القوات الجنوبية بلاء حسنا في التصدي للعدوان الجديد، وامام وقع ضربات الطيران تمكنت القوات الجنوبية وبإسناد من القوات الإماراتية تحرير العاصمة عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، لتصبح الجنوب محررة ومقرا لحكومة الرئيس هادي، لكن في الشمال طالت الحرب ولم تستطع القوات الشمالية الموالية للشرعية إحراز اي تقدم ضد الانقلابيين، لتبدأ مع ذلك مرحلة مفاوضات مع الانقلابيين، انتهت جميعها دون اي نتائج، بل استمر الانقلابيون في عنادهم وإصرارهم على استمرار الحرب والغارات الجوية، التي استطاعت أن تنهكهم.

 

قطر.. دور خبيث في التحالف العربي

كان التحالف العربي بقيادة السعودية غير راضٍ عن دور قطر في التحالف العربي، فالإمارة الصغيرة، كانت أقرب إلى ايران من الخليج، وإعلامها الذي دأب على مهاجمة التحالف العربي وأيضا تبني وسائل إعلام قطرية خطاب إخوان اليمن المناهض للتحالف العربي، وتورطها بدعم التنظيمات الإرهابية في العديد من البلدان العربية، وتورطها بخيانة التحالف العربي، وعوامل أخرى لم يتم الكشف عنها، جميعها دفعت دول الخليج إلى اتخاذ موقف حازم امام قطر، بعد أن اعلنت بوضوح وقوفها إلى جانب إيران التي تغذي الفوضى في المنطقة لتحقيق رغباتها وحلم فارس في السيطرة على البلدان العربية.

أعلنت أربع دول عربية هي السعودية والإمارات ومصر والبحرين مقاطعتها لقطر، في اعقاب اعلان الأخيرة وقوفها في صف ايران وتقديمها دعماً مالياً وعسكرياً للحوثيين خلال عشر سنوات مضت، ناهيك عن دعمها المتواصل للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الإخوان.

 

ما بعد المقاطعة لقطر

بعد مقاطعة قطر، قام نظامها بتعميق العلاقة مع إيران، وكان اليمن ملعباً رئيساً لهما في مواجهة التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات، وهو التحالف الذي يدعم استعادة الشرعية للعاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة حلفاء إيران.

كان ثمرة تعميق العلاقة بين الدوحة وطهران التقارب بين (الإخوان) - الذين يزعمون انهم يقاتلون في صف حكومة الرئيس هادي - والحوثيين (حزب الله) الثاني الذي تملكه إيران لتهديد دول الخليج.

 

شرط قطري

قدمت قطر شرطاً وحيداً لحليفتها إيران مقابل المضي في دعم الانقلاب على الشرعية في اليمن، تمثل في ازاحة الرئيس صالح الحليف للحوثيين، وهو ما استجابت له إيران على وجه السرعة وبدأ الحوثيون بتنفيذ ذلك من خلال إزاحة اتباع صالح من المناصب الرفيعة واستبدالهم بعناصر حوثية، واغتيال القيادات الأمنية والعسكرية البارزة والتي يعول عليها صالح كثيرا، في حين فتحت سجوناً سرية أخفت فيها العديد من القيادات الموالية لصالح.

 

هل كان صالح ضحية صفقة قطرية إيرانية؟

شعر صالح أنه ضحية لصفقة قطرية إيرانية، فالحوثيون الذين سلمهم عتاد الجيش اليمني الضخم وقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي التي بناها لحماية حكمه، باتوا اليوم يعملون على إزاحة كل قيادات المؤتمر الشعبي العام.

حاول صالح التظاهر بأنه يمتلك قوة كبيرة ولا يمكن ازاحته، ونظم تظاهرة شعبية جيرت ضد الحوثيين، في ذكرى تأسيس حزبه "المؤتمر الشعبي العام"، في 24 أغسطس 2017، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، حيث نظم الحوثيون في اعقاب ذلك تظاهرة أخرى مشابهة لتظاهرة صالح، الأمر الذي دفعهم إلى ارسال رسائل لصالح بأنهم قادرون على حشد الناس في صنعاء.

عاد الحوثيون لتقليص نفوذ صالح في صنعاء، فحاولوا استمالة الكثير من قياداته البارزة، قبل أن يغتالوا أحد ابرز معاوني صالح العسكريين وهو العقيد خالد الرضي، والذي باغتياله فتح جبهة جديدة، كانت المواجهات والاغتيالات ابرز عناوينها.

استعد صالح لمعركة، كان يعتقد أنها مصيرية مع الحوثيين، فيما كانت قطر تخطط لتخلص من غريم الإخوان، فبدأ الحوثيون بالزحف للسيطرة على أكبر جوامع صنعاء "جامع الصالح" الذي بناه صالح واطلق عليه اسمه، ودارت اشتباكات كانت كفيلة بإعلان صالح فض شراكته مع الحوثيين.

السبت الثاني من ديسمبر (كانون الثاني)، أعلن صالح سيطرة قواته على العاصمة اليمنية صنعاء، ومدن يمنية أخرى، ليعلن استعداده فتح صفحة جديدة مع "الجيران"، ليعلن التحالف العربي والحكومة الشرعية دعمهما لقوات المؤتمر الشعبي العام، إلا أن الحوثيين استطاعوا ترتيب صفوفهم والدفع بكتيبتي "البدر والحسين"، اللتين تلقى مقاتلوهما تدريبات في الضاحية الجنوبية ببيروت، فيما كانت أجهزة المخابرات القطرية تعمل جاهدة على الايقاع بصالح.

تؤكد العديد من المصادر اليمنية في صنعاء "أن الوساطة التي أعلن صالح رفضه لها، عادت مع تمكن الحوثيين من السيطرة على معسكرات كانت قوات صالح قد سيطرت عليها".

حاصر الحوثيون منزل صالح عقب خيانة قام بها موالون له، والذين دفعوا صالح إلى تسليم نفسه قبل أن ينفذ الحوثيون فيه حكم الاعدام رمياً بالرصاص، ويخرج موالون لصالح بتوجيه اتهامات صريحة لقطر بالوقوف وراء اعدام الرئيس صالح.

 

محافظة يمنية عول عليها صالح فخانته

دأب صالح منذ ما قبل توليه الحكم في أواخر سبعينات القرن الماضي، على مدينة تعز اليمنية، فالمدينة الكبرى عاش فيها صالح جل حياته ضابطا عسكريا ثم قائدا، قبل أن يصل إلى سدة الحكم خلفاً لاثنين من رؤساء اليمن الشمالية لقيا حتفيهما "هما ابراهيم الحمدي وأحمد الغشمي" في مناسبتين مختلفتين كان صالح – وفقا للعديد من المصادر – هو المتهم في قتلهما، ليبدأ منذ العام 1978م، مرحلة الرقص على رؤوس الثعابين، واستمر لأكثر من ثلاثة عقود رئيساً لليمن قبل أن يسلم السلطة مجبراً لنائبه عبدربه منصور هادي، ليعود إلى الرقص مرة أخرى، قبل أن ينتهي به المطاف قتيلاً على يد الحوثيين.

يمتلك صالح قاعدة شعبية كبيرة من مدينة تعز فالكثير من نخبة تعز تؤيده، وهو يستعين بها في كل مناسبة، فهي السند الرئيس له، وفي الحروب التي شنها على الجنوب، كانت تعز هي الاداة الفاعلة فيها.

والوحدة اليمنية ما كان لها أن تتحقق لولا حرب عام 1986م، التي كان لتعز عبدالفتاح الدور الأبرز في اشعالها، وهي الحرب التي قادت الجنوب (ضعيفاً) إلى الوحدة، قبل أن ينقلب صالح على اتفاقيتها بالحرب التي شنها على الجنوب، والتي يقول صالح أن تعز كان لها الدور الأبرز في حسمها وهزيمة من يصفهم بدعاة الردة والانفصال.

في الحرب الأخيرة لصالح، كانت تعز حاضرة، حيث بدأ صالح التهديد باجتياح الجنوب عقب اجتماع عقده مع مناصريه من ابناء تعز، لكن تعز التي يمثلها سلطان البركاني  وعبده الجندي واحمد الحبيشي وآخرين خانته هذه المرة.

يقول الكثير من مقربي صالح "إنه تعرض لخيانة من قيادات بارزة موالية له".

فأحمد الحبيشي الذي ظل يهتف باسم صالح، أكد خيانته لمن كان يصفه بالأب الروحي لليمن.

وبحسب وسائل إعلام يمنية فقد ظهر رئيس الدائرة الإعلامية السابق بحزب المؤتمر الشعبي العام أحمد الحبيشي في موقف المتشفي من مقتل رئيس حزبه علي عبدالله صالح، ونجل شقيقه العميد طارق محمد صالح، خلال المعارك بينه وبين مليشيا الحوثي قبل أيام.

ووصف الحبيشي الأحداث الأخيرة في صنعاء، بـ"فتنة صالح وطارق"، مضيفا: "بعد وأد فتنة صالح وطارق ديسمبر 2017 وجدنا خطاباً سياسياً وإعلامياً من أنصار الله (الحوثيين)، مغايراً لخطاب المنتصرين في حرب 1994 الغادرة".

وكان الحبيشي مقرباً لسنوات طويلة من صالح الذي أغدق عليه الأعطيات، بالرغم من تحذيرات كثير من إعلاميي صالح ومقربيه بأن الحبيشي شخص غادر، وقد استقطبته الحوثية، قبل أن يقدم قبل نحو أسابيع على الإطاحة به من منصبه في إعلام المؤتمر.

اغتيل صالح صباح الإثنين الـ4 من ديسمبر (كانون الأول)، عقب تسليم نفسه للحوثيين، ولم يكن وحده من أعدمه الحوثيون، بل هناك احصائيات تؤكد أن أكثر من ألف قيادي ومسؤول وجندي تم اعدامهم رمياً بالرصاص بتهمة الخيانة لتحالف إيران من بينهم قادة بارزون منهم مهدي مقولة الذي يتهم بارتكاب مجازر ونهب للمال العام في مدينة عدن التي كان يقود فيها المنطقة العسكرية الرابعة.

 

من يمتلك قرار تحريك قوات مأرب؟

خسر  حزب المؤتمر الشعبي العام معركة مع الحوثيين في صنعاء، لكن الحرب ضد حلفاء إيران لا تزال مستمرة، فالرئيس عبدربه منصور هادي، أعلن عن اطلاق حملة عسكرية لتحرير العاصمة اليمنية "صنعاء العروبة"، وهي الحملة التي لم تنطلق منذ يوم اغتيال الرئيس صالح.

وعلى الرغم من الحديث عن تحريك سبعة ألوية في مأرب ناحية العاصمة اليمنية، الا أن العديد من المصادر تؤكد أن تلك القوات لم تتحرك بعد، عوضاً عن ذلك تعيد القوات الجنوبية وبإسناد من القوات المسلحة الإماراتية السيطرة على بلدة الخوخة في الساحل الغربي لليمن، وقد تمكنت القوات الجنوبية قبل اشهر من استعادة السيطرة على قاعدة خالد العسكرية كبرى القواعد في شمال اليمن والتي كانت تتمركز فيها قوات تابعة لصالح.

قوات مأرب التي تفوق قوتها البشرية أكثر من 150 مقاتلاً، لم تستطع أن تحرز اي تقدم ضد الحوثيين، فبلدة صرواح في مأرب باتت محتلة من قبل الحوثيين، ناهيك عن تعثر بعض تلك القوات في جبهة نهم التي يمر على القوات فيها نحو ثلاثة اعوام دون اي تقدم.

ورغم ذلك يبقى السؤال المحوري.. من يمتلك قدرة تحريك هذه القوات وحسم معركة صنعاء؟.

فعلى الرغم من أن هذه القوات قد حصلت على دعم عسكري ومالي ضخم من السعودية، الا انها باتت تأتمر بأمر (الإخوان) الذين يدينون بالولاء لقطر المتمردة على جيرانها والحليفة لإيران.

فتلك القوات التي يعول عليها لتحرير صنعاء، باتت اليوم تشكل قلقا كبيرا على جيران اليمن وخاصة السعودية، وهناك مخاوف من أن تعلن هذه القوات ولاءها للحوثيين، خاصة في ظل الحرب الإعلامية والسياسية الكبيرة التي تدور بين دول المقاطعة وقطر المتمردة.

يقول قادة عسكريون في مأرب "إن من اختار جبهة نهم طريقاً إلى صنعاء ليس جاداً في قتال الانقلابيين، وهذا ما يعزز فرضية تمرد هذه القوات، خاصة أن قبائل يمنية يقول الحوثيون إنها أعلنت ولاءها لهم، ما قد يصعب المسألة أكثر.

حرب صنعاء المرتقبة، لا تقبل التأخير او المساومة، فالجنرال الأحمر ملزم اليوم بأن يظهر جديته في قتال الحوثيين الذين اغتالوا اخيه )غير الشقيق) فلم تعد حرباً للدفاع عن الشرعية، فهي حرب ثأرية، ولأن لها ثلاثة اعوام فإن معركة صنعاء لا تقبل التأخير، فالوقت الذي قد تتأخر فيه الشرعية في الوصول إلى صنعاء سوف ينجح الحوثيون في استمالة الكثير من القبائل إلى صفهم سواء بالترهيب او بالترغيب.

إن محاولة تأجيل معركة صنعاء بدافع التركيز على معركة الساحل الغربي، ليست في مصلحة الشرعية والتحالف العربي، فمعركة صنعاء تتطلب فتح أكثر من جبهة، ولواء العفاريت الذي أسسه محافظ البيضاء السابق، مطالب بالتحرك صوب البيضاء لتحريرها من الحوثيين، وكذا القوات التي في تعز، ذلك أن الحرب لا تقبل التأخير والانتظار.

 

لهذا السبب يتطلب الحفاظ على حزب المؤتمر؟

 

إن التأخير في التحرك صوب صنعاء قد يمكن الحوثيين من القضاء على حزب المؤتمر الشعبي العام، وهو الحزب الذي يتطلب بقاؤه لمقارعة الحوثيين والقوى الأخرى المتحالفة مع إيران، فوجود حزب المؤتمر في شمال اليمن مطلوب، لأنه حزب يمني لا يشبه حزب الإصلاح الإخواني الذي لا يؤمن بالحدود الجغرافية لليمن، بل يؤمن بدولة الخلافة الإسلامية، مثله مثل الحوثيين الذين يسعون لتحقيق احلام ايران الفارسية في الخليج العربي.

 

هادي..  خيارات ما قبل الرحيل عن سدة الحكم؟

بات هادي يمتلك اليوم العديد من الخيارات للبقاء في سدة الحكم فترة أطول، فالإخوان الذين باتوا المتحكم الرئيس في الحكم، من مصلحة هادي ازاحتهم، لأن الحرب باتت اليوم لا تقبل التأخير او المماطلة او المساومة، المطلوب هزيمة الحوثيين واستعادة صنعاء كعاصمة عربية رابعة سقطت بيد إيران، وهي الاستعادة التي قد تشجع نحو استعادة ثلاث عواصم أخرى يحتلها حلفاء إيران.

 

صنعاء.. عربية أم فارسية؟

صنعاء عاصمة عربية ام فارسية؟، الحوثيون اليوم باتوا المتحكم الرئيس فيها، ويخوضون حربا غير اخلاقية ضد كل من يعارضهم، فأعمال القتل والسحل والنهب والقمع طالت الجميع، بما في ذلك النساء والأطفال.

وأصبحت الكثير من منازل اتباع صالح سجونا سرية للحوثيين لإخفاء معارضيهم، وبات رئيس حكومة الانقاذ (غير المعترف بها) رهن الاقامة الجبرية، ولا يستطع حتى الحديث عن صالح، او اجراء اي اتصالات خارجية.

 وتؤكد العديد من المصادر أن الحوثيين زرعوا اجهزة تنصت في منازل ومكاتب الوزراء والمسؤولين الذين كانوا يعملون مع صالح، والاعدام مصير من يثبت انه لا يزال يدين بالولاء لحزب المؤتمر الشعبي العام.

فصنعاء التي يقول يمنيون إنها ظلت آمنة طوال السنوات الثلاث من الحرب باتت اليوم تمثل رعباً وخوفاً لكل الساكنين الذين رحلوا صوب الجنوب الذي يشهد أوضاعاً مأساوية، جراء سياسة حكومة بن دغر العدائية للجنوبيين، والتي اعترفت بأنها تحاصر الجنوب حتى لا يذهب نحو الاستقلال.

إذن.. صنعاء باتت اليوم أمام اختبار صعب، فأما أن تصبح عاصمة فارسية أو تعود كعاصمة عربية، والخيار الأخير هو المطلوب في ظل حرب عدوانية تشنها إيران وحليفتها ضد كل ما هو عربي، ورغم ذلك يبقى الجنوب الخيار الأبرز، فعودة اليمن الجنوبي، سيمثل قوة لا بد منها للخليج في مواجهة التمدد الإيراني، أما البقاء على الوحدة اليمنية او اي صيغة أخرى، فسوف يجعل إيران تلعب في العديد من المناطق وهو ما يعني أن المياه الدولية ومنفذ باب المندب باتا محل تهديد.

إن القوات الجنوبية أثبتت فاعلية أكبر وصدق الجنوبيين في الحرب التي يخوضها العرب ضد إيران واطماعها وعودة دولتهم السابقة، باتت مطلباً إقليمياً، فاستعادة صنعاء قد تتطلب أن تستعيد عدن مكانتها كعاصمة عربية، تكون منطلقاً لتأمين المياه الدولية ومحاربة الإرهاب والقرصنة البحرية، أما دون ذلك فيعني دخول اليمن (شماله وجنوبه) في دوامة عنف قد تطول وقد يصبح المتاح حالياً مستحيلاً في الغد.